اسماعيل شفيعي سروستاني
إن أيادي الشيطان وبعد بعثة الأنبياء وتنزيل الكتب السماوية، تدخلت وتصرفت في أول فرصة متاحة، في الأركان الأصلية لنظام المؤمنين لإقامة الاتصال. وأربكت المناسبات وغيرت آداب ومناسك وأساليب العبادات. وغيرت من مواقع الأذكار وتصرفت في البعض منها وانتزعت بذلك من المسلمين والمؤمنين إمكانية إقامة الاتصال الحقيقي.
اسماعيل شفيعي سروستاني
إن أيادي الشيطان وبعد بعثة الأنبياء وتنزيل الكتب السماوية، تدخلت وتصرفت في أول فرصة متاحة، في الأركان الأصلية لنظام المؤمنين لإقامة الاتصال. وأربكت المناسبات وغيرت آداب ومناسك وأساليب العبادات. وغيرت من مواقع الأذكار وتصرفت في البعض منها وانتزعت بذلك من المسلمين والمؤمنين إمكانية إقامة الاتصال الحقيقي.
ولم يكن أحد بقدر اليهود واقفا على سر هذا العمل، لأنهم كانوا يعرفون جميع آداب ومناسك وأساليب إقامة الاتصال بالقوى الماورائية.
ويمر المسلمون مرور الكرام على الوقائع التي أدت إلى التدخل والتصرف في سيرة وسنة النبي الأكرم (ص) وشوهت الكثير من صور الأعمال والآداب الدينية، في حين أن قسما مهما من الآداب والسنن العبادية تساهم في إقامة الاتصال بمصدر الفيض الإلهي والتناسب مع الأولياء والجنود الرحمانيين، وأن التغيرات الطارئة على الأركان الخمسة تنتزع من المؤمنين إمكانية الوصول إلى جميع الأهداف المترتبة على التعاليم العبادية وتجعلها عديمة الأثر.
وتم تصنيف الأعمال والأحكام والشعائر الدينية في خمس مجموعات: “الواجب، المستحب، الحرام، المكروه والمباح”. إن بعض الأحكام تعد شرطا ضروريا وبعضها مقوما والآخر رادعا ومحصنا. إن سر ونسبة أيا من الأعمال والأحكام تكمن لدى مصدر الفيض وقبولها من قبل الله تعالى.
وعلى “العبد” أن يكون مستسلما بحتا وأن يطبق الأوامر والنواهي ليكون بذلك في مأمن تام من حملات جنود إبليس ويبقى في حصن حصين ويسلك مراتب الكمال. وطالما لا يكون هناك خطر محدق يتهدد النفس واحتمال الضلال والوقوع في شرك إبليس وجنوده، فإنه لما كان يؤتى على ذكر الولاية بوصفها الحصن الحصين.
إن حدوث الضعف والتراخي في تكريم الشعائر الدينية والتقاعس في تكريم السنن والآداب، ليس يعرض الارتباط بالعوالم المعنوية والروحانية الغيبية للخطر فحسب بل يحطم جميع الجدران التي تحمي وتصون الناس من خطر حملات جنود إبليس. واليوم وعلى إثر تفشي الثقافة المادية الغربية، فإن الناس يعيشون في لا أمان، وتتاح لجنود إبليس في السنوات التي تسبق ظهور إمام الزمان عليه السلام، السيطرة والتدخل في كل أوضاع وأحوال الناس، ومن هنا تملأ الأرض ظلما وجورا.
إن الرجوع إلى آداب وسنن المذاهب الإسلامية المختلفة تظهر نسبة التغيرات والتناقلات في الأركان الخمسة آنفة الذكر.
إن ما يمكن الحديث عن السيرة والسنة النبوية أو ما يطلق عليه في العصر الحاضر نمط الحياة الدينية، يشرف في وجه منه على إقامة هذا الاتصال والنسبة مع المصادر التي يعتبرها إنسان أو قوم ما حقا وأصلا ومصدرا للفيض، بينما تم افتراض هذا المهم على أنه موضوع هامشي وذوقي وشكلي.
إن تكريم السنن والشعائر هو في الحقيقة تكريم المنافذ والأنماط والكودات والأوقات والأماكن التي توفر إمكانية النسبة والارتباط بين العبد وخالق الكون ومصدر الرزق والرحمة. وإن أي تغير في صورة وسيرة هذه السنن يمكن أن يتسبب بتحريف إيجاد الارتباط وتخفيضه وبالتالي الإخلال به.
وهل بالإمكان إقامة اتصال هاتفي بصورة عرضية وفنطازية أو استنساخ كتيب أرقام هاتف الجار للتحدث إلى الشخص الذي نريده؟ وكم بالمئة يستطيع شخص ما الإفادة من كتيب هاتف الجار، للاتصال هاتفيا بوالدته أو زوجته. إن هذا الاحتمال هو صفر تقريبا.
إن إبليس يخشى أن يدعو الإنسان ربه، حتى و إن كانت الدعوة بقدر ركعة صلاة ناقصة أو مستعجلة. ان تدنيس عباد الله بأنواع النجاسات الفيزيائية والميتافيزيقية (الأخلاق ية) هي بمثابة منع الإنسان من الوقوف أمام ربه.
وثمة الكثير من الناس، يعبدون الشيطان ظنا منهم أنه الله، وإن الشيطان وعلما منه بهذا الأمر، يقدم نفسه في وقت الارتباط ، على أنه قاصد حضرة الرحمن ويظهر بأن خصلته رحمانية، وإن المتصل الجاهل، يعتبر أن المخاطب هو الله أو ملك ونائب عن الله. ومن هنا فإن إبليس يخدع الإنسان ويذهب به تدريجيا إلى الوجهة التي ينشدها.
إن أيا من الكفار وعبدة الشيطان، لا يعتبرونه في وقت الحديث عن معبودهم، بأنه مظهر الحقارة والرذالة والشيطنة، بل على العكس يعلنون للاتباع بأنه م يسيرون نحو النور ومصدر النور والنعمة.
القسم الأعظم من أعضاء المحافل السرية هم “ايلوميناتيون”
إن “ايلوميناتي” تعني “الطبقة المستنيرة”.
إن هذه المجموعة الخفية التي تعرف ب “ايلوميناتي بافاريا”، تعد من المحافل السرية التي يعود تأسيسها إلى عام 1776. وتعرف أيضا بعناوين آخرى مثل “حكومة الظل” أو “المنظمات المتواطئة”. إن التحكم بالكثير من أحداث وتطورات العالم هو بيد هذه الجماعة السرية. إن موضوع “النظام العالمي الجديد” الذي ما هو إلا إرساء عالم آحادي الحكم للأشرار اليهود، يعد من أهم وأكثر الموضوعات شهرة والمدرجة على جدول أعمال ايلوميناتي.
وقد أسس هذه المنظمة أحد أعضاء المحافل السرية وقادة الماسونية تأسيسا على الأفكار المضادة للدين والعلمانية، لكي يتم المضي قدما بأهداف القادة بواسطة الأعمال الإجرامية والشيطانية المريعة.
إن ما يتحدث عنه عبدة الشيطان الايلوميناتيين كمصدر للنور، ما هو إلا الشيطان الرجيم، وإن أعضاء ايلوميناتي يسيرون على خطى ومسلك عبدة الشيطان.
وهنا يمكن فهم أنه لماذا تسعى جماعة لتقويض الأسس العقائدية والعملية للمؤمنين بالأديان السماوية من خلال الترويج للتساهل والتسامح، وحصر الارتباط المعنوي والإيماني بالقناعات والعلاقة القلبية وتقول على سبيل المثال: “إن الإيمان القلبي يكفي” أو أنه تروج “يكفي أن يكون المرء صاحب قلب طيب”.
وهذه الكارثة جلبها للمرة الأولى بولص للمسيحية والمسيحيين. وكان يهوديا متزمتا تسبب في هيئة الحواريين والرسل، بأكبر انحراف في الديانة المسيحية الناشئة.
وكان بولص، يعتبر الإيمان القلبي بأنه كافيا بالنسبة لأتباع المسيحية والمؤمنين بها، وأعلن في سياق حذف الشريعة:
نعرف جيدا بأن الإنسان لن يكون في ظل تطبيق أحكام الشريعية منزها وبريئا من وجهة نظر الله؛ بل إنه سيكون طاهرا وبريئا من خلال الإيمان بعيسى المسيح فحسب.
كما أعلن:
“إن الشريعة أصبحت مرضعتنا لكي توصلنا إلى المسيح ولنعتبر من أهل الإيمان العادلين؛ لكن بما أن الايمان قد جاء، فإننا لم نعد نخضع للمرضعة”.
ومن هنا رفع التكليف بالشريعة عن المسيحيين. ومن أجل إثبات نظرية نسخ الشريعة أرسى عقيدة “الفدية” وقال:
سمعت أن شياطينا قد جاؤوا ليوسوسوكم. وإن أردتم النجاة، فتصرفوا وفقا للإيمان ودعوا الشريعة جانبا. إن الشريعة تعود إلى عصر القهر.
إن كل الديانات المنحرفة والفرق المصطنعة على يد المستعمرين، بما فيها البهائية، قامت من خلال ترويج “الرؤية الجزئية والانتقائية” للدين والأخلاق والشريعة الحقيقية للأديان، بانتزاع مجمل أدائها منها، وسلبت كل أمكانية إقامة الاتصال الحقيقي والمؤثر من أتباعها السذج.
إن ارتباك النسبة بين الميادين الفكرية والأخلاقية والتطبيقية لدين متكامل ما وانفصال وانعزال جزء من الجزء الآخر والتعامل الانتقائي مع هذه المنظومة المترابطة، حول مجرة دين متكامل ما إلى نجمة أو كوكب سيار أو شهاب معلق في عمق السماء.
وربما لهذا السبب يعتبر الله سبحانه وتعالى اولئك الذين يتعاملون بهذه الطريقة مع منظومة الدين، بأنهم منافقون.
ويقول القران الكريم في سورة النساء، حول المسلمين المشاغبين والذين يريدون زرع الفساد بين الناس:
“وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا”؛
وليسوا قليلين الأناس الموبوئين بالإثم والجريمة والنجاسة (اولئك الذين يعتبرون خلال إقامة الاتصال بالشيطان، الشرط الضروري لهذا الاتصال ودخول مجال عبادة الشيطان) ممن استدعوا الشياطين وأجلسوهم في صدر مقام مملكة وجودهم. فهذا الضيف سيصبح مدعوا آجلا أم عاجلا، وسيتسع مكانه ليتحول إلى صاحب الدار.
وطالما لا يتم طرد هذا الغاصب غير المدعو – الشيطان -، فإنه لن تتوفر إمكانية إقامة اتصال حقيقي ومؤثر. وهذا المشاكس ومن خلال الإخلال بركن أو عدة أركان من إقامة الاتصال، يحبط أثر ومفعول الجهود التي يبذلها المتقدم بطلب إقامة الاتصال.
وكل هذا، طبعا لا يشكل عائقا أمام تطبيق وتنفيذ الأعمال . فهناك الكثير من الرجال والنساء ممن يتأدبون ظاهريا بأدب الدين ويكرمون الشريعة، لكن غياب النية الخالصة والصفاء والخلو من الرياء والتظاهر و… لديهم يؤدي إلى عقم جهودهم في إقامة الاتصال.
وبالتالي فإنه من أجل “إقامة اتصال مؤثر وموفق وحقيقي” لابد من التصرف بحميمية وبخلوص. ولهذا فإن التعاليم الدينية تعتبر “ترسيخ النية والعزم بحميمية تامة” كأحد أركان الاتصال.
وليسوا قليلين الأناس الذين يتوجهون إلى مخاطب خاص، في أفضل الأزمنة وأفضل الأمكنة ومع حفظ جميع الشروط والتمسك بأرفع المضامين، لكن لا يجدون نفعا من كل هذا لأنهم لا يوجهون جل نيتهم وقصدهم وحميميتهم نحو ذلك المصدر، وعلى العكس، يمكن مشاهدة أناس نالوا مبتغاهم وقصدهم بالحد الأدنى من الإمكانات الأربعة وبسبب ترسيخ النية وإظهار الحميمية. ولذلك وعلى النقيض من تصور أتباع الدين في الظاهر، فإن إبداء الحميمية وعدم الرياء والابتعاد عن التظاهر يضطلع بأهم دور في إقامة الاتصال مع مصادر الفيض الرحماني وحتى المقاصد الشيطانية.
يجب أن نكون حميميين مع حضرة المحبوب. ونطلب كل شئ من أجله وتحاشي خلط ومزج النوايا.
التوضؤ بالماء المضاف
وهل دققتم في مسالة الوضوء في الدين الاسلامي؟
إن أحد الشروط المسبقة لصحة الوضوء هو أن يكون الماء خالصا وطاهرا. فالماء المضاف مثل ماء الورد والعصائر والمشروبات الغازية و… وإن كان طاهرا وزكي الرائحة وشفافا وكون مصدره كُرا، لا يمكن أن يحل محل الماء للتوضؤ وتأدية الصلاة. لماذا؟
لأن ماء الورد والعصائر ليست ماء خالصا. فهي تحوي على شئ إضافي يزيل الشرط اللازم للوضوء.
إن ما نؤديه ونعتبره صلاة، هو صورة الصلاة لا حقيقتها. إن الصورة الكاملة للصلاة هي مقدمة الإقامة وتأدية الصلاة الحقيقية. ويجري الاتصال من خلال التأدية الحقيقية والمتكاملة للصلاة ومع حفظ الشروط ويبلغ المصلي مرحلة التخلي عن الذات وضرب من التواجد في حضرة المحبوب.
وعندما لا يكون بالإمكان الاستعداد لصورة الصلاة بواسطة الماء المضاف، فكيف يمكن تحقيق الاتصال والوصل والقرب من خلال صلاة الماء المضاف والمدنس بالأغراض؟
والوضوء لا يتحصل من خلال إضافات مثل الملح والسكر في الماء كما أنه لا يمكن إقامة صلاة حقيقية بإضافات مثل الرياء والتظاهر و… . وفي الحقيقة لا تتحقق صورة الصلاة بالماء المضاف ولا حقيقة الصلاة بالرياء الذي ينشر رائحته البشعة.
إن صدق النية والقصد وعدم الرياء والحميمية تعد الشروط المسبقة لإقامة اتصال مؤثر وحقيقي. إن الحميمية تملك لونا وطعما ويمكن الاستشعار بها من على بعد الكيلومترات، شأنه شأن الرياء.
وربما لهذا السبب ورد في الحديث الشريف: إن الرياء يحرق الإيمان كما تحرق النار الحطب. ويقول الإمام علي (ع): “تصفية العمل، أشد من العمل”.
العوالم الثلاثة
إن بعض الدعاة والمعلمين الدينيين يُرجعون في وقت الإنذار والتبشير وبيان الأوامر والنواهي الإلهية، نتائج العمل بالمعروف وترك المنكر، إلى القيامة الكبرى وفي وقتنا الحاضر إلى حضور الإنسان عند ميزان العدل الإلهي ويعتبرون أن الحكمة الرئيسية من جعل الأحكام والسنن تقتصرعلى الثواب والعقاب الإلهيين في صحراء القيامة وعند الميزان، لذلك فإن الناس وقعوا في خطأ لأنه أولا: إنهم يغفلون أثر أعمال المعروف أو المنكر في الدنيا ومشاهدة نتائج العمل في هذه الحياة. وثانيا: إنهم يبقون في جهل من تشكل المستقبل (حياة الجحيم أو الجنة) في هذا الزمان ونشوء غرف النعيم أو دركات الجحيم على يد الإنسان في هذه الحياة الدنيا.
وبما أن السواتر والغطاء والغشاوة على السمع والبصر تحول دون مشاهدة عموم الناس للعوالم البرزخية – ماعدا عدد محدود من الناس- ، وجدت هذه الشبهة من أن هذه العوالم ستحدث بعد تجاوز العالم الدنيا، في حين أن هذه العوالم حاضرة معا وبصورة متوازية وأن الإنسان ليس يسير في الحقيقة في تلك العوالم فحسب بل يؤثر – بدوره – عليها وحتى أنه يقرر مستقبله المرتبط بالبرزخ والقيامة.
ويستشف من الكثير من الآيات القرانية بأن سائر العوالم (البرزخ والقيامة) موجودة وسارية الآن؛ رغم أن عين الإنسان في الظاهر غافلة عن رؤيتها. ويقول الله سبحانه وتعالى:
“يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخرةِ هُمْ غَافِلُونَ”؛
وثمة إشارة في أية كريمة آخرى من سورة التكاثر إلى رؤية الجحيم بالنسبة لأصحاب العلم اليقين:
“كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ”؛
إن حُجُب الذنوب تمنع تجربة علم اليقين وبالتالي رؤية العوالم البرزخية والمتعلقة بالقيامة في الحياة الدنيا، وإن لم يكن كذلك، لما كان الله سبحانه وتعالى يقول حول نتيجة عمل من يأكلون مال اليتيم: “إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)).
وقد رأى النبي الأكرم (ص) أثناء المعراج، مراتب جهنم والجنة والنعمات الإلهية التي أعدت للمتقين. وورد في رواية عن المعصومين (عليهم السلام):
“ما أُولئك مِنّا ولا نَحنُ مِنهُم، مَن أنكَر خَلْقَ الجنّة والنّار”؛
قال الصادق (عليه السلام) ان رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بالناس الصبح، فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه، مصفرا لونه ، وقد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول الله موقنا، فعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله وقال: إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال: إن يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم وكأني أنظر إلى أهل الجنة، يتنعمون في الجنة ويتعارفون وعلى الأرائك متكئون وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون وكأني الآن أسمع زفير النار، يدور في مسامعي؛
وفي قضية ليلة عاشوراء واتمام الحجة مع الأصحاب، أظهر الإمام الحسين (ع) لأصحابه، الجنة ومكانتهم فيها.
وثمة الكثير من الآيات والروايات التي تروي باأن تحضير وإعداد الفرد لموقعه في الجنة أو النار يحصل في هذه الدنيا. بحيث يقول سبحانه عز وجل:
“وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ”؛
وجاء في حالات الإمام السجاد (ع) والإمام الصادق (ع) أنهما عندما كانا يتلوان سورة الحمد، كان يُغشى عليهما على إثر تكرار الآية الكريمة “مالك يوم الدين”. إنهما كانا يشاهدان جميع العوالم بعلم اليقين وعين اليقين.
والتباين يكمن في ان ائمة الدين والمؤمنين المخلصين يصلون قبل تجربة الموت، إلى هذه العوالم ويشاهدونها من خلال علم اليقين وعين اليقين، بينما سائر الافراد يجب ان يصبروا إلى ان يحين اجلهم لرؤية العوالم المتعلقة بالبرزخ والقيامة وذلك بسبب الغطاء الذي اسدل على قلوبهم وابصارهم. لذلك يعتبر عالم القبر لعامة الناس بمثابة آخر يوم من الحياة الدنيا وأول يوم من العالم الآخر.
وقال رسول الله (ص):
“مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لا إلَهَ إلاّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه، عَلِيٌّ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَام”
وقال الإمام علي (ع) “الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا”.
ويعتبر العالم الدنيا بكل ظهوره، عالم النوم وعالم ما بعد الدنيا أي عالم البرزخ بأنه عالم اليقظة والانتباه.
وهذا النوم لا ينطبق على حضرته لأنه يقول:
“لو كُشِفَ الغِطاء ما ازدَدْتَ يَقينا”
يسأل عبد السلام بن صالح الهروي، الإمام الرضا (ع) : هل الجنة والنار مخلوقتان؟ فيجيبه الإمام (ع) : نعم وإن رسول الله قد دخل الجنة ورأى النار لما عُرِج به للسماء فمن انكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي (ص).
وعلى الرغم من تصور عامة الناس الذين يضفون الاصالة على عالم الدنيا والذي يعتبرونه محيطا بسائر العوالم، فإن عالم الشهود غارق في عالم الغيب. ان العوالم المجردة محيطة بالعوالم الملكية والمادية وان العوالم المجردة تحتفظ بالعوالم الملكية والدنيوية كالجنين في جوفها.
إن القران الكريم، يقدم عرض عالم القيامة وعرض الجنة بأنه ا بقدر عرض السموات والارض.
وفي مراتب خلقة الكون، فإن العالم النوري والروحي، مقدم على العالم الملكي، كما أن العالم الملكي من حيث المرتبة والشأن يقع ذيل العالم الروحي وبعده.
وهناك الكثير من الآيات والروايات التي تتحدث عن مراتب الخلق. وقد خصص العلامة المجلسي، “المجلد 54 من بحار الانوار” للروايات المتعلقة بحدوث العالم وبدء الخليقة. وقد ورد في وقت السؤال عن أول مخلوق:
قالَ أَبُوعَبْدِ الله الصادق عليه السلام: إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ خَلَقَ الْعَقْلَ وهُوأول خَلْقٍ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ”؛
وتشير روايات آخرى إلى “نور النبي الأكرم (ص) والأئمة الأطهار” وتعتبر الخلق النوري والروحي لهذه الذوات المقدسة بأنها أول ما خلق الله:
وقال الإمام ابوجعفر (ع) لجابر: يَا جابِر إنَّ الله أول ما خَلَقَ خَلقَ مُحَمداٌ وعِترَته الهُداة المُهتَدين”؛
و واضح أن المقصود هو الخَلْق الروحي والنوري، لأنه ليس خافيا بأن الخلق الجسدي للنبي الأكرم (ص) وأهل البيت (ع) حدث آلاف الأعوام بعد خلق السماوات والأرض وأدم (ع).
وفي عالم الماديات والجسمانيات، فإن أول مخلوق من غير المحسوسات هو الهواء وأول مخلوق من المحسوسات هو الماء.
وهناك الكثير من الروايات التي تدل على خلق الجنة والنار ووجودهما الحاضر والناظر في هذا الزمان الذي يعيش فيه الإنسان على الأرض وفي العالم الدنيا.
قال رسول الله (ص): “لما أسري بي إلى السماء ، دخلت الجنة رأيت فيها ملائكةً يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وربما أمسكوا ، فقلت لهم : ما بالكم قد أمسكتم ؟.. فقالوا : حتى تجيئنا النفقة ، فقلت : وما نفقتكم ؟.. قالوا : قول المؤمن : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإذا قال بنينا وإذا سكت أمسكنا”.
وقال الإمام الصادق (ع) عن رسول الله (ص): من قال “سبحان الله” تغرس له غرسة في الجنة ومن قال “الحمد لله”، تغرس له شجرة ومن قال “الله اكبر” تغرس له شجرة.
والقصد هو أن نبين وجود عوالم البرزخ والآخرة، والإنسان هو الذي يصبح جاهلا لها بسبب حجاب الغفلة والذنوب. إن جملة الأعمال الممدوحة والمذمومة للإنسان تشكل كيفية العوالم والمكانة التي يبينها الإنسان لنفسه. إن الصورة النهائية لمكانة الإنسان في الآخرة، تتحصل بعد تجاوز جميع المراحل وتسوية الحساب النهائي الذي يحصل له. مثلما أنه يلاحظ في وقت الورود إلى عالم البرزخ، التجسم الحقيقي لجملة الأعمال والاقوال الصادرة عنه في الدنيا.
ومن هنا نقول أنه قبل التفكير بنتيجة الأعمال والاقوال في القيامة، يجب أن نفكر بآثار كل ذلك في عالم الدنيا وبعده، ظهور مراتبها الآخرى في عوالم البرزخ والقيامة.
يتبع إن شاء الله
جـميع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافي
لا يسمح باستخدام أي مادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من ادارة الموقع
ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.