فی ذکرى إحراق المسجد الأقصى صبیحة یوم ۲۱ آب/أغسطس ۱۹۶۹، لا یمکن لنا إلا التطلع ناحیة القدس ومسجدهاالأقصى لنزداد إیماناً بمکانته الإلهیة، وإیماناً بأنه لن یکون إلا تحت سیادة المؤمنین من المجاهدین.
و تتدافع قطعان المستوطنین الصهاینة مذ وطأت أقدامهم أرض فلسطین بالقوة والعدوان وإرتکاب المجازر، ناحیة المسجد الأقصى بهدف تدمیره، وتحطیم رمزیته فی الدین الإسلامی، ووإلغاء معنى قدسیته الإلهیة، ظناً منهم ووهماً مجبولاً بأساطیر إخترعوها أن هذا المکان المقدس إنما هو ملک لهم ولأکاذیبهم التاریخیة المبنیة على أحقاد وتزویر وتحریف.
ولا یکاد یخلو یوم منذ إستوطنوا فلسطین بالغدر وبدعم الإستعمار البریطانی والغربی المتلاحق والمستمر، إلا ویکررون محاولاتهم فی إقتحام باحات المسجد الاقصى لتدنیسه بنفوسهم القذرة، وأجسادهم المملوءة سموماً، وبأدوات التخریب من حرق أو حفر أو محاولات تقسیم لساحاته ومساحته بحجة الهیکل المزعوم تحت فناء المسجد.
ولطالما باءت محاولاتهم بالفشل. فالمسجد مصان بقدرة الله سبحانه وبکلماته جل وعلا والتی أنزلها فی القرآن الکریم فی سورة الإسراء تبجیلاً لهذا المقام المقدس.
والمسجد الأقصى وکان أولى القبلتین فی صلاة المسلمین قبل مسرى النبی محمد(ص) إلیه وعروجه منه الى السماء بعد البعثة النبویة بسنوات عشر، لم تهدمه الزلازل التی ضربته للمرة الأولى فی العام 746 میلادی وقد عمل على إعادة إعماره الخلیفة العباسی أبو جعفر المنصور، ثم ضربه زلزال آخر العام 774 فأعاد ترمیمه الخلیفة محمد المهدی، وفی العام 1033 أصیب المسجد بأضرار زلزال ضربه لیعاد ترمیمه وإصلاحه فی عهد الخلیفة الفاطمی الظاهر.
وکان هذا المسجد قد شهد زیارة الخلیفة الثانی عمر بن الخطاب العام 636 بعد الفتح الإسلامی لمدینة القدس وکانت تدعى یوم ذاک “إیلیاء”. ودخلها مع البطریرک صفرونیوس، مانحاً أهلها من المسیحیین تلک المعاهدة المعروفة بالعهدة العمریة والتی کانت بمثابة صک تسامح ودلیل تعایش بین أبناء الدیانتین الإسلامیة والمسیحیة على أرض فلسطین.. هذا التسامح لم ینقضه سوى أعداء هاتین الدیانتین وهم الیهود الصهاینة.
فی ذکرى إحراق قطعان المستوطنین لهذا الصرح المقدس صبیحة یوم 21 آب/أغسطس 1969، وعلى رأسهم المتعصب الأسترالی الجنسیة الیهودی مایکل دنیس روهن، لا یمکن لنا إلا التطلع ناحیة القدس ومسجدها الأقصى لنزداد إیماناً بمکانته الإلهیة، وإیماناً بأنه لن یکون إلا تحت سیادة المؤمنین من المجاهدین الأوفیاء مهما تطاول الإحتلال الصهیونی وإستطال زمنه.
فالمجاهدون کثر، ووعودهم بتحریر الأقصى قائمة ولها خریطة طریق بدأوا بسلوکها. فقد أعلنها الإمام الخمینی الراحل فی مجمل خطبه ومؤلفاته ووعوده، وفی تکریسه الإحتفال السنوی بیوم القدس العالمی فی آخر أسبوع من شهر رمضان من کل عام. کما انه وفاء لهذا الوعد من مجاهدی المقاومة فی لبنان وسیدها السید حسن نصرالله، وعند المقاومین على ثغور فلسطین وخاصة فی غزة هاشم، ولدى أبناء القدس الصابرین على أذى الإعتداءات الیومیة لهؤلاء القطعان المستوطنین. فأبناء القدس من رجال ونساء وأطفال یواصلون اللیل والنهار وبعیون ساهرة وشاخصة حمایة المسجد، وصون طهارته بانتظار الفرج القریب بإذن الله.
ومهما تطاول الصهاینة، ومارسوا التخریب بحججهم الواهیة، وإدعاءاتهم الکاذبة والتی الى الیوم لم تثبت أیة حفریات أو تنقیب من علماء الآثار ما یدلّ على وجود مزاعم هیکل لهم تحت أرض المسجد الأقصى وفی القدس وفلسطین عامة، فإن المسجد سیبقى قبلة المسلمین الثانیة، ومحط أحلامهم للصلاة فیه.. الأمر الذی یقوم به أبناء فلسطین خاصة فی صلاة یوم الجمعة، بالرغم من تحدیات القمع الصهیونی، وإجراءات المنع وسد الطرق، وتکثیف عملیات التفتیش، وبالرغم من حدة التطرف المتزایدة فی کیان العدو.
ویبقى أن صرخة لا بد لها أن ترتفع أکثر فأکثر تحث المنظمات الدولیة والإسلامیة الرسمیة منها والأهلیة کی تمنع أو تضع حداً لإستفزازات قطعان المستوطنین وحکومتهم الصهیونیة، بالسعی لإستصدار قرارات دولیة تردع وتعاقب، وکی لا یبقى المسجد تحت رحمة بیانات الإدانة والإستنکار وعقد المؤتمرات غیر المجدیة.
للمرة ال87 تعمل اسرائیل على هدم منازل قریة العراقیب فی صحراء النقب فی فلسطین لتهجیر أهلها وبناء المستوطنات علیها، لکنها لم تفلح فی تهجیرهم… ومثلها فی الحکایة الیومیة بین مسجد کرّمه الله عز وجل وبین قطعان من غیر الآدمیین لا یمارسون سوى القتل والإجرام.
بقلم الکاتبة والصحافیة اللبنانیة “منى سکریة”
المصدر : وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا)