جرائم أمریکا عبر التاریخ

بسم الله الرحمن الرحیم

کان یظن کثیر من الناس ـ بسبب الإعلام المزیف لسنوات عدیدۀ ـ بأن أمریکا هی فعلاً دولۀ الدیمقراطیۀ، ودولۀ الحریۀ، وأنها راعیۀ السلام، فتبین ـ ولله الحمد ـ من خلال غزوها الصلیبی لبلاد العراق، کذب ذلکم الادّعاء، وتبین زیف دیمقراطیتها وحریتها. وقد آن الأوان أن نقلب بعض أوراق التاریخ، ونُخرج ما یجهله الکثیرون عن هذه الدولۀ الطاغیۀ المعتدیۀ، من خلال عرض سریع لبعض جرائمها عبر التاریخ.

إن أمریکا عدوّۀ الإنسانیۀ، لیس المسلمین فحسب، بل من کل ملّۀ؛ اسألوا أفریقیا السوداء، واسألوا الیابان، واسألوا أمریکا الجنوبیۀ، الذین یُجزرون بعشرات الملایین..

أرقام خیالیۀ، وأعداد مذهلۀ، ووفیات فوق حسابات البشر، { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى یُؤْفَکُون }[التوبۀ:30]. وطریقۀ القتل عند الأمریکان طریقۀ وحشیۀ، ولیست إنسانیۀ، فهم یصبّون وابلاً من أطنان القنابل على الأبریاء، وکأنهم یصبونها على جبال صمّاء، وصدق الله حیث یقول: { إِنَّهُمْ إِن یَظْهَرُواْ عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ } [الکهف:20].
فی لیلۀ من لیالی عام 1366هـ، فی الحرب العالمیۀ الثانیۀ، دمّرت 334 طائرۀ أمریکیۀ ما مساحته 16 میلاً مربعًا من طوکیو، بإسقاط القنابل الحارقۀ، وقتلت مائۀ ألف شخص فی یوم واحد، وشرّدت ملیون نسمۀ، ولاحَظَ أحدُ کبار الجنرالات بارتیاح، أن الرجال والنساء والأطفال الیابانیین قد أحرقوا، وتم غلیهم وخبزهم حتى الموت. وکانت الحرارۀ شدیدۀ جدًا، حتى إن الماء قد وصل فی القنوات درجۀ الغلیان، وذابت الهیاکل المعدنیۀ، وتفجر الناس فی ألسنۀ من اللهب، وتعرضت أثناء الحرب حوالی 64 مدینۀ یابانیۀ للقنابل، واستعملوا ضدهم الأسلحۀ النوویۀ، ولذلک فإن الیابان لا تزال حتى الیوم تعانی من آثارها.
وألقت قنبلتین نوویتین فوق مدینتی هیروشیما ونجازاکی، وقال بعدها الرئیس الأمریکی هاری ترومان، وهو یکنّ فی ضمیره الثقافۀ الأمریکیۀ: “العالم الآن فی متناول أیدینا”. وما بین عام 1371هـ وعام 1392هـ ذبحت الولایات المتحدۀ فی تقدیر معتدل زهاء عشرۀ ملایین صینی وکوری وفیتنامی وکمبودی، وتشیر أحد التقدیرات إلى مقتل ملیونی کوری شمالی فی الحرب الکوریۀ، وکثیر منهم قتلوا فی الحرائق العاصفۀ فی “بیونغ یانغ” ومدن رئیسۀ أخرى.

وفی منتصف عام 1382هـ سببت حرب فیتنام مقتل 160 ألف شخص، وتعذیب وتشویه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأۀ، ونُزعت أحشاء 3.000 شخص وهم أحیاء، وأحرق 4.000 حتى الموت، وهوجمت 46 قریۀ بالمواد الکیماویۀ السامۀ.

هذه هی أمریکا، وهذه بعض أفعالها لمن یجهلها. وأدى القصف الأمریکی “لهانوی” فی فترۀ أعیاد المیلاد، وعام 1391هـ إلى إصابۀ أکثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم. وقتل الجیش الأمریکی المدرب فی “غواتیمالا” أکثر من 150 ألف فلاح، ما بین عام 1385هـ و عام 1406هـ.

وقاموا بإبادۀ ملایین الهنود الحمر، یصل عددهم فی بعض الإحصائیات إلى أکثر من مائۀ ملیون، وهم السکان الأصلیون لأمریکا، وبعدها أصدرت قرارًا بتقدیم مکافأۀ مقدارها 40 جنیهًا، مقابل کل فروۀ مسلوخۀ من رأس هندی أحمر، و40 جنیهًا مقابل أسر کل واحد منهم، وبعد خمسۀ عشر عامًا، ارتفعت المکافأۀ إلى 100 جنیه، و50 جنیه مقابل فروۀ رأس إمرأه أو فروۀ رأس طفل، هذه هی الحضارۀ الأمریکیۀ.

وأصدرت بعد ذلک قانونًا بإزاحۀ الهنود من أماکنهم إلى غربی الولایات المتحدۀ؛ وذلک لإعطاء أراضیهم للمهاجرین، وکان ذلک عام 1245 هـ، وهُجّر إلى المناطق الجدیدۀ أکثر من 70.000 ألف هندی، فمات کثیر منهم فی الطریق الشاق الطویل، وعرفت هذه الرحلۀ تاریخیًا: برحلۀ الدموع.

وفی عام 1763م أمر قائد أمریکی برمی بطانیات کانت تستخدم فی مصحات علاج الجدری إلى الهنود الحمر؛ بهدف نشر المرض بینهم، مما أدى إلى انتشار الوباء الذی نتج عنه موت الملایین، ونتج عن ذلک شبه فناء للسکان الأصلیین فی القارۀ الأمریکیۀ. إنها حرب جرثومیۀ بکل ما فی الکلمۀ من معنى، فکانت هذه الحادثۀ هی أول وأکبر استخدام لأسلحۀ الدمار الشامل ضد الهنود الحمر.

وفی إحدى المعارک قتلت أمریکا فیها خلال ثلاثۀ أیام فقط 45.000 ألف من الأفریقیین السود، ما بین قتیل وجریح ومفقود وأسیر.

وأمریکا أکثر من استخدم أسلحۀ الدمار الشامل، فقد استخدمت الأسلحۀ الکیماویۀ فی الحرب الفیتنامیۀ، وقتل مئات الآلاف من الفیتنامیین. وأمریکا أول من استخدم الأسلحۀ النوویۀ فی تاریخ البشریۀ.

هذه جرائم الطاغیۀ الباغیۀ رأس الکفر أمریکا فی حق غیر المسلمین، وهذا ما لطخته أمریکا بأیدیها القذرۀ النجسۀ، وهذه بعض جرائمها وأرقامها الخیالیۀ، فهی لا تراعی لذی حَرم حرمته، ولا لحر حریته، ولا للإنسان إنسانیته.

أیها المسلمون، وأما جرائمهم فی دماء المسلمین فحدث ولا حرج، فملفاتهم سوداء من دماء المسلمین، ودم المسلم دم وحشی فی قاموس أمریکا، لیس له حرمۀ ألبتۀ، بل هو فی نظر أمریکا أخس من الکلاب النجسۀ، وقد ثبت أنهم یقولون عن الرسول أنه رجل شاذ، وتزوج عدۀ مرات للوصول إلى السلطۀ، ومثل هذه الادعاءات الملعونۀ، تدرّس لدیهم فی مناهجهم الدراسیۀ، وقد أنتجوا أکثر من 700 فیلم یسیء للإسلام والمسلمین. ویرى الرئیس السابق نکسون أن لیس هناک من شعب ـ حتى ولا الصین الشعبیۀ ـ له صورۀ سلبیۀ فی ضمیر الأمریکیین، بالقدر الذی للعالم الإسلامی.

أیها المسلمون، وهذه بعض جرائم أمریکا الدیمقراطیۀ، فی قتلهم الوحشی الشنیع ضد المسلمین، لقد قُتل أکثر من ملیون طفل عراقی، بسبب قصف الطائرات الأمریکیۀ للعراق، وحصارها الظالم له خلال أکثر من عشر سنوات، وأصیب الآلاف من الأطفال الرضع فی العراق بالعمى لقلۀ الأنسولین، وهبط متوسط عمر العراقیین 20 سنۀ للرجال، و11 سنۀ للنساء، بسبب الحصار والقصف الأمریکی، وأکثر من نصف ملیون حالۀ وفاۀ بالقتل الإشعاعی. وقد رفع أحد المحامین النصارى الأمریکیین دعوى على الرئیس الأمریکی جورج بوش ـ الأب ـ یطالب فیها بمحاکمته على أنه مجرم حرب، بسبب ما أحدثه فی العراق من قتل وتدمیر.

وارتکب الأمریکان المجازر البشعۀ، فی حرب الخلیج الثانیۀ ضد العراق، فقد استخدمت أمریکا متفجرات الضغط الحراری، وهو سلاح زنته 1500 رطل. وکان مقدار ما ألقی على العراق من الیورانیوم المنضب أربعین طنًا، وألقی من القنابل الحارقۀ ما بین 60 إلى80 ألف قنبلۀ، قتل بسببها 28 ألف عراقی. وقتل الآلاف من الشیوخ والنساء والأطفال الفلسطینیین بالسلاح الأمریکی. وقتل الآلاف من اللبنانیین واللاجئین الفلسطینیین فی المجازر التی قامت بها إسرائیل بحمایۀ ومبارکۀ أمریکیۀ.

وما بین تاریخ 1412و1414هـ قتل الجیش الأمریکی الآلاف من الصومالیین أثناء غزوهم للصومال. وفی عام 1419هـ شنت أمریکا هجومًا عنیفًا بصواریخ کروز على السودان وأفغانستان، وقصفوا خلاله معمل الشفاء للدواء فی السودان، وقتلوا أکثر من مائتین، وحتى هذه الساعۀ، لا یوجد سبب واحد ومعلن للفجوۀ بین أمریکا والسودان غیر الإسلام، بصفته کیانًا عربیًا أفریقیًا إسلامیًا موحدًا، ولأجل ذلک کثفت أمریکا جهودها، وسعت للالتقاء بجمیع المعارضین “المیرغنی والصادق المهدی وقارنق” وألّبت جمیع جیرانها ضدها، ودعمت حرکۀ التمرد، وبعض الدول المحیطۀ بها.

والعجیب أن أمریکا تسعى بکل طاقاتها، للضغط على العرب من أجل السلام مع إسرائیل، وفی نفس الوقت تقف بکل إمکانیاتها فی عرقلۀ السلام فی السودان، من خلال توظیف النصارى فی الجنوب، والذی تصل نسبتهم إلى 5% من السکان فقط، ویأتی القرار الأمریکی المشؤوم یدین السودان، ثم تأتی الصواریخ الأمریکیۀ لتقصف مصنع الشفاء للأدویۀ، وهی لا تملک أدلۀ تستدل بها، وهل یقبل المنطق أن هذا المصنع یهدد الأمن الأمریکی؟ إن الهدف الحقیقی لضرب السودان هو العنجهیۀ الأمریکیۀ، وإضعاف السودان اقتصادیًا والضغط علیها سیاسیًا.

وقتل فی أفغانستان خلال ثلاثۀ أشهر فقط، نتیجۀ القصف الأمریکی ما لا یقل عن 50.000 أفغانی، جُلّهم إن لم یکونوا کلهم من المدنیین. وتسبب حصارهم لأفغانستان فی قتل أکثر من 15.000 طفل أفغانی.
وحصارها على لیبیا، إذ أدى هذا الحصار الغاشم إلى کوارث کبرى، وفواجع عظمى، إذ بعد خمسۀ أشهر فقط من بدایۀ الحظر الجوی والحصار، بلغت خسائر لیبیا ما یزید على 2 ملیار دولار.

وقتل عسکریو أندونیسیا أکثر من ملیون شخص بدعم أمریکی.

وأما معاملتهم للأسرى فأسوء معاملۀ، فالإنسانیۀ معدومۀ لدیهم، والقیم الأخلاقیۀ لیس لهم فیها ناقۀ ولا جمل، وقد تمثلت فی أمریکا أعظم أنواع الإرهاب المنظم، وبلغ فیهم الاضطهاد والإرهاب مبلغًا لم یشهد مثله فی عالمنا الحاضر، بل وعلى مر التاریخ المتقدم، لقد خالفوا الأدیان والشرائع بل والقوانین الوضعیۀ.
لقد حرص الأمریکیون على إظهار التشفی من هؤلاء الأسرى فی “غونتناموا” فی کل مناسبۀ، حتى بلغ بهم الحال أن یترکوا هؤلاء الأسرى فی مقاعدهم، لأکثر من یوم ونصف بلا أی حراک، ومن دون تمکینهم من استخدام دورات المیاه، ثم یعلنون ذلک لمجرد التشفی والتهکم والسخریۀ من هؤلاء الأسرى.

کما توضح الصور، أن الأمریکیین حرصوا على تعطیل کافۀ الحواس: السمع والبصر بل وحتى الفم والأنف، وضع علیها أغطیۀ کثیفۀ، والمتأمل للصور یشعر بأن الأسرى یفتقدون حتى الإحساس بالمکان، وربما الزمان، ومن الواضح خلال تصریحات المسؤولین الأمریکیین، أنهم لن یترددوا فی استخدام أی وسیلۀ یتم من خلالها إهانۀ وتحطیم هؤلاء الأسرى. فهم بذلک خالفوا کل الأدیان والشرائع، وخالفوا ـ أیضًا ـ القوانین الوهمیۀ؛ فإن من الاتفاقات القانونیۀ أن إجبار أسیر الحرب على الإدلاء باعترافاته هو عمل إرهابی. هذه هی أمریکا لمن لا یعرفها وهذه بعض إنجازاتها.

أین أمۀ الملیار من هذه الثیران الهائجۀ والوحوش الشریرۀ والمواقف الفظیعۀ؟! أین العقلانیۀ؟! أین الإنسانیۀ؟! أین القیم الأخلاقیۀ؟! بل أین القوانین الدولیۀ؟! ألیس فیهم رجل رشید؟! حقًا إن هذه جرائم وحشیۀ،وأفعال شیطانیۀ وتصرفات حیوانیۀ صامتۀ.

إن أمریکا لا تلتزم لا بقانون ولا بأعراف ولا بمواثیق، وإنما تسعى لمصالحها الذاتیۀ، وهیمنتها الشخصیۀ، دون مراعاۀ لروابط دولیۀ، فهی کانت تنادی بالدیمقراطیۀ، ولما وقعت علیها الهجمات فی الحادی عشر من سبتمبر، تلاشت الدیمقراطیۀ المزعومۀ.

إن أمریکا تدعی مکافحۀ الإرهاب! وقد سبق القوائم فی أعمالها ومشاریعها الإرهابیۀ، وقد اتخذت أمریکا من هذا المصطلح وهو ما تسمیه هی مکافحۀ الإرهاب غطاء لها فی ضرب المسلمین، ومنشآتهم تحت هذا المسمى. ولذلک فإن قانون الإرهاب، وضع على المسلمین، وبالتالی امتد إلى الإسلام.

إن أمریکا تتسنّم بالأحادیۀ، والطمع والهمجیۀ، والتدخل السافر فی شؤون الدول الداخلیۀ، دون احترام لدینهم بل وقوانینهم، فهی تُشرّع بالغداۀ وتنسخ بالعشی، لیس لدیها قانون منضبط، فهی تنتهک القوانین والاتفاقیات، فلسان حالها یقول: لا نُسأل عما نفعل وهم یسألون! ونأخذ ما نشاء وندع ما نشاء، وننتهک حقوق من نشاء، ولا معقب لحکمنا.

یقول ممثل إحدى الولایات فی مجلس الشیوخ الأمریکی، وهو یلقی خطابه قال فیه: “إن الله لم یهیئ الشعوب الناطقۀ بالإنجلیزیۀ لکی تتأمل نفسها بکسل ودون طائل، لقد جعل الله منا أساتذۀ العالم! کی نتمکن من نشر النظام حیث تکون الفوضى، وجعلنا جدیرین بالحکم، لکی نتمکن من إدارۀ الشعوب البربریۀ الهرمۀ، وبدون هذه القوۀ، سیعم العالم مرۀ أخرى البربریۀ والظلام، وقد اختار الله الشعب الأمریکی ـ دون سائر الأجناس ـ کشعب مختار، یقود العالم أخیرًا إلى تجدید ذاته”.

أیها المسلمون، ولما کانت سنۀ الله تعالى لا تتغیر بتغیر الزمن، ولا باختلاف الأحوال والأجواء، ابتلى الله هذه الأمۀ الظالمۀ بآلام عدیدۀ، تخص کثیرًا من الشؤون الحیاتیۀ الاجتماعیۀ والاقتصادیۀ، یقول الله تعالى:{ وَتِلْکَ الأَیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَیْنَ النَّاسِ وَلِیَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُواْ وَیَتَّخِذَ مِنکُمْ شُهَدَآءَ وَاللَّهُ لاَ یُحِبُّ الظَّالِمِینَ.وَلِیُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُواْ وَیَمْحَقَ الْکَافِرِینَ } [آل عمران:140-141].

ودمار أمریکا قریب إن شاء الله، ونقول: إن شاء الله تحقیقًا لا تعلیقًا؛ لأن سنۀ الله تعالى الکونیۀ التی لا محیص عنها ولا محید، جرت فی أن الأمۀ إذا طغت وبغت، وعاثت فی الأرض فسادًا، أنه یهلکها، کما هی حال الأمم الغابرۀ، قال الله تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْیَۀً کَانَتْ آمِنَۀً مُّطْمَئِنَّۀً یَأْتِیهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن کُلِّ مَکَانٍ فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا کَانُواْ یَصْنَعُونَ.وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَکَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } [النحل:112-113].

وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } [الرعد:11]. وقال تعالى: { وَکَذلِکَ أَخْذُ رَبِّکَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِیَ ظَالِمَۀٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِیمٌ شَدِیدٌ } [هود:102]. وقال تعالى:{ وَکَأَیِّن مِّن قَرْیَۀٍ أَمْلَیْتُ لَهَا وَهِیَ ظَالِمَۀٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَیَّ الْمَصِیرُ } [الحج:48].
وهؤلاء عاد لما تکبروا وطغوا وتجبروا، { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّۀً } [فصلت:15] رد الله علیهم بقوله: { أَوَلَمْ یَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّۀً وَکَانُواْ بِآیَاتِنَا یَجْحَدُونَ.فَأَرْسَلْنَا عَلَیْهِمْ رِیحاً صَرْصَراً فِی أَیَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِیقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْیِ فِی الْحَیَاۀِ الدُّنْیَا وَلَعَذَابُ الآخِرَۀِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ یُنصَرُونَ } [فصلت:15-16]. ولما عاینوا السحب فی السماء، { قَالُواْ هَـذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [الأحقاف:24]، رد الله علیهم بقوله: { بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِیحٌ فِیهَا عَذَابٌ أَلِیمٌ.تُدَمِّرُ کُلَّ شَیْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ یُرَى إِلاَّ مَسَاکِنُهُمْ کَذَلِکَ نَجْزِی الْقَوْمَ الْمُجْرِمِینَ } [الأحقاف:24-25].

وهؤلاء ثمود لما طغوا وتکبروا على نبی الله صالح، وقالوا له: { وَقَالُواْ یَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن کُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ } [الأعراف:77]، عاقبهم الله تعالى بقوله: { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَۀُ فَأَصْبَحُواْ فِی دَارِهِمْ جَاثِمِینَ } [الأعراف:78]، أی: صرعى لا أرواح فیهم، ولم یفلت أحد منهم لا صغیر ولا کبیر، لا ذکر ولا أنثى.
وهذا قارون لما تکبر وطغى، وقال مقولته النکراء { إِنَّمَآ أُوتِیتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِی } [القصص:78]، رد الله سبحانه علیه: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا کَانَ لَهُ مِن فِئَۀٍ یَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا کَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِینَ } [القصص:81]. وقال رسول الله : « إن الله لیملی للظالم، حتى إذا أخذه لم یفلته » ثم قرأ رسول الله: { وَکَذلِکَ أَخْذُ رَبِّکَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِیَ ظَالِمَۀٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِیمٌ شَدِیدٌ } [هود:102]، متفق علیه.
وقال ابن عباس رضی الله عنهما: (لو بغى جبل على جبل، لجعل الله الباغی دکًّا) رواه البخاری فی الأدب المفرد.

فجـانب الظلم لا تسلک مســـالکه…….عواقب الظلم تُخشى وهی تَنتظر
وکل نفس ستـجزى بالذی عملت…….ولیس للخـلق من دنیـاهم وطـــر

والقصص الواقعیۀ والعبر التاریخیۀ طافحۀ بمثل هذا. یقول بعض العلما’: “وأمور الناس تستقیم مع العدل، الذی فیه الاشتراک فی أنواع الإثم، أکثر مما تستقیم مع الظلم فی الحقوق، وإن لم تشترک فی إثم، ولهذا قیل: إن الله یقیم الدولۀ العادلۀ وإن کانت کافرۀ، ولا یقیم الظالمۀ وإن کانت مسلمۀ، ویقال: الدنیا تدوم مع العدل والکفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وقد قال النبی صلى الله علیه وسلم: « لیس ذنب أسرع عقوبۀ من البغی وقطیعۀ الرحم » فالباغی یُصرع فی الدنیا، وإن کان مغفورًا له مرحومًا فی الآخرۀ، وذلک أن العدل نظام کل شیء، فإذا أقیم أمر الدنیا بعدل قامت، وإن لم یکن لصاحبها فی الآخرۀ من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن کان لصاحبها من الإیمان ما یجزى به فی الآخرۀ…”.
اللهم أهلک الظالمین بالظالمین، وأخرجنا من بینهم سالمین.
نفعنی الله وإیاکم…

 أیها المسلمون، وإنه لمن الأمر المریر والجرم الکبیر، ما تقوم به السیاسۀ الأمریکیۀ الغاشمۀ، والتی أسست على الإرهاب والعنف والتطرف، من أعمالها فی العراق هذه الأیام، والتی أهلکوا فیها الحرث والنسل، وأبادوا الرجال والنساء والشیوخ والأطفال، بل وحتى الحیوان البهیم، بل وحتى الیابس والأخضر.
أیها المسلمون، إن الدفاع عن القضیۀ العراقیۀ من واجبات الدین والعقیدۀ، ومن مستلزمات الأخوۀ الإیمانیۀ { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَآءُ بَعْضٍ } [التوبۀ:71، وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَۀٌ } [الحجرات:10]. وروى البخاری ومسلم عن عبدالله بن عمر رضی الله عنهما، أن النبی قال: « المسلم أخو المسلم، لا یظلمه ولا یُسلِمه، ومن کان فی حاجۀ أخیه کان الله فی حاجته » وقال : « انصر أخاک ظالمًا أو مظلومًا » رواه البخاری.
والنصرۀ تتمثل بکل شیء یتقوون به على رأس الکفر العالمی، من المال والنفس والدعاء لهم، والقنوت فی الصلوات الخمس، ومن علم أنه قد حلت بالمسلمین نازلۀ، من الجوع والعری والقتل والتشرید، ولم ینصرهم، وهو قادر على ذلک، فقد أتى ذنبًا عظیمًا. وما من شک أن التخاذل فی هذه المواقف، یجر على المسلمین الذلۀ والصغار والخزی والعار.

یـا أمــــــۀً طالمـا ذلّـت لقــاتلهـا…….حتى متى تخفضین الرأسَ للذنب؟
ألا ترین دمــاء الطهر قد سُفکت…….فی کـــــــل ناحیۀٍ صَوْتٌ لمنتحـبِ؟
حتى متى تَقبلین الضیمَ خاشعـۀً…….لکل بــــــــاغٍ ومـأفونٍ ومغتصـبِ؟

وأما الذین یناصرون الکفرۀ الصلیبیین على المسلمین المستضعفین، سواء کانت المناصرۀ بالسلاح والقتال، أو المال والمشورۀ، وتسهیل الوسائل والإمکانیات، فهؤلاء منافقون، قال تعالى: { بَشِّرِ الْمُنَافِقِینَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِیماً.الَّذِینَ یَتَّخِذُونَ الْکَافِرِینَ أَوْلِیَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِینَ أَیَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّۀَ فَإِنَّ العِزَّۀَ للَّهِ جَمِیعاً } [النساء:138-139]. وقال تعالى: { فَتَرَى الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضٌ یُسَارِعُونَ فِیهِمْ یَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِیبَنَا دَآئِرَۀٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن یَأْتِیَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَیُصْبِحُواْ عَلَى مَآ أَسَرُّواْ فِی أَنْفُسِهِمْ نَادِمِینَ } [المائدۀ:52].
والدفاع عن الشعب العراقی لا یعنی بوجه من الوجوه الدفاع عن النظام العراقی البعثی الخبیث، فهؤلاء شرذمۀ مجرمون، وحاکم العراق رجل شریر کان شؤمًا على العراق، وإن فترۀ حکمه هی الأسوأ فی تاریخ الأمۀ المعاصرۀ، وربما فی تاریخها کلها.
لقد ارتکب ضلالات کبیرۀ، واتخذ قرارات مهلکۀ، أرکست الأمۀ فی أزمات بل کوارث سیاسیۀ، هی من الخطورۀ بمکان، وهو یحسب أنه یحسن صنعًا، سیرًا على خطى فرعون من قبل { مَآ أُرِیکُمْ إِلاَّ مَآ أَرَى وَمَآ أَهْدِیکُمْ إِلاَّ سَبِیلَ الرَّشَادِ } [غافر:29]، والتزامًا بتعلیمات أستاذه من قبل میشیل عفلق، فطبّق هذا الهمجی هذا المنهج المأفون، فتعامل بقسوۀ مع شعبه وجیرانه وصدیقه قبل عدوه، وتصرف بحمق وجهل وظلم.

إن تاریخه ملیء بالظلم والکبر وعبودیۀ الذات، وجرائمه النکراء تمثلت فی إبادۀ أربعۀ آلاف قریۀ کردیۀ، وخمسۀ وعشرین مدینۀ، وأباد أیضًا أکثر من مائتین وخمسین ألف قتیل کردی بریء، بأسلحۀ کیمائیۀ وغازات سامۀ، وکل ذنبهم أنهم مسلمون، وقد فوجئوا بالموت یطوقهم من کل جانب، الرجل فی عمله، والمرأۀ تعمل فی بیتها أو حقلها، والطفل یلعب فی الشارع أو ساحۀ بیته، أَحرَق الزرع وأباد الحیوانات ودمر الأرض.
لقد کان وجوده وأمثاله من المصالح التی کسبتها الولایات المتحدۀ فی الشرق الأوسط، وخصوصًا فی الخلیج العربی، وکان وجوده مما خدم الهیمنۀ والسیطرۀ الأمریکیۀ، فلم یکن مرفوضًا من الغرب قط، کلا، وبالأخص من أمریکا.
وأما الأکذوبۀ الکبرى التی تجری على لسان طاغیتی أمریکا وبریطانیا، أنهم لا یضمرون إلا کل خیر للشعب العراقی، فإن هذا کذب ولا یمت للحقیقۀ بصلۀ، إن تدمیر قوۀ الأمۀ، وإرجاعها إلى الخلف، لتنتهی حیث بدأت، هو هدف من أهداف أعداء الإسلام، وقوۀ العراق کشعب مسلم أمر یخشاه الغرب الکافر، لیس لأن حاکم العراق کان لا یسیر على رکابهم ومنهجهم کلا، ولکن لأن القوۀ قد تصیر یومًا من الأیام لمن لا یسیر فی رکابهم ومنهجهم الضال، ولأجل ذلک کانوا حریصین على تدمیر العراق، ویخططون لذلک من وقت بعید.

.bmp

شاهد أيضاً

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

الاخبار – القدس العربي: قام جندي إسرائيلي بتهديد نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين كانوا يتضامنون مع أهالي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *