البیان الختامی للمؤتمر الدولی السادس للتقریب بین المذاهب الاسلامیة فی لندن

أصدر المركز الاسلامی فی انجلترا بیاناً فی ختام المؤتمر الدولی السادس للتقریب بین المذاهب الاسلامیة بلندن واكد فیه ان التقریب مشروع حضاری وتطویر آلیات التقریب وتفعیل حراكه المؤثر فی الأمة كلاهما سیجعل من هذا المشروع حاضنة كبیرة لتطلعات الوحدة داخل كیان الأمة الإسلامیة الواحدة.
وأفادت وكالة الأنباء القرآنیة الدولیة(ایكنا) انه أصدر المركز الاسلامی فی انجلترا بیاناً فی ختام المؤتمر الدولی السادس للتقریب بین المذاهب الاسلامیة بلندن تحت عنوان “الدور الحضاری للتقریب فی تحقیق السلم الاجتماعی” وذلك امس السبت 22 ایلول 2012 المصادف 12 ذی القعدة 1433هـ وهذا نص البیان:
“بسم الله الرحمن الرحیم
(یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ)(سورة الحجرات: 13).
نحو التعایش والسلام دعانا القرآن الكریم حیث الرحمة التی بها أرسل الله نبینا الاكرم محمد (ص)، فقال: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمین)(سورة الانبیاء: 107)، من غیر استثناء مسلماً كان أو غیر مسلم، وجعل الله الناس شعوباً وقبائل لكی یتعارفوا لا أن یتخاصموا أو یتنازعوا حتى لا تذهب قوتهم ویفشلوا، فقال (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِیحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ)(الانفال:46)، ومن أجل أن یتعاون المؤمنون وهم معتصمون بحبل الله، قال سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرقوا)(سورة آل عمران: 103)، ومن أجل أن یتعاون الانسان مع أخیه الانسان قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(سورة المائدة: 2)، فهذه وغیرها مقومات للحیاة الهادئة التی تنعم فیها الانسانیة وتنشد أهدافاً وقیماً تتجاوز بها محنها وعقدها الحیاتیة، حیث ان هذه المبادیء تؤسس لحیاة طیبة وتحقق بذلك سلماً اجتماعیاً بین الناس رغم تعدد الافكار والافهام والاذواق وتنوّعها، فالتنوع مصدر إلهام وابداع ولیس عائقاً فی طریق تنمیة الأمة لقدراتها وحین لا تفلح الأمة فی توظیف هذا التنوع فی خدمة التنمیة والتطویر الحیاتی والقیمی تطفو حینها مشاكل وعقد تفتت إرادة التغییر فیها، وحین یكون التنوع ملهماً للقدرات ودافعاً للابداع تتطلع الأمة لمواقف مشتركة مستلهمة قیم التعایش المبنی على احترام الآخر وحفظ حقوقه وبذلك تعیش الأمة واقعاً جدیداً تتحقق فیه حیاة اجتماعیة متناغمة تختفی فیها جزئیات العقد الحیاتیة وتبرز فیه مهام جدیدة تدفع فی طریق بناء الحیاة الحرة الكریمة المبنیة على السلم الاجتماعی الذی تنشده الانسانیة فی كل مراحلها وبهذا السلم تتفجر طاقات الأمـة وتستفید من قدراتها الذاتیة لیعم خیرها الدنیا جمیعاً (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا علیهم بركات من السماء والأرض)(سورة الاعراف: 96).
انّ التقریب بین المذاهب الاسلامیة من شأنه ان یفتت هذه العقد ویفتح آفاقاً للحوار یقضی فیها على الحواجز ویدفع الاوهام التی تعترض الفهم المتقارب والمواقف المشتركة، بینما الأمة فی ظل التناحر والتضاد وتناقض الآراء واغفال قیم التقریب تفقد لا محالة قیم التعایش ومبادیء السلم الاجتماعی وقد اكدت المؤتمرات الخمسة السابقة للتقریب بین المذاهب على ایجاد مثل هذه الفرص الكریمة للتلاقی وفهم الآخر والنأی عن نقاط الخلاف الذی یسد على الاطراف أبواب العمل المشترك والحیاة السعیدة، ولأهمیة السلم الاجتماعی ودوره فی تنمیة الانسان والمجتمع معاً انعقد المؤتمر الدولی السادس للتقریب بین المذاهب الاسلامیة لیناقش (دور التقریب الحضاری فی تحقیق السلم الاجتماعی) بحضور العلماء والمفكرین والنخب العلمیة، ومن خلال الابحاث والأوراق والمداخلات والملاحظات التی قدمت فی المؤتمر ثبّت المجتمعون عدداً من القرارات والتوصیات والمقترحات:
1- التقریب مشروع حضاری وسبب كبیر من أسباب تحقیق الوحدة الإسلامیة، فالتوافق الفكری مقدمة للانسجام العملی، وان تطویر آلیات التقریب وتفعیل حراكه المؤثر فی الأمة كلاهما سیجعل من هذا المشروع حاضنة كبیرة لتطلعات الوحدة داخل كیان الأمة الإسلامیة الواحدة، لتسود ثقافة الوحدة والتقریب بین المسلمین.
من یعیب على التقریبیین سیلوذ بالهزیمة
ومن یعیب على التقریبیین ویلمز جهودهم وأعمالهم سیلوذ بالهزیمة ویصطدم بجدار هذه الوحدة ولا یحصد سوى المزید من الفشل والخسران ومخالفة النداءات القرآنیة وسنة النبی الأكرم محمد (ص) فی تعزیز وبناء التآخی والوحدة بین المسلمین.
2- لابد من التمییز بین الصحوة الاسلامیة بما تحمله من عفویة وقیم اسلامیة ومطالب جماهیریة محقّة، وبین (الربیع العربی) الذی دخلت علیه ید الاستكبار والهیمنة لتفتیته والسیطرة علیه، ثم ان الصحوة الاسلامیة تعنی الرجوع إلى قیادة النبی محمد (ص) وهی بالتالی تعنی ولادة الأمة الاسلامیة الواحدة من جدید والتی سوف تشكّل القوة العظمى التی تقود الانسانیة، وهذا ما جعل اعداء الانسانیة یصبّون جام غضبهم على شخصیة نبینا قائد الأمة الاسلامیة المرشحة لقیادة العالم الجدید.
3- إنّ الإساءة للرموز والمقدسات الدینیة انما هی عبث فی السلم الاجتماعی لهذه الانسانیة، ولا تمت تلك الإساءات من قریب أو بعید الى حریة الرأی والفكر فأن الحریة انما تنتهی عند حقوق الآخرین، ومن هنا یطالب المؤتمرون كل المنظمات والهیئات الانسانیة والدینیة لا سیما منظمة التعاون الاسلامی ودول عدم الانحیاز والجامعة العربیة للسعی من أجل تجریم مسببی ومثیری هذه الاساءة الأخیرة وأمثالها ومن ثم السعی لاستصدار قانون دولی یجرم مثیری هذه الاساءات وصانعیها ومروجیها، حیث لا ینفع مع هؤلاء الادانات أو الشجب أو الاستنكار بالمرّة.
4- ان بلادنا الاسلامیة الیوم تخضع لأشد وأعنف المؤامرات والاعمال التی تستهدف تمزیق وحدتها بسلاح الطائفیة وفتاوى التكفیر نیابة عن دول الهیمنة والتسلط. ان المسلمین كافة مسؤولون عن مواجهة هذه التحدیات وتداعیاتها، وللعلماء دور مبرّز فی درء الفتنة واحلال السلم والتعایش المشترك وبدون ذلك الحزم سوف نسمح لهذه الأخطار ان تأتی على كل ما نمتلكه نحن المسلمین من مصادر القوة والوجود، انهم لا یریدون تنمیة بلداننا ولا رفاه شعوبنا ولا یسمحون لأی تطور فی عالم الأبداع الذی به تبنى المجتمعات، فلیكن المسلمون یداً بید لتحقیق تلك الأمانی التی بها سعادة شعوبنا بعیداً عن أیة تبعیة أو استغلال لثرواتنا أو مساسٍ لسیادة بلداننا. اننا خیر أمة أخرجت للناس إن أمرنا بالمعروف ونهینا عن المنكر وآمنا بالله الواحد الأحد.
5- السلم الاجتماعی: اذا كان السلم هو غیاب العنف والارهاب والنـزعات القومیة والعرقیة والطائفیة وغیرها فهذا هو هدف السماء ورسالة الانبیاء ونظم القرآن وسیرة النبی الاكرم محمد (ص)، فلا حضارة ولا رخاء لهذه الانسانیة جمعاء إلا بإحلال السلم الاجتماعی بین الناس عموماً وبین المسلمین أنفسهم بشكل خاص ولو بمراتب مختلفة، وهذا لا یتحقق إلا من خلال السیر فی طریق الوحدة وبناء المواقف المشتركة وهذا بدوره لا یتم إلا من خلال إیجاد أجواء هادئة ومستقرة یحقق التقریب فیها مساحة كبیرة من الانسجام والتناغم والحوار. وبغیر السلم الاجتماعی الذی تحیط به التحدیات من كل مكان سوف ینتظر الانسانیة والمسلمین بشكل خاصٍ خراب عظیم ودمار لكل ما حققته الادیان والمذاهب فی طریق التعایش وفهم الآخر فی ضوء التنوع والتعددیة الفكریة.
6- ضرورة البحث عن آلیات جدیدة تدعم التقریب الى جانب الآلیات الفاعلة فیه فالتحدیات أمام التقریبیین تتعقد مع تجدد واصرار التقریبیین ولعلّ تشكیل الورش الفكریة فی مختلف المناطق والحوار القریب والخطاب الهادیء وإشاعة قیم التقریب وسیادة ثقافته بین المسلمین، یسهم ذلك كله فی ایجاد مناخات تقریبیة جدیدة لدرء التحدیات والوقوف بوجهها لصناعة رأی مشترك وموقف مشترك فی مختلف المسائل التی تواجهنا الیوم كتقریبیین وروّاد وحدة دعا الیها اسلامنا الحنیف ونبینا العظیم (ص).
7- لهذه الأمة الاسلامیة قضایا كبرى تجهد فی الدفاع عنها وفی طلیعتها القضیة الفلسطینیة التی تدعونا جمیعاً للوقوف الى جانبها والدفاع عن حقوقها وعن أبنائها، فی وقت یحاول البعض إلهاء الأمة عنها وعن مجمل قضایانا الأساسیة لیَضیع المسلمون فی الخلافات والفتن.
ونحیی من هنا كل صوت مقاوم یأبى الذل والهوان لا سیما فی فلسطین ولبنان، وان طریق الوحدة والتقریب یحقّق الكثیر من هذه الآمال التی یتطلع لها المظلومون فی كل مكان فالله سبحانه لا یرید لعباده ان یظلموا أو یُظلموا فبالعدل یسود السلم والامان وهو الهدف الأسمى للتقریبیین ومن یسعى فی طریق بناء أواصر الوحدة الاسلامیة.
8- ان النـزاعات الیوم التی تشهدها سائر بلادنا الاسلامیة تدعونا للمبادرة لوضع حلول عاجلة لوقف نزیف الدم والعنف من خلال تشكیل مرجعیة علمائیة تقوم على حلّ هذه النـزاعات على أساس من المعاییر الاسلامیة، وبدونها سوف نـترك المجال للمتربصین بهذه الأمة الذین یسعون لتمزیقها والهیمنة على ثرواتها وحقوق أبنائها وسیادة بلدانها.
9- وفی سیاق الفقرة الثامنة من هذا البیان فأن جمیع المسلمین مطالبون بالتصدی لتقدیم الحلول الاسلامیة الناجعة للأزمة الدامیة فی سوریا، ویؤكد المؤتمر على تشكیل (لجنة اتصال) على المستوى الذی یلیق للتحرك على قضیة بحجم سوریا (الحكومة، والمعارضة معاً) لایجاد فرص وخیارات مناسبة لقبول الحل الإسلامی.
ویبارك المؤتمرون الجهود المبذولة لعقد مؤتمر الحل الاسلامی للأزمة السوریة المزمع عقده فی طهران فی غضون الشهرین القادمین إیماناً منا جمیعاً بحفظ دماء المسلمین واحترامها، مناشدین الجمیع بدعم هذا الاتجاه لیكونوا جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة، ولعل اللجنة الرباعیة القائمة حالیاً تكون جزءاً من هذا التحرك الجدید الواسع.
قادة البلدان الاسلامیة أمامهم مسؤولیة دعم الجهود التقریبیة
10- قادة البلدان الاسلامیة أمامهم مسؤولیة دعم الجهود التقریبیة التی تهیء لمقدمات العمل المشترك وصناعة المواقف المشتركة. اما ان یبقوا یتفرجون على هذا الحراك الذی یسعى لوحدة المسلمین فان الشعوب تحمّلهم مسؤولیة ذلك، وان علماء الأمة والسائرین فی طریق الوحدة وكذلك روّاد التقریب ینتظرون من قادة هذه البلدان الموقف الداعم والمؤید لهذا الحراك التقریبی الذی فیه خیر الأمة ومستقبلها لا سیما بعد ان اخذت تحدیات التقریب أبعاداً دولیة فی مقدمتها الاستقواء بالخارج والفتن الطائفیة التی تدار من دول الهیمنة والتسلط. فالمسؤولیة مشتركة من أجل أمان هذه الأمة وسعادتها وبناء مستقبلها المستقل.
وما طرح فی مؤتمر قمة (التضامن الاسلامی) الأخیر من الدعوة الى تأسیس مركز للحوار بین المذاهب الإسلامیة ینبغی ان تكون خطوة فاعلة لتصحیح المسار الدعوی لینأى عن منطق الاقصاء والتكفیر الى منهج الاخاء والتسامح والتفكیر.
11- قبل أربعین سنة اعتمدت دول العالم اتفاقیة التراث العالمی بناءً على فكرة مفادها أننا نتقاسم تراثاً عالمیاً یحقق الترابط بین جمیع الثقافات وهی فكرة تحاول الجماعات المتعصبة فی بقاع العالم كافة محاربتها، كما فی الاعتداءات التی حصلت على المقامات الصوفیة والاسلامیة والدینیة بشكل عام ولیست الاسلامیة فقط لما تتضمنه من اعتداء موجّه ضد هذا التاریخ وضد قیم التسامح والتبادل والعیش المشترك التی تحملها هذه المواقع التاریخیة، وهذا یدعوننا الى حركة تضامن عالمیة جدیدة لشجبه والحیلولة دون تنامیه وهی فی صلب أهداف التقریب من أجل تحقیق السلم الاجتماعی العالمی.
12- هناك جملة من التوصیات والمقترحات أكد علیها المؤتمرون فی طلیعتها:
أ‌- أن یعرَّف هذا المؤتمر ككیان اسلامی مستقل له رسالة وأهداف وأمانة ولجان عمل تفعّل التوصیات التی تنبثق عن المؤتمر فی بیاناته الختامیة.
ب- تصمیم موقع الكترونی خاص للمؤتمر یوثق كافة الأوراق والرسائل والبحوث والدراسات والتوصیات التی طرحت فی المؤتمرات السابقة والتی ستطرح فی اللاحقة لیكون ذلك مرجعاً حقیقیاً للدارسین والباحثین فی مجال التقریب.
ج- اصدار كتاب سنوی عن المؤتمر یحمل اسم المؤتمر والدورة السنویة ویتضمن جمیع المشاركات من أوراق بحثیة وكلمات وبرامج واسماء المشاركین.
د- تخصیص صندوق (دعم مالی) لتنفیذ مشاریع وبرامج التقریب.
13- للمرأة دورها المؤثر فی تفعیل مشروع التقریب، لذا ینظر المؤتمرون الى ضرورة تعزیز دور المرأة المسلمة واتاحة مساحة كبیرة لها فی هذه المؤتمرات لتمارس دورها فی التأثیر فی أوساطها لا سیما فی المجال الاكادیمی والجامعی ومختلف المجالات الفكریة.
14- كلمة شكر وثناء لكل الجهود التی شارك فیها المؤتمرون ومن تجشم عناء السفر والحضور وللقائمین على هذا المؤتمر فی سبیل توحید الكلمة بأعلاء كلمة التوحید، وكلمة ودّ وثناء للاعلامیین الذین لازمونا فترة انعقاد المؤتمر ونحمّلهم أداء رسالة التقریب فی وسائلهم الاعلامیة المرئیة منها والمقروءة والمسموعة فالاعلام بات سلطة مؤثرة فی صیاغة الرأی العام لذا ندعوهم شاكرین لتنظیم برامج خاصة فی التقریب والوحدة لاشاعة هذه الثقافة والقیم التقریبیة فی مجتمعاتنا وخارجها، ومن جهة أخرى العمل على نشر فكرة الحل الاسلامی لأزمات العالم الاسلامی عموماً. والله هو المسدد والمستعان.
والحمد لله رب العالمین.

المؤتمر الدولی السادس للتقریب بین المذاهب الاسلامیة ـ لندن
29/9/2012م الموافق 12 ذی القعدة 1433هـ”

شاهد أيضاً

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

الاخبار – القدس العربي: قام جندي إسرائيلي بتهديد نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين كانوا يتضامنون مع أهالي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *