فلسفة العرفان الكبری والإمام المهدي عليه السلام

جاءت كل التشريعات السماوية والإنسانية والأرضية والكونية لتحل لغز الوجود المحيّر في ذاته والمعقول في غيره، والسؤال المطروح دائما وأبداً أين سوف يحل هذا اللغز وأين سوف يعقل؟ لن نجد جواباً محدداً لهذا السؤال المطروح إلا عبر ترجمة كل معاني الوجود الظاهرة منها والباطنة، وهكذا نطرح سؤالاً آخر وهو كالآتي: أين يمكن ترجمة معاني الوجود الظاهرة منها والباطنة؟ وهل يوجد فعـــلاً  وهل يوجد فعلاً من لديه الطاقة الفكرية والعلمية والروحية في ترجمة كلّ معاني الوجود؟ المشكلة العويصة في هذا الموضوع هو أنّ الوجود ليس جامداً في ذاته ومعانيه، الشيء الذي يجعل المحقق الباحث في حيرة من أمره.

جاءت كل التشريعات السماوية والإنسانية والأرضية والكونية لتحل لغز الوجود المحيّر في ذاته والمعقول في غيره، والسؤال المطروح دائما وأبداً أين سوف يحل هذا اللغز وأين سوف يعقل؟ لن نجد جواباً محدداً لهذا السؤال المطروح إلا عبر ترجمة كل معاني الوجود الظاهرة منها والباطنة، وهكذا نطرح سؤالاً آخر وهو كالآتي: أين يمكن ترجمة معاني الوجود الظاهرة منها والباطنة؟ وهل يوجد فعـــلاً  وهل يوجد فعلاً من لديه الطاقة الفكرية والعلمية والروحية في ترجمة كلّ معاني الوجود؟ المشكلة العويصة في هذا الموضوع هو أنّ الوجود ليس جامداً في ذاته ومعانيه، الشيء الذي يجعل المحقق الباحث في حيرة من أمره.

اللغز المحير إذن هو جوهر العبادة، فلولاه لما كانت لهذه الأخيرة معنى ولا سبيل ولا هدف تسعى لتحقيقه، نعم جاءت العبادة لتحل مع كل شيء وفي كل شيء مشكلة الوجود ومعانيه الظاهرة والباطنة، العبادة عند كل البشر هي مجموعة قوانين رسمت من طرف جهات معينة غيبية أو ظاهرية مرئية.

يقول الحكيم محي الدين بن العربي الفيلسوف والعارف المعروف: لا يوجد في الوجود إلا مفهومٌ واحداً يحاصره في كل معانيه وهو مفهوم العبودة.

فما هو مفهوم العبودة؟

يقول الحكيم العربي في الفتوحات (العدد3 صفحة149): والعبودة مخلصة من غير نسب لا إلى الله ولا إلى نفسها، لأنه لا يقبل النسب إليه، ولذلك لم تجيء بياء النسبة، وإذا أردنا توضيح هذا الكلام قلنا أنه لا يوجد في بحر الوجود معنى يفسره سوى هذا المفهوم وهو مفهوم العبودة، فأينما اتجهت بوجودك سوف تجد وجوداً يطلبك وتطلبه في آن اللحظة.

فبالعبودية يطلب الله  وهنا كانت النسبة إليه سبحانه ، بخلاف العبودة فهي غير محددة النسبة.

فما هي العبودية؟

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المنزل (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)  وفسّرها إبن عباس بقوله: إلا ليعرفون، ولكنه سبحانه لم يخلق الإنسان والجان وحدهم في هذا الوجود الأعظم، فسبحانه خلق خلقاً كثيراً، ولم يخاطبهم بهذه الخصوصية خصوصية العبادة فما السر في ذلك؟ السر في ذلك يكمن في جعل الإنس والجن يتصلون بسرهم الغائي والأصلي الذي من خلاله سوف يجدون ذواتهم شيئاً آخر غير التي هم عليها والتي يعتقدون أنهم فيها يقيمون ، فالعبادة وصلة يجتمع فيها الأمر الإلهي والخلق الإلهي من أجل معرفته بنسب خلقها في خلقه، وكما جاء في الأثر: كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أُعرف، فخلقتُ الخلق لأُعرف.

ومن جهة أخرى يمكن القول أن الإنسان يعبد نفسه التي تستنبط الذات الإلهية المقدسة، فهل يمكن أن يكون للإنسان إتجاه سوى الله، فلا يدرك الإنسان إلا بالله، ولا يدرك الله إلا بالإنسان، فالحقيقة الإلهية هي المسار التحريري للذات الإنسانية العاشقة بالله.

ولهذا فضل الإنسان عن سائر الخلق جميعاً. وهنا نجيب عن السؤال المطروح لماذا سبحانه وتعالى لم يخاطب مخلوقاته بالعبادة وخاطب بها الإنسان؟ ولكن هل يعني هنا الإنسان كل الإنسانية أو صفة الإنسان، أو أن هناك تعبيراً آخر يتصل بالمسالة مباشرة ويمنحها التفسير الحقيقي والموضوعي؟

فما هو هذا التعبير؟

إن هذا التعبير هو مفهوم الإنسان الكامل الذي استبطن الذات الإلهية المقدسة والتي انطبعت فيه حقائقها السرمدية، فمن خلال الإنسان الكامل يعبر كل موجود  كيف ما كان وضعه الوجودي ونشأته الوجودية إلى ذات الله.

فالإنسان الكامل حسب قول صدر المتألهين الشيرازي قدس: هو الكون الجامع لجميع مراتب الوجود، فهو مع الممكن ممكنٌ ومع الواجب واجبٌ.

فالإنسان الكامل إذن هو كائن إلهي انطبعت فيه كل الحقائق الكونية ـ الزمان  المكان ـ وكل التجليات الإلهية، والمظاهر الكونية الإلهية، فهو برزخ البرازخ  وروح العالم ونفسه ومحوره.

يقول مولى الموحّدين والعارفين علي بن أبي طالب عليه السلام.

أتزعم أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

الإنسان الكامل عند كل الديانات هو رجل يحمل صفات معينة، ففي المسيحية تُعتبر شخصية المسيح عيسى بن مريم عليه السلام هو المقصود بهذا المفهوم، وعند البوذيين بوذا، وعند المانويين ماني، وهكذا حسب كل إتجاه.

فمن يحمل هذه الصفة عند المسلمين؟

وماهو دوره الوجودي في وجودنا ومسيرتنا؟

في المذهب الشيعي الإمامي الإثنى عشري الإنسان الكامل هو الإمام، فما دور الإمام عندنا نحن المسلمين في حياتنا؟ مهمة الإمام هو جمع الإنسانية حول مفهوم وجودي أصيل، وهذا الأصل هو الذي جعل الفيلسوف يبدع كل تلك النظريات الوجودية من أجل استخلاص روح المعنى الحقيقي للوجود.

فالمسلمون يعبدون الله من خلال طاعتهم للإمام الذي يستبطن الأمان والإيمان، وهو ـ أعني الإمام ـ الذي يطلق الله في ذاته المقدسة من التقييد الذي يحدثه التقليد. فهو وجه الله ورغبته. فعندما يحب الإنسان المؤمن الإيمان بالإمام فهو يرغب في رغبة الله وإرادته، وهنا تلتقي الرغبتان الإلهية والإنسانية في الرجوع إلى الأصل الأولي الوجودي ـ إنا لله وإنا إليه راجعون ـ وهنا يخبر العنصر الإنساني بكل الحقائق الإلهية والسرمدية التي كانت تجعله متحيراً في أمر وجوده الدنيوي والحياتي.

اللهم عجل لنا ظهور وليك الأعظم الذي استخلصته لنفسك ولإرادتك العليا ولمشيئتك العظمى.

إن حقيقتك يا مولاي هي التي حيرت حكماء اليونان وهي التي حيرت عقول الفلاسفة على مسار الوجود الدنيوي، وهي التي جعلت نتشه الفيلسوف يقول قولته المشهورة والمغلوطة ، وحيرت عقول علماء الذرة والطبيعة حتى صاروا يؤكدون وينظرون في مؤتمرهم الأخير في صيف هذا العام أن العالم خيال في خيال واعتبروه تهيؤاً وجوداً لا غير، وهي التي جعلت الفيلسوف والحكيم الألماني الوجودي هيدكر يتحد مع الحكيم العربي محي الدين بن العربي في أقواله، وجعلت لكل واحد وجهة هو موليها، فسلام الله عليك يوم ولدت ويوم ترجع إلينا ويوم تقودنا يوم الرجوع الأكبر إلى رب الأرباب لنشهد هناك ونفنى ونحيا فلسفة العرفان الكبرى.

شاهد أيضاً

الإمام المهدي خليفة الله في أرضه(عجّـل الله فرجه)

انّ النعوت التي وردت في وصف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كثيرة. وأردت أن أستطرق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *