ربما یکون إیراد الأحادیث الدالة على ولادة الإمام علی(علیه السلام) فی جوف الکعبة تحصیل حاصل بعد هذه الجولة من الاستدلالات النقلیة والعقلیة.
و ربما یکون إیراد الأحادیث الدالة على ولادة الإمام علی علیه السلام فی جوف الکعبة تحصیل حاصل بعد هذه الجولة من الاستدلالات النقلیة والعقلیة. إلا أننی أحببت أن أورد بعض هذه الأحادیث کی نقطع الطریق على من ظل یماطل فی الإذعان لهذه الحقیقة.
أولاً: ما ورد فی کتب أتباع مدرسة الصحابة:
قبل البدء فی إیراد هذه الأقوال کان لزاماً علینا أن نورد أولاً ما ورد عن العترة النبویة علیهم السلام إذ المتقدم علیهم مارق والمتخلف عنهم غارق لکن ابتدأنا بمحدثی مدرسة الصحابة کی نقطع الطریق على المعاندین ولیکون ختامه مسک فی ذکر روایات أهل البیت علیهم السلام.
1 . الحاکم النیسابوری (صاحب المستدرک)، فقد رد على مصعب بن عبد الله حینما نسب الولادة فی جوف الکعبة إلى فاختة بنت زهیر بن أسد حینما کانت حاملاً بولدها حکیم، إذ قال: (وهم مصعب ــ أی توهم ــ فقد تواترت الأخبار: إنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب کرم الله وجهه فی جوف الکعبة)[1].
إذن: الثابت الذی علیه حد التواتر عند المحدثین هو ولادة علی بن أبی طالب علیه السلام فی الکعبة ولیس کما یزعم ابن أبی الحدید والحافظ النووی ومسلم النیسابوری وغیرهم بأن ذلک من قول الشیعة.
2 . قال الزرندی الشافعی (المتوفى عام 750 هـ): (وولد کرم الله وجهه فی جوف الکعبة، یوم الجمعة الثالث عشر من رجب قبل الهجرة بثلاث وعشرین سنة على المشهور)[2].
3 . قال ابن الصباغ المالکی نقلاً عن أبی المعالی الفقیه المالکی وقد روى خبراً یرفعه إلى علی بن الحسین ــ علیهما السلام ــ أنه قال: (کنا عند علی بن الحسین ــ علیه السلام ــ فی بعض الأیام وإذا بنسوة مجتمعین فأقبلت امرأة منهن علینا فقلت لها: من أنت یرحمک الله؟ قالت: أنا زیدة ابنة العجلان من بنی ساعدة، فقلت لها: هل عندکِ من شیء تحدثینا به؟ قالت: أی والله حدثتنی أم عمارة بنت عبادة بن فضلة بن مالک بن عجلان الساعدی أنها کانت ذات یوم فی نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب کئیباً حزیناً، فقلت له ما شأنک؟ قال: إن فاطمة بنت أسد فی شدة من الطلق. ثم أخذ بیدها وجاء بها إلى الکعبة فدخل بها، وقال: اجلسی على اسم الله، فطلقت طلقة واحدة فولدت غلاماً نظیفاً منظفاً لم أر أحسن وجهاً منه، فسماه أبو طالب علیاً وقال شعراً:
سمیته بعلی کی یدوم له *** عز العلو وفخر العز أدومه
وجاء النبی صلى الله علیه وآله وسلم فحمله معه إلى منزل أمه، قال علی بن الحسین: فوالله ما سمعت بشیء حسن قط، إلا وهذا من أحسنه»)[3].
4 . روى الحافظ الکنجی الشافعی فی کفایته قائلاً: عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم عن میلاد علی بن أبی طالب، فقال: «لقد سألتنی عن خیر مولود ولد فی شبیه المسیح علیه السلام إن الله تبارک وتعالى خلق علیاً من نوری وخلقنی من نوره وکلانا من نور واحد، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم علیه السلام فی أصلاب طاهرة إلى أرحام زکیة فما نقلت من صلب إلا ونقل علی معی فلم نزل کذلک حتى استودعنی خیر رحم وهی آمنة، واستودع علیا خیر رحم وهی فاطمة بنت أسد، وکان فی زماننا رجل زاهد عابد یقال له المبرم بن دعیب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مائتین وسبعین سنة لم یسأل الله حاجة فبعث الله إلیه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إلیه وقبل رأسه وأجلسه بین یدیه ثم قال له: من أنت؟ فقال: رجل من تهامة. فقال: من أی تهامة؟ فقال: من بنی هاشم. فوثب العابد فقبل رأسه ثم قال: یا هذا إن العلی الأعلى ألهمنی إلهماماً. قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد یولد من ظهرک وهو ولی الله عز وجل، فلما کان اللیلة التی ولد فیها علی أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو یقول: أیها الناس ولد فی الکعبة ولی الله فلما أصبح دخل الکعبة وهو یقول:
یا رب هذا الغسق الدجیّ *** والقمر المنبلج المضیّ
بَیّن لنا من أمرک الخفی *** ماذا ترى فی اسم ذا الصبی؟
قال: فسمع صوت هاتف یقول:
یا أهل بیت المصطفى النبی *** خصصتمُ بالولد الزکی
إن اسمه من شامخ العلی *** علی اشتق من العلی
أخرجه الحافظ الکنجی الشافعی فی کفایة الطالب ص 260 وقال: تفرد به مسلم بن خالد الزنجی وهو شیخ الشافعی، وتفرد به عن الزنجی عبد العزیز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا)[4].
ثانیاً: ما ورد فی کتب أتباع مدرسة أهل البیت (علیهم السلام):
أما ما روی عن علماء الشیعة ومحدثیهم فهو کالآتی: وسنورد قصار الأقوال ونختم بالأحادیث الطویلة إتماماً للفائدة.
1ــ قال الشریف الرضی (المتوفى سنة 406): (ولا نعلم مولود ولد فی الکعبة غیره)[5].
2ــ قال ابن شهر آشوب المازندرانی (المتوفى سنة 588هـ): (ولد فی الکعبة، وربى فی دار خدیجة)[6].
3ــ قال الفتال النیسابوری (المتوفى سنة 508هـ): (إن علی بن أبی طالب ولد فی الکعبة، وفی ذلک یقول السید الحمیری:
ولدته فی حرم الإله أمه *** والبیت حیث فناؤه والمسجد
بیضاء طاهرة الثیاب کریمة *** طابت وطاب ولیدها والمولد
فی لیلة غابت نحوس نجومها *** وبدت مع القمر المنیر الأسعد
ما لف فی خرق القوابل مثله *** إلا ابن آمنة النبی محمد[7]
4ــ قال السید ابن طاووس[8] (المتوفى سنة 664هـ)، والشهید الأول[9] (المتوفى سنة 786هـ)، ومحمد بن المشهدی[10] (المتوفى سنة 610هـ)، فی زیارته علیه السلام: (السلام علیک یا من ولد فی الکعبة).
5ــ روى المجلسی المتوفى سنة (1111هـ): «عن کتاب العلل لمحمد بن علی بن إبراهیم: علة فضیلة أمیر المؤمنین لم تکن لأحد قبله ولا بعده، (أنه ولد فی الکعبة)»[11].
6ــ روى ابن أبی الفتح الأربلی (المتوفى سنة 693هـ) عن کتاب بشایر المصطفى صلى الله علیه وآله وسلم مرفوع إلى یزید بن قعنب قال: (کنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب رضی الله عنه وفریق من بنی عبد العزى بإزاء بیت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمیر المؤمنین علیه السلام وکانت حاملاً به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق فقالت: یا رب إنی مؤمنة بک، وبما جاء من عندک من رسل وکتب، وإنی مصدّقة بکلام جدی إبراهیم الخلیل علیه السلام، وإنه بنى البیت العتیق فبحق الذی بنى هذا البیت والمولود الذی فی بطنی إلا ما یسرت علی ولادتی قال یزید بن قعنب: فرأیت البیت قد انشق عن ظهره ودخلت فاطمة فیه وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله، فرحنا أن ینفتح لنا قفل الباب! فلم ینفتح فعلما أنّ ذلک من أمر الله تعالى، ثم خرجت فی الیوم الرابع وعلى یدها أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام.
ثم قالت: إنی فضلت على من تقدمنی من النساء لأن آسیا بنت مزاحم عبدت الله سراً فی موضع لا یحب الله أن یعبد فیه إلا اضطراراً، وأن مریم بنت عمران حضرت النخلة الیابسة بیدها حتى أکلت منها رطباً جنیاً، وإنی دخلت بیت الله الحرام فأکلت من ثمار الجنة وأرزاقها فلما أردت أن أخرج هتف بی هاتف وقال: یا فاطمة سمیه علیاً، فهو علی، والله العلی الأعلى، یقول: اشتققت اسمه من اسمی، وأدبته بأدبی، وأوقفته على غامض علمی، وهو الذی یکسر الأصنام فی بیتی، وهو الذی یؤذن فوق ظهر بیتی، ویقدسنی ویمجدنی، فطوبى لمن أحبه وأطاعه وویل لمن أبغضه وعصاه.
قالت: فولدت علیاً ولرسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ثلاثون سنة، فأحبه رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم حباً شدیداً وقال لها: «اجعلی مهده بقرب فراشی».
وکان صلى الله علیه وآله وسلم یلی أکثر تربیته، وکان یطهر علیاً فی وقت غسله، ویوجره اللبن عند شربه، ویحرک مهده عند نومه، ویناغیه فی یقظته، ویحمله على صدره ورقبته، ویقول: «هذا أخی وولی وناصری، وصفی، وذخری، وکهفی، ومهری، ووصیی، وزوج کریمتی، وأمینی على وصیتی، وخلیفتی».
وکان رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یحمله دائماً ویطوف به جبال مکة وشجامها وأودیتها وفجاجها صلى الله على الحامل والمحمول)[12].
7 ــ روى شاذان بن جبرئیل القمی (المتوفى سنة 660هـ) قال: (أخبرنا الشیخ الإمام العالم الورع الناقل ضیاء الدین شیخ الإسلام أبو العلاء الحسن بن أحمد بن یحیى العطار الهمدانی فی همدان فی مسجده فی الثانی والعشرین من شعبان سنة ثلاث ثلاثین وستمائة، قال: حدثنا الإمام رکن الدین أحمد بن محمد بن إسماعیل الفارسی، قال: حدثنا عمر بن روق الخطابی، قال: حدثنا الحجاج بن منهال عن الحسن بن عمران عن شاذان بن العلاء، قال: حدثنا عبد العزیز عن عبد الصمد عن سالم عن خالد بن السری عن جابر بن عبد الله الأنصاری، قال: سألت رسول الله صلى الله علیه وآله عن میلاد علی بن أبی طالب علیه السلام فقال: «آه آه سألت عجبا یا جابر عن خیر مولود ولد بعدی على سنة المسیح، إن الله تعالى خلقه نورا من نوری وخلقنی نورا من نوره وکلانا من نور واحد وخلقنا من قبل أن یخلق سماء مبنیة والأرض مدحیة ولا کان طول ولا عرض ولا ظلمة ولا ضیاء ولا بحر ولا هواء بخمسین ألف عام ثم إن الله عز وجل سبح نفسه فسبحناه وقدس ذاته فقدسناه ومجد عظمته فمجدناه فشکر الله تعالى ذلک لنا فخلق من تسبیحی السماء فمسکها والأرض فبطحها والبحار فعمقها وخلق من تسبیح علی الملائکة المقربین فجمیع ما سبحت الملائکة لعلی وشیعته.
یا جابر إن الله تعالى عز وجل نسلنا فقذف بنا فی صلب آدم علیه السلام فأما أنا فاستقررت فی جانبه الأیمن وأما علی فاستقر فی جانبه الأیسر ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم علیه السلام فی الأصلاب الطاهرة فما نقلنی من صلب إلاّ نقل علیا معی فلم نزل کذلک حتى اطلعنا الله تعالى من ظهر طاهر وهو ظهر عبد المطلب ثم نقلنی من ظهر طاهر وهو ظهر عبد الله واستودعنی خیر رحم وهی آمنة فلما ظهرت ارتجت الملائکة وضجت وقالت: إلهنا وسیدنا ما بال ولیک علی لا نراه مع النور الأزهر یعنون بذلک محمداً فقال الله عز وجل: إنی أعلم بولی وأشفق علیه منکم.
فاطلع الله عز وجل علیا من ظهر طاهر من بنی هاشم فمن قبل أن یصیر فی الرحم کان رجل فی ذلک الزمان وکان زاهداً عابداً یقال له المثرم بن زغیب الشیقبان وکان من أحد العباد قد عبد الله تعالى مأتین وسبعین سنة لم یسأله حاجة إلا أجابه إن الله عز وجل أسکن فی قلبه الحکمة وألهمه بحسن طاعته لربه فسأل الله تعالى أن یریه ولیاً له فبعث الله تعالى أبا طالب فلما بصر به المثرم قام إلیه وقبَّل رأسه وأجلسه بین یدیه ثم قال له: من أنت یرحمک الله تعالى، فقام رجل من تهامة قال: أی تهامة؟ فقال: من عبد مناف، ثم قال من هاشم، فوثب العابد وقبَّل رأسه ثانیة وقال: الحمد لله الذی لم یمتنی حتى أرانی ولیه، ثم قال: ابشر یا هذا فان العلی الأعلى ألهمنی إلهاما فیه بشارتک.
فقال أبو طالب: وما هو؟ قال ولد یولد من ظهرک هو ولی الله عز وجل إمام المتقین ووصی رسول رب العالمین فان أنت أدرکت ذلک الولد من ظهرک فاقرأه منی السلام وقل له إن المثرم یقرأ علیک السلام ویقول اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله علیه وآله به تتم النبوة وبعلی تتم الوصیة.
قال فبکى أبو طالب وقال: ما اسم هذا المولود؟ قال: اسمه علی، قال أبو طالب: إنی لا أعلم حقیقة ما تقول إلا ببرهان مبین ودلالة واضحة، قال المثرم: ما ترید، قال: أرید أن أعلم ما تقوله حق من رب العالمین ألهمک ذلک، قال: فما ترید أن اسأل لک الله تعالى أن یطعمک فی مکانک هذا؟ قال أبو طالب: أرید طعاماً من الجنة فی وقتی هذا، قال: فدعا الراهب ربه.
قال جابر قال رسول الله صلى الله علیه وآله: فما استتم المثرم الدعاء حتى أوتی بطبق علیه فاکهة من الجنة وعذق رطب وعنب ورمان فجاء به المثرم إلى أبی طالب فتناول منه رمانة ثم نهض من ساعته إلى فاطمة بنت أسد رضی الله عنها فلما استودعها النور ارتجت الأرض وتزلزلت بهم سبعة أیام حتى أصاب قریشا من ذلک شدة ففزعوا فقالوا مروا بآلهتکم إلى ذروة جبل أبی قبیس حتى نسألهم یسکنون لنا ما نزل بنا وحل بساحتنا قال: فلما اجتمعوا على جبل أبی قبیس وهو یرتج ارتجاجا ویضطرب اضطرابا فتساقطت الآلهة على وجهها فلما نظروا ذلک قالوا: لا طاقة لنا.
ثم صعد أبو طالب الجبل وقال: لهم أیها الناس اعلموا أنّ الله تعالى عز وجل قد أحدث فی هذه اللیلة حادثا وخلق فیها خلقا فإن لم تطیعوه وتقروا له بالطاعة وتشهدوا له بالإمامة المستحقة وإلا لم یسکن ما بکم حتى لا یکون بتهامة سکن، قالوا: یا أبا طالب إنا نقول بمقالتک فبکى ورفع یدیه وقال: إلهی وسیدی أسألک بالمحمدیة المحمودة والعلویة العالیة والفاطمیة البیضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة.
قال جابر: قال رسول الله صلى الله علیه وآله: فوالله الذی خلق الحبة وبرأ النسمة قد کانت العرب تکتب هذه الکلمات فیدعون بها عند شدائدهم فی الجاهلیة وهی لا تعلمها ولا تعرف حقیقتها متى ولد علی بن أبی طالب علیه السلام فلما کان فی اللیلة التی ولد فیها علیه السلام أشرقت الأرض وتضاعفت النجوم فأبصرت من ذلک عجبا فصاح بعضهم فی بعض وقالوا: إنه قد حدث فی السماء حادث ألا ترون إشراق السماء وضیاءها وتضاعف النجوم بها قال: فخرج أبو طالب وهو یتخلل سکک مکة ومواقها وأسواقها وهو یقول لهم: أیها الناس ولد اللیلة فی الکعبة حجة الله تعالى وولی الله فبقی الناس یسألونه عن علة ما یرون من إشراق السماء فقال لهم: أبشروا فقد ولد فی هذه اللیلة ولی من أولیاء الله عز وجل یختم به جمیع الشر ویتجنب الشرک والشبهات ولم یزل یذکر هذه الألفاظ حتى أصبح فدخل الکعبة وهو یقول هذه الأبیات:
یا رب رب الغسق الدجیّ *** والقمر المنبلج المضیّ
بین لنا من حکمک المقضی *** ماذا ترى لی فی اسم ذا الصبی
فسمع هاتفا یقول:
خصصتما بالولد الزکی *** والطاهر المطهر المرضی
إن اسمه من شامخ علی *** علی اشتق من العلی
فلما سمع هذا خرج من الکعبة وغاب عن قومه أربعین صباحا. قال جابر فقلت یا رسول الله علیک السلام أین غاب؟ قال: «مضى إلى المثرم لیبشره وان بمولد علی بن أبی طالب علیه السلام فی جبل لکام فالله وجده حیا بشره وان وجده میتا انذره.
فقال جابر: یا رسول الله فکیف یعرف قبره وکیف ینذره، فقال: یا جابر اکتم ما تسمع فإنه من سرائر الله تعالى المکنونة وعلومه المخزونة إن المثرم کان قد وصف لأبی طالب کهفا فی جبل لکام وقال له إنک تجدنی هناک حیا أو میتا، فلما ان مضى أبو طالب إلى ذلک الکهف ودخله فإذا هو بالمثرم میتا جسده ملفوف فی مدرعتین مسجى بهما وإذا بحیتین إحداهما أشد بیاضا من القمر والأخرى أشد سواداً من اللیل المظلم وهما یدفعان عنه الأذى فلما أبصرتا أبا طالب غابتا فی الکهف فدخل أبو طالب وقال: السلام علیک یا ولی الله ورحمة الله وبرکاته فأحیى الله تعالى بقدرته المثرم فقام قائما وهو یمسح وجهه وهو یشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله علیه وآله وأن علیا ولی الله وهو الإمام من بعده.
ثم قال له المثرم: بشرنی یا أبا طالب فقد کان قلبی متعلقا حتى من الله تعالى علی بک وبقدومک، فقال له أبو طالب: أبشر فإنّ علیاً طلع إلى الأرض، قال: فما کان علامة اللیلة التی ولد فیها، حدثنی بأتم ما رأیت فی تلک اللیلة، قال أبو طالب: نعم أخبرک بما شاهدته، لما مر من اللیل الثلث أخذ فاطمة بنت أسد علیها السلام ما یأخذ النساء عند ولادتها فقرأت علیها الأسماء التی فیها النجاة فسکن بإذن الله تعالى فقلت لها: أنا آتیک بنسوة من أحبائک لیعینوک على أمرک، قالت: الرأی لک فاجتمعن النسوة عندها فإذا بهاتف یهتف من وراء البیت أمسک عنهن یا أبا طالب فان ولی الله لا تمسه إلا ید مطهرة.
فلم یتم الهاتف کلامه حتى أتى محمد بن عبد الله ابن أخی فطرد تلک النسوة وأخرجهن من البیت وإذا أنا بأربع نسوة قد دخلن علیها وعلیهن ثیاب من حریر بیض وإذا روایحهن أطیب من المسک الأذفر فقلن السلام علیک یا ولیة الله فأجابتهن بذلک فجلسن بین یدیها ومعهن جونة من فضة فما کان إلا قلیلا حتى ولد أمیر المؤمنین علیه السلام فلما إن ولد بینهن فإذا به قد طلع علیه السلام فسجد على الأرض وهو یقول: اشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شریک له واشهد أن محمداً رسول الله تختم به النبوة وتختم بی الوصیة.
فأخذته إحداهن من الأرض ووضعته فی حجرها فلما حملته نظر إلى وجهها ونادى بلسان طلق یقول: السلام علیک یا أماه، فقالت: وعلیک السلام یا بنی، فقال کیف والدی؟ قالت: فی نعم الله عز وجل، فلما إن سمعت ذلک لم أتمالک أن قلت یا بنی أو لست أنا أباک؟ فقال: بلى ولکن أنا وأنت من صلب آدم فهذه أمی حواء فلما سمعت ذلک غضضت وجهی ورأسی وغطیته بردائی وألقیت نفسی حیاء منها علیها السلام ثم دنت أخرى ومعها جونة مملوءة من المسک فأخذت علیا علیه السلام فلما نظر إلى وجهها قال: السلام علیک یا أختی، فقالت وعلیک السلام یا أخی، فقال: ما خبر عمی؟ قالت: بخیر فهو یقرأ علیک السلام، فقلت: یا بنی من هذى ومن عمک؟ فقال: هذه مریم ابنة عمران علیها السلام وعمی عیسى علیه السلام فضمخته بطیب کان معها من الجنة.
ثم أخذته أخرى فأدرجته فی ثوب کان معها، فقال أبو طالب: لو طهرناه کان أخف علیه وذلک أن العرب تطهر موالیدها فی یوم ولادتهم، فقلن إنه ولد طاهراً مطهراً لأنه لا یذیقه الله حر الحدید إلا على یدی رجل یبغضه الله تعالى وملائکته والسماوات والأرض والجبال وهو أشقى الأشقیاء، فقلت لهن: من هو؟ قلن: هو عبد الله بن ملجم لعنه الله تعالى، وهو قاتله بالکوفة سنة ثلاثین من وفاة محمد صلى الله علیه وآله.
قال أبو طالب: فأنا کنت استمع قولهن، ثم أخذه محمد بن عبد الله أخی من أیدیهن ووضع یده فی یده وتکلم معه وسأله عن کل شیء فخاطب محمد صلى الله علیه وآله علیا وخاطب علی محمدا باسرار کانت بینهما.
ثم غابت النسوة فلم أرهن فقلت فی نفسی لیتنی کنت أعرف الامرأتین الآخرین وکان علی علیه السلام أعلم بذلک فسألته عنهن، فقال لی: یا أبت أما الأولى فکانت أمی حواء، وأما الثانیة التی ضمختنی بالطیب فکانت مریم ابنة عمران، وأما التی أدرجتنی فی الثوب فهی آسیة، وأما صاحبة الجونة فکانت أم موسى علیه السلام.
ثم قال علی علیه السلام الحق بالمثرم یا أبا طالب وبشره وأخبره بما رأیت فإنک تجده فی کهف کذا فی موضع کذا وکذا، فلما فرغ من المناظرة مع محمد ابن أخی ومن مناظرته عاد إلى طفولیته الأولى فأنبأتک وأخبرتک ثم شرحت لک القصة بأسرها بما عاینت یا مثرم، قال أبو طالب: فلما سمع المثرم ذلک منى بکى بکاء شدیداً فی ذلک وفکر ساعة ثم سکن وتمطى ثم غطّى رأسه، وقال: بل غطنی بفضل مدرعتی فغطیته بفضل مدرعته فتمدد فإذا هو میت کما کان فأقمت عنده ثلاثة أیام أکمله فلم یجبنی فاستوحشت لذلک فخرجت الحیتان وقالتا الحق بولی الله فإنک أحق بصیانته وکفالته من غیرک.
فقلت لهما من أنتما قالتا نحن عمله الصالح خلقنا الله عز وجل على الصورة التی ترى لنذب عند الأذى لیلاً ونهاراً إلى یوم القیامة فإذا قامت الساعة کانت إحدانا قائدته والأخرى سائقته ودلیلته إلى الجنة. ثم انصرف أبو طالب إلى مکة.
قال جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله علیه وآله: شرحت لک ما سألتنی ووجب علیک له الحفظ فان لعلی عند الله من المنزلة الجلیلة والعطایا الجزیلة ما لم یعط أحد من الملائکة المقربین والأنبیاء المرسلین وحبه واجب على کل مسلم فإنه قسیم الجنة والنار ولا یجوز أحد على الصراط إلا ببراءة من أعداء علی علیه السلام)[13].
فهذه هی حقیقة ولادة الإمام علی علیه السلام فی جوف الکعبة وبها یتضح معنى اختیار الله تعالى بیته الحرام فی أن یکون محلاً لدخول فاطمة بنت أسد لتلد فیه خاتم الأوصیاء وأبو الأئمة النجباء الذی أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا.
بقلم: السید نبیل الحسنی.
ــــــــــــ
[1] المستدرک على الصحیحین للحاکم: ج3، ص482.[2] معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول صلى الله علیه وآله وسلم للزرندی الشافعی: ص57.
[3] العقول المهمة لابن الصباغ المالکی: ج1، ص175؛ کشف الغمة للأربلی: ج1، ص60.
[4] الغدیر للعلامة الأمینی: ج7، ص347، نقلاً عن کفایة الطالب للکنجی: ص260.
[5] خصائص الأئمة: ص39.
[6] المناقب: ج2، ص45.
[7] روضة الواعظین: ص81.
[8] إقبال الأعمال: ج3، ص131.
[9] المزار: ص91.
[10] المزار: ص207.
[11] البحار: ج96، ص370.
[12] کشف الغمة للأربلی: ج1، ص61ـ62؛ الجواهر السنیة للحر العاملی (باختصار): ص230؛ شرح إحقاق الحق للمرعشی: ج5، ص57.
[13] الفضائل لابن شاذان: ص54 ــ 59.
المصدر: الموقع الرسمی للعتبة الحسینیة