أكد الدكتور “علی رمضان الاوسی” أمین عام مؤتمر التقریب فی لندن: ان التقریب أحد المراتب الضروریة فی تحقیق التعایش الانسانی والسلم الاجتماعی فإذا ما اختص هذا المصطلح فی التقارب بین المذاهب الاسلامیة بتجنیب نفسها الاحتكاكات والاختناق الطائفی فان هذه النتیجة تدخل فی حساب دفع الأمة صوب البناء والتفاعل مع الآخر.
علی رمضان الاوسی؛ الباحث القرآنی العراقی
وأفادت وكالة الأنباء القرآنیة الدولیة(ایكنا) انه قال الدكتور “علی رمضان الاوسی”، أمین عام مؤتمر التقریب فی لندن فی مقالته تحت عنوان “التقریب طریق الشجعان؛ دعوة الى الحوار وحركة للوعی نحو سلم اجتماعی” بالمؤتمر الدولی السادس للتقریب بین المذاهب الاسلامیة الذی قام مؤخرا بلندن: ان الوسطیة هویة هذه الأمة ورسولها (ص) شاهد علیها، وقد جاءت الوسطیة بجعل منه سبحانه فتعلق الأمر بأحكام الشریعة الاسلامیة والسلوك والنظام الحیاتی عموماً حیث لا تطرّف فیها (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَیَكُونَ الرَّسُولُ عَلَیْكُمْ شَهِیدًا)(سورة البقرة: 143).
وأكد: اذا ما أصیب أحد بالتطرف وعمی قلبه عن الوسطیة وهكذا الأمة حین یسودها أحیاناً عقل جمعی خاطیء فی فهم الأمور على نمط التطرف واقصاء الآخر فلا سبیل حینئذ الى التقریب ویصعب تطبیقه وممارسته، ومن هنا لابد ان ننطلق من مفهوم الوسطیة فی الفكر والسلوك والتعامل مع الآخر، وهو اصل قرآنی صریح بدلیل الآیة المباركة من سورة البقرة حیث جاءت الوسطیة بجعل تشریعی من الله سبحانه وحتى لو كان معناها الوسطیة بین الرسول (ص) وبین الناس فأنها تقتضی التوازن وعدم الغلوّ والتفریط وهكذا فأن الوسطیة حین ینطلق منها المسلم أو یلتزم بها سلوكاً وفكراً ونظرةً الى الآخر فأنها تدفعه الى النظرة الموضوعیة واستحضار الغایة من الشهادة على الناس وتمنع صاحبها من الاندفاع لألغاء الآخر، وهكذا تتحقق من خلال الوسطیة معان للتعایش وتفهّم الآخر.
واضاف: نحن المسلمین بأمس الحاجة الیوم لنعیش الوسطیة عقیدة وفكراً وسلوكاً لنقضی على الاتجاه السلبی للذات، ونتحلى بدور الشهادة على الناس، والتی یترشح عنها الكثیر من ثقافة تفهّم الآخرین وتفعیل مفاهیم هذه الثقافة التقریبیة فالوسطیة تقرّب ولا تنفّر وتجمع ولا تفرّق وتبنی ولا تهدم.
وصرح قائلا: التقریب أحد المراتب الضروریة فی تحقیق التعایش الانسانی والسلم الاجتماعی فإذا ما اختص هذا المصطلح فی التقارب بین المذاهب الاسلامیة بتجنیب نفسها الاحتكاكات والاختناق الطائفی فان هذه النتیجة تدخل فی حساب دفع الأمة صوب البناء والتفاعل مع الآخر. فقد أنهكت مجتمعات بفعل الاحتقانات الطائفیة المقیتة ولیس الأمر متعلقاً بالمسلمین فحسب بل یتسع لكل الطوائف غیر المسلمة أیضاً.
التحدیات التی تواجه حركة التقریب
واشار الى التحدیات التی تواجه حركة التقریب قائلا: هناك تحدیات داخلیة مبعث أكثرها التخلف والنظرة الضیقة والفهم الخاص الخاطیء، فكل أطراف التقریب تواجه هذا النوع من داخل المكوّنات نفسها وقد یتخذون مستویات مختلفة وینطلقون بأدلة قد توهّموا صحتها وسلامتها وغابت عن هؤلاء النداءات القرآنیة الصریحة بالاعتصام بحبل الله وعدم التنازع والأمّة الواحدة وكذلك اللوم الشدید على من یقف أمام هذه المفردات التی بها عزة هذا الدین. كذلك ما ورد عن النبی محمد (ص) وأهل بیته الطاهرین من الحث على الوحدة وعدم التفرق وذم الشتات، ففی كل ذلك نصوص كثیرة تدعم هذه المفردات.
وتطرق الى التحدیات الخارجیة مشیراً الى أن هناك من یخشى وحدة هذه الأمة وحركتها كأمة واحدة حیث تجاوزت أكثر من ملیار مسلم فتوزیع هذه القوة وتشتیتها یسهّل على قوى الهیمنة وسرّاق الثروات السیطرة على المسلمین وعدم الخوف من هذا العدد الكبیر لذا تراهم یعمدون الى تضعیف الموقف المشترك للمسلمین وجعلهم دویلات وشعوباً متضادة غیر متعارفة ویصب فی هذا الاتجاه الحركة الاستكباریة الأخیرة وحلفائهم فی تشتیت الصحوة الاسلامیة وتضعیف ما یسمى بالربیع العربی باختراقه وتحویله الى حالة دمویة مسلّحة والحیلولة دون تلاقی اطراف الصحوة الاسلامیة بأفقارهم وتأكید تبعیتهم لقوى الهیمنة الغربیة وهذا ما حصل ویحصل الیوم فی شمال افریقیا ومنطقة البحر المتوسط ودول الخلیج الفارسی.
واضاف: انّ هؤلاء لا یحلو لهم حركة الوعی التقریبی الذی یسعى لتعزیز فرص الوحدة ومواجهة حركات التشظی فی عالمنا الاسلامی لذا تراهم یصدون ویمنعون ویهددون أقطاب هذا التحرك الواعی بكل الأسالیب المتاحة لدیهم.
واشار الی موقف المسلمین فی مواجهة هذه التحدّیات قائلا: أراد الله للمؤمنین عزة من عزته جل وعلا وعزّة رسوله (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ)(سورة المنافقون: 8)، وبهذه العزة تشمخ الانوف الأبیّة ولا تركع لتحدیات هؤلاء (وَلاَ یَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)(سورة المائدة: 54).وقد ورد عن النبی (ص): (المؤمن القوی خیر من المؤمن الضعیف) وهذه الأفضلیة من أجل الثبات على الحق وعدم الاستسلام للتحدیات (قُلِ اللَّهُ یَهْدِی لِلْحَقِّ أَفَمَن یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ یَهِدِّی إِلاَّ أَن یُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَیْفَ تَحْكُمُونَ)(سورة یونس: 35).وحینما تكون الوظیفة خدمة الحق ومن یهدی إلیه، تتجلّى حقیقة الاتباع الصادق من غیره فلا یمكن اتباع غیر المهتدی الذی هو بنفسه بحاجة الى الهدایة.
وبین: إذا ما تراجع البعض عن هذا الطریق أو تلكأ ـ بعد ان كان رائداً فیه ـ بسبب غموض أو غفلة أو مصلحة او تحت وطأة ضغوط خارجیة أو خشیة من التحدیات فأن ذلك یعدّ نكوصاً على مبادئ الوحدة التی نادى بها الاسلاام بشكل واضح وجلّی.
وحول السلم الاجتماعی قال الاوسی: إذا كان معنى السلم هو غیاب الخلاف والعنف، كالارهاب والنزعات القومیة والعرقیة والطائفیة وغیرها. فالسلام یبعث على الانسجام والتناغم والاتفاق والمجتمع یضمّ مكوّنات عدة تتنوّع وتختلف اتجاهاتها وهذا لا یعنی التقاطع أو التدابر وانّما یدفع باتجاه التكامل اذا ما روعیت المصالح العلیا فی هذا المجتمع. قال سبحانه: (انظر كیف فضلنا بعضهم على بعض)(سورة الاسراء: 21).
واضاف: قد تكون الوحدة الاسلامیة بین المسلمین عقداً ایمانیاً امتثالاً لتلك النصوص التی تحثّ علیها ولنا فی تجربة النبی الاكرم محمد (ص) أسوة فی التآخی بین المهاجرین والانصار فی المدینة تحت عنوان: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (سورة الحجرات: 10).
وأكد علی رمضان الاوسی فی الختام: لكن هناك من یستفید من تعقید الحیاة المستقرة للمسلمین لیتسلط علیهم ویهیمن على قرارهم وینهب ثرواتهم ویتركهم یتبعونه من غیر عزّة ولا هویة، فالاستكبار یعمل لیلا ونهارا فی هذا الطریق ولعل ذلك أشد التحدیات خطراً على السلم الاجتماعی بین الناس عموماً وبین المسلمین أنفسهم خاصة. الى جانب أسباب أخرى تتعلق بالنفس والهوى والتخلف الثقافی وعدم الوعی، فهی أسباب مجتمعة لتعویق حركة التقریب الذی یسعى لتسویة هذه النـزعات الفردیة الذاتیة ولنزع فتیل الاخطار الخارجیة من أجل ایجاد أجواء هادئة تساهم فی بناء السلم الاجتماعی.
شاهد أيضاً
بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!
الاخبار – القدس العربي: قام جندي إسرائيلي بتهديد نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين كانوا يتضامنون مع أهالي …