اسماعيل شفيعي سروستاني
قال إبليس وحسب اليمين الذي أدلى به أمام الله من منطلق حسده وحقده على آدم “فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ” . لذلك فإن إبليس يتربص بالإنسان لينفذ إلى داخل مملكة وجوده في أي لحظة. وكان إبليس من طائفة الجن، لذلك فقد جمع حوله جنودا للتصرف ضد الإنسان وليمنع من خلال القرصنة، سير وسلوك الإنسان في طريق الحق. لذلك فإن عدد الشياطين أكثر دائما من عدد البشر.
اسماعيل شفيعي سروستاني
قال إبليس وحسب اليمين الذي أدلى به أمام الله من منطلق حسده وحقده على آدم “فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ” . لذلك فإن إبليس يتربص بالإنسان لينفذ إلى داخل مملكة وجوده في أي لحظة.
وكان إبليس من طائفة الجن، لذلك فقد جمع حوله جنودا للتصرف ضد الإنسان وليمنع من خلال القرصنة، سير وسلوك الإنسان في طريق الحق. لذلك فإن عدد الشياطين أكثر دائما من عدد البشر.
وجاء في بعض الروايات أن هناك شيطانا أو عدة شياطين لكل انسان.
وورد في رواية آخرى عن الإمام الصادق (ع):
“… فإن من اؤتمن على أمانة، وكّل به إبليس مائة شيطان من مردة أعوانه ليضلوه، ويوسوسوا إليه، حتى يهلكوه! إلا من عصمه الله”.
إن جنود الشيطان ومردته يلجأون إلى أنواع الحيل وأي طريقة لقرصنة الإنسان وجره إلى وادي الكفر والشرك والنفاق.
إن الوجه المستتر للشياطين الجن وبسبب لطافة جسمهم من جهة وقدرتهم على النفوذ والتأثير على الإنسان بأساليب مختلفة من جهة آخرى، ساعدهم للأسف على تحقيق مآربهم، والقضية الرئيسية تعود إلى “استدعاء” الإنسان للشيطان.
وحسب الآيات والروايات، فإن جنود إبليس لا يقدرون على النفوذ والتاثير على الإنسان طالما لا يستدعون من قبل الإنسان نفسه.
فالإنسان هو الذي يُهيئ مطار مملكته لهبوط ممثلي إبليس ويطلق يديه للتصرف. وكل شئ يبداأ من هنا. ونذكر بأن أي إنسان وحتى الأنبياء العظام ليسوا بمنأى عن هؤلاء الأعداء، ويقول الله سبحانه وتعالى:
“وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ”؛
وكان الأنبياء وفي ظل الجهوزية والأدوات التي يملكونها، يواجهون شياطين الإنس والجن الذين كانوا في محيطهم.
ويقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا إبليس:
“إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ”؛
ويقول الله سبحانه وتعالى صراحة بأن الإنسان هو الذي يفتح البوابات لجنود إبليس لا أن يكون لإبليس وجنوده سلطان على الإنسان.
وجاء في مجمع البيان، عن أنس بن مالك عن رسول الله (ص) قال : إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي الله التقم قلبه”.
ويجب الآن التساؤل: ما هي البوابات التي يمر عبرها جنود إبليس؟
إن الإنسان هو كائن ذو وجهين. نصف ملكي ونصف ملكوتي. ورغم أن حقيقة الإنسان روحية وملكوتية، لكن الجسم يشبه الزورق، يمرره عبر نهر الدنيا الهائج ويصل به إلى بر أمان البرزخ. وقيل عن البرزخ بأن عالم البرزخ أو عالم القبر يقع في سير وسفر الإنسان من الدنيا إلى العالم العقبى في نهاية العالم الدنيا وبداية عالم القيامة.
وبما أن إبليس ينشط ويعمل في العالم الدنيا ولا يمتد مجال عمله إلى عالم البرزخ ولا ينفذ فيه، لذلك فإنه يركز جل قواه وطاقته في العالم الدنيا ليحول دون “العبور السليم” لهذا الزورق لنهر العالم الدنيا والرسو في شاطئ البرزخ وعالم القبر. لذلك فإن كل ما يجب أن يحدث، سيحدث في هذا النهر وفي هذا الزورق.
وقدر الله تعالى لكل إنسان وقتا معينا ليعبر من هذا النهر (الدنيا) ويصل إلى بر الأمان ، كما أن إبليس بصدد أن يمارس خلال هذه المدة المقدرة والمعينة، كل حقده وحسده ضد الإنسان ليحرمه من تجربة “العبور الآمن من عرض نهر الدنيا”. إن منع الإنسان من “العبور الآمن” يحصل بأسلوبين، الأول إيجاد عطل وثغرة في الزورق والثاني المساس براكب الزورق.
وأي الأسلوبان يتحققان على أرض الواقع، فإن إمكانية الرسو الآمن عند شاطئ البرزخ، ستزول.
لذلك فإن إعطاب “الجسم” (الزورق) والمساس ب “النفس” (الراكب) يشكلان هدفا تطاله سهام إبليس وجنوده.
إن الجسم يشبه الحصن الذي يحتضن بداخله النفس ليصل إلى عالم البرزخ بعد مضي فترة الحياة – فترة الابتلاء والامتحان والنمو والتسامي – .
إن القضاء على جسم الإنسان وإبادته خلال عملية عبور نهر الدنيا، ممكن فقط عن طريق تلويثه بالنجاسات وإن إبليس يعرف هذا بالكامل. وبما أن جسم الإنسان مادي وفيزيائي، فإن إبليس سينال مبتغاه إذا ما توغلت الفئة الأولى من النجاسات (الفيزيائية) بداخل هيكل هذا الزورق، وربما لهذا السبب يتم في مدرسة التدين، تقديم الشريعة في أول درس من فصل التربية.
إن الشريعة هي جدار حصين وأمني خاص يحمي الجسم في مقابل سهام إبليس وضرباته السامة. وللأسف فإن عامة الناس يقومون بأيديهم بثقب زورقهم. الزورق الذي يعد وسيلتهم الوحيدة لعبور نهر الدنيا الهائج بسلام. وكل ما تم تبيانه في سياق أحكام الطهارة والنجاسات، وكل الأوامر والنواهي الخاصة بالمأكل والمشرب، وكل التعليمات المتعلقة بالصفقات والعقود المحرمة والمكروهة والمستحبة والواجبة والمباحة والتي تنظم العلاقة وتحدد حدود وثغور العمل الفردي والجماعي في الدنيا، تنطوي في الخطوة الأولى على “أمن زورق الجسم” وقت تجاوز اعصار الدنيا. ويدخل إبليس عبر هذه النقطة لينفذ بداخل جسم الانسان، والتمهيد لإعطاب الجسم وإيجاد ثقب في الزورق.
وبما أن النجاسات الفيزيائية تلوث الجسم، فإن إبليس يرسل جنوده لينزل ضرباته عن هذا الطريق ببدن الزورق وجسم الإنسان.
كتيب إرشاد بناء
إن إرسال الأنبياء وإنزال الكتب وجعل الأحكام ليس كلها تؤكد بأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يعبر الزورق وراكبه (نفس الإنسان) بسلام من نهر الدنيا الهائج فحسب بل إنه وضع من خلال هذا الإجراء مجالا لحصانة الإنسان. وهذا يشبه الجهاز الذي ينتج في معمل ويعبأ في العلبة ويوضع معه في العلبة كتيب إرشاد استخدامه وتشغيله، ليكي يستخدمه المستهلك براحة بال.
وإذا لم ينتبه المستهلك إلى كتيب الإرشاد والتعليمات والتحذيرات الواردة فيه، واستخدم الجهاز بصورة عشوائية والحق به أضرارا، فإنه ليس من حقه إلقاء اللوم على المُنتج. إن الله سبحانه وتعالى يوبخ في سورة ابراهيم الآية 22 الأناس الذين يعتبرون الشيطان مقصرا إذا ما جربوا نار جهنم :
“وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ”؛
إن إبليس يسير قدما شيئا فشيئا، وكما شاهدنا في قصة الدكتور فاستوس، فإن الإنسان يفتح من منطلق الأهواء والرغبات النفسية، البوابة الأولى لجنود إبليس الذي إن رأى الإنسان جاهزا، فسيسير قدما مرحلة بمرحلة لفرض سلطانه بالكامل على الإنسان، إلى أن يجعله في زمرة أنصاره بل “عملائه” وأداة بيده وشريكا له في جميع مفاسده.
والملفت أن القران الكريم وبعده روايات الأئمة المعصومين (ع) تذكر الإنسان بجملة المعابر والممرات التي ينفذ من خلالها الشيطان إلى الإنسان.
ونذكر الروايات التالية كمصاديق على ذلك:
“شرْبُ الخَمر وهُوَ فخُّ الشيطان”؛
“وحُبُّ الدينارِ والدِّرهمِ وهوَ سُهمُ الشيطان”؛
“الهَوىَ، قائدُ جيْشِ الشيطان”؛
“حُبُّ النِساء وهوَ سَيْفُ الشيطان”؛
إن الكثير من الآيات والروايات تؤكد على ضرورة تجنب النجاسات الفيزيائية واعتبارها منافذ ينفذ منها الشيطان ويطلق من خلالها سهامه وينصب أفخاخه، والتاكيد كذلك على تطهير الجسم من هذه النجاسات، بحيث يقول سبحانه وتعالى:
“وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ”؛
وفي أية آخرى، يتوجه الله تعالى إلى المؤمنين فيقول:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”؛
وفي جميع هذه الأيات، يتم الاشارة إلى أن بعض المأكولات والمشروبات والمصاحبة والأهواء التي تدنس الجسم والروح، هي من عمل الشيطان ومكان هبوط الشيطان، إذ إن اللجوء اليها وعدم تحاشيها، يؤدي إلى تقويض الجسم والاستيلاء على الحصن المحافظ للإنسان في مواجهة الشيطان وجنوده.
ويقول الباري عز وجل في كتابه الكريم:
“الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِــنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا
وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَـن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّـن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلى اللّهِ وَمَـــــنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”؛
وفي المواجهة مع إبليس يستخدم الأخير جنود الجن الخبثاء لفرض سلطانه على الإنسان. ان قطاعا كبيرا من معشر الجن هم في الحقيقة في زمرة أنصار ابليس. والطائفة المؤمنة والشيعية من الجن هي في اقلية واستضعاف كامل، مقارنة بهؤلاء.
وفي يوم القيامة، يجلب الله، معشر الجن الخبثاء اللذين ناصروا وواكبوا إبليس اللعين، إلى المحاكمة ويخاطبهم بالقول:
“وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ”؛
إن الجن الخبثاء المواكبون لقيادة ابليس، ينصبون الكثير من الافخاخ امام الإنسان ويسعون لتضليله. وهذا الضلال هو في الحقيقة بمنزلة عدم وصول الزورق إلى بر الامان. (وسنتحدث في قسم آخر، حول مراحل ومراتب نفوذ إبليس وجنوده).
وقد بين الإمام علي (ع) في اقسام كثيرة من “نهج البلاغة” اوصاف وخصائل الشيطان وكشف الستار عن طرق نفوذ الشيطان وسياساته، وحذر الإنسان من الانزلاق إلى شرك الشيطان، ليبين الاساليب التي تساهم في مكافحة هذا الخبيث اللعين وجنوده.
وفي الخطبة السابعة، يبين الإمام مراحل نفوذ الشيطان إلى داخل الإنسان الجاهز لتقبل هذا النفوذ فيقول:
“اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأمرهم مِلاَكاً، واتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْراكاً، فَبَاضَ وَفَرَّخَ في صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ في حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ، فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ في سُلْطَانِهِ، وَنَطَقَ بِالبَاطِلِ عَلَى لِسانِهِ”؛
ويبلغ الإنسان الذي يتبع الشيطان، مرحلة تتحول فيه يده ولسانه وعينه واذنه إلى اعضاء وجوارح للشيطان. ان هذا السلطان الشيطاني، يحول الإنسان إلى شريك وعميل للشيطان.
ويصف الإمام علي (ع) في الخطبة الثانية من “نهج البلاغة”، العصر الجاهلي ووضع العرب ما قبل بعثة النبي الأكرم (ص) ويبين كيف ان الانسان، تحول إلى نصير للشيطان ومعين له بلا اجر. ويقول الامام:
“فَالْهُدَى خَامِلٌ، وَالْعَمَى شَامِلٌ. عُصِيَ الرَّحْمانُ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ، وَخُذِلَ الإيمان، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ، وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ (أعلامه)، وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ.أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ، وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ، بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ، وَقَامَ لِوَاؤُهُ”.
وماعدا النجاسات الفيزيائية التي تؤدي إلى تدنيس وتخريب جسم الإنسان وتسخيره لمصلحة ابليس، فإن النجاسات المتافيزيقية، تفتح ابواب الحصن الحصين لمملكة وجود الإنسان بوجه جنود الشيطان.
وتهاجم النجاسات الميتافيزيقية، راكب الزورق في ميدان الأخلاق يات والثقافة، وتحول دون سيره وسفره بامن وامان وبلا ضرر نحو شاطئ البرزخ.
ومبتغى الشيطان في الخطوة الاولى، هو قلب الزورق وفي الخطوة الثانية، حرف راكب الزورق، وفي كلتي الحالتين، يتعثر الإنسان ويتعذر عليه سلوك الطريق وينحرف بالتالي نحو شاطئ آخر وهو عين الانعدام الامني والتلوث والانزلاق في التعاسة والشقاء.
ويعتبر بعض الدعاة الدينيين، المراتب الاولى والتمهيدية للتدين، بأنه ا أصل التدين ويدعون جميع المسلمين إلى الاهتمام بالمقدمات، بحيث يقضي الكثير من المسلمين جميع سنيي حياتهم في الانهماك بالمقدمات الضرورية ويفترضون ان الوصول إلى المقدمات هو ساحل النجاة الغائي بعينه.
وان لم يفلح إبليس وجنوده في الخطوة الاولى أي الهجوم لاعطال واعطاب الزورق، ويخفقوا في تدنيس جسم الإنسان بالنجاسات، فانهم سيصبون جل اهتمامهم على “نفس” و “شخص” راكب الزورق ويبداون هجمتهم الثانية. وفي هذه الخطوة، يحاولون نيل مبتغاهم بسلاح “النجاسات الميتافيزيقية” والأخلاق ية. ان من يستقبل زورقا محطما يشق عباب بحر الحياة الهائج، فإنه سيغرق آجلا أم عاجلا ويباد.
إن المدنسين بالنجاسات (النبيذ والربا والدم والطعام الحرام والنجس مثل لحم الخنزير و…) يصبحون بتصرف الشيطان ويمتثلون لاوامره. ان هؤلاء غارقون في الامواج الهائجة لنهر الحياة.
إن النجاسات غير الفيزيائية تستهدف روح الإنسان وتفسده وتزيله من الداخل.
إن المجاهدين في سبيل الله، يصلون بانفسهم إلى شاطئ النجاة في الضفة الآخرى من نهر الحياة وإلى ضفاف عالم البرزخ بواسطة بذل الاموال والانفس.
“وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُون”َ؛
وهؤلاء المجاهدون لا يخافون في الله لومة لائم ويخوضون في سبيل الله مواجهة مع جنود إبليس ليجعلوا دينهم وروحهم بمامن عن براثن إبليس الرجيم.
إن من الصعوبة بمكان تشخيص النجاسات الميتافيزيقية كما ان من الصعب مغادرتها وان الاصابة بها تنهك الروح. لذلك فإنه تم التعبير عن المجاهدة في هذا الطريق بالجهاد الاكبر.
إن إبليس لا يدفع ثمنا للجاهزين للتنجس فيزيائيا. انه متكبر لا يخوض المراتب الدنيا من النضال، بل انه يبذل قصارى دهده لمكافحة الاناس الذين لا اثر يذكر على سلاح النجاسة الفيزيائية عليهم، ولهذا السبب فإن هؤلاء قد صانوا انفسهم عن التنجس بهذا النوع من النجاسات وهم يسيرون في الظاهر على طريق اهل الايمان وفي كسوة اهل الايمان.
الظلم والتكبر
وفي مسلك الإمام علي (ع) ليس هناك اشد من “الظلم” و “التكبر” و “الغرور” الذي يدفع الإنسان إلى الوقوع في مصيدة ابليس. ان الغالبية العظمى من الناس ومنذ الوف السنين ولحد اليوم، اصيبوا بالعور من جحر العنجهية والتكبر، وجعلهم الظلم والجور، جاهزين ليتحولوا إلى مطية لإبليس وجنوده. ويقول الإمام علي الخطبة الصاعقة:
“فاللهَ اللهَ فِي عَاجِلِ الْبَغْيِ، وَآجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ، وَسُوءِ عَاقِبَةِ الْكِبْرِ، فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إبليس الْعُظْمَى، وَمَكِيدَتُهُ الْكُبْرَى، الَّتِي تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ، فَمَا تُكْدِي أَبَداً، وَلاَ تُشْوِي أَحَداً، لاَ عَالِماً لِعِلْمِهِ، وَلاَ مُقِلاًّ في طِمْرِهِ”؛
إن من يُصاب من خلال سم إبليس القاتل ببلاء الكبر والغرور، لن يكون قادرا على التخلص من هذه الواقعة بسهولة، بحيث ان الإمام عليه السلام يرى ان علم أي عالم لا يكفي للخلاص من ذلك.
وتبا لاولئك الذين يجعلون من ظهورهم مطية للشيطان ويصبحون سببا لاستراق عقول الآخرين.ويقول الإمام عليه السلام:
“اتَّخَذَهُمْ إبليس مَطَايَا ضَلاَل، وَجُنْداً بِهمْ يَصُولُ عَلَى النَّاس، وَتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهمْ، اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ وَدُخُولاً فِي عُيُونِكُمْ، وَنَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ. فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ، وَمَوْطِىءَ قَدَمِهِ، وَمأْخَذَ يَدِهِ”.
ويعتبر الإمام علي (ع) ان أكبر المنافذ التي ينفذ منها الشيطان إلى الإنسان هي “الكبر والغرور” ويقول عليه السلام:
“فَاللهَ اللهَ في كِبْرِ الْحَمِيَّةِ، وَفَخْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فإنه مَـلاَقِحُ الشَّنَآنِ، وَمَنَافِخُ الشَّيْطَانِ الَّتِي خَدَعَ بِهَا الأمَمَ المَاضِيَةَ، والقُرُونَ الْخَالِيَةَ; حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِس جَهَالَتِهِ، وَمهَاوِي ضَـلاَلَتِهِ، ذُلُلاً عَنْ سِيَاقِهِ، سُلُساً فِي قِيَادِهِ”؛
إن غير التقاة يخفقون عادة في ميدان المجاهدة الأخلاق ية ويبادون. ان قهقهة الشيطان عندما يسقط الرجال ارضا في ساحة الأخلاق ، تزعج مسامع السماء.
وجاء في سورة الاعراف على لسان ابليس:
“قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ”؛
ويحذر الإمام علي أمير المؤمنين (ع) من الشيطان وعدائه المتجذر للإنسان وعن مصيدته وكذلك الهجوم الذي يشنه وجنوده فيقول:
“فَلَعَمْرُ اللهِ لَقَدْ فَخَرَ عَلَى أَصْلِكُمْ، وَوَقَعَ في حَسَبِكُمْ، وَدَفَعَ فِي نَسَبِكُمْ، وَأَجْلَبَ بِخَيْلِهِ عَلَيْكُمْ، وَقَصَدَ بِرَجِلِهِ سَبِيلَكُمْ، يَقْتَنِصُونَكُمْ بِكُلِّ مَكَان، وَيَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَان، لاَ تَمْتَنِعُونَ بِحِيلَة، وَلاَ تَدْفَعُونَ بِعَزِيمَة، فِي حَوْمَةِ ذُلّ، وَحَلْقَةِ ضِيق، وَعَرْصَةِ مَوْت، وَجَوْلَةِ بَلاَء”.
والان اذا نظرنا إلى انواع النجاسات المتافيزيقية نجد ان كلا منها قادر على القضاء على الكثير من الرجال في مواجهتهم مع ابليس.
– الدعوة إلى الكفر:
وتعتبر أهم الآيات القرانية، الكفر بأنه أحد السبل التي يتخذها الشيطان للهيمنه على الإنسان والاستحواذ على قلبه. وفي الشرع المقدس، فقد اعتبر الكافر، نجسا. ونقرأ في سورة الحشر:
“كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإنسان اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ”؛
– اثارة الحسد:
إن أحد اساليب الشيطان اثارة النزاع بين الاخوة والاقارب. ويعزو يوسف (ع) سبب ما حدث بينه وبين اخوته، إلى الشيطان، فيقول:
“… مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي … “؛ .
ويشير الإمام علي (ع) إلى ما اذلّ القوم وازال عزتهم وخلع منهم لباس الكرامة، ويقول:
“وَاجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْر كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ، وَأَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ: مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ، وَتَشَاحُنِ الصُّدُورِ، وتَدَابُرِ النُّفُوسِ، وَتَخَاذُلِ الاْيْدِي.
وَتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ قَبْلَكُمْ”؛
– الوعد بالفقر:
إن أكثر الحيل وسبل الشيطان للنفوذ إلى قلب الإنسان هي الخوف من الفقر. ان جملة الخصومة والضغينة السائدة بين الناس، والاحجام عن الانفاق وتقديم الصدقات، والامتناع عن تطبيق سنة صلة الرحم والسكوت عن الظالمين والمتجبرين، والاحتكار وبخس الكيل والميزان و… كلها حصيلة هذه الوساوس. ان الإنسان وخوفا من الفاقة والفقر والعوز، يرتمي في احضان جنود إبليس وبالتالي يقترف مئات المعاصي والذنوب الآخرى.
“الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”؛
– تأجيج نار الكذب
“هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ* تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ”؛
إن الكذب والحسد والغيبة والرياء و… هي من أهم النجاسات التي ينفذ منها الشيطان ليستولي على قلب الإنسان وعقله ولسانه وجوارحه ليغويه.
ويتحدث الإمام عليه السلام عن اسباب سقوط الامم فيقول:
“قَدِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ فِيَما بَيْنَكُمْ، وَنَبَتَ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ. وَتَصَافَيْتُمْ عَلَى حُبِّ الآمَالِ، وَتَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ الأمْوَالِ. لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكُمُ الْخَبِيثُ، وَتَاهَ بِكُمُ الْغُرُورُ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَأَنْفُسِكُمْ”.
وليس ان الشيطان وجنوده يستهدفون الإنسان وحده، بل ان هناك مجموعتين من الانس والجن تخضعان لعمل وتصرف الشيطان وجنوده الخبيثين.
إن ادراك الانسان، يمثل نطاق عمل الشيطان وادائه وان الشيطان يوسع من نطاق عمله تدريجيا من خلال العبث بالعواطف والمشاعر وبث الاوهام والافكار الباطلة في نفس الانسان. لكن الإنسان غير قادر على تشخيص الأفكار والأوهام التي تحمل وساوس الشيطان ويظن دائما بأن جميع الأفكار والآراء متعلقة به نفسه.
وعندما يتعرض الجسم لأشعة الشمس الحارقة في الصيف أو البرد القارس في الشتاء أو الفيروسات المنتشرة في الهواء ولا يتمتع بالحصانة اللازمة فإنه سيصاب بضربة الحر أو البرد أو المرض وما يتبعه من أعراض وتداعيات قد تجره إلى تجربة الموت حتى.
إن استدعاء الشيطان قد يشبه استدعاء البرد القارس أو الحر اللافح والأمراض المتفشية في البيئة المحيطة بنا لاسميا عندما نعرض أنفسنا لها من دون أن تكون لنا حصانة وحماية تمكننا من مواجهتها.
المخلصون؛ الناجون
عندما يدور الحديث عن “المخلصين” وهم عباد الله الذين لا سبيل للشيطان لإغوائهم، فإن الحديث يدور في الحقيقة عن الأناس الذين يحمون أنفسهم في كبسولة واقية في مواجهة حملات الشيطان ويصبحون في سلام وأمان بطبيعة الحال.
ويقدم القرآن بصراحة الأناس الذين يتمتعون بالحصانة في مقابل إغراءات الشيطان ويقول:
“إلاّ عِباَدَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصين”؛
إن من يتعرض لحملات المرض ويصبح جسمه هدفا للفيروسات والجراثيم من دون حماية ووقاية، فإنه لابد أن يدفع ثمن إصابته بهذا المرض بما في ذلك تناول الدواء وتحمل الضعف والهزال وربما الموت. إن هذا الفرد لا يمكن أن يلوم أحدا إلا نفسه.
وليس من السهولة بمكان إخراج الإنسان للشيطان وجنوده من ممكلة وجوده عندما يهيمن ويفرض سيطرته عليها وإن الأعراض ستكون متفاوتة حسب المرض ومسبباته. إن نطاق أثر المرض يتوقف على نوع الفيروس والجرثوم وكون المرض حادا أو مزمنا وعدم الاهتمام بالعلاج في أوانه.
وبنفس الطريقة التي أصيب بها “جسم وروح” الزورق وراكب الزورق وتضررا، فإنه لابد من تشخيص المرض ومن ثم علاجه وتصفية الجسم والروح تحت إشراف الطبيب والمراقبة الطبية الخاصة وخلال فترة زمنية طويلة ومن ثم العمل على تحصين الهيكل المتضررة بعد انسحاب المرض منه والحد من عودة المرض إليه ثانية.
وكأن هذا الكلام الرفيع، قد صدر اليوم. فقد وصف الإمام علي (ع) قبل ألف عام ونيف من هذا، ملامح وسمات المجتمع المتشيطن والممسوخ:
“… وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَن لاَ يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إِلاَّ إدباراً، وَ(لاَ) الشَّرُّ فِيهِ إِلاَّ إِقْبَالاً، وَ(لاَ) الشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ النَّاس إِلاَّ طَمَعاً. فَهذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ، وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ، وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ. اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاس، فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً، أو غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً، أو بَخِيلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللهِ وَفْراً، أو مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً؟”.
يتبع إن شاء الله
جـميع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافي
لا يسمح باستخدام أي مادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من ادارة الموقع
ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.
الهواشی
1.سورة ص (38)، الاية 82
2.رجالي تهراني، علي رضا، الجن والشيطان، ص 41
3.وسائل الشيعة، ج 13، ص 220
4.سورة الانعام (6)، الاية 112
5.سورة الحجر (15)، الاية 42
6.بحار الانوار، ج 2، ص 107
7.سورة الانفال (8)، الاية 11
8.سورة المائدة (5)، الاية 90
9.سورة البقرة (2)، الاية 275
11.سورة الانعام (6)، الاية 128
12.نهج البلاغة، خ 7، ص 53
13.سورة التوبة (9)، الاية 20
14.نهج البلاغة، الخطبة 192، ص 391
15.المصدر السابق، خ 192، ص 387
16.المصدر السابق، ص 385
17سورة الاعراف (7)، الايتان 16 و 17
18.نهج البلاغة، الخطبة 192
19.سورة الحشر (59)، الاية 16
20.سورة يوسف (12)، الاية 100
21.نهج البلاغة، الخطبة 192
22.سورة البقرة (2)، الاية 268
23.سورة الشعراء (26)، الايتان 221 – 222
24.نهج البلاغة، الخطبة 133
25.سورة ص (38)، الاية 83
26.نهج البلاغة، الخطبة 129