الوحدة الإسلامية مطمح كل مسلم يطلب وجه الله ورضوانه ويريد خير الأمة الإسلامية وصلاحها، والفرُقة والاختلاف والعدواة والبغضاء عمل شيطاني لا يؤدي إلا إلى إهدار الطاقات الفردية والاجتماعية بكل أشكالها…
الوحدة الإسلامية مطمح كل مسلم
الوحدة الإسلامية مطمح كل مسلم يطلب وجه الله ورضوانه ويريد خير الأمة الإسلامية وصلاحها، والفرُقة والاختلاف والعدواة والبغضاء عمل شيطاني لا يؤدي إلا إلى إهدار الطاقات الفردية والاجتماعية بكل أشكالها، الأمر الذي لا يؤدي إلا إلى التنافر والتناحر ثمّ الفشل الذريع والخسران المبين، ومن يثير الفتن ـ خاصة في مثل هذه الظروف – من خلال إطلاق النعرات الطائفية والمذهبية إنما يخدم مصالح أعداء الله وأعداء الأمة الإسلامية، ويخدم مصلحة المستعمرين أصحاب المقولة المعروفة «فرِّق تَسُد»، ويمهد لهم طريق السيطرة على مقدرات المسلمين، ومن يدعو الى الفرقة ويكفِّر المسلمين فهو يخالف الله عز وجل مخالفة صريحة وواضحة، حيث أن الله تعالى دعا المسلمين في القرآن الكريم إلى التآلف والتآخي والوحدة، وحذرهم من الفرقة والاختلاف.
قال الله عز وجل: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ »(1)
و قال عزَّ مِن قائل: «وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ »(2)
و قال جل جلاله: «وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»(3)
و قال سبحانه وتعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(4)
ما هو السبيل الأمثل ل الوحدة المسلمين؟
لكي نُقدم حلاً واقعياً معقولاً وقابلاً للتطبيق لا بد لنا من أن نستعرض كافة الحلول والسُبل المتصورة لتحقيق الوحدة الإسلامية أولاً حتى نتمكن من اختيار الحل المعقول، والحل الأفضل لمشكلة الأمة الإسلامية.
الحلول والسُبل المتصورة
الحل الأول:
إجبار المسلمين بكل طوائفهم ومذاهبهم وفرقهم على اختيار مذهب واحد في العقيدة والشريعة وترك ما هم عليه الآن من المذاهب المختلفة، وهذا الأمر هو ما طبَّقه عدد من الخلفاء والحكام والقادة المتجبّرين بقوة السيف، وأجبروا الناس على إتباع مذهب السلطان والخليفة المدعوم بمنطق القوة لا بقوة المنطق، ورغم النجاح النسبي الذي حققه هذا الأسلوب العنيف والقمعي في جعل مذهب السلطان مذهب الأكثرية من خلال إجبار الجموع الغفيرة على الدخول في مذهب السلطان، إلا أنه يتنافى مع روح الدين الإسلامي وجوهر الرسالة المحمدية الغراء، ويخالف القيم الإسلامية، خاصة وأن العقيدة لا تحصل بالإكراه والإجبار، بل تحصل بالحرية والاختيار.
ثم أنه ورغم كل ذلك فلقد أثبت التاريخ فشل هذا الحل – إن صحَّ تسميته حلاً -، مضافاً الى مخالفته الواضحة للقرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(5)
الحل الثاني:
وهو ما يُعبَّر عنه في العصر الحاضر بـ«إسلام بلا مذاهب»، أي نبذ المذاهب كلها إلى جانب والالتفاف حول الإسلام بعيداً عن المذاهب، وهو حل نظري أكثر من كونه حلاً عملياً، حيث أن الكلام هو عن الإسلام الواقعي الذي جاء به النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) أين هو، وأي مذهبٍ من المذاهب يمثله ؟ وما هي الفرقة الناجية ؟ وذلك لأن كل طائفة وفرقة تعتقد بصحة مذهبها، وتعتقد بأن مذهبها يمثِّل الإسلام الصحيح الذي نزل به القرآن الكريم وجاء به الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله)، فأي مذهب من المذاهب أُخذ به بقي الخلاف على حاله، وسوف لا يقبل به أصحاب المذاهب الأخرى.
الحل الثالث:
الانفتاح على المذاهب الإسلامية المختلفة ودراستها من مصادرها المعتمدة لديها لمعرفة أفكارهم وحججهم من خلال اجتماع أهل الحل والعقد من العلماء والمفكرين من جميع المذاهب والفرق الإسلامية بروح عالية وعلى أسس موضوعية ومنطقية لمعالجة الأمر بمناقشة أصول الاختلاف من جذورها، والتحاكم إلى القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ـ المتفق عليها لدى المسلمين جميعاً ـ والعقل بغية التوصل إلى المعتقد الصحيح والحكم الشرعي المبرئ للذمة في كل صغيرة وكبيرة مما يحتاج إليه المسلمون في شؤون حياتهم الفردية والاجتماعية، ومن ثمّ إعلام الأمة الإسلامية بما سيتوصلون اليه حتى يتم قبوله باعتباره معتقداً موحداً وممحصاً ومنقحاً لا غبار عليه، وهذا يتفق مع ما دعى اليه القرآن الكريم حيث قال : «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ».(6)
و لقد بذل عدد من العلماء المخلصين والمصلحين جهوداً كبيرة لتحقيق هذا الهدف السامي، ومن هؤلاء العلماء الأعلام العلامة آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين (رحمه الله)،(7) والعلامة القدير الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الأزهر(8) وكانت نتيجة حواراتهم كتاب المراجعات المعروف،(9) والشيخ محمود شلتوت.(10)
الحل الرابع:
تبادل الاحترام بين المذاهب الإسلامية كلها دون التعرض لرموزها ومعتقداتها والتعامل مع أتباع المذاهب جميعاً على أنهم مسلمين موحّدين تجوز مناكحتهم وتحل ذبائحهم وتصان دماؤهم وأعراضهم وأموالهم ومساجدهم ومقدّساتهم من أن يتعرّض لها، ومنع الجهات التكفيرية من توزيع الاتهامات على المسلمين وإثارة الفتن بين الطوائف والمذاهب الإسلامية.
و من الصحيح أن يُعمل بهذا الحل حتى يأتي اليوم الذي تساعد الظروف على العمل بالحل الثالث إن شاء الله تعالى.
الشيخ صالح الكرباسي
ـــــــــــــــــــ
الهوامش و المصادر:
* لقتباس وتنسيق وتقويم قسم المقالات في شبكة الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي، المصدر : موقع مركز الإشعاع.
(1) القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 )، الآية : 92.
(2) القران الكريم : سورة المؤمنون ( 23 )، الآية : 52.
(3) القران الكريم : سورة الأنفال ( 8 )، الآية : 46.
(4) القران الكريم : سورة الحجرات ( 49 )، الآية : 10.
(5) القران الكريم : سورة البقرة ( 2 )، الآية : 256.
(6) القران الكريم : سورة الزمر ( 39 )، الآية : 17 و18.
(7) هو السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي المتولّد سنة : 1290 هجرية، والمتوفّى يوم الاثنين 8 جمادي الثانية سنة : 1377 هجرية الموافق 30 كانون الأول سنة : 1957 ميلادية، ودفن بجوار جده أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في النجف الأشرف / العراق.
(8) هو الشيخ الجليل العلامة سليم البشري المالكي، وهو شيخ الجامع الأزهر المولود سنة : 1248 هجرية، والمتوفّى سنة : 1335 هجرية، تولّى مشيخة الأزهر لفترتين متعاقبتين، كانت الأولى سنة : 1900 م الموافق لعام : 1320 هجري، والثانية استمرت من سنة : 1909 م حتى سنة وفاته، أي سنة : 1916 ميلادية الموافق لسنة : 1335 هجرية.
(9) المراجعات كتاب يحتوي على ( 112 ) مناظرة ومراجعة تناول الطرفان فيها مباني العقيدة الإسلامية، ومن الضروري الاطلاع على هذا الكتاب القيم والرجوع إليه.