المُقاوَمة الفلسطينية تنتصِر عسكريًا ونفسيًا

مجازًا يُمكِن القول الفصل إنّ الجولة الأخيرة من المُواجهة بين المُقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة وبين الاحتلال انتهت حتى اللحظة بانتصارٍ ساحقٍ للمُقاومة بالنتيجة 2 إلى صفر: الهدف الأوّل سُجّل في الميدان العسكريّ، فيما أحرزت المُقاومة الهدف الثاني في مرمى العدوّ في الزمن بدل الضائع في الحرب النفسيّة الشرِسة، ودفع (إسرائيل)، الـ”ديمقراطيّة الوحيدة في صحراء الديكتاتوريات العربيّة” (!)، إلى تفعيل الرقابة العسكريّة لمنع الـ”مسّ بأمن الدولة العبريّة”، وغنيٌ عن التأكيد إنّ الرقابة تعمل وفق أنظمة الطوارئ، التي كانت سارية المفعول إبّان الانتداب البريطانيّ في فلسطين. والسؤال الذي ما زال مفتوحًا: هل الرقابة تؤكّد أمْ تنفي أنّ وراء الأكْمَة ما وراءها؟.

إذن، الصدمة، والتدّخل الحاسِم والصارِم للرقابة العسكريّة، لمنع النشر، كانتا هما السِمتان اللتان ميّزتا ردّ الفعل الإسرائيليّ، على قيام حركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس) بنشر صور الفريق الإسرائيليّ الذي نفذّ مُحاولة الاختراق في خان يونس، يوم الأحد قبل الماضي، الـ11 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وهي العملية التي أدّت إلى ردٍّ عنيفٍ من المقاومة الفلسطينيّة، تمّ خلاله إطلاق أكثر من 520 صاروخًا وقذيفةً باتجاه جنوب الدولة العبريّة، وانتهى بهزيمةٍ إسرائيليّةٍ مُجلجلةٍ، تجلّت بوضوحٍ في استقالة وزير الأمن المُتشدّد، أفيغدور ليبرمان، فيما كانت النتيجة المُباشِرة للعملية مقتل قائدها، نائب وحدة “ماغلان”، التابعة لجيش الاحتلال، وجرح أحد أفرادها، وهذا على الأقل حسب اعتراف الناطق بلسان الجيش. يُشار إلى أنّ الوحدة المذكورة، هي من الوحدات المُختارة والنُخبويّة في الجيش الإسرائيليّ، وعلى الأغلب تبقى عملياتها طيّ الكتمان.

عُلاوةً على ذلك، فإنّه بعد مرور حوالي الأسبوعين على العملية الفاشِلة ما زالت الرقابة العسكريّة في تل أبيب ترفض رفضًا قطعيًا السماح لوسائل الإعلام بنشر أيّ تفصيلٍ عن القتيل الإسرائيليّ في العملية، كما أنّ اسمه ومكان سُكناه وتفاصيله العائليّة ممنوعةً من النشر، حيث يكتفي الإعلام العبريّ بالإشارة إليه بالضابط (ميم)، وفق الأوامر الصادِرة من الرقابة العسكريّة.

ووفقًا لما نشرته صحيفة (هآرتس) العبريّة، وأيضًا التغطية الإسرائيليّة في وسائل الإعلام المختلِفة، فإنّ هذه الصور هي صور “مَنْ تقول” حماس أنّهم شاركوا في العملية، ونشرت حماس أيضًا هذه الصور مأخوذةً من بطاقات هويّةٍ مُزيفةٍ صادرةٍ عن الداخليّة الفلسطينيّة وبعض هؤلاء الإسرائيليين كانوا متنكرين بزيٍّ إسلاميٍّ (المجندات)، وفق زعم تل أبيب الرسميّ.

وفي خطوةٍ غيرُ مسبوقةٍ، اضطرت الرقيبة العسكريّة الإسرائيليّة، الجنرال أرئيلا بن أفراهام، للمرّة الثانية منذ وقوع العملية الفاشِلة في خان يونس، إلى التوجّه مُباشرةً إلى وسائل الإعلام العبريّة، حيثُ نشرت بيانًا غيرُ معتادٍ زعمت فيه أنّ حركة حماس تُحاوِل تفكيك أسرار العملية، وأضافت في البيان عينه، الذي تناقلته جميع وسائل الإعلام العبريّة على مُختلف مشاربها، أضافت أنّ كلّ تفصيلٍ للمعلومات قد يُعرّض حياة الإنسان للخطر ويضر بأمن الدولة العبريّة، وهي تقصد حياة الضباط والجنود، الذين على ما يبدو شاركوا في العملية الفاشلة، والتي عنونت حماس صورهم بأنّهم مطلوبين، ووضعت معها في الوقت عينه هاشتاغ #حد_السيف.

وكانت الرقيبة العسكريّة، اضطرّت لنشر البيان بعد أنْ اجتاح الخبر الذي أطلقته حماس منصّات التواصل الاجتماعيّ الفلسطينيّ والإسرائيليّ على حدٍّ سواء، وقالت الرقيبة موجهةً حديثها إلى المُستخدمين الإسرائيليين إنّه بغضّ أنه بغض النظر عن موثوقية المعلومات نطلبُ مِنكَ عدم نشر الصور أوْ تحديد المعلومات الشخصيّة أوْ المعلومات الأخرى التي لفتت انتباهك، وذلك يشمل وسائل الإعلام، الشبكات الاجتماعيّة، مجموعات (واتساب) وأيّ منصّة وسائط أخرى، مُضيفة في الوقت ذاته أنّ الرقابة العسكريّة لن تُعلّق على مصداقية الصور التي نشرتها حماس، على حدّ تعبير بيان الرقيبة العسكريّة الإسرائيليّة.

مُضافًا إلى ما ذُكر أعلاه، فإنّ الإعلام العبريّ التزم بتعليمات الرقيبة وأعاد نشر الصور مُظللة مع الالتزام بنشر البيان الذي أصدرته الرقيبة العسكريّة، ولكنّ التعليقات تقول إنّ إعادة نشر الصور ولو مُظللة دفع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعيّ الإسرائيليين للسعي لمشاهدة الصور الأصليّة على المنصّات الفلسطينيّة، وهذا الأمر بحدّ ذاته يُعتبر إنجازًا لحماس في الحرب النفسيّة بينها وبين إسرائيل.

يُذكر أنّه رغم وجود سيناريوهات متعدّدّة، إلّا أنّ الجيش الإسرائيليّ لم يُعلِن حتى الساعة رسميًا عن الغرض من تلك العملية التي رجحت معظم التقارير أنّها عملية استخباراتية ليس الغرض منها قتل أوْ اختطاف عناصر من المقاومة.

وكانت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكريّ لحركة “حماس″، نشرت عصر الخميس، صورًا تعود لعناصر القوة الإسرائيليّة الخاصّة التي اقتحمت شرقي خان يونس في الحادي عشر من الشهر الجاري، وأفشلت المقاومة خطتّها الأمنيّة.

وقالت الكتائب في بيانٍ لها: “تمكنّا من الوصول إلى مراحل متقدّمةٍ في كشف خيوط العملية الخاصّة والخطيرة التي باشرت قوةٌ إسرائيليّةٌ خاصّةٌ بتنفيذها وتمّ اكتشافها مساء يوم الأحد 11/11/2018 شرق خان يونس وتمكّن المقاومون من إفشالها وقتل وإصابة عددٍ من أفراد القوة. وأضافت: في إطار التحقيقات المستمرّة، نقِف اليوم مع أبناء شعبنا في محطة نكشف من خلالها الصور الشخصية لعددٍ من أفراد قوة العدو الخاصّة، إضافةً إلى صور المركبة والشاحنة اللتين استخدمتهما القوة، على حدّ تعبير بيان القسّام.

يُشار إلى أنّه في العام 1984 رفضت صحيفة (حداشوت) العبريّة الانصياع لأوامر الرقابة، ونشرت صور الفدائيين من عملية الحافلة رقم 300، والذين ضُبطوا أحياءً وقام عناصر الشاباك بقتلهم بعد اعتقالهم، الأمر الذي دفع الرقابة إلى إغلاق الصحيفة فورًا عقابًا لها على خرق تعليمات الرقابة، ولكنّ الفضيحة انتشرت وأدّت لأزمةٍ سياسيّةٍ وأمنيّةٍ انتهت باستقالة رئيس الشاباك وعددٍ من القياديين في الجهاز، وقام رئيس الدولة آنذاك بمنحهم العفو العّام قبل مُحاكمتهم بجريمة القتل المُتعمّد، خلافًا لرأي المُستشار القضائيّ للحكومة الإسرائيليّة في ذلك الوقت، يتسحاق زامير.

رأي اليوم / زهير أندراوس

شاهد أيضاً

داعش خراسان

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

السياسة – شفقنا العربي: منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.