قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: “إن أغنى الغنى العقل وأكبر الفقر الحمق”
إن الحكمة في إحدى تعريفاتها هي وضع الأمور مواضعها فيكون الحمق مما يقابلها.
وعليه فالأحمق هو الذي يتخذ القرارات غير الرشيدة أي التي تكون خسائرها أكبر من عوائدها أو أرباحها عليه أو على منظمته فيما لو كان مديراً مما يؤدي بمنظمته إلى الخسارة ويوردها مورد الهلكة والفناء.
أما إذا اجتمع الحمقى فيما بينهم وتحالفوا، فإن الحكمة المروية عن الإمام علي عليه السلام أيضاً تقول:
“إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك”
فهؤلاء الحمقى من المستكبرين سيُلحقون الضرر ببعضهم البعض فيما لو تحالفوا وتناصحوا، وهذا ما سيعود بالخير على أعدائهم الذين على رأسهم الشعوب المستضعفة والدول المنهوبة من قبلهم.
إن أكبر خسارة لحقت بأمريكا منذ تولى رئيسها السيد ترامب الحكم هو تبديد مئات مليارات الدولارات التي أنفقتها دبلوماسيتها منذ نشوئها لنسج قناع نفاقها مدّعية أنها مع حقوق الإنسان وسيادة الدول واستقلالها وازدهارها وعدم التدخل في شؤونها وذلك عبر وكالاتها للتنمية وأنشطتها الدبلوماسية في الميادين كافة، ليؤكد لكل عاقل أن أمريكا هي التي تفتعل الحروب وتؤجج الفتن وتقتل الأبرياء وتهلك الحرث والنسل من أجل التسلط على الدول الأخرى حليفة كانت أم عدوة وابتزازها ونهب مواردها ووضعها تحت براثن قهرها وهيمنتها.
وهي خسارة تطال صورة أمريكا التي تتشكل منها قوتها الناعمة التي تعد الركن الثاني الأساسي بعد ركن القوة الصلبة لأي دولة، مما سيُضعف قدرتها الجاذبة على مستوى العالم.
فمن يجرؤ بعد اليوم في دول شعوبها واعية ويقظة لما تُحيكه أمريكا من فتن عليها، أن يُنشئ جمعية أو حزباّ سياسياً موالياً لأمريكا لأنه بذلك سيحكم على نفسه بالنفي والحصار في مجتمعه وبالتالي سيُتَّهم في شخصه ويفشل في مشروعه.
ولن تستطيع أمريكا من إعادة ترميم ما هدمته من قوتها الناعمة سياساتُ الحمقى من رؤسائها إلا بعد عقود طويلة من الزمن فيما لو أرادت ذلك، ولن تتحقق إرادتها هذه إلا مع تغافل وتقصير من الشعوب التي استهدفتهم بممارساتها الإرهابية الظالمة والخاطئة والتي كان أحد أبرز مصاديقها تبنيها واحتضانها ورعايتها للإرهاب الصهيوني وللسّفَلَة والأراذل والمجرمين من السياسيين الذين نصبتهم حكاماً على شعوبهم ليكونوا أدوات لها، وهو أي ترميم صورتها الناعمة أمر درجة عدم التأكد فيه عالية جداً واحتماليته ضئيلة إلى حدّ كبير في المدى المتوسط، لأن وعي الشعوب ويقظتها في حال صعود مستمر.
ومن ينظر إلى الحركة السياسية الأمريكية الحالية على الصعيد العالمي يراها مستندة بقوة، وأكثر من أي وقت مضى، إلى منطق استخدام القوة الاقتصادية بالدرجة الأولى والتهديد باستخدام القوة العسكرية بالدرجة الثانية.
وهي تحاول بذلك استعادة فرادتها في حُكم العالم بعد أن أقرّت بأن مكانتها تلك قد انتُزعت منها لتصبح أولاً بين أوائل ويصبح النظام العالمي محكوماً لأقطاب متعددة وهذا ما أكّدته استراتيجيتها الرئاسية في عهد حكم أوباما عام 2011.
أما القوة العسكرية لا سيما النووية فإنها تفيد الردع وهي لن تُستعمل لوجود دول أخرى وازنة تحقق التوازن على هذا الصعيد ولأن نتائجها كارثية على الجميع ممن يدخل ساحة الحرب بها.
ولن تعيد أمريكا الكرة في استخدام القوة العسكرية التقليدية لأنها قد أوقعتها في خسائر بشرية ومالية ومعنوية لم تسطع احتمالها لذلك قد تعهد رؤساؤها في العقد الأخير بالانسحاب من ساحات الحروب التقليدية في أفغانستان والعراق وسوريا وبدّلوا استراتيجيتهم العسكرية من التدخل العسكري المباشر إلى الحروب بالوكالة عبر الحلفاء أو إلى الحروب بالتكنولوجيا العسكرية حيث لا جنود على الأرض كما اعتمد ذلك أوباما عندما أطلق المسيّرات الأمريكية للاقتصاص من أعدائه.
واليوم فإن من يتعهّد من مرشحيها للرئاسة أو من ينتهج ذلك من رؤسائها سيجرّد نفسه من جزء كبير من قاعدته الشعبية وسينقلب الرأي العام الأمريكي عليه ويُنهي معه طموحه ومشروعه.
فالأداة المتبقية إذن هي العقوبات الاقتصادية المستندة إلى ثقة الناس بالدولار غير المغطّى بالذهب من بعد فسخها لاتفاقية بريتُن وودز “Bretton woods” في الستينات وربطها الدولار بالقوة الاقتصادية لأمريكا التي هي اليوم ومنذ تولّي بوش الإبن سدة الرئاسة بصدد الانحدار الشديد حيث أن الدّين العام الأمريكي قد تجاوز عتبة العشرين تريليون دولار أي العشرين ألف مليار دولار وسيستمر تراكمه في العقد المقبل وفقاً لتوقعات الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين.
وأمريكا اليوم تقوم بمراقبة تدفقات الدولار بين الأفراد والجماعات والدول وتقنّن القوانين للتضييق على خصومها.
فماذا لو قرر خصماؤها التخلي عن الدولار وتأسيس أحلاف اقتصادية تملك صناديق نقد غير مرتهنة لسياساتها وإملاءاتها، كما تحاول أن تحقق ذلك دول البريكس التي تقودها الصين وروسيا والهند و… والتي أسست صندوق نقد خاص بها وتمكّنت الصين من إدخال عملتها اليوان إلى البورصة العالمية لتصبح عملة رئيسية متداولة الى جانب الدولار الأمريكي واليورو.
وماذا لو استطاعت دول البريكس وحليفتها إيران من تحقيق هدفها الاستراتيجي التالي القاضي بمنع هيمنة الدولار على سوق العملات العالمية.
وماذا لو تمكنت الصين بسياستها الناعمة القائمة على التناغم والتنسيق في المصالح مع الدول الأخرى من تحقيق هدفها الاستراتيجي الكبير.
“حزام واحد طريق واحد”
“One Belt One Road”
الذي سيجمع كل الدول الواقعة على طريق الحرير التقليدي ليضمّ دولاً وازنة على امتداد القارات الثلاثة آسيا وأوروبا وإفريقيا.
حينها بالتأكيد سنشهد بداية متسارعة لنهاية العصر الأمريكي واستعادة الشعوب المستضعفة زمام المبادرة في حكم أنفسها وإزالة قيود القهر والظلم عنها وسنشهد بدايات طلوع فجر القسط والعدل.
فلنأمل خيراً.
علي حكمت شعيب