الصلاة على آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)

إن الدليل على الصلاة على محمّد وآل محمّد ليس محصوراً في مورد واحد بل عدة موارد قرآنية وأحاديث صحاح نبوية متواترة لدى الفريقين ، نذكر لك بعض هذه الأدلة: أما من «القرآن الكريم» فقوله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْليما».1

 

فقد ذكر مفسروا الفريقين إنها نزلت في كيفية الصلاة على النبي وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ففي تفسير «الدر المنثور» أخرج السيوطي عن سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردوية عن كعب بن عجرة قال:
لما نزلت « إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْليما» قلنا : يا رسول الله علمنا كيف الصلاة عليك؟ قالصلی الله علیه و آله و سلم: «قولوا: اللّهم صل على محمّد وعلى آل محمّد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.»
وأخرج نفس الحديث ابن جرير عن يونس بن خباب، وعن إبراهيم وعن عبد الرحمن ابن أبي كثير بن أبي مسعود الأنصاري. وأخرج ذلك عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد بن عبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وابن مردوية عن كعب.
على أن الله تعالى صلّى على قوم سلّموا له وأذعنوا وصبروا حينما أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون فقال تعالى:
«الَّذينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِم‏…».2
فإذا كانت الصلوات على من صابر ورضي وسلّم لأمر الله تعالى، فهل أعظم من أهل البيت علیهم السلام صبراً وتسليماً؟
على أنه لا يخفى عليك أن الصلاة المشار إليها هي التزكية من الله تعالى والرحمة، ومن المؤمنين الدعاء. فما المانع من أن يزكي الله تعالى أهل البيت النبي علیهم السلام  وأن تدعوا لهم بالرحمة والدرجة الرفيعة.
وإليك قائمة بما ورد من أحاديث تؤكد أن الصلاة على النبيصلی الله علیه و آله و سلم لابد من إدخال آله معه:
1. «صحيح البخاري» في كتاب أحاديث الأنبياء حديث أبي ذر الحديث: 337؛
2. «صحيح مسلم» في كتاب الصلاة باب الصلاة على النبيصلی الله علیه و آله و سلم بعد التشهد الحديث 66/406 و 67/406؛
3. «سنن أبي داود» كتاب الصلاة باب الصلاة على النبيصلی الله علیه و آله و سلم بعد التشهد الحديث 976 و 977؛
4. «سنن النسائي» في كتاب السهو باب الصلاة الحديث 1286 والحديث 1287 والحديث 1288؛
5. «سنن ابن ماجة» في كتاب الصلاة باب الصلاة على النبيصلی الله علیه و آله و سلم الحديث 904.
هذا ما أمكن ذكره في هذا المقام من أدلة قرآنية وأحاديث صحيحة في كيفية الصلاة على النبيصلی الله علیه و آله و سلم.
***
قال صاحب «الغدير» في شرح بيت شعر لـلعبدي:
ولا يتم لامرء صلاته إلا بذكراهم… أشار إلى كون الصلاة عليهم مأمورا بها في الصلاة وفي المقام أخبار كثيرة وكلمات ضافية توجد في طيات كتب الفقه والتفسير والحديث. ذكر ابن حجر في «الصواعق» ص 87 قوله تعالى: «إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما». وروى جملة من الأخبار الصحيحة الواردة فيها وأن النبيصلی الله علیه و آله و سلم قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه لما سئل عن كيفية الصلاة والسلام عليه… وهذا دليل ظاهر على أن الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد منه هذه الآية وإلا لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر فلما أجيبوا به دل على أن الصلاة عليهم من جملة المأمور به وأنهصلی الله علیه و آله و سلم أقامهم في ذلك مقام نفسه لأن القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ومنه تعظيمهم ومن ثم لما دخل من مر في الكساء قال: «اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم.» وقضية استجابة هذا الدعاء: إن الله صلى عليهم معه فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه. ويروى: لا تصلوا علي الصلاة البتراء. فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد وتمسكون بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
ثم نقل الإمام الشافعي قوله:
يا أهل بيت رسول الله حبكم
فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر إنكم
من لم يصل عليكم لا صلاة له
فقال:
فيحتمل لا صلاة له صحيحة فيكون موافقا لقوله بوجوب الصلاة على الآل، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه.
وقال ص 139 من ا«لصواعق»:
أخرج الدارقطني والبيهقي حديث «من صلى صلاة ولم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه». وكأن هذا الحديث هو مستند قول الشافعي: إن الصلاة على الآل من واجبات الصلاة كالصلاة عليهصلی الله علیه و آله و سلم لكنه ضعيف فمستنده الأمر في الحديث المتفق عليه: قولوا: اللهم صل على محمد و على آل محمد. والأمر للوجوب حقيقة على الأصح.
وقال الرازي في «تفسير»ه 7 ص 391:
إن الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وقوله: اللهم صل على محمد وآل محمد، و ارحم محمدا وآل محمد. وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب… أهل بيته علیهم السلام   ساووه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهد. وفي السلام. والطهارة. وفي تحريم الصدقة. وفي المحبة.
وقال النيسابوري في «تفسير»ه عند قوله تعالى:
«قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى»: كفى شرفا لآل رسول اللهصلی الله علیه و آله و سلم وفخرا ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كل صلاة.
وروى محب الدين الطبري في «الذخائر» ص 19 عن جابر عنه أنه كان يقول:
لو صليت صلاة لم أصل فيها على محمد وعلى آل محمد ما رأيت أنها تقبل.
وأخرج القاضي عياض في «الشفا» عن ابن مسعود مرفوعا:
من صلى صلاة لم يصل علي فيها وعلى أهل بيتي لم تقبل منه.
ولـلقاضي الخفاجي الحنفي في «شرح الشفا»، 3 صص 500-505 فوائد جمة حول المسألة وذكر مختصر ما صنفه الإمام الخيصري في المسألة سماه «زهر الرياض في رد ما شنعه القاضي عياض».
وصور الصلوات المأثورة على النبي وآله مذكورة في «شفاء السقام» لـتقي الدين السبكي صص 181-187، وأورد جملة منها الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوايد»، ج 10 ص 163 وأول لفظ ذكره عن بريدة قال:
قلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟! قالصلی الله علیه و آله و سلم: «قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآله محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.» (قوله: ولا يزكو الدعا)
إشارة إلي ما أخرجه الديلمي أنهصلی الله علیه و آله و سلم قال:
«الدعاء محجوب حتى يصلى على محمد وأهل بيته: اللهم صلي على محمد وآله.»
ورواه عنه ابن حجر في «الصواعق» ص 88. وأخرجه الطبراني في «الأوسط» عن علي أمير المؤمنين علیه السلام :
«كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد.»
وذكره الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد»، 10 ص 160 وقال: رجاله ثقات. وأخرجه البيهقي وابن عساكر وغيرهما عن علي علیه السلام مرفوعا ما معناه:
الدعاء والصلاة معلق بين السماء والأرض لا يصعد إلى الله منه شئ حتى يصلى عليهصلی الله علیه و آله و سلم وعلى آل محمد.3

الهوامش:
1. سورة الأحزاب، الآیة 56.
2. سورة البقرة، الآیات 156 و 157.
3. شرح الشفا للخفاجي ” 3 ص 506.

شاهد أيضاً

ثقافة الثورة عند الإمام الحسين عليه السلام

  قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *