الإمام الصادق (ع): ثورة العلم ضدّ الظلم‏

الإمام الصادق هو سادس أئمة أهل الولاية والهدى، جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. ولد بالمدينة المنوّرة في السابع عشر من شهر ربيع الأول عام ثلاث وثمانين للهجرة، وأدرك جدّه سيّد الساجدين عليه السلام. نشأ الصادق في حقبة زمنية صعبة من التاريخ الإسلامي، فقد شاهد في صباه محنة شيعة أهل البيت (ع)، واستوطن في أذنيه صدى صراخ الأيتام والثكالى الذين كانوا ضحية التعنّت والتجبّر والظلم الأموي. وشاهد كذلك محنة عمّه زيد بن علي بن الحسين (ع)- أخي الإمام الباقر (ع) الذي ثار ضدّ النظام الأموي الظالم، وأدّى به الأمر في نهاية المطاف إلى القتل والصلب حتّى تعفّنت جثّته على الصليب. كما عاصر أيضاً ثورة يحيى بن زيد بن علي بن الحسين (ع)، والذي فشلت ثورته أيضاً وفرّ هارباً في البلاد يهيم على وجهه.

الإمام الصادق هو سادس أئمة أهل الولاية والهدى، جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. ولد بالمدينة المنوّرة في السابع عشر من شهر ربيع الأول عام ثلاث وثمانين للهجرة، وأدرك جدّه سيّد الساجدين عليه السلام. نشأ الصادق في حقبة زمنية صعبة من التاريخ الإسلامي، فقد شاهد في صباه محنة شيعة أهل البيت (ع)، واستوطن في أذنيه صدى صراخ الأيتام والثكالى الذين كانوا ضحية التعنّت والتجبّر والظلم الأموي. وشاهد كذلك محنة عمّه زيد بن علي بن الحسين (ع)- أخي الإمام الباقر (ع) الذي ثار ضدّ النظام الأموي الظالم، وأدّى به الأمر في نهاية المطاف إلى القتل والصلب حتّى تعفّنت جثّته على الصليب. كما عاصر أيضاً ثورة يحيى بن زيد بن علي بن الحسين (ع)، والذي فشلت ثورته أيضاً وفرّ هارباً في البلاد يهيم على وجهه.
وبعد ثلاثين سنة تقريباً من ولادته، جاءت شهادة والده الإمام الباقر عليه السلام لتؤرّخ لبداية إمامته التي استمرّت خمسة وثلاثين عاماً، وقد اتسمت هذه الفترة بالصراع الشديد على الحكم، إذ

وقفت فترة إمامته معايناً لسقوط الدولة الأموية في عهد آخر خلفائها مروان بن محمّد المعروف بمروان الحمار، ولبداية الحكم العباسي الذي برز نجمه في ظلّ قتلٍ وجلدٍ وحرقٍ حتّى لجثث أموات العهد السابق. في هذه المرحلة توفّر للإمام عليه السلام كما سيأتي الظرف الملائم والمناسب لنشر العلوم الإلهية على نطاقٍ واسعٍ في كلّ أرجاء العالم الإسلامي آنذاك، والذي كانت ثمرته حفظ الرسالة الإلهية الخاتمة، وحفظ التشيع، وتدمير كلّ المذاهب والأفكار الهدامة التي كان يمكن أن تودي بالإسلام إلى التواري والإندثار.
* الدولة في عهد الصادق (ع)لم تعد الدولة الإسلامية في عهد الصادق (ع) تلك‏
المنطقة المحدودة والصغيرة، بل أصابها التوسّع والإنفلاش نتيجة موجتين من الفتوحات، الأولى سبقت هذه الفترة زمنياً، في عهد الخليفة الثاني، والأخيرة باشرها الخليفة المتسلّط عبد الملك بن مروان. هذه الموجة الثانية التي أوصلت الإسلام إلى ما يعرف به اليوم بدول الاتحاد السوفياتي كأذربيجان وغيرها شمالًا، وإلى حدود الصين والهند وأفغانستان غرباً، في حين أنّه كان للإسلام آنذاك النفوذ في شمال أفريقيا كلها، وكذلك في عمق أسبانيا وأوربا إجمالًا. ولهذا الأمر انعكاساته الإيجابية الكبيرة على المستوى الإجتماعي والفكري والثقافي عموماً، من حيث التداخل الثقافي والاجتماعي الكبيرين، فيما انصهر المجتمع الإسلامي الملتزم ببعضه بعيداً عن الفواصل القومية أو القبلية، فاجتمع البربري والهندي والفارسي والعربي في حلقات درس واحدة.
ينبغي وقبل الدخول في التفاصيل إلفات النظر إلى أنّ الهدف الأساسي لأهل البيت (ع) كان إقامة الحكومة الإلهية، والسعي في توفير شروطها وتأسيس كيانها، ولعلّنا نستطيع أن نختصر ذلك بثلاثة أمور، إثنان منهما شكّلا محور النهج الذي اتبعه جميع الأئمة على اختلاف عصورهم وظروفهم.
الأول: استعادة التجربة واستلام زمام الحكم والثاني: توضيح ونشر تعاليم الإسلام المحمّدي الأصيل، والثالث: بناء الرجال الصالحين الذين يشكّلون القاعدة الإيمانية الواعية والقادرين على حمل مشروع التغيير والثورة على‏
أكتافهم لتحقيق الهدفين الأولين حيث يشكلان محور نهج أهل البيت (ع)، وأمّا الثالث فهو بالأساس مرتبط بكليهما ولا استقلالية له. فأهل البيت (ع) كانوا يسعون لاستلام زمام المبادرة، وإن فشلوا تحوّل العمل عندهم إلى السعي في حفظ رسالة محمد” ص” لريثما تسنح الفرصة للإعداد والتوجه إلى إقامة الحكومة الإلهية العادلة والقاعدة الماثلة هنا والتي دأب الأئمة (ع على مراعاتها هي اعتماد الأولويّة في الاهتمام فلا يقدم المهم على الأهم أو الأقل تأثيراً على الأشدّ تأثيراً، وهذا هو ما جعل جانباً من خصوصيّة أدوارهم مدعاة للاشتباه لدى كثير من المفكّرين.
تصحيح المسار الذي انحرف بفعل وتأثيرات السلطة الأموية فبرز هذا الدور وكأنّه نهج ثابت في اعتماد النشاط العلمي والتعليمي.
وإذا دقّقنا النظر في سيرة الأئمة (ع) لتبيّن لنا عدم وجود مثل هذا الثبات ومن ذلك ما رواه الكليني عن سدير الصيرفي وهو أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام حيث قال:
” دخلتُ على الصادق (ع) فقلت له: والله ما يسعك القعود، فقال:- ولم يا سدير؟ قلت لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك فقال: كم هم عسى أن يكونوا؟ قلت: مائة ألف، قال: ومائة ألف؟! قلت نعم ومئتي ألف. قال: مائتي ألف؟! قلت نعم ونصف الدنيا. قال: فسكت عنّي .. وذهبا معاً إلى ينبع؟ فقال له الإمام وهو ينظر إلى قطيع من جداء: والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني‏
القعود”.
ومثل ذلك وغيره كثير.
* خصائص زمن الإمام الصادق (ع)
فيما خلف الأمويون مجتمعاً منحرفاً على الصعيد الفكري والثقافي فقد سعى العباسيون لترسيخ حكمهم على هذا الانحراف حتّى ولو جاء ذلك على حساب تضييع معالم الإسلام الحنيف.
وباعتبار هذا الواقع فقد تميّز عصر الإمام عليه السلام بعدّة مزايا هي:
1- حجم الحركات الفكرّية:
يعتبر عصر الصادق (ع) حقبة تاريخية كانت الغلبة فيها للتوجهات الفكرية على التوجهات السياسية، حيث أصبح الفكر والاشتغال به عملة رائجة أيّما رواج، وتشكّلت على ضوء ذلك اتجاهات وفئات فكريّة كان لها الأثر الكبير من الناحيتين السلبية والإيجابية على حدّ سواء. وقد تميّزت هذه الحركات بتعدّدها وتنوّعها الفكري الكبير، والبعض منها شكّل خطورة جسيمة على المجتمع الإسلامي من حيث تغييب وجه الأصالة الإسلامية، وانتشار الدعوات إلى التفتيت وإيجاد الشروخ والفواصل الإجتماعية والفكريّة.
2- تأثير الفتوحات‏
لم يكن الأثر الأهم للفتوحات في احتلال الأراضي الجديدة، وإنّما في دخول أفواج جديدة في الإسلام متشوّقة لمن يرشدها ويتعهّد بتربيتها وهي فرصة إيجابية جعلت الإمام الصادق عليه السلام يفتح أعظم مدرسة في تاريخ الأئمة (ع).
ومن بين الشعوب التي دخلت في الإسلام إثر الفتوحات، شعوب تنتمي إلى حضارات وثقافات عريقة، يعود بعضها إلى ما قبل الميلاد المسيحي. وعليه، كانت مرشّحة لأن لا تنفعل بالإسلام فقط، وإنّما لتتفاعل معه أيضاً. وهذا التفاعل يجعل دين الله الحنيف عرضة للتأثّر بإيجابيات وسلبيات هذه الحضارات والثقافات، ممّا يفرض مسؤولية إضافية على المتصدّي لحاكمية المسلمين في مواجهة سلبيات هذا التفاعل، وإن أهملت كان لها بالغ الضرر، ولعلّها تصيب الإسلام بتحريفات تتوارثها الأجيال، جيلًا بعد جيل.
3- ظهور الزنادقة
الزنديق هو المنكر لوجود الله تعالى، وقد انتشرت هذه الفرقة بين الناس في عصر الإمام الصادق (ع) نافثة سمومها
وملقية لشبهاتها، فكان من الضرورة بمكان أن تواجه وتفند.
4- ظهور المتصوّفة:
المدرسة السلوكية التي جاء بها النبي والأئمة عليهم السلام هي المدرسة الأصيلة حيث ليست هي إلّا تعاليم الإسلام وإن دخل عليها ما دخل من التحريفات. فتعدّدت هذه المدارس وكثرت ومنها وعلى رأسها الصوفيّة في مقابل مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) علماً أنّ الجميع يرون علياً عيه السلام الأصل في تأسيس تعاليم مدارسهم.
وخطورة هذه الفئات في أنّها فهمت تعاليم الإسلام فهماً خاطئاً ودعت إلى تطبيق ما فهمته، الأمر الذي انعكس سلباً على مستوى البناء الفردي والاجتماعي. فمثلًا فهم هؤلاء الدعوة إلى الزهد في الدنيا دعوة إلى إهمال الدنيا بكلّ شؤونها وإلى عدم الاكتراث لظلم الحكّام وجرائمهم تحت عنوان الزهد، وهو ما أدركه الحكّام فما فتئوا يشجعونه ويسوقون له.
ومن ذلك اعتبار هدف مخالفة النفس ورفض شهواتها إذلال النفس أمام الناس في حين أنّه يسقط الكرامة ويريق ماء الوجه وهذا ما لم يأمر به الإسلام والأئمة الأطهار بل نهوا عنه، كما لجأوا أيضاً إلى حرق أنفسهم بالنار بهدف تخويفها وحتّى أنّهم أهملوا شؤون النظافة والمظهر الخارجي.
وهنا أيضاً يبرز دور الإمام عليه السلام في تصحيح هذا الفهم وهذا النهج. فعن الكليني عن الصادق عليه السلام أنّه قال:” إنّ الله يحب الجمال والتجمّل ويبغض‏
البؤس والتباؤس”. وقال أيضاً:” إذا أنعم الله على عبده بنعمة أحب أن يراها عليه لأنّه جميل يحبّ الجمال”.
وهي سيرة كان لها أثرها في مواجهة الدعوة إلى لبس الأسمال والثياب الخلقة والمهينة.
5- حركة الترجمة:
بدأت حركة الترجمة أمام الأمويين وتابعها العباسيون بعدهم، حيث نقل إلى العربية حضارة وثقافة وفكر كثير من الشعوب، كاليونان والفرس والهنود وغيرهم ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سمح الحكام بنقل الأفكار الملحدة والهدّامة إلى داخل المجتمع ليغرق الناس بالصراعات الفكريّة ويهملوا شؤون السياسة والحكام وهذه الحركة وبدلًا من أن تكون مفيدة فقد أريد لها أن تكون هدّامة بفعل توجيهات الحكّام الفاسدين الأمويين والعباسيين.
6- المذاهب الفقهية:
لقد كان الإمام الصادق وقبله الأئمة” عليهم السلام” مستودعاً لعلم رسول الله محمد (صلّى الله عليه وآله) ولم تكن في المقابل مذاهب إسلامية، نعم كان هناك تحركات مخالفة (إذا جاز التعبير) إلى أن نشأ المذهب الحنفي على يد أبي حنيفة النعمان، وكان في عهد الصادق (ع) بل أنّ صاحب هذا المذب كان تمليذاً له (ع) لمدّة سنتين وله قول مشهور:” لولا السنتان لهلك النُعمان”.
الإشكال في هذا المذهب، وسائر المذاهب التي أخذت عن بعضها لاحقاً، أنّها طرحت أصولًا لاستنباط الأحكام الفقهية تخالف الأصول الشرعية التي بثّها الإمام الصادق (ع)، ومنها الرأي والاستحسان والقياس .. وهذا الأمر من‏
شأنه أن يعدّد الأحكام في موضوع واحد بل يعدد المذاهب.
* مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
لا يخفى على ذي نظر بعد استعراض الواقع الثقافي المنحرف كم كان حجم الخطر الداهم وتهديده للإسلام من جذوره وتنافي تلك الفرق رشح الموقف للانهيار، ولقد أسّس الإمام الصادق (ع) مدرسته الإسلامية التصحيحية والتي بفضلها أصبح الشيعة يعرفون بالجعفريين.
وقد خرّجت هذه المدرسة من التلامذة أربعة آلاف فنقلوا الروايات بعدما اطلعوا على الإسلام من منبعه الأصيل ثمّ انتشروا في أقاليم العالم الإسلامي آنذاك، فساهموا في نشر الدين الحنيف، ولولا تلك الجهود وما تلاها لضاع الإسلام وما كان ليصل إلينا اليوم بل لاندثر وتلاشى.
وفيما يروى أنّ أحدهم دخل مسجد الكوفة فوجد فيه تسعمئة شيخ كلّهم يقول حدّثني جعفر بن محمد. ومن بين تلامذته من نبغ في الفلسفة والكلام كهشام بن الحكم والمفضل بن عمرو ومؤمن الطاق وهشام بن سالم وجابر بن حيان في الرياضيات والكيمياء وزرارة ومحمد بن مسلم وجميل بن دارج وحمدان بن أعين وأبي بصير وعبد الله بن سنان في الفقه وأصول التفسير. وأيضاً سفيان الثوري وأبو حنيفة النعمان وهما من علماء أهل السنّة وغيرهم كثر، ولو شئنا أن ندخل في تفاصيل الإنجازات لطال بنا البحث والمقام، لكن يكفينا في معرفة مكانة الإمام الصادق (عليه السلام) إذعان كثيرين من مفكّري وعلماء القرون المتتابعة كالجاحظ ومالك بن أنس وأحمد أمين ومير علي الهندي والسيد الشبليخي الشافعي وأحمد زكي صالح بتفوّقه عليه السلام ودوره الفاعل في حركة وتأسيس وتطوير العلوم العقلية على أنواعها، فالسلام عليه عالماً وفقيهاً وإماماً في الدنيا والآخرة.

شاهد أيضاً

المسلمون في إيطاليا ؛ جامع روما.. منارة مشعّة لجالية كادحة

في الواحد والعشرين من شهر يونيو 1995 دُشِّن بشكل رسميّ الجامع الكبير بمونتي أنتانّي في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *