مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية
الانتفاضة الثالثة أو الانفجار الكبير أو التسونامي، مفاهيم تبرز في الاعلام الإسرائيلي بشكل مكثف في لحظات سياسية أو مراحل احتقان وتوتر وتصعيد على خلفية نشاطات احتلالية واستيطانية وأمنية، مفاهيم تسهب المؤسسة الأمنية في استعراضها، ويكثر السياسيون الإسرائيليون في توظيفها لغايات مختلفة، قد تكون متعارضة في خدمة أجندات يمينية ترى فيها تهديداً أمنياً يؤكد صحة ما تسعى إليه، أو في خدمة أجندات من يزعمون أنهم تيار مركز اليسار الذى يعزو هذا التهديد لانسداد الأفق السياسي.
ولعل أحداً لا يختلف على أن الوضع الفلسطيني يعيش أسوأ مراحله على المستوى الوطني والاجتماعي من استيطان وانفلات لعصابات المستوطنين المحميين بعصابات الجيش وبتنظيماتهم العسكرية السرية، وانسداد الأفق السياسي وغياب أي اشارات توحى بقرب انفراج سياسي، لاسيما في ظل إجماع إسرائيلي لكل أطيافه وألوانه على التهرب من الاستحقاق الحقيقي لأي تسوية، وفى ظل قناعات فلسطينية تزداد تعمقاً تشير إلى إن المفهوم الإسرائيلي للتسوية والمفاوضات لا يعدو الا كسباً للوقت، وغطاء لاستمرار الاحتلال، وأن ما تستطيع اسرائيل عرضه ليس الا تسهيلات قد تكون كبيرة في أحسن الأحوال.
وغدا من المسلمات القول أن الشعب الفلسطيني يعانى إحباطاً عميقاً وأن قدرته على الاحتمال والصبر تمر في اختبار صعب وبات أشبه بطنجرة ضغط تغلي قد تنفجر في كل وقت، ويأتي إضراب الأسرى واستشهاد المناضل عرفات جرادات في ظروف ناضجة تماماً بكل المقاييس الموضوعية لاشتعال المواجهة مع قوات الاحتلال ومستوطنيه، سواء في شكل حراك وهبات أم في شكل اشتباك متواصل ينطوي على ديناميكيات ذاتية للانفتاح على أشكال وأدوات ومساحات للاشتباك.
هذا موضوعياً، لكن ماذا عن الظروف الذاتية التي يتحتم توفرها لتمنح الاشتباك الديمومة وتشكل له الإطار القائد، وتوفر الإسناد وتستطيع استثماره سياسياً، حتى لا يكون مجرد اجتراح للتضحيات والمآثر البطولية دونما أهداف، ربما يبدو السؤال عن جاهزية الظرف الذاتي سؤالاً استنكارياً، وفي ظروف عادية ما كان يجب أن يُسأل، فحركة التحرر يجب أن تكون جاهزة دوماً لاستنهاض طاقات الشعب وتوظيفها في فعل مقاوم، والتقاط أي فرصة للثورة ورفع وتيرة الاشتباك ومساحاته.
إن نظرة مدققة لمجريات الأمور على الساحة الفلسطينية الداخلية تستطيع أن تلاحظ بسرعة غياب الإجماع الفلسطيني الضروري لإشعال الثورة وديمومتها، غياب مرده اعتبارات سياسية للبعض مرتبطة بمواقف سياسية ثابتة، وخشية من عدم القدرة على السيطرة، لكن الانقسام يعتبر أحد أهم الأسباب التي تغيب هذا الاجماع، بالرغم من عدم التصريح بذلك، فهو يخلق هواجس لدى حركة فتح والسلطة من احتمال استغلال حركة حماس للانتفاضة لتقويض مكانة السلطة وفتح في الضفة وتعزيز مكانتها، وهو يشكل هاجس حقيقي، لذلك لا بد لإنضاج العامل الذاتي من انهاء الانقسام، وإعادة بناء البيت الفلسطيني بما يشكل رافعة للعمل الوطني وأرضية يطمئن إليها الكل الفلسطيني تستند إلى استراتيجية واضحة، بما يستبعد معه شبهات التوظيف الحزبي.
كما أن السلطة تخشى من أن تكون الانتفاضة الثالثة التي يكثر الاسرائيليون الحديث عنها ليست سوى فخاً اسرائيلياً منصوباً لها بأحكام يراد منه إعادتها إلى المربع الأمني، مربع أن تختار بين الاشتباك مع شعبها وقمع انتفاضته كشرط لتكون شريكاً في عملية سياسية وهمية – كما حدث في السابق مع أبو عمار في خارطة الطريق التي اشترطت الهدوء الأمني أولا – وبين أن يحكم عليها كما حدث مع أبو عمار أيضاً باللاشريك وإلصاق شبهة تشجيع الارهاب بها. وفى الحالتين تخشى السلطة من تآكل موقعها ودورها، وهى التي تعانى أصلاً من إفلاس مالي وسياسي، وتآكل في موقعها على المستوى الإقليمي والدولي، وهى وبالكاد تستطيع أن تقوم بدورها الخدماتي محلياً.
اسرائيل من جهتها تترقب وتنتظر وتستعد وتتساءل: متى وكيف سيشتعل عود الثقاب ليشعل الحريق، أبراهام هاليفى رئيس الموساد السابق يقول كل الظروف مهيأة، وبني غانتس رئيس الأركان يقول أن فرضية جيشه مبنية على أن الانتفاضة الثالثة تقرع الأبواب، وسياسيون كثر وأمنيون يحذرون من قرب اندلاعها، وفى المؤسسة الأمنية يستشرفون آلياتها ووسائلها، ويتوقعونها أكثر عنفاً من الأولى وأقل من الثانية، ويطمئنون لجدار يحميهم من الاستشهاديين، والتجنيد الإعلامي الإسرائيلي بدأ منذ حراك قرى الخيام، بالإشارة لدور السلطة في تنظيم الفعاليات، والاستعدادات الاسرائيلية تسير على قدم وساق، فهل هو استعداد أم تعجيل واستدراج أم كليهما ؟!
المصدر : وكالة فلسطين اليوم
شاهد أيضاً
بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!
الاخبار – القدس العربي: قام جندي إسرائيلي بتهديد نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين كانوا يتضامنون مع أهالي …