الحرب الاقتصادية على محور المقاومة وسبل الصمود والمواجهة

في ظل التصاعد المتنامي لمحور المقاومة في المنطقة يجهد الاستكبار العالمي المتمثل بأمريكا وحلفائها بالمنطقة لإعاقة هذه الحركة المتسارعة من خلال إعتماد استراتيجية متنوعة الأدوات تعتمد تارة على الحرب العسكرية وطوراً على الحرب الناعمة والحرب الاقتصادية أو على مزيج من هذه الحروب مع تركيز شديد من قبل الإدارة الأمريكية الحالية على الحرب الإقتصادية من خلال استهداف الموارد المالية لهذا المحور عبر قطع السبل التي تمدّه بها ووسمها بسمة الإرهاب وإنزال العقاب الاقتصادي عليها بمنعها من التحرّك بحرية في الأسواق التجارية.

وعليه فإن كل منظومة تدعم المقاومة دولة كانت أو مؤسسة أو جماعة أو حتى فرداً تصبح معرضة لخطر قطع علاقتها مع الأسواق المحلية والاقليمية والعالمية ويحظر عليها التعامل بالدولار شراء أو بيعاً أو اقتراضاً وتفرض ايضاً عقوبات مقابلة على كل من يتعامل معها من الدول والمؤسسات والأفراد.
وأمريكا في حربها هذه تستخدم نقطة قوتها التنافسية المتمثلة بقوة الدولار المستندة إلى ثقة الناس به بشكل رئيسي وإلى قوة اقتصاد أمريكا الذي فرض نفسه في الماضي على الساحة العالمية بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من كونه اليوم يعاني من دين عام قد تجاوز عتبة ال ٢٢ ألف مليار دولار لأول مرة في تاريخ أمريكا إلا أن ثقة الناس بالدولار ما زالت قائمة وهي الأساس في إعادة التوازن إليه والمحافظة على مكانته وقيمته في البورصة العالمية.
وإذا ما تمكن منافسو أمريكا وأعداؤها من هزيمتها عسكرياً أو إيجاد اتحادات اقتصادية وازنة فإن مكانتها المعنوية عند الناس على المستوى العالمي ستتضرر بشكل كبير ولن يستطيع حينها اقتصادها ذو المديونية المرتفعة بشكل مستمر من إيقاف تدهور الدولار بشكل دراماتيكي ليتموضع عند قيمته الحقيقية وليست الوهمية كما هو حاصل اليوم.
في ظل هذا الواقع الذي سيمتد الى المستقبل المتوسط وليس إلى البعيد لأنه لن يدوم طويلاً كون محور المقاومة هو الذي سيتحكم بالمواقع الجيوسياسية لغرب آسيا أو ما يسمى اليوم بالشرق الأوسط نظراً لما يملكه اليوم منها ولإمكانية تمدده الى مواقع أكبر بالاعتماد على صورته المعنوية الجاذبة وعلى مقدراته البشرية والأمنية والعسكرية-التكنولوجية المتنامية وما تمتلكه دوله من ثروات وموارد مادية وإن كانت اليوم تُمنع من تصريفها في الأسواق.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي سبل مواجهة الحظر الاقتصادي الأمريكي على سبل الإمداد المالي لمحور المقاومة ويمكن في هذا الصدد الدعوة لإعتماد السياسات أو الأساليب التالية:
١- تعزيز روحية التوكل على الله سبحانه والصمود والثبات واستذكار نعمه عزّ وجل علينا في استنقاذنا من الفتن والبلاءات الماضية.
وهذه سياسة قرآنية قد أوصى الله سبحانه بها في قرآنه الكريم عندما تشتد المحن في الأمة من خوف وجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ويحتشد العدو في مواجهة الحق وأهله ويبدأ الشعور بالعحز واليأس يتسلل إلى واقع الأمة حينها ينبغي تعزيز الإرتباط بالله العزيز الجبار والثقة بوعده بالنصر وشحذ الهمم وتصليب العزائم من اجل خوض غمار مواجهة حاسمة يُكتب الفوز والنصر فيها للصابرين.
“الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ”
(سورة آل عمران ١٧٣-١٧٤).
٢- تبني قيم الإعتماد على النفس والإبداع والإبتكار والإكتفاء الذاتي كقيم حاكمة على النظم التربوية في دول المحور وتربية الأجيال عليها وعلى محاربة ثقافة الاستهلاك التي يساعد عليها حب الزينة والتفاخر فيتجه معها الفرد إلى الإنفاق غير المجدي على الأمور الكمالية الثانوية ويترك الأولويات الضرورية ليقع فريسة ثقافة الترويج والتسويق التي تستنزف المال بحثّها الناس على التبديل المستمر في المقتنيات للاستحواذ على كل ما هو إصدار جديد منها بسعر مضاعف لدرجات عن القديم لا يوازي ما تم تحسينه فيه من أمور مستفيدة من حبهم للزينة والتفاخر والتزامهم ثقافة الاستهلاك وابتعادهم عن ثقافة تشجيع المبدعين والمبتكرين على الإنتاج.
٣- إنشاء إتحاد جمركي والإرتقاء به إلى سوق مشتركة بين دول المحور وحلفائه مما يسهل حركة الرساميل والاستثمارات والعمالة بين هذه الدول ويساهم في اعتماد سياسات اقتصادية وتجارية منسجمة ومتكاملة بينها وموحدة تجاه الخارج، مع إعتماد طريقة المقايضة في عملية التبادل التجاري للسلع والخدمات بين دول هذا المحور وحلفائه.
٤- إلغاء تأشيرات الدخول بين دول المحور وربطها بشبكة نقل قوية (سكك حديدية، طرقات،… ) تسهل عملية تبادل السلع والخدمات وهذا هدف استراتيجي إعتبره العدو الصهيوني تهديداً إستراتيجياً له وتعهد العمل على منعه في مؤتمر هرتسيليا لعام ٢٠١٦م. وكذلك العمل على هذه الدول بشبكة نقل للطاقة الكهربائية.
٥- تبادل الخبرات في الميادين كافة ونقلها عبر اتفاقيات اقتصادية ميسرة من دولة لأخرى ضمن إطار المحور مع تشجيع التبادل الطلابي والسياحة لا سيما منها الاستشفائية لما لذلك من دور في إيجاد ثقافة تعاونية توسّع وتسرّع هذا التبادل وتعزز التماسك المجتمعي.
٦- إعتماد سياسة اللامركزية الإدارية كمدخل لعملية التنمية مع وضع مخطط توجيهي لكل وحة إدارية تتمتع بهذه اللامركزية يرشدها إلى تحديد أهدافها وتنفيذ مشاريعها بما يحقق الإكتفاء الذاتي لها والتبادل المبني على المقايضة مع الوحدات الإدارية الشبيهة ضمن الدولة الواحدة بشكل تقل معه الحاجة الى النقد.
٧- التوسع في نشر ثقافة الإكتفاء الذاتي لتشمل العائلة الواحدة والأسرة الواحدة ونشر ثقافة ترشيد الإنفاق وحسن التدبير الأُسَري وتعميم ثقافة مقاطعة المنتجات الأمريكية لا سيّما الكمالية منها للحد من المساهمة بطريقة غير مباشرة في تقوية الاقتصاد الأمريكي.
٨- تفعيل العمل في الميدان الزراعي بشقيه النباتي والحيواني لما لذلك من أثر إيجابي وسريع في تحقيق سياسة الإكتفاء الذاتي.
ولكي يتحقق ذلك لا بد لشعوب محور المقاومة من الإلتفاف حول قيادتها ومدّها بما تحتاجه من طاعة وتماسك وصبر وتحمل ودعم معنوي ومادي في هذه اللحظة الحساسة والحرجة التي تفصلنا عن أهم إنجاز على المستوى العالمي حلمت به الإنسانية منذ تولّي الغرب مقاليد أمور النظام العالمي ألا وهو كسر الهيمنة الأحادية الأمريكية والغربية عليه والصعود بمحور المقاومة إلى دائرة التأثير العالمية فكل خطوة نتقدمها في غرب آسيا لها ارتداداتها العالمية القوية.
ولا يتأتى ذلك لنا جميعاً إلا بالانسجام والتنسيق والتكامل والانفتاح بين الأمة وقيادتها التي يقع عليها حسن تقدير الموقف واتخاذ القرارات الرشيدة المبنية على التخطيط الاستراتيجي المتين والحكمة في التدبير بما يضمن استمرار وعزة المقاومة التي تمثل الميزة التنافسية لنا على الأمم الأخرى ونقطة قوة وجودية متينة متوسلين إلى ذلك الصبر والمصابرة والمرابطة على كافة جبهات الحروب العسكرية والناعمة والنفسية والاقتصادية وأن يكون الشعار لنا جميعاً هو التقوى والتوكل على الله سبحانه والصبر والثبات وقوة البصيرة وصلابة العزيمة وحسن الإدارة.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (سورة آل عمران ٢٠٠)

 

 

علي حكمت شعيب

المصدر: https://www.alalamtv.net/news/4417656/

 

شاهد أيضاً

داعش خراسان

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

السياسة – شفقنا العربي: منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *