ليبيا.. اتفاق باريس وفرص النجاح

بعد أكثر من سبع سنوات من ثورة ١١ فبراير ونهاية حكم الزعيم معمر القذافي بتدخل دول حلف الناتو، لا زالت ليبيا منقسمة الى شرق وغرب ولا زالت جماعات مسلحة تعبث بامن البلاد مما تسبب في انتشار الفوضى في هذا البلد الافريقي الغني بالنفط والذي لا يفصله عن القارة الخضراء سوى مياه الابيض المتوسط.

فوضى ضربت ليبيا بسبب زوال القوة القاهرة للجميع المتمثلة بنظام القذافي الشمولي وبسبب تدافع مصالح دول غربية وعربية واقليمية ارادت لها موطئ قدم في بلد يمتد على ساحل طويل ونفط خفيف تطمح اليه عيون الاوربيين وتطمع فيه دول عربية لديها فائض مال ونقص حجم لكنها عطشى نفوذ ربما يعوض عن صغرها.

التدخلات العربية والاقليمية وخاصة دول مثل الامارات وقطر حسب اعترافات رئيس الوزراء القطري السابق لوسائل الاعلام، غذت بالمال والسلاح وزرع الاختلافات بين المجموعات الليبية المختلفة وجعلتها تتقاتل في المدن والموانئ والحارات مما زاد في النزف الليبي بعد ان خرجت البلاد من نزف من نوع آخر وهي كانت ترزح تحت حكم القذافي ومزاجياته وتقلباته  واوهامه على مدى اكثر من اربعين عاما.

هذه التدخلات الخارجية والتشرذمات والمعارك الداخلية اضعفت ليبيا الثائرة وجعلتها تعيش في دوامة عنف وتذهب نحو المجهول حتى ظهر الجنرال حفتر خليفة المقيم في الولايات المتحدة ليعلن نفسه الجنرال المنقذ للبلاد من الفوضى والعنف والتشظي القبلي والمناطقي لكنه سرعان ما اصبح طرفا ضمن الاطراف المتحاربة واصبح مدعوما خارجيا وفق حرب الاجندات الأجنبية ومصالحها المتعارضة وبقيت دوامة العنف تضرب البلاد دون رادع او وازع.

فاردات الامم المتحدة ودول اوربية -ربما افزعها قوارب المهاجرين اليها عبر البحر قادمين من ليبيا- الحل السياسي عبر توافق وطني فكان اتفاق الصخيرات الذي افرز حكومة برئاسة فايز السراج وسرعان ما اصبح رقما جديدا يضاف الى حكومتين وبرلمانيين منقسمين بين طبرق وطرابلس وتعقدت الاوضاع اكثر ولم يعترف بالسراج لا حفتر ولا برلمان طبرق في الشرق ونفس الموقف كان لحكومة وبرلمان طرابلس في الغرب.

وخفت من جديد ضوء الحل في نهاية نفق الازمة الليبية فانطلقت مبادرات غربية وعربية للحل في ليبيا غايتها الجمع بين حفتر والسراج فافلحت في جمع الرجلين لكنها اخفقت في صنع اتفاق ينهي الازمة ويوحد البلاد سياسيا تحت مظلة حكومة واحدة بعد انقسامها لغرب وشرق علاوة على نشاطات واضحة لجماعات متطرفة ابرزها الجماعة الإرهابية.

وبعد كل هذا، اتت المبادرة الفرنسية برعاية الرئيس ايمانويل ماكرون لتجمع بين السراج وحفتر من جديد لتصنع اتفاقا جديدا بتنظيم إنتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية عام ٢٠١٨ واتخاذ كل الاجراءات الدستورية اللازمة لذلك وتوحيد البنك المركزي. ولم يجف حبر الاتفاق بعد حتى ظهرت تحفظات او شكوك حول امكانية الاتفاق الجديد ان يصنع امنا وسلاما ووطنا موحدا.

جماعات في الغرب الليبي رأت انه تم تغييبها عن الاتفاق وعن توقيعه محذرة من نتائج عكسية لهذا الاتفاق مشيرة الى تمايل غربي عام وفرنسي بشكل خاص للجنرال خليفة حفتر مما يعطية ارجحية ومحاباة على حساب غيره وبالتالي سيعود بهم الاتفاق الى المربع كما فعل اتفاق الصخيرات عندما اضاف حكومة جديدة الى حكومتين سابقتين.

لذلك، قد لا يكون اتفاق باريس انجازا كبيرا يدمل جراح غائرة في الجسد الليبي اذا حابى طرفا على حساب غيره خاصة وانه قد تأكد للجميع تقريبا ان اية حلول معلبة من الخارج لا تأخذ بنظر الاعتبار تفاصيل ومقاسات الليبيين بمختلف تنوعاتهم سيكون مصيرها الفشل وقد تزيد في الطين بلة.

فالجنرال خليفة وقد بلغ من العمر عتيا وسط شائعات عن وضعه الصحي والبحث عن خليفة له لا يمكن الرهان عليه على حساب السلام والوئام في ليبيا ولو أٌغدقت عليه المليارات ونفذت من أجله حملات علاقات عامة لان الليبيين ادرى بشعابهم واكثر استشعارا لآلامهم وهمومهم فما يحتاجونه هو رعاية صادقة ودعم نزيه يوحدهم ويترك الخيارات لصناديق الاقتراع لتقول الكلمة الفصل في مستقبل ليبيا بدلا من الاملاءات والوصفات الجاهزة التي قد تمالي مصالح لاعبين أجانب ورهاناتهم الداخلية ولو على حساب اهل البلاد ومصالحهم ومصالح اجيال قادمة.

احمد المقدادي

شاهد أيضاً

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

الاخبار – القدس العربي: قام جندي إسرائيلي بتهديد نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين كانوا يتضامنون مع أهالي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.