نتناول الدور النسوي في النهضة الحسينية من زاوية شبهة يتم طرحها، أو تساؤل وجيه لدرجة أنه طرح على أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، وهو لماذا اصطحب الإمام معه النساء والأطفال في سفره الخطير الذي خرج فيه من المدينة إلى مكة ثم من مكة إلى العراق؟!
نتناول الدور النسوي في النهضة الحسينية من زاوية شبهة يتم طرحها، أو تساؤل وجيه لدرجة أنه طرح على أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، وهو لماذا اصطحب الإمام معه النساء والأطفال في سفره الخطير الذي خرج فيه من المدينة إلى مكة ثم من مكة إلى العراق؟!
أما خطورة مسيره من المدينة إلى مكة؛ فلأن سفره ذاك كان في حقيقته امتناعاً ورفضاً وتمرداً على إجراءات سلطة الوقت التي ألحت عليه بالبيعة، وأما خروجه من مكة إلى العراق فكان أكثر خطراً لأنه كان خروجاً ونهوضاً ضد السلطة، ولهذا كان سؤال ابن عباس ـ وروي ابن الحنفية ـ للإمام عندما عجز أن يثنيه عن الخروج، قال له:
« فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك؟! » أي: لماذا تعرضهن للخطر؟
هذا لأنه قرأ الساحة وعرف نتائج حركة الإمام الحسين (عليه السلام)، وما ستؤول إليه.
وأجاب الإمام الحسين (عليه السلام) إجابة من خزانة الغيب، قال: « إن الله شاء أن يراهن سبايا »
والجملة القصيرة هذه تختزل معاني جمة:
ـ فسبيهن يقع في سياق الإرادة الإلهية
ـ وهو دور قرره الله لهن في كربلاء
ـ وهو واقع حتماً
ويذكر هنا تبريرات لاصطحاب الإمام (عليه السلام) لأهله، فيقال:
أولاً ـ إن الوضع الطبيعي أن يكون أهل الرجل معه في انتقاله، فلا محل للسؤال لماذا يصطحبهم الإمام معه.
ثانياً ـ إن الإمام لم يكن يأمن لو ترك أهله أن يأخذهم خصومه رهائن للضغط عليه، وابتزاز موقفه.
ولكن الحقيقة لا تقف عند هذا الحد وهي أبعد مدى من ذلك؛ خصوصاً إذا لاحظنا أن الإمام الحسين (عليه السلام) اصطحب معه أخته العقيلة زينب (عليه السلام)، ولم تكن تعد في أهله وعياله، وكانت في عصمة زوجها عبدالله بن جعفر، وهذا يدل بوضوح أن هناك دوراً لابد للنسوة من الاضطلاع به.
وبنظري؛ إن الإمام قرأ وضع الأمة بعين البصيرة النافذة، والمعرفة بالأحداث والحنكة السياسية، لا بعلمه الإلهي فحسب، فإن أهل البيت (عليه السلام) يتعاملون في العادة مع الأمور بالعلم العادي، ورأى خنوعها واستئسارها بيد السلطة، واستسلامها أمام الترغيب والترهيب والتزوير، وعرف كغيره مآل الأمور، ولذا عزم على التضحية، وتحرير إرادة الأمة، وإيجاد هزة للضمائر، وكان هذا يتطلب:
1 ـ الذهاب في التضحية إلى النهاية قطعاً لأي عذر، بأن يضحي بنفسه وماله وسائر متعلقاته، وحتى بأهله وعياله وهذا من أعظم التضحيات، حتى لا يقول قائل: إنني مستعد للتضحية بنفسي ولكن أخشى على أهلي وعيالي، وهذا ما دفعه (عليه السلام) لتعريض أهله وعياله لهذا الامتحان العصيب.
2 ـ أن يحمل النسوة رسالة تبليغ الثورة، لان الثورة الحسينية على عظمتها؛ كان بإمكان الإعلام الأموي تحريفها، وبث رواية مختلفة عنها، فزرع الإمام الحسين (عليه السلام) بداخلها شهوداً من طرفه، وهو ركب السبايا، لكشف تزييف الإعلام الأموي، ونشر أهداف النهضة الحسينية.
وقد قام السبايا ومعهم إمامنا زين العابدين (عليه السلام) بدورهم في حفظ النهضة الحسينية، وتجذيرها، وإعلان أهدافها، ونفي التحريف عنها، وقد قامت النسوة بدورهن خير قيام، وفي الجملة يمكن تلخيص دورهن فيما يلي:
أ / تحمَّل النسوة الرسالة الرهيبة، وأقدمن عليها عالمات، وصبرن عليها، وسرن في ركب الإمام راضيات، ولم يسمع منهن طوال مسيرة الركب ما يدل على السخط أو الاعتراض، ولم يصدر منهن ما يدل على الوهن في المبادئ، وشكلن دعماً معنوياً للمقاتلين.
ب/ قمن بحفظ العيال، وكشفن زيف الإعلام الأموي خلال مسيرتهن.
ج/ أبرزن وحشية المعسكر الأموي قبال بنات الرسالة وعدم رعايته للجوانب الإنسانية.
د/ قمن بدورهن الإعلامي والاستنهاضي طوال رحلة الأسر وبعدها.
هـ/ عملن على تأجيج المشاعر العاطفية، وتكريس بعد المظلومية الذي اتسمت به حركة الإمام الحسين (عليه السلام) لإشعال نار الندم والثورة على بني أمية.
و/ حافظن بما استطعن على حياة إمام العصر الإمام زين العابدين (عليه السلام) ودفعن عنه.
وقد رسم لنا التاريخ صوراً ذهبية أكملها وأتمها الموقف الزينبي، فهنيئاً للزينبيات.