إسرائیل من الصهیونیة إلى الیهودیة

إن قراءة متأنیة لمواقفه بتوسیع وتسریع وتیرة بناء المستوطنات الیهودیة فى الضفة الغربیة وضمها إلى اسرائیل، وإبعاد العرب مسلمین ومسیحیین إلى خارج حدود الدولة الیهودیة وعرقلة مشروع التسویة السیاسیة على قاعدة الدولتین، ترسم صورة له تعید إلى الأذهان الصورة الأولى التى رسمت عن أدولف هتلر قبل أن یصبح الرجل الأول فى ألمانیا، والرجل الأخطر فى أوروبا والعالم. قد یبدو هذا التشبیه مثیرا للاستغرب. ولكن هذا ما حدث أیضا عندما بدأ هتلر إطلالاته العنصریة الفجة فى مدینة میونیخ الألمانیة فى منتصف العشرینیات من القرن الماضى.

 

مع سرعة تحول إسرائیل من الصهیونیة إلى الیهودیة یبدو أن بنیامین نتنیاهو، رئیس الحكومة مرشح لأن یصبح الرجل الأخطر فى الشرق الأوسط، لیس على الفلسطینیین وحدهم، إنما على الاسرائیلیین أیضا.

إن قراءة متأنیة لمواقفه بتوسیع وتسریع وتیرة بناء المستوطنات الیهودیة فى الضفة الغربیة وضمها إلى اسرائیل، وإبعاد العرب مسلمین ومسیحیین إلى خارج حدود الدولة الیهودیة وعرقلة مشروع التسویة السیاسیة على قاعدة الدولتین، ترسم صورة له تعید إلى الأذهان الصورة الأولى التى رسمت عن أدولف هتلر قبل أن یصبح الرجل الأول فى ألمانیا، والرجل الأخطر فى أوروبا والعالم. قد یبدو هذا التشبیه مثیرا للاستغرب. ولكن هذا ما حدث أیضا عندما بدأ هتلر إطلالاته العنصریة الفجة فى مدینة میونیخ الألمانیة فى منتصف العشرینیات من القرن الماضى.

كان مراسل صحیفة هیرست الامریكیة كارل فون ویفرد أول صحفى أمریكى یجرى مقابلة مع هتلر. وفى المقابلة التى نشرها عنه فى عدد نوفمبر ــ تشرین الثانى 1922، وصفه بأنه «متحدث جذاب یتمتع بعبقریة تنظیمیة، وانه قادر على استقطاب الجماهیر مما قد یجعل منه فى وقت قریب دیكتاتورا على بافاریا كلها».

مع ذلك فإن القلیل من الأمریكیین والأوروبیین بمن فیهم الألمان أنفسهم أخذوا هتلر على مأخذ الجد. كانوا ینظرون إلى تصرفاته وحركاته وكلماته باستهزاء وسخریة. وكانوا یصفونه بالمهرج السیاسى لمواقفه الشدیدة التطرف. وهى الصفات ذاتها التى تطلق الیوم على نتنیاهو أیضا. إلا أن من الصحفیین كالصحفى الیهودى الأمریكى ادغار ماوریر، مراسل صحیفة شیكاغو دیلى، من شعر بالخطر الذى یمثله هتلر فى وقت مبكر. فقد حذر ماوریر الیهود الألمان فى مقالات نشرتها له الصحیفة الامریكیة، مما قد ینتظرهم من هتلر. ودعاهم إلى التفكیر بمغادرة ألمانیا قبل أن یهبّ إعصار النازیة الذى تمثل فیما بعد بالمحرقة الكبرى. ولكن الكثیرین منهم لم یصدقوه. والقلة الصغیرة فقط، استجابت لدعوته بالهجرة وأنقذت نفسها فى الوقت المناسب. ذلك ان الیهود الألمان لم یتصوروا للحظة أن الشعب الألمانى سوف یلتف یوما حول هذا «المهرج» وأنهم سوف یطیعونه طاعة عمیاء. اما الأمریكیون فلم یتعاملوا مع التحذیرات المبكرة بجدیة، لأنهم ما كانوا یتصورون انهم سوف یخوضون حربا عالمیة ثانیة ولما تندمل بعد جراحاتهم من الحرب العالمیة الأولى.

وبقیة القصة معروفة. وهذه البقیة تشكل بدایة القصة مع نتنیاهو. كان هتلر یتحدث عن إقامة ألمانیا الكبرى ونتنیاهو یتحدث الیوم عن اسرائیل الكبرى. وكان هتلر یرفع شعار «ألمانیا للألمان»، ونتنیاهو یرفع الیوم شعار «إسرائیل للیهود»، وكان هتلر یتحدث عن تصفیة من كان یطلق علیهم لقب «الأعداء الداخلیین» وكان یقصد بهم الیهود بشكل خاص، وهو التعبیر ذاته الذى یستخدمه نتنیاهو فى الحدیث عن الفلسطینیین العرب الذین یصفهم بأنهم یشكلون دیموغرافیا قنبلة موقوتة تهدد هویة إسرائیل وأمنها

●●●

بدأ هتلر مشروعه بضم النمسا إلى ألمانیا فى عام 1938. وبدأ نتنیاهو مشروعه بضم المستوطنات الیهودیة فى الضفة الغربیة المحتلة إلى اسرائیل. ثم فاجأ هتلر العالم بغزو بولندا مطلقا شرارة الحرب العالمیة الثانیة. فأین سیفاجئ نتنیاهو العالم؟.. هل تكون المفاجأة بتمریر عدوان تدمیرى یستهدف المسجد الأقصى، كمدخل لضم القدس الشرقیة وتفریغها بالقوة من مواطنیها العرب؟

ربما كان فى حسابات هتلر استغلال الفرصة التاریخیة التى كانت تتمثل فى ذلك الوقت بالعداء بین الشیوعیة ممثلة فى روسیا والرأسمالیة ممثلة فى الولایات المتحدة لتمریر مشروعه العنصرى. وربما یكون فى حسابات نتنیاهو الیوم استغلال الفرصة التاریخیة التى تتمثل الیوم فى الصراعات العربیة مع دول الجوار، وخاصة مع إیران، والتى تتمثل أیضا فى انتشار ظاهرة الانقسامات العربیة الداخلیة على خلفیات عنصریة ودینیة ومذهبیة، والتى یحجب حقیقة خطرها غبار حركات التغییر التى تهب على العالم العربى مغربا ومشرقا.

فكما وجد هتلر الفرصة السانحة داخلیا وخارجیا للانقضاض على بولندا، كذلك یجد نتنیاهو الفرصة سانحة داخلیا بصعود الأصولیة الیهودیة وتراجع الصهیونیة العلمانیة، وخارجیا بالتشرذم العربى وتشتت القرار الموحد.. للانقضاض على القدس.

یشعر نتنیاهو بأن اسرائیل تتمتع الآن بفائض من القوة العسكریة. فالصناعة العسكریة الإسرائیلیة حققت انجازات كبیرة على صعید انتاج القنابل الذكیة والصواریخ التى تحمل رءوسا نوویة. وكذلك على صعید فن القتال عن بُعد بواسطة التوجیه الإلكترونى. فهى تملك قوات جویة تصنف على انها الرابعة فى العالم (بعد القوات الأمریكیة والروسیة والصینیة). كما انها تملك اسطولا بحریا معززا بالغواصات الألمانیة الصنع، تنتشر قطعه فى میاه شرق البحر المتوسط وشمال البحر الأحمر. وهو ما عمل علیه هتلر قبل غزو بولندا. وهذا الشعور بفائض القوة یولد الشعور بفائض الثقة بالنفس الذى یشكل بدوره الحافز على شن الحرب.

بعض الحسابات الخاطئة تستدرج أصحابها إلى الحرب كما حدث مع مصر فى عام 1967. ولكن إسرائیل بقوتها العسكریة الذاتیة، وبحالة الضعف التى تمر بها الدول العربیة، لا تعتقد أنها تواجه خطأ فى حساباتها. بل إن كل المظاهر الخارجیة تعزز لدیها الشعور بأن الفرصة متاحة للإقدام على مثل ما أقدم علیه هتلر عندما احتل بولندا!

فى ذلك الوقت من عام 1939 ارتفعت أصوات ألمانیة تنبه وتحذر. وقد تعرض أصحابها إلى الإدانة وإلى الاتهام باللا وطنیة، مما حمل الكثیرین منهم على الهجرة إلى بریطانیا وحتى إلى الولایات المتحدة. وكان من بین المهاجرین علماء شكلوا النواة الأولى للصناعة النوویة والصاروخیة فى الولایات المتحدة.

●●●

والیوم ترتفع أصوات اسرائیلیة تنبه وتحذر أیضا، ومن بینهم مجموعة المؤرخین الیهود الجدد. وعلى سبیل المثال، صدر أخیرا كتاب لواحد منهم هو المؤرخ غیرشوم غورنبرغ وعنوانه: تآكل إسرائیل The Unmaking of Israel. وفى هذا الكتاب یحذر غورنبرغ من ان اسرائیل تلغى ذاتها بذاتها من خلال السیاسة التى تتبعها. وأنه كیهودى إسرائیلى إذ یحذر من خطورة هذه السیاسة، ینطلق فى دفاعه عن اسرائیل إلى التأكید على وجوب تحقیق الأمور الثلاثة الآتیة:

أولا: وقف بناء المستوطنات الیهودیة وانهاء الاحتلال الاسرائیلى للأراضى الفلسطینیة وإیجاد سبیل لتسویة سلمیة على أساس تقاسم الأرض الواقعة بین البحر (المتوسط) والنهر (الأردن).

ثانیا: الفصل بین الدولة والكنیس، خاصة بعد استقواء الحركة الدینیة الیهودیة حتى فى عملیة اتخاذ القرارات السیاسیة.

ثالثا: التحول من العنصریة إلى الدیمقراطیة بحیث یتمتع كل المواطنین بحقوق متساویة.

ویبرر غورنبرغ وضع كتابه الجرىء الجدید بأنه خائف على اسرائیل التى بسیاستها الحالیة تلغى ذاتها بذاتها. ولعله رأى بعین المؤرخ إلى أین تقود السیاسة العنصریة إسرائیل وإلى أین سیجرها الشعور بفائض القوة العسكریة وبفائض الثقة بالنفس.. وبفائض التطرف العنصرى الذى یتمتع به نتنیاهو بتحالفه مع رئیس حزب كادیما شاءول موفاز، وإلى یمینه وزیر خارجیته لیبرمان!

●●●

لقد مر على إعلان اسرائیل 64 عاما عاش الشرق الأوسط طوالها هدنات بین حروب. ربما یشعر نتنیاهو الآن أن الوقت مناسب لشن حرب یعتقد أنها یمكن أن تنهى كل الحروب تماما كما شعر هتلر من قبل. ولكن ماذا كانت النتیجة؟.

محمد السماک

شاهد أيضاً

نفاق

ما هو النفاق من منظور الإمام علي(ع)؟

مقالات العربیة – ایكنا: یقول القرآن الکریم “لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ” وهکذا یبیّن لنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *