وحدة المسلمين خيار أم مصير؟

لا يحتاج المراقب لمجريات الأحداث على الساحة العالميّة، في استراتيجيّات السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والثقافة و..، لا يحتاج إلى أكثر من عينين مفتوحتين ليرى أنّ قوى الاستكبار العالميّ، المتمثّلة في حلفٍ دوليٍّ عالميٍّ كبير، ترأسه الولايات المتّحدة الأمريكيّة، فتديره وتوجّهه نحو ما يحقّق مصالحها وغاياتها.

لا يحتاج المراقب لمجريات الأحداث على الساحة العالميّة، في استراتيجيّات السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والثقافة و..، لا يحتاج إلى أكثر من عينين مفتوحتين ليرى أنّ قوى الاستكبار العالميّ، المتمثّلة في حلفٍ دوليٍّ عالميٍّ كبير، ترأسه الولايات المتّحدة الأمريكيّة، فتديره وتوجّهه نحو ما يحقّق مصالحها وغاياتها، و ـ بطبيعة الحال ـ نحو ما يخدم أمن دويلة “إسرائيل”، ويؤمّن لها الحماية، في ذلك الوسط المعادي الذي تقبع هي فيه، ليرى أنّ هذه القوى تحمل اليوم راية بثّ الخلاف والفرقة والتشتّت وإشعال الفتن والنزاعات بين صفوف المسلمين..
فإثارة الفتن وصناعتها هي السلاح الأمضى الذي تشهره هذه القوى الطاغوتيّة العظمى اليوم وترفعه في وجه أمّة الإسلام، وفي وجه مصالح الشعوب الإسلاميّة، وغاياتها الكبرى.

ولهذا السبب نجد أنّ هذه القوى تُصاب بالذعر والخوف والهلع، أو ـ على الأقلّ ـ هي تُظهر حساسيّةً بالغةً ومفرطة، وحذراً وتوجّساً شديداً، تجاه كلّ ما من شأنه أن يعيد لهذه الأمّة تكتّلها واجتماعها، أو كلّ ما من شأنه أن يشدّ من لحمتها، أو يرصّ في صفوفها، أو يحصّن في ساحتها، أو يقرّب بين أفرقائها وأطيافها، كمفردات (الوحدة الإسلاميّة) و(التقريب بين المذاهب الإسلاميّة) و(الصحوة الإسلاميّة) و(العالم الإسلاميّ) و(الأمّة الإسلاميّة) و(الشعوب الإسلاميّة) و(الانسجام الإسلاميّ) وغيرها من المفردات والعناوين، والتي يجب السعي والعمل على تطبيقها وتكريسها لتتحوّل إلى ظواهر واقعيّةٍ عملانيّة معمولٍ بها حقيقةً في أوساط المسلمين ومجتمعاتهم.

وهذا الذي نتحدّث عنه ليس مجرّد تحليلٍ لا يستند إلى الوقائع، بل رأينا العديد من المؤرّخين والباحثين والمفكّرين الغربيّين يحذّرون دولهم والجهات التي ينتمون إليها من خطر تكاتف المسلمين وتعاضدهم، وعودتهم إلى حالة الاتّحاد التي جعلت منهم في السابق أمّةً رائدةً تقود مسيرة الإنسانيّة بأسرها نحو الحضارة والتمدّن والعلم والثقافة. فهذا المؤرّخ والفيلسوف البريطانيّ المعاصر (توين بي)، رفع صوته منادياً ومحذّراً الغربيّين ممّا أسماه “خطر انتعاش قوّة الإسلام الراكدة مرّةً أُخرى”!!

ولكن.. وبكلّ تأكيد.. فقد خفي على هؤلاء، وعلى جميع من هم على شاكلتهم في طريقة التفكير وأسلوب الممارسة، أنّ مفردة الوحدة الإسلاميّة وأخواتها ليست من المفردات التي يتوجّب على المسلمين أن يسعوا لتحقيقها، وليست مجرّد خيارٍ يُتاح للمسلمين أن يُعملوا رأيهم فيه، يختارونه إن شاؤوا، أو يحيدون عنه إن رغبوا، وإنّما هي قَدَر المسلمين الحتميّ، ومصيرهم اليقينيّ، الذي ليس لهم أن يحيدوا عنه، وإن أرادوا ذلك… نعم، الأمّة الإسلاميّة مجبورة على الوحدة والاتّحاد والتقارب، مجبورة ومرغمة على ذلك بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى..

السرّ في ذلك، أنّ الأمّة الإسلاميّة لا تكون إسلاميّةً، حتى في الشكل والقالب والظاهر، فضلاً عن القلب والمحتوى المضمون، ما لم تصدح مآذن مساجدها، وقلوب أفرادها، في كلّ يوم خمس مرّات بكلمة (لا إله إلّا الله)، والتي تُسمّى في الأدبيّات الإسلاميّة بـ (كلمة التوحيد)، نظراً لكونها تجسّد المبدأ العقائديّ الأوّل الذي يؤمن به المسلمون، على اختلاف مذاهبهم وفرقهم..

فكلمة التوحيد هذه هي الأساس الذي بُني عليه الإسلام، ولا يكون المسلم مسلماً (على المستوى الفرديّ، كما الجماعيّ) إلّا بالاعتقاد والتديّن والالتزام بها، حيث سعى الإسلام حثيثاً، وقبل أيّ شيء آخر، من أجل تطهير قلوب وأذهان وأرواح البشر من براثن الشرك، بجميع أنواعه وأشكاله، نظراً لكونه يُعدّ واحداً من أسوأ مظاهر التخلّف التي مرّت على الإنسان عبر التاريخ، وحتى يومنا هذا.
والتوحيد ـ كمبدأ ـ ليس مطروحاً في المبادئ والفروع والمعارف والأحكام الإسلاميّة فحسب، بل يطرحه الإسلام، ويدعو إلى تجسيده كذلك في أعمال وأحاديث وأخلاق المسلمين، أفراداً ومجتمعات.. هو ـ باختصار ـ المحور الذي تدور وتتمركز حوله جميع المؤسّسات والأنظمة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة في المجتمع الإسلاميّ، وهكذا، ليتحوّل المجتمع الإسلاميّ بأسره إلى ساحةٍ واحدة متينة لتجسيد التوحيد وإبرازه، وذلك لأنّ كلمة التوحيد عندما يُراد لها أن تتجلّى في المجتمع، فهي يجب أن تظهر بشكل توحيد كلمة المسلمين.

فكلمة التوحيد تتجسّد حقيقةً في توحيد الكلمة، وفي توحيد الصفّ، وفي توحيد الموقف، وفي توحيد الغرض، وفي توحيد المسعى، وحينئذٍ فقط تتّخذ هذه الكلمة العظيمة أبعادها السياسيّة والاجتماعيّة المناسبة.
ومن هذا المنطلق نقول: إنّ مسألة وحدة المسلمين ليست من أصول المسائل الإسلاميّة فحسب، بل إنّها أيضاً تُعتبر على رأس المبادئ والأصول العقائديّة والمعارف الإسلاميّة الأصيلة.

وما دامت أمّة الإسلام هي أمّة (لا إله إلّا الله)، وهي ستبقى كذلك هي الأبد، فهي ستبقى أمّة توحيد الكلمة، وأمّة الوحدة.. وكلّ المساعي التي يبذلها الغرب الأمريكيّ المتوحّش في سبيل تشتيت المسلمين، والقضاء على وحدتهم، لن تفلح، ولن يكون لها جدوىً على الإطلاق.

حسن يحيي

شاهد أيضاً

تقرير: ثلثا مسلمي أمريكا تعرضوا لحوادث إسلاموفوبيا

أفاد تقرير حديث بأن ثلثي المسلمين في أمريكا تعرضوا لحوادث إسلاموفوبيا، أي الكراهية المرتبطة بالخوف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *