في مولد الإمام المنتظر مهدي آل محمد عليهم السلام

من أجل تحفيز الذاكرة الصحفية وما كان لها من دور ـ وإن كان بسيطاً ـ في ترسيخ الثقافة المهدوية فان (الانتظار) وفاءً منها لهذا الجهد الرائع تستذكر أحد الكتاب المعروفين ضمن هذا الباب لتحيي به كاتباً ومفكراً، وهو العلامة الفاضل المرحوم السيد مسلم الحلي وفيما يلي نورد مقالته القيمة التي جاءت في مجلة (الإيمان) العددان الأول والثاني ـ كانون الثاني وشباط 1965 ص 14 ـ 17.

إذا كان ـ وقد كان ـ من المكان ما هو شقي، ومن المكان ما هو سعيد، فالأرض تشقى وتسعد، فما يمنع ان نقول: إن للزمان سعادة على حد ما هي للمكان سواء بسواء، وإذا صح لنا ان نمنح الأيام والليالي نصيباً من السعادة، فان من احظى الليالي سعادة ليلة قد فازت من السعادة باوفر حظ واوفى نصيب ـ ليلة يتألق بها بدر يفضح بدر السماء، ويعبق بها نشراً، ينفح في الفضاء فيعطر الأرجاء، ليلة تتمخض صبيحتها عن وليد هو بقية السلف من النسل الطيب من آل محمد، والسلالة الطاهرة من بني المرتضى علي والزهراء فاطمة، عليهم جميعاً اكمل التحية وافضل السلام، نعم: ومسك الختام لسادة الأنام هداة الأمة الأيمة الهداة للناس اجمعين، وبشارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم  لأمته قبل قرون وقرون، ارسلها منه لسان مرسل لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فلا يطرقه شك ولا ارتياب، ذلك هو الإمام المغيب، والحجة المحتجب من آل محمد عليهم السلام ـ المولود الكريم. في البيت الكريم، من اجل ذلك اصبحت فكرة الامام المهدي حقيقة راهنة ثابتة، وحقاً ثابتا يعترف به الفريقان ممن تمسك من الاسلام ـ بحبل متين.

ففي ينابيع المودة ـ روى حديثا يتصل ختام سلسلة سنده بجابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، انه قال: (لا تذهب الدنيا حتى يقوم بامتي رجل من ولد الحسين يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلماً) هذا بعض ما يحدثنا به ينابيع المودة.

ونرى ايضا في (الصواعق المحرقة) لابن حجر ـ من ذلك الشيء الكثير، وقد يقنعنا ـ والقليل يقنع إذا المس شيئاً من الحقيقة ـ ان نذكر ما يرويه في ص ـ 96 ـ من كتابه المذكور ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  انه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم ابيه اسم ابي، يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً).

هذا بعض ما يحدثنا به ابن حجر.

وهذا الشبلنجي في ـ نور الابصار ـ ص 168 ـ عقد فصلا خاصا في مناقب الإمام المهدي عليه السلام  وهذا نص عبارته هناك.

(محمد بن الحسن الخالص، بن علي الهادي، بن محمد الجواد، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي زين العابدين، بن الحسين، بن علي بن ابي طالب)، امه ام ولد. يقال لها: نرجس، وقيل صقيل، وقيل: سوسن ـ وكنيته ابو القاسم ـ ولقبه الأمامية ـ بالحجة المهدي، والخلف الصالح، والقائم المنتظر ـ وصاحب الزمان ـ واشهرها المهدي، صفته رضي الله عنه ـ شاب مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، مسبل شعره على منكبيه، اقنى الأنف، أعلى الجبهة بوابه محمد بن عثمان، معاصره المعتمد، كذا في الفصول المهمة ـ قيل انه غاب في السرداب والحرس عليه، وذلك في سنة ستين ومأتين، وفي الصواعق ـ ويسمى القائم المنتظر ـ).

هذا كلام الشبلنجي ـ نقلناه بطوله ـ اتماما للحجة، واعلاما بالبرهان، وقد نكتفي بعض الاكتفاء في موضوعنا هذا، في منقول هذه الروايات والأحاديث، ففي التدليل بها على أن الإمام المهدي عليه السلام  مولود الآن، وانه التاسع من ولد الحسين بن علي عليهما السلام خير مقنع لمن كان له قلب، او ألقى السمع وهو شهيد.

والآن ـ وقــد وضــعنـا الحــجر الاســـاس في هذا الموضوع ـ نوجه وجهنا شطر موضوع آخر، فعسى ان تأتي بلفظ مفيد، او كلام يحسن السكوت عليه.

ولادته عليه السلام :

اشاد الله بشأن هذا الوليد الكريم من البيت الكريم، بولادة كانت غريبة الشكل عديمة النظير، نسيجة وحدها في عالم الحياة والأحياء، وما كل ذلك إلا ليكون معجزة السكون والكائنات في مختلف ادوار حياته ومالها من شئون وشئون، فهو محاط، بمختلف الخوارق والمعجزات قبل ان يولد، ويوم ولد، وحتى طوى عدداً غير قليل من صفحات كتاب عمره الشريف، فهو ـ وهو جنين ـ يضم بين طبقات وعاء حمله ـ مخبوء في ستار من حجاب القدرة، لا تحس حتى أمه نفسها بحمل، حتى وضعته خلقاً سوياً كامل الخلق والأخلاق، ثم لا يلبث ساعة حتى يتغيب عن ناظرها، وعن جميع ناظريه ـ ثم لا يقدر له ان يظهر عن حجاب هذا الكتمان الا يوم يقدر له ان يتوج بتاج الكرامة، ويتقمص رداء الامامة، فيظهر ـ وقد وضع جثمان أبيه الزكي عليه السلام  فيتولى الصلاة عليه، وينحي عمه عن أمر كان هو أهله واحق به من عمه ومن الناس اجمعين، وما يلبث الا ريثما يحقق الحق ويبطل الباطل، وليعرف خلق الله ولي أمر الله ونبراسه اللامع الهادي إلى طريق الهدى والصراط المستقيم، يتغيب الإمام عليه السلام  وهو حمل ـ ويتغيب ـ وهو وليد ـ ثم يتغيب وقد بلغ القعد الثاني من شريف عمره، ثم لا يزال متغيبا حتى يأتي أمر الله فلا تستعجلوه.

غيبته عليه السلام :

لا أراني ـ وقد بلغت هذه المرحلة بحاجة إلى عرض ما استعرضته النقلة الاثبات، من أمر غيبته عليه السلام، وكيف غاب، وما المكان الذي غاب فيه فقد بلغ الأمر من ذلك قصارى حد الوضوع والجلاء، وقد يكفيك ان تراجع ما ذكره محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ـ في كتابه الذي سماه (بالبيان في اخبار صاحب الزمان) فقد عقد في كتابه هذا بابا لغيبته، وكيف غاب ـ واين غاب ـ وجواز بقائه حيا طوال هذا الزمن الطويل ولعل هذه النقطة الأخيرة ـ أعني نقطة بقائه حيا هذا الأمد البعيد ـ هي النقطة الحساسة في هذا الموضوع، الحرية بالحل والتحليل والمشكلة التي يجب ان يقام لها بكل علاج، فهي مشكلة ذات مشاكل، ونقطة هي ملتقى نقاط، والنقطة الأولى من تلك النقاط هي: أن  غيبة الإمام عليه السلام  مخلة باللطف الواجب الذي تعتقده الامامية، كلمة قد يلوكها المتشدق بين فكيه، وما كان له ان يفوه بها ـ لو علم مبلغ اللطف عند الإمامية بمعناه الصحيح.

اللطف عند الإمامية امر يفعله الله تعالى في عباده يقربهم إلى الطاعة، ويبعدهم عن المعصية على نحو  لا يبلغ حد الالجاء، ولاحظ له في التمكين وهو ـ عندهم ـ أمر يكونه مجموع أمور ـ منها ـ ما يعود فعله إلى الله سبحانه ـ وهو اعلامه تعالى بالإمام وارشاد الناس اليه، ـ ومنها ـ ما يعود إلى الإمام عليه السلام  وهو قبوله وتحمله أعباه الأمامة وقيامه بما فيها من واجبات وحقوق ـ ومنها ـ ما يعود إلى الناس أنفسهم وهو موقفهم مع الإمام عليه السلام  موقف الطاعة والخضوع، والأذعان والتسليم والرضا والرضوخ ـ أما اللطف الذي يعود إلى الله تعالى ـ فقد فعله مع الناس، فلم يتركهم وشأنهم، دون ان عرفهم من هو الإمام وهداهم اليه ودلهم عليه ـ بما انزله على نبيه من البلاغ للابلاغ، واللطف الذي يعود إلى الإمام عليه السلام  قد فعله الإمام لولا ان تمانعه ايدي الظالمين، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ـ اذن ـ فلم يعد الأخلال باللطف إلا من طريق الناس انفسهم فهم جديرون بالقطع والحرمان، وتجهيز الله سبحانه للإمام بالقوة الخارقة وتعزيزه بما هو فوق العادة (تمكين) واللطف لاحظ له في التمكين واخضاع البشر له عن طريق القهر والأجبار، (الجاء) وقد عرفت ان اللطف لا يبلغ حد الألجاء.

ـ النقطة الثانية ـ هي مشكلة بقاء الإمام حياً طيلة هذا الزمن الطويل، وهو شخص انساني مدين ـ بطبيعته ـ بالخضوع إلى متفاعل الطبائع، ومتمازج العناصر، وقد نرى مشكلتنا هذه أقل خطراً من مشكلتنا السابقة، وقد آمنا بعالم الأعجاز للانبياء والأولياء وهل الاعجاز إلا خرق للعادة والنواميس!! إن صح ان يوجد في الحياة ما يسمى بالنواميس ـ وحين نسلك هذه الغاية نجد الطريق أمامنا معبداً لا أمت ولا عوج فيه، فقد طفحت طوامير السير والآثار من طريق النقلة الاثبات بحياة أشخاص هم الآن أحياء ويبقون أحياء إلى ماشاء الله من زمان، ويبقى بعضهم حياً إلى يوم الدين، اشقياء وسعداء كافرين ومؤمنين، ولا يبقى لنا أي ارتياب إذا لقينا نظرة على كتاب الله الكريم نرى ذلك فيما اقتصه تعالى من خطاب موسى للسامري بقوله (فاذهب فان لك في الحياة ان تقول لا مساس) 95/ طه) وغيرها من الآيات الكريمة التي تتعلق بأناس خيرين او شريرين منحهم الله فسحةً من العمر وعمروا طويلاً ولا يوجد ادنى شك في ذلك فهو واهب الحياة.

(اكتفت المجلة بهذا القدر من الموضوع لتناسبه مع واقع النشر في المجلة)

بقلم المرحوم العلامة: السيد مسلم الحلي

Check Also

الإمام المهدي خليفة الله في أرضه(عجّـل الله فرجه)

انّ النعوت التي وردت في وصف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كثيرة. وأردت أن أستطرق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *