المبدأ أصبح كالميثاق العالمي والدّولي الذي يفرض على الجميع إحترام الآخر وعدم المسّ بمقدّسات الأديان والمذاهب الأخرى. وكلّنا نذكر ما حصل في تلك الفترة عندما دعا المسلمون جميعاً إلى مقاطعة الغرب إقتصاديّاً وعلى كافّة الأصعدة، بل دعا الكثير منهم إلى الردّ بالمثل والإنتقام من الغرب لسكوته ورضاه بما قامت به بعض الجهات الغربيّة والصهيونيّة.
قبل مدّة قامت بعض الجهات التابعة للولايات المتّحدة الأمريكيّة والغرب بإحراق وإهانة مقدّسات المسلمين، إبتداءً من الإستهزاء بنبي المسلمين محمّد المصطفى وصولاً إلى إحراق وتدنيس القرآن الكريم. وعلى إثر ذلك قامت القيامة في الشارع العربي والإسلامي إستنكاراً على هذه التّصرّفات الشنيعة، وإستنكر العالم الإسلامي بأسره، منطلقاً من مبدأ إحترام الأديان وحرّيّة إعتناق الدّين الذي يراه كلّ إنسان مناسباً لقناعاته ومبادئه.
وهذا المبدأ أصبح كالميثاق العالمي والدّولي الذي يفرض على الجميع إحترام الآخر وعدم المسّ بمقدّسات الأديان والمذاهب الأخرى. وكلّنا نذكر ما حصل في تلك الفترة عندما دعا المسلمون جميعاً إلى مقاطعة الغرب إقتصاديّاً وعلى كافّة الأصعدة، بل دعا الكثير منهم إلى الردّ بالمثل والإنتقام من الغرب لسكوته ورضاه بما قامت به بعض الجهات الغربيّة والصهيونيّة.
إلّا أنّ الذي فاجأنا بعد ذلك قيام المسلمين أنفسهم بإهانة مقدّساتهم وإحراقها وتدميرها، حيث شهد الجميع قوّات درع الجزيرة وقوّات الأمن البحرانيّة تهدّم المساجد والحسيّنيات في البحرين، وتحرق القرآن الكريم وتدوسه بجرّافاتها وآليّاتها العسكريّة. ولم يقتصر الأمر على المشهد البحراني، وإنّما الأمر نفسه شهدناه في العراق، وأفغانستان وغيرهما من البلدان الإسلاميّة، حيث تقوم بعض الجهات مخبّأة تحت عباءة الإسلام بتفجير وحرق المساجد والحسينيّات وقتل المصلّين فيها من الأطفال والنّساء والرجال.
وإمتدّ الأمر إلى أن طال الأماكن المقدّسة لدى بعض المذاهب الإسلاميّة، وصولاً إلى تفجير الكنائس وتهويدها. وأخيراً ما حصل قبل يومين في سوريا، حيث قامت بعض الجماعات المسلّحة والعصابات المرتزقة بإحراق وتدمير المساجد والحسينيّات، ولم يكن الأمر من باب الصدفة أو الضرورة القتاليّة أو خطأ في إصابة الهدف، وإنّما كان قيام هذه العصابات بهذه الأعمال عن سابق تصوّر وقصد وتخطيط مسبق، فإنّ هذه الجماعات والمرتزقة قامت بتصوير ونشر الفيلم الذي يظهرها بوضوح تقوم بأعمال الهدم والإحراق، بل البسمة والضّحكة كانت تعلو وجوههم، وكانوا يعتبرون ذلك نصراً عظيماً يستحق الإحتفال، وكأنّه فتح مع رسول الله محمّد.
هل تظنّ هذه الجماعات المرتزقة والمسلّحة أنّها بذلك تسقط نظام الرئيس بشار الأسد؟ وهل هذه الأعمال تحقّق لهم الحرّيّة والديمقراطيّة والإستقرار ـ كما هي شعاراتهم المزيّفة ـ؟ ألم تكن تحرّكاتهم وثورتهم ـ كما يدّعون ـ قائمة على رفع الظلم والقمع والفساد؟
هذه الأعمال الشنيعة تكشف من جديد عن مدى همجيّة هؤلاء وفكرهم الفاسد والتكفيري الذي لا يُوصل إلى الحرّيّة والديمقراطيّة أبداً، وإنّما يزيد من الإنقسام والفوضى والحقد الطائفي. وهذه الأعمال لا تمتّ للإسلام بصلة، بل هي إستكمال لمشروع الولايات المتّحدة الأمريكيّة والهيمنة الصهيونيّة، الذي يقضي بنشر الإختلاف والإحتقان الطائفي بين المسلمين أنفسهم من جهة، وبين المسلمين والمسيحيين من جهة أخرى، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وذلك ليتمكّن الفكر الصهيوني من ممارسة هيمنته وسلطته وظلمه على شعوب المنطقة بعد تفريقهم وتمزيقهم إلى فرق ومجموعات صغيرة لا تملك القوّة للدّفاع عن نفسها.
لقد سقط الوهم والخيال الذي كان يقول بإسلاميّة هذه الجماعات المتطرّفة والمرتزقة، وأنّها تعمل على نصرة ـ كلمة لا إله إلّا الله ـ فقد سقط القناع عن وجوه هؤلاء الفاسدين الذين يستغلّون الشعارات الإسلاميّة الراقية للنيل من الإسلام والمسلمين. هذه المجموعات الإرهابيّة تصوّر أعمالها الشنيعة ـ من قتل وتقطيع للرؤوس وذبح وحرق للمساجد والحسينيّات ودور العبادة ـ من أجل تجييش الشعوب وتحريك النعرات الطائفيّة في نفوسها وحقنها، لتقوم الأطراف المقابلة والتي تنتمي إلى مذاهب وأديان أخرى بنفس تلك الأعمال وتحرق مساجد ومقدّسات غيرها، وبذلك تنتشر الفتنة الطائفيّة والدينيّة والقوميّة، والجميع يخرج خاسراً، والبلاد لا تشهد إلّا دماراً، مما يمكّن الولايات المتّحدة من السيطرة. ولا يستبعد كون هذه المجموعات الإرهابيّة هي نفسها التي تقوم بحرق وتدمير وهدم المساجد ودور العبادة لدى جميع الأطراف لتظنّ الأطراف كلّها بأنّ الطرف المقابل هو الذي قام بهذه الأفعال التي يرفضها العقل السليم والأديان السماويّة على إختلافها وتشعّبها.
وظيفة المسلمين والمسيحيين في يومنا الحاضر، هو عدم الإنجرار والوقوع في فخ الفتنة الذي يحيكه الفكر الصهيوني مستخدماً الفكر التكفيري السلفي لذلك. حيث المطلوب من الجميع وخصوصاً رجال الدّين كشف هذه المجموعات على حقيقتها وأنّها تهدف لنشر الفساد، وأنّ أيّ دعم لهذه المجموعات الإرهابيّة يعدّ مخالفاً للشرع والعقل والأخلاق والإنسانيّة، بل الواجب الأخلاقي والإنساني والدّيني يقضي بإستأصال هذا الفكر التكفيري السلفي الذي لا يقوم على أسس عقليّة ومنطقيّة.