المسلمون السود في الولايات المتحدة: حين يتحالف الرهاب والعنصرية

إن كنت شابة، محجبة، وسوداء في الولايات المتحدة، كيف تتصرفين إن صادفك شرطي؟ سؤال يلحّ على كينياتا باكير، الناشطة البارزة ضمن حركة “حياة السود مهمّة”، منذ عقود.

حين كانت في السابعة عشرة من عمرها، خرجت إلى موعد مع شاب، واصطحبا معهما اخوتها الصغار. نشأت كينياتا في عائلة منخرطة في نضال السود الأمريكيين ضد العنصرية. خلال حركة الحقوق المدنية في الستينيات، اعتنق والداها الإسلام. انتمى بعض أفراد عائلتها إلى حزب “الفهود السود” الثوري.

منذ طفولتها، علّمها والدها أن ترفض الظلم. إن تعرضت للطرد من متجر الحيّ، كان يحثّها أن تحمل يافطة، وتعود لتحتجّ أمامه. في السابعة عشرة، كانت تدرك ما يكفي ما يعنيه أن تكوني أمريكية سوداء. لكنّها لم تكن تتوقع ما سيصادفها في موعدها العاطفي ذاك.

تتحدّث كينياتا مع “بي بي سي” من منزلها في لوس أنجلوس، وتخبرنا: “كنا في السيارة، صديقي، وأنا، واخوتي الصغار، وكانوا في العاشرة، والثانية عشرة، والرابعة عشرة من العمر. طلبنا طعاماً، وجلسنا ننتظر في السيارة. فجأة، وجدنا بندقيات موجهة إلى رؤوسنا، ورجال شرطة، يطلبون منا أن نرفع أيدينا، وننزل من السيارة”.

اشتبهت الشرطة بالسيارة، لأنّ لوحتها تتطابق مع لوحة أحد المطلوبين. تتابع كينياتا: “لم أفهم ماذا حدث، طلب منا الشرطي أن نركع، وأنا أفكر بالسلاح المصوّب صوب اخوتي. سألته هل تمزح معي؟ أيعقل أن أصطحب معي أطفالاً لو كنت أنوي ارتكاب شيء ما؟ لكنه لم يستجب لي. لاحقاً، اكتشفوا خطأهم، وتركونا نذهب. لكن بالطبع، لم يعتذروا عما فعلوه. حتى الآن، ما زلت أعاني من صدمة بسبب تلك الليلة. أمّا صديقي، فالتحق بالشرطة بعد ستة أشهر من الحادثة، وبالطبع رفضت عندها الزواج به”.

لم تكن تلك المرّة الأخيرة التي تشهد فيها كينياتا باكير حادثة كهذه. تنشط منذ العام 2013 ضمن حركة “حياة السود مهمة” (فرع لوس أنجلوس)، وتسعى مع رفاقها لوقف تمويل الشرطة الأمريكية التي يعتبرونها “أداة عبوديّة”.

تقول الحاجة كينياتا، كما تسمّي نفسها على فيسبوك: “من المعروف أنّ جهاز الشرطة نشأ في الأساس، كدوريات لمراقبة العبيد وملاحقتهم، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وحتى الآن، لا تزال مهمّة عناصرها واحدة: أن يتعقبوا السود، ويضربوهم، ويسجنوهم، أو يقتلوهم. هدف المنظومة الحالية استعباد السود من خلال سجنهم، فهم الفئة العرقية الأكثر عرضة للحبس في الولايات المتحدة. يشكل السود 30 بالمئة فقط من السكان، لكنهم نصف السجناء في البلاد، من أصل نحو 2.3 مليون سجين”.

انطلقت حركة “حياة السود مهمّة” بعد تبرئة الشرطي جورج زيمرمان من مقتل الشاب الأسود الأعزل ترايفون مارتن (17 عاماً)، في فلوريدا. وخلال سنوات تحوّلت إلى تيار عالمي، رافض للعنصرية. وخلال الأشهر الماضية، تصاعد دورها بعد مقتل جورج فلويد.

بعد إطلاق النار على جاكوب بلايك أواخر أغسطس/ آب الماضي، خرج والده للحديث إلى الإعلام، وكان لافتاً أنّه اختار تلاوة سورة الفاتحة، متمنياً لولده الشفاء. وعلّق الإمام الأمريكي عمر سليمان على ذلك بالقول: “ليس مهمّاً إن كان الابن أو الأب مسلمين، فما حصل لعائلاتهما دليل إضافي على العنف الممنهج غير الإنساني”.

صحيح أن “حياة السود مهمّة” عابرة للأديان والطوائف، ولا تقوم على بعد ديني، إلا أنّ نضال السود في الولايات المتحدة لطالما طبع بالأثر الكبير لشخصيات مسلمة، وأبرزها مالكوم أكس، أو الحاج مالك الشبّاز كما كان يسمّي نفسه، أحد أبرز قادة حركة الحقوق المدنية، اعتنق الإسلام في السجن، حيث التقى بمؤسس حركة “أمة الإسلام” ايلايجاه محمد.

قد لا يكون البعد الديني أساسياً في نضال السود ضد العنصرية، لكنه حاضر، خصوصاً في الوقت الراهن، مع تصاعد خطاب اليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة. هذه المشكلة أشار اليها رئيس تحرير مجلّة “ذا نيوريوركر” مايكل ليو، في مقال نشر قبل أيام، بعنوان “مشكلة فوقية العرق الأبيض في المسيحية الأمريكية”، تحرّى فيه سبب تغلغل العنصرية في خطاب المسيحيين البيض وأدائهم.

في حديث مع “بي بي سي”، يشرح المفكر الإسلامي الأمريكي إبراهيم موسى الخلفية التاريخية للعلاقة بين نضال السود ضد العنصرية والإسلام بقوله: “تأسست أمة الإسلام في العام 1930 ونالت شهرة في الخمسينيات، ليس فقط بسبب شعبية مؤسسها ايلايجاه محمد كمقاوم لقمع البيض، لكن أيضاً لأن شخصيات مثل مالكوم أكس ومحمد علي كلاي أعطيا المجموعة وجهاً. كلاهما افترقا عن الجماعة واعتنقا الإسلام لاحقاً. وفي الوقت الراهن، فإنّ الكثيرين من الأميركيين السود الذين يعتنقون الإسلام، يفعلون ذلك لأسباب ايمانية، ولكن في الوقت ذاته، كشكل من مقاومة العنصرية المسيحية البيضاء، إذ يمكننا القول إنّ الإسلام يعدّ بالنسبة إليهم مقاومة”.

يقدّر معهد “بيو” للأبحاث، عدد المسلمين السود، بنحو 20 بالمئة من مجمل المسلمين في الولايات المتحدة، وهم بذلك يشكلون 2 بالمئة فقط من مجمل السود (أرقام العام (2017. ولكن، بحسب إحصاءات المعهد، فإنّ السود يشكلون نسبة 49 بالمئة ممن يعتنقون الإسلام حديثاً. وإن نظرنا إلى مجمل من يغيّرون دينهم في الولايات المتحدة، سنجد أنّ نسبة الذين يعتنقون الإسلام تبلغ 23 في المئة، مقارنة مع 6 في المئة ممن يعتنقون المسيحية.

رسالة قوّة
اعتنقت مارغاري عزيزة هيل الإسلام حين كانت في الثامنة عشرة من عمرها، العام 1993. هي اليوم أستاذة جامعية وكاتبة والمديرة التنفيذية لـ”التعاونية المسلمة ضد العنصرية Muslim ARC”، أحد أبرز الجمعيات الحقوقية المسلمة في الولايات المتحدة التي تأسست في العام 2014 من قبل مجموعة ناشطين، وطلاب، وأكاديميين.

تقول هيل لـ”بي بي سي” في مقابلة عبر منصة “زوم” من منزلها في فيلاديلفيا: “تأثر العديد من المسلمين السود، سواء ولدوا في عائلات مسلمة أو اعتنقوا الإسلام لاحقاً، بنقد الفوقية البيضاء على لسان مالكوم أكس، وبمنظرين آخرين، نشطوا خلال التسعينيات، في حركات التضامن العابرة للجنسيات. وفي تلك المرحلة، كنت طالبة، وكان ذلك مفتاحاً مهماً بالنسبة لي، لبناء فكرة القوة ودعم الجماعة”.

تخبرنا كيف اكتشفت جهد “أمة الإسلام” بترسيخ فكرة المساعدة الذاتية في رحم الجماعات المسلمة السوداء، كطريقة لمنح الناس استقلاليتهم، من خلال برامج تعليم وتوظيف وتأهيل. “كانت الدعوة الإسلامية في المجتمعات السوداء تهدف لحفظ كرامة السود، من خلال إطعام الأطفال، إيجاد فرص عمل، إلى جانب برامج دعم المساجين السابقين للانخراط في المجتمع”.

بالنسبة لمارغاري هيل، لم يكن الجانب السياسي العامل الوحيد لاعتناقها الإسلام. بالنسبة لها “كانت رسالة محمد ملهمة في التزام القضايا الاجتماعية، ومساعدة الأيتام والأرامل والأكثر فقراً، لأن العدل والإحسان أساس رسالة الإسلام والسيرة النبوية”.

كذلك الأمر بالنسبة لكينياتا باكير التي ترى أنّ الإسلام يسير يداً بيد بجانب الحقوق المدنية للسود. تخبرنا: “كان والداي أول مسلمين في حيّنا. استخدما قناعاتهما ونشاطهما في حركة الحقوق المدنية لدعم مجتمعهما. من خلالهما، صار الناس يعرفون أنّ المسلمين يعتنون بالآخرين. كانت والدتي تطعم الناس، وتحرص أن تجد عملاً لمن عندهم أطفال. كانت مدرسة، وكانت تتابع الأولاد، وإن كانوا يحصلون على العناية الكافية. كان والدي يصلّي الفجر على شرفة المنزل، ويصلي في الخارج، لكي يعرف الناس ثقافتنا”.

محو المسلمين السود
تكتب الباحثة الأمريكية دونا أوستون على موقع “مربّع سابيلو”، “من السهل رسم أوجه تشابه بين الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) والعنصرية ضد السود، بوصفهما مظهرين مختلفين لدافع واحد، لكن قد يبدو ذلك قفزة تحليلية. في الخطاب العام، نستسهل الربط بين التمييز ضد المسلمين، والتمييز ضد العرب، ونعدّهما شأنين متماثلين. ولكن، على الرغم من أنّ ثلث المسلمين في الولايات المتحدة هم من السود، نادراً ما نقارب قضايا العنصرية ضد السود والسجن الجماعي ووحشية الشرطة بوصفها قضايا “إسلامية” كاملة الشرعية. والسبب أننا نادراً ما نأخذ المسلمين السود بعين الاعتبار”.

وتضيف: “تميل السرديات الشائعة في الإعلام والدراسات الأكاديمية إلى طمس صوت المسلمين السود ووجودهم مرتين، حتى في مرحلة تجد الأجساد السوداء نفسها في قلب المحنة. فالمسلمون السود لا يقفون من قضية (العنصرية ووحشية الشرطة) موقف المتفرجين أو الحلفاء، فحسب. وبالرغم من ذلك، فإننا غالباً ما نحذفهم، حتى من سردية نضالنا. هذا الحذف (أو المحو) يجعل جماعاتنا أكثر عرضة لرهاب المسلمين من جهة، وللعنصرية ضد السود (حتى في أوساط المسلمين غير السود أنفسهم)”.

يعتقد أنّ ديانة الأفارقة الذين استعبدوا وبيعوا كانت الإسلام قبل وصولهم إلى الولايات المتحدة، وكانت تلك سردية “أمة الإسلام” عند تأسيسها، لاعتبار أنّ الإسلام كان دين السود قبل العبودية.

يقول المفكر الإسلامي الأمريكي إبراهيم موسى لـ”بي بي سي”، إنّ المسلمين السود يعانون من عنصرية مزدوجة. “فمن جهة، يتعرضون للتمييز لكونهم سوداً، وهذه هي الخطيئة الأصلية في عرف العنصرية الأمريكية، ولها جذورها التاريخية حقبة العبودية. ومن جهة أخرى، يتعرضون للتمييز كمسلمين، وهي وصمة هوياتية يربطها الأميركيون بالشرق الأوسط الذي يرونه كخصم”.

برأي موسى، فإنّ النظرة العدائية إلى الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة حديثة، بعكس العنصرية تجاه السود. فمفهوم الخصومة مع المسلمين تعزز “مع بدء ظهور النفط في البلدان العربية، وخلال الحرب الباردة. كانت الولايات المتحدة ترى النفط مصلحة حيوية للاقتصاد، لذلك بات الشرق الأوسط جزءاً من مصالح الأمن القومي الاستراتيجية بالنسبة لها. تطوّر الأمر لاحقاً مع تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومقاومتها من قبل بعض الدول، والحركات”.

يرى موسى أنّ “الصورة العالمية عن الإسلام كتهديد، وقعت على أجساد المسلمين السود مرتين. مرّة بسبب السواد ومرة بسبب الإسلام. في المقابل، هناك تصوّر سائد عن كون المسلمين السود عانوا أقلّ من تبعات 11 سبتمبر لأنهم يعتبرون أمريكيين أقحاح، وليسوا مهاجرين مسلمين”.

تحويل السرديات
في عام 2017، أعلن ترامب عن منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، ولم يتردد في بعض خطاباته بوصف المسلمين الأمريكيين بالمتطرفين والتابعين لـ”تنظيم الدولة الإسلامية”. ومنذ مدّة، يركز “مجلس التعاون الإسلامي الأمريكي CAIR” في الكثير من أنشطته، على عنف الشرطة ضد السود، وأي شكل آخر من أشكال العنصرية، خاصة في التصريحات الصادرة عن سياسيين أو في وسائل الإعلام.

في مقابلة مع أوبرا وينفري عام 2001، قال الملاكم الأمريكي الشهير محمد علي كلاي: “كلمة “إسلام” تعني السلام، وكلمة “مسلم” تعني من سلّم للخالق، ولكن الاعلام يجعلنا نبدو كأننا حاقدين”.

في دراسة معهد “بيو” المشار إليها سابقاً، يقول المسلمون السود بنسبة 79 في المئة ان على الولايات المتحدة التغير لمنح السود حقوق مساوية للبيض بينما 66 في المئة فقط من المسلمين غير السود يوافقون على هذا التصريح.

تقول مارغاري عزيزة هيل إنّ المسلمين من كل الأعراق يتعرضون للتمييز، سواء من قبل الشرطة، أو من منظومة الهجرة، أو على مستوى القضاء الجنائي. “تحاول الشرطة أن تزرع مخبرين في المساجد والمؤسسات المسلمة، لتعقّب المسلمين كأنهم بالأساس قتلة أو إرهابيون، وهناك برامج لمحاربة التطرّف تستهدف فئات معينة، وخصوصاً في صفوف السجناء. أن تكون مسلماً يضيف طبقة إضافية من التمييز، لكن الشباب المسلمين الذين يقتلون من قبل الشرطة، فذلك بسبب عرقهم أولاً. في المقابل، إن كنت مسلماً في السجن، فاحتمال بأن توضع في العزل الانفرادي، أو أن تتعرض للتعنيف، أكبر. وأعرف كذلك الكثير من النساء المسلمات اللواتي تعرضن للسجن بسبب التظاهر، وأجبرن على خلع الحجاب”.

من جهتها، ترى كينياتا أنّ حركة “حياة السود مهمة” تحرز تقدماً لناحية تحويل السرديات السائدة عن كون المسلمين والسود أشخاصاً سيئين. لكن المشكلة الأساسية برأيها هي في مكان آخر. “المشكلة هي بالإفراط في العنف، القتل بدم بادر، كأن الأجساد السوداء أو المسلمة لا قيمة لها”.

 

المصدر: https://ar.shafaqna.com/AR/221654/

شاهد أيضاً

تامل فی نظرية «يورابيا» والمنظور الديموغرافي للإسلام في أوروبا…

للمسلمين في أوروبا دور هام في المجتمع الديني الثاني (بعد المسيحية). بعد الحرب العالمية الثانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *