العرب عادوا.. فكيف تعود دمشق إليهم؟

عودة العلاقات السورية العربية، وإن كانت تسير بوتيرة متسارعة من قبل العرب، إلا أن عودة دمشق إلى العرب يجب أن تنطلق من وضع سوريا الراهن، إذ تعاني البلاد منذ العام 2011 من أزمة مركبة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، لها أسباب داخلية وخارجية، والأخيرة كان العرب ومؤسسات النظام الإقليمي العربي ولا يزالون، فاعلاً رئيسياً فيها، وبالتالي يجب أن تكون المساعدة في الخروج من الأزمة والتعويض عن الأضرار شروطاً مسبقة لعودة دمشق إلى العرب.

لقد أبدت سوريا ترحيبها واستعدادها لاستعادة علاقاتها مع العرب، بعد بروز عدة مؤشرات على رغبة عربية في ذلك، وكان أولها التحول في الموقف السعودي الذي ظهر على لسان وزير الخارجية السابق عادل الجبير ورحب به وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم من موسكو، وثانيها زيارة المعلم إلى سلطنة عمان، وثالثها لقاء المعلم مع وزير الخارجية البحريني خالد بن محمد آل ـخليفة في الأمم المتحدة على هامش اجتماعات الجمعية العامة، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية العراقي إلى دمشق، وما أماط اللثام عنه من أن هناك تغير في الأوساط الرسمية العربية مفاده ترحيب بعودة سوريا إلى البيت العربي، ثم زيارة الوفد البرلماني الأردني إلى دمشق ولقاؤه الرئيس بشار الأسد، وما تبع هذه الزيارة من مسيرات في الأردن مؤيدة للرئيس الأسد ولاستعادة العلاقات مع سوريا، ثم زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير لدمشق ولقاؤه الرئيس الأسد، وانتهاءً بعودة كل من سفارتي الإمارات والبحرين للعمل في دمشق.
يمكن فهم ذلك في سياق الإحاطات التالية:
1- لا تخرج رغبة دول مجلس التعاون باستعادة العلاقة مع سوريا من إطار الاعتراف بانتصار سوريا في الحرب الدائرة منذ العام 2011.
2- إن التموضعات الحالية للأزمة السورية تبدي انتقال ملف التنظيمات الإسلامية ذي المرجعيات من دول مجلس التعاون إلى قبضة تركيا الإخوانية في وجه السعودية الوهابية.
3- وجود رغبة أميركية في زيادة العداوة التركية السعودية وتناقض المصالح الجيوسياسية في سوريا، وبهدف ضبط تركيا التي تلعب على وتر التنافس الأميركي الروسي في المنطقة.
4- وجود رغبة لدي دول مجلس التعاون في إغلاق باب سوريا التي ساهمت هي ذاتها بفتحه أمام تركيا التي تسعى لمد نفوذها أكثر وأكثر في العمق الإسلامي العربي.
5- مجموعة الضغوط التي تتعرض لها السعودية وولي العهد محمد ابن سلمان، والتي كان آخرها الابتزاز الأميركي التركي حول قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في أنقرة.
6- الخلافات الداخلية بين دول مجلس التعاون، المتصلة بالصراع على الدور والنفوذ بين قطر المتحالفة مع تركيا وبين السعودية الوهابية.
تقتضي عملية صياغة الرؤية المستقبلية لعلاقة سوريا مع العرب، على أنها ستقدم الكثير من الفرص لسوريا، وستمكن من الإسراع في الخروج من الأزمة، كذلك ستشكل العودة، وبالدرجة الأولى، رافعة اقتصادية مهمة لسوريا باعتبارها ستكون مشروطة بشكل بديهي، بإيقاف دعم الإرهاب وبرفع العقوبات وبإعادة تفعيل العلاقات التجارية السورية العربية، كذلك يمكن الاستفادة من التناقضات القائمة داخل مجلس التعاون وبين بعض دول المجلس وتركيا.
إن الوقوف على تعاطي مؤسسة الجامعة العربية مع ما سمي «الربيع العربي» في سوريا، شكل الدالة الكاشفة لحقيقة النظام الإقليمي العربي، ومدى إخفاق الدول العربية بما تمتلكه من مقومات اقتصادية وبشرية وجغرافية، في تبوء مكانة في النظامين العالمي والإقليمي وفي تحقيق التنمية، وتوجهها بدلاً من ذلك إلى إعادة إحياء النزعات المتطرفة الإسلاموية على وجه الخصوص لاستخدامها لاحقاً في تثبيت ملكياتها وإماراتها ذات التبعية الغربية.
كذلك فإن النظام الإقليمي العربي أخفق في توظيف مقدراته، كرافعة للتقدم من خلال دعم وتنمية أدواته العسكرية والعلمية والتكنولوجية والإصلاح الديني والسياسي.
لقد أظهر هذا النظام عبر تاريخه، حقيقة ثابتة لم تتغير منذ ما بعد حصول جميع الدول العربية على الاستقلال، تمثلت بالعجز عن تنفيذ ما يتقرر من سياسات داخل مؤسسات النظام الإقليمي العربي، ما أدى إلى تشجيع القوى الإقليمية والدولية على اختراق هذا النظام.
ولعل واحدة من أكثر مشكلات النظام الإقليمي العربي تعقيداً هي أزمة الهوية، وإن كانت العولمة أحد مسبباتها، إلا أن ضعف إنجازات النظام الإقليمي العربي ومؤسساته، وانتكاس العمل العربي المشترك، أسهمت في إفراغها من مضمونها.
بمقابل ذلك حققت دول الجوار العربي، تقدماً في ظل هوية قومية راسخة لكل منهما، وحدث هذا في وقت كان فيه الاختراق للنظام الإقليمي العربي على أشده سواء الخارجي، كاحتلال العراق والقواعد العسكرية الأميركية لدى دول مجلس التعاون ، أم الداخلي من قبيل إحياء الولاءات ما قبل الوطنية أو تشكل التنظيمات الإرهابية.
وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن مؤسسة الجامعة العربية لم ترتق يوماً بصفتها الممثل المؤسسي للنظام الإقليمي العربي، إلى مستوى ما صنعته المقاومة العربية ضد العدو “إسرائيل” سواء أكانت المقاومة اللبنانية أم الفلسطينية.
إذاً، ومما يجب التأكيد عليه، أن العودة العربية إلى دمشق تمثل أحد مؤشرات انتصار سوريا وإقرار بهمجية الحرب التي شنت وبخطيئة من قام بها، وإن كان الدافع وراء العودة، تنفيذٌ بالسياسة والاقتصاد، ما لم يستطع العرب الذين حاربوا سوريا طوال ثماني سنوات، من تنفيذه بالميدان، وعلى رأسه ضرب علاقة سوريا مع إيران أو تحويل سوريا إلى ساحة مواجهة مع إيران وتركيا، فلا بد من التشديد على استحالة السماح بذلك، والتشديد على أن هدف الدولة السورية هو تطهير كامل أراضيها من الإرهاب والحفاظ على وحدة واستقرار البلاد.

مازن جبور – الوطن

شاهد أيضاً

داعش خراسان

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

السياسة – شفقنا العربي: منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.