لا شك أن الحج عبادةٌ تتّحد فيها عناصر كثيرة كالتضرع والزهد والتقوى والخضوع لله والتضحية في سبيله، لإظهار العبودية له عز وجل في أنقى وأعمق حالاتها، فترى القلوب والنفوس تتهافت من كل حدب وصوب نحو معبود واحد، استجابة لنداء السماء {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].
ولكن موسم الحج هذا العام يختلف عن غيره من المواسم والسنوات التي خلت، ففي ظل ظروف استثنائية وإجراءات وقائية غير مسبوقة بسبب فيروس كورونا المستجد- والذي مازال يُجبرنا على اتباع بعض الإجراءات حتى نعبر هذه المرحلة بأمان – بدأ الحجاج في مكة المكرمة، أداء المناسك بمشاركة نحو 10 آلاف مقيم والتي تتواصل على مدى خمسة أيام، مقارنة بنحو 5.2 مليون مسلم حضروا العام الماضي، بعد عملية اختيار قامت بها السلطات السعودية.
وتم تزويد الحجاج في مكة بمجموعة من الأدوات والمستلزمات بينها إحرام طبي ومعقم وحصى الجمرات وكمامات وسجادة ومظلة، وأوجبت السلطات إخضاع الحجاج لفحص فيروس كورونا المستجد قبل وصولهم إلى مكة، وسيتعين عليهم أيضا الحجر الصحي بعد الحج.
وقالت وزارة الحج والعمرة إنها أقامت العديد من المرافق الصحية والعيادات المتنقلة وجهزت سيارات الإسعاف لتلبية احتياجات الحجاج، الذين سيطلب منهم الالتزام بالتباعد الاجتماعي.
وعشية بدء المناسك، شوهد عمال وهم يعقمون المنطقة المحيطة بالكعبة وسط المسجد الحرام، علما ان السلطات ستمنع الحجاج من لمس البناء.
وفي لبنان، أعلن وزير الداخلية محمد فهمي، إعادة فرض إغلاق جزئي بالبلاد، للسيطرة على انتشار “كورونا”، لافتا الى ان الاغلاق سيشمل مراكز الصلاة (المساجد) دون التطرق لآلية صلاة عيد الأضحى.
الحج هذا العام شبه معطل
“يعزُّ علينا أن تتعطل صلاة عيد الاضحى المبارك هذا العام”، يقول رئيس “لقاء علماء صور ومنطقتها” العلامة الشيخ علي ياسين متأسفا، مضيفا في حديث خاص لـ”شفقنا”: أنا من الاشخاص الذين لم يوقفوا صلاة الجمعة، طبعا مع أخذ الاحتياطات من لبس الكمامة والتعقيم والتباعد وعدم المصافحة، اما هذا الاجراء الذي اتخذه حديثا الوزير فهمي فنتمنى على الكل الالتزام به حتى لا نقع في الندامة، لافتا الى ان هذا “الفيروس” بحاجة الى الالتجاء الى الله تعالى ولا يُوَاجَه بالهلع او الاستهتار بل يحتاج الى احتياطات.
وأضاف: “وبسبب ما ابتُليَت به البشرية في هذا الزمن، نستطيع ان نقول ان الحج هذا العام شبه معطل حيث تَرك في نفوس المسلمين حسرة، خاصة الذين لم يحجّوا بعد وكانوا يتهيأون لإجابة نداء الله تعالى الذي أطلقه خليله ابراهيم عليه السلام.
وتابع: “مهما تحدثنا حول هذا الموضوع يبقى الانسان حائرا أمام ما يحدث والسر عند الله تعالى، علّ البشرية تنتبه وتتعظ، خاصة الطواغيت منهم الذين نسوا ذكر الله وأرادوا أن يكونوا معبودين على الارض من دونه، وربما يكون هذا الأمر أدبٌ ربّاني ليلتفت الانسان الى ان الله هو الخالق العظيم وان هذا الانسان المتكبر حيّرته جرثومة قد لا تُرى حتى بالمجهر”.
وقال العلامة ياسين متحدثا عن مناقب هذه المناسك وأهميتها: “لفريضة الحج شعائر قد لا يفهم الانسان مغزاها او هدفها وفيها انقياد وتسليم لله وهذه من عظمة الحج، اي ان الانسان اذا عرف الغاية من الفعل او النفع الدنيوي أو الاخروي قد يقوم به من اجل هذا النفع، ونأسف أن يكون حجاج هذا العام معدودون بالمئات لا بالملايين، سائلا الله أن يكون هذا البلاء دافعا لأن نعود اليه تعالى ونحاسب انفسنا حتى يكون عيدنا فيه من الفرح ومن المسؤولية ما فيه بطاعة الله تعالى”.
وأضاف “والحج فيه عيد الاضحى المبارك الذي هو عيد من أعياد المسلمين الاربعة (عيد الفطر – عيد الاضحى – عيد الغدير – عيد يوم الجمعة) ونسأل الله أن يكون العام القادم عامٌ تتجسد فيه وحدة المسلمين قولا وفعلا لأن الحج مظهر من مظاهر الوحدة، حيث ترى الناس من كل البقاع والاجناس والالوان تراهم يوم العيد في نفر واحد لغاية واحدة في همّ واحد، آملا أن تخرج الوحدة من الطقوس الى النفوس والسعي الى ما فيه مصلحة الدين والأمة والإنسانية”.
كيف نستفيد من موسم الحج وعيد الاضحى في هذه الظروف؟
يقول العلامة ياسين: إذا ما رجعنا الى معاني مناسك الحج وما توحي إليه، ومن لم يستطع أن يقصد مكة ببدنه فليقصدها بعمله ونيته وعقله ويبدي الطاعة لله عز وجل وهذا هو الحج، فهو لا يعني أن يُوفّق فقط أو أن يُكَتب له حضور تلك البقاع فـ “ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج”، ومن يحجّ، يحج أولا بعقله وقلبه ونيته وهذه صورة عن هذه الفريضة المباركة.
ودعا الشيخ ياسين الامة الاسلامية في لبنان والعراق وخصوصا في هذه الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد أن يبادروا إلى التصدّق على الآخرين والتي قد تكون من أفضل تجليات الحج، لافتا الى ان التصدق على الارحام والمحتاجين والجيران والاهل قد ينال من الله ثوابا بها اكثر مما لو وُفِّق للحج.