لإعتقاد بإمامة الأئمة الإثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) من أصول مذهبنا، بل هومحوره الذي سُمِّي لأجله المذهب الإمامي، ومذهب التشيع، ومذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وسُمينا لأجله الإمامية، والشيعة، شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وأول الأئمة الأوصياء المعصومين عندنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)، وخاتمهم الإمام المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرَجَه)، الذي وُلد في سنة 255 هجرية في سامراء، ثم مدَّ الله في عمره وغيَّبه إلى أن يُنجز به وعده ويظهره، ويظهر به دينه على الدين كله، ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوْراً.
هذه الدراسة القيمة هي إحدى فصول كتاب (عصر الظهور) للعلامة المُحقق الشيخ علي الكوراني العاملي (حفظه الله)
عقيدة الشيعة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
الإعتقاد بإمامة الأئمة الإثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) من أصول مذهبنا، بل هومحوره الذي سُمِّي لأجله المذهب الإمامي، ومذهب التشيع، ومذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وسُمينا لأجله الإمامية، والشيعة، شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وأول الأئمة الأوصياء المعصومين عندنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)، وخاتمهم الإمام المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرَجَه)، الذي وُلد في سنة 255 هجرية في سامراء، ثم مدَّ الله في عمره وغيَّبه إلى أن يُنجز به وعده ويظهره، ويظهر به دينه على الدين كله، ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوْراً.
فالاعتقاد بأن المهدي الموعود (عجَّل الله فرَجَه) هوالإمام الثاني عشر، وأنه حيٌّ غائب جزء من مذهبنا، وبدونه لا يكون المسلم شيعياً اثني عشرياً، بل مسلماً سنياً، أوشيعياً زيدياً، أوإسماعيلياً.
ويستغرب بعض إخواننا اعتقادنا بإمامة الأئمة (عليهم السلام) وبعصمتهم، وبغيبة المهدي المنتظر أرواحنا فداه، ولكن الميزان في الأمور الممكنة ليس هوالإستبعاد ولا الإستحسان، بل ثبوت النص عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد ثبُتت عندنا النصوص المتواترة القطعية، الدالة على إمامته وغيبته (عجَّل الله فرَجَه)، ومتى ثبت النص وقام الدليل، فعلى المسلم أن يقبله ويتعبد به، وعلى الآخرين أن يعذروه أويقنعوه، ورحم الله القائل : نحن أتباع الدليل حيث ما مالَ نميل.
وإخواننا السنة وإن لم يوافقونا على انطباق المهدي الموعود على الإمام محمد بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرَجَه)، إلا أنهم يوافقوننا تقريباً على كل ما ورد بشأنه من الأحاديث الشريفة، من البشارة به، وحركة ظهوره، وتجديد الإسلام على يده وشموله العالم، حتى أنك تجد أحاديثه (عجَّل الله فرَجَه) واحدة أومتقاربة في مصادر الفريقين، كما رأيت من مصادرنا، وترى من عقيدتهم.
على أن عدداً من علماء السنة يوافقنا أي على أنه هوالإمام محمد بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرَجَه)، مثل الشعراني وابن عربي وغيرهم، ممن صرحوا بإسمه ونسبه، وثبت عندهم أنه حيٌّ غائب(عجَّل الله فرَجَه)، وقد ذكر أسماء مجموعة منهم صاحب كتاب (المهدي الموعود).
وهذا الإشتراك في عقيدة المهدي (عجَّل الله فرَجَه) بين جميع المسلمين، يجب أن يستثمره العلماء والعاملون لنهضة الأمة، لأنه عقيدة ذات تأثير حيوي في جماهير المسلمين، من شأنها أن ترفع مستوى إيمانهم بالغيب، وبوعد الله تعالى لهم بالنصر، وترفع معنوياتهم في مقاومة أعدائهم، والتمهيد لإمامهم الموعود (عجَّل الله فرَجَه).
ولا يصح أن يكون عدم ثبوت انطباقه عندهم على الإمام محمد بن الحسن (عجَّل الله فرَجَه)، موجباً لانتقاد من يعتقد بذلك، ويتقرب به إلى الله تعالى.
وليس غرضنا هنا أن نطرح بحثاً كلامياً في عقيدتنا في الإمام المهدي (عجَّل الله فرَجَه)، بل أن نعطي فكرة عن هذه الروحية الفياضة التي تعيش بها أوساطنا الشيعية عقيدة المهدي (عجَّل الله فرَجَه) التي كوَّنت في ضمير المسلم الشيعي عبر الأجيال وتربية الآباء والأمهات مخزوناً عظيماً من الحب والتقديس والتطلع إلى ظهوره (عجَّل الله فرَجَه).
فالإمام المهدي أرواحنا فداه هوبقية الله في أرضه من أهل بيت النبوة، وخاتم الأوصياء والأئمة (عليهم السلام)، وأمين الله على قرآنه ووحيه، ومشكاة نوره في أرضه، ففي شخصيته تتجسد كل قيم الإسلام ومُثُله، وشبَه النبوة وامتداد نورها.
وفي غيبته تكمن معان كبيرة، من الحكم والأسرار الإلهية، ومظلومية الأنبياء والأولياء والمؤمنين على يد حكام الظلم وسلاطين الجور.
وفي الوعد النبوي بظهوره، تخضرُّ آمال المؤمنين، وتنتعش قلوبهم المهمومة، وتقبض أكفهم على الراية، وإن عتت العواصف، وطال الطريق، فهم وصاحبها على ميعاد.
ولئن كان الشيعة معروفين بغنى حياتهم الروحية مع النبي وآله (صلى الله عليه وآله)، فإن شخصية الإمام المهدي أرواحنا فداه ومهمته الموعودة، بجاذبيتها الخاصة، رافد حيوي في إغناء روح الشيعي بالأمل والحب والحنين.
ينتقد البعض شدة احترام الشيعة لعلمائهم، بينما يعجب به آخرون ويقدرونه، ويزداد الإعجاب أوالإنتقاد إذا رأوا احترام الشيعة لمرجع التقليد نائب الإمام المهدي أرواحنا فداه، وتقديسهم له وتقيدهم بفتواه.
أما إذا وصل الأمر إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فيتهمنا البعض بالمبالغة والمغالاة، ويفرط في التهمة فيقول إن الشيعة يؤلهون النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والمراجع ويعبدونهم، والعياذ بالله.
لكن المشكلة ليست في شدة احترام الشيعة وإطاعتهم وتقديسهم لعلمائهم وأئمتهم، بل هي في الواقع ابتعادنا جميعاً عن النظرة الإسلامية إلى الإنسان والتعامل بها معه.
نلاحظ في القرآن الكريم ثلاثة مذاهب في مسألة قيمة الإنسان : المذهب البدوي الذي تذكره آيات الأعراب والمنادين من وراء الحجرات.
والمذهب المادي الذي تذكره آيات أعداء الأنبياء (عليهم السلام) وأصحاب الحضارات المادية.
والمذهب الإسلامي، الذي تذكره آيات تكريم الإنسان والتوجيه إلى عالمه العقلي والروحي والعملي.
وأحسبنا في عالمنا الإسلامي نعيش تأثيرات كثيرة للبداوة وللمادية الغربية في نظرتنا إلى الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والأولياء والشهداء والمؤمنين، وإلى جمهورنا وشعوبنا الإسلامية، بل إلى أنفسنا أيضاً.
لقد أوجد الإنحطاط الحضاري والتسلط الغربي في مجتمعاتنا ظروفاً قاسية سياسية واقتصادية واجتماعية، لم تعد معها حياة الإنسان المسلم في أصلها محترمة، فكيف نطمح إلى احترام أبعاد وجوده الأخرى وتقديسها ؟
كما حوَّل أذهاننا إلى أذهان بدوية تنزع دائماً إلى (السطحية) وتعادي العمق والجمع والتركيب، فترانا نريد الشيء ببعد واحد، ونرفض أن تكون له أبعاد متعددة في آن، ونريد في قلوبنا لوناً واحداً من العاطفة، ولا نسمح لها أن تحمل ألواناً متعددة في آن.
وبهذا صرنا نرى في الأولياء والأئمة والأنبياء صلوات الله عليهم، ظاهر أمرهم وحالهم، ولا نرى قممهم الشامخة، وعوالمهم العقلية والروحية العالية.
فإذا رأى أحد شيئاً من ذلك نقول عنه مغال، وإذا جاش بذلك عقله أوقلبه نقول مجنون أومنحرف.
ويبلغ الأمر أقصى خطورته عندما نُلبسه ثوباً دينياً فنقاوم تقديس الأولياء والأئمة والأنبياء (عليهم السلام) بحجة أنه يتنافى مع تقديس الله تعالى وتوحيده.
فكأن معنى أنهم بشر صلوات الله عليهم أن نفهمهم ببداوة خشنة، ونجعلهم حفنة من رمل الصحراء، وكأن الأمر يدور بين رمل الصحراء والسماء، ولا ثالث، فلا رياض ولا أنهار، ولا روابي ولا قمم.
وكأن مثل النور الإلهي الذي حدثنا عنه الله تعالى في سورة النور﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح﴾(1) موجودة في غير أرضنا، ومتجسد في غير هؤلاء العظماء، صلوات الله عليهم أعتقد أنه كلما تقدمت المعرفة بالفلاسفة والمفكرين والعلماء، اكتشفوا أبعاداً جديدة في كلام النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وعرفوا قيمته وقيمتهم أكثر، وعرفوا أن شخصية المعصوم يجب أن تفهم من كلام المعصوم.
صحيح أن الله تعالى قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) قل للناس أنا بشر مثلكم ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾(2)، لكنه قال لنا بذلك إن النبي مثلنا وليس مثلنا ! وإن شخصيته مركبة من جنبة بشرية يعاملنا بها، وجنبة غيبية يتلقى بها الوحي والعلم من رب العالمين.
وأنى لنا أن نفهم بفكرنا وعقولنا جنبة الغيب في شخصيته، إلا بكلام المعصوم الذي له نافذة مفتوحة على الغيب ؟
بل حتى المثلية في قوله تعالى : (( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)) ، تعني أنه من وسطكم يعرف تفكيركم وشعوركم ويدرك مشكلاتكم، ولا تعني أنه مثلنا بمستوانا ونوع تفكيرنا ومشاعرنا، فإن له (صلى الله عليه وآله) تفكيره ومشاعره وعالمه الأعلى الذي لا نرتقي إليه، كما أنه لا ينزل إلى عوالمنا الدنيا.
فالنبي إذن بسبب رقيِّ فكره ومشاعره ليس مثلنا، وبسبب أن شخصيته مفتوحة على الغيب، ليس مثلنا.
فماذا بقي من المثلية التي تمكننا من الإحاطة بحقيقة شخصيته (صلى الله عليه وآله) ؟
وكذلك هي شخصيات المعصومين من عترته (عليهم السَّلام)
ومن هنا نعرف لماذا اختار الله تعالى لفظ البشرية للمثلية، دون الإنسانية
أعتقد أنه قد آن لنا أن نجد ذاتنا الإسلامية وإنساننا المسلم، ونجد من جديد نبينا (صلى الله عليه وآله) وأئمتنا (عليهم السلام)، وأن نرفض السطحية البدوية التي روَّج لها المتفلسفون في فهم النبي وآله (صلى الله عليه وآله)، وأن نتعامل معهم بما يليق بغنى شخصياتهم الربانية، ومقاماتهم العالية، لتمتلئ قلوبنا مجدداً بمخزون الحب والعشق المقدس لهم، الذي يهيؤنا ويفتح لنا باب الحب والعشق الأكبر لمولاهم ومولانا تبارك وتعالى.
إن على الذي تحجبه الشجرة عن الغابة أن يعذر من يرى الشجرة والغابة معاً، والجبال والسماء فوقها ! ومن يتصور أن تقديس الأنبياء والأئمة(عليهم السَّلام)، والعيش في عوالمهم، مانعاً عن تقديس الله تعالى وتوحيده، عليه أن يعذر من يرى ذلك درجات من التعظيم شرعها الإسلام، لتنتظم بها الحياة، وتفتح الطريق إلى تعظيم وتقديس وتسبيح الذي ليس كمثله شيء، تبارك وتعالى.
مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرَجَه) عند الله تعالى.
من المناسب قبل أن نقدم مقطوعات من الأحاديث والأدعية والزيارات كنماذج عن عقيدتنا بالإمام المهدي أرواحنا فداه، ومشاعرنا نحوه، أن نذكر شيئاً من الأحاديث التي وردت في مقامه (عجَّل الله فرجه) عند الله تعالى.
فقد ورد في مصادر الفريقين أن مقامه عظيمٌ عند الله تعالى، وأنه من كبار سادة أهل الجنة، وأنه طاووس أهل الجنة، وأن عليه من نور الله تعالى جلابيب نور تتوقد، وأنه ملهمٌ مهديٌّ من الله تعالى وإن لم يكن نبياً، وأن الله تعالى يجري على يديه كثيراً من الكرامات والآيات والمعجزات.
بل يدل الحديث المعروف الذي صححه علماء الشيعة والسنة، على أنه أرواحنا فداه في مصاف الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم.
فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : ” نحن وُلد عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا وحمزة وعلي والحسن والحسين والمهدي “، (الغيبة للطوسي، وصواعق ابن حجر : 158)
وقد وردت في مصادرنا أحاديث مفصلة في فضائل الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) ومقامهم العظيم عند الله تعالى، ومنها أحاديث خاصة بالإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه، وأنه نور الله في أرضه، وحجته على خلقه، والقائم بالحق، وخليفة الله في الأرض، وشريك القرآن في وجوب الطاعة، ومعدن علم الله تعالى ومستودع سره، إلى آخر ما فصلته كتب العقائد والتفسير والحديث.
وقال أكثر علمائنا بتفضيله على بقية الأئمة بعد أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام)، ووردت به الرواية.
وقد ورد عند السنة تفضيله على أبي بكر وعمر، فعن ابن سيرين، قيل له المهدي خير أوأبوبكر وعمر ؟ قال : أخير منهما ويعدل بنبي “، (ابن حماد : 98)
من كلمات الأئمة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
من الملفت في هذا المجال أن نجد أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا في طليعة المعبرين عن مشاعرهم وحبهم للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قبل ولادته، إيماناً بوعد النبي (صلى الله عليه وآله) به، وتطلعاً إلى ولدهم الموعود، وما سيحققه الله تعالى على يده.
ونكتفي من ذلك بذكر كلمات عن الإمام علي والإمام الصادق (عليهما السلام)
قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) : ” أَلا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللَّهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ وأَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ “، (نهج البلاغة : خطبة 100)
وقال (عليه السَّلام) : ” فانظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، فليفرجن الله بغتةً برجل منا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الإماء، لا يعطيهم إلا السيف، هرجاً هرجاً موضوعاً على عاقته ثمانية أشهر، حتى تقول قريش لوكان هذا من ولد فاطمة لرحمنا.
يعطف الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهدي على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي، وتخرج له الأرض أفاليذ أكبادها، وتلقي إليه سلما مقاليدها، فيريكم كيف عدل السيرة، ويحيي ميت الكتاب والسنة “، (نهج البلاغة : خطبة 138).
وقال (عليه السَّلام) _ : ” قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا وأَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا والْمَعْرِفَةِ بِهَا والتَّفَرُّغِ لَهَا فَهِيَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ الَّتِي يَطْلُبُهَا وحَاجَتُهُ الَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا فَهُومُغْتَرِبٌ إِذَا اغْتَرَبَ الْإِسْلَامُ وضَرَبَ بِعَسِيبِ ذَنَبِهِ وأَلْصَقَ الْأَرْضَ بِجِرَانِهِ بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ خَلِيفَةٌ مِنْ خَلَائِفِ أَنْبِيَائِهِ “، (نهج البلاغة خطبة 182).
عن سُدير الصيرفي قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبوبصير وأبان بن تغلب، على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السَّلام) فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين، وهويبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه، وهويقول.
سيدي، غيبتك نفت رقادي، وضيقت علي مهادي، وأسرت مني راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقأ من عيني، وأنين يفتر من صدري.
قال سُدير : فاستطارت عقولنا ولهاً وتصدعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل، وظننا أنه سمة لمكروهة قارعة، أوحلت به من الدهر بائقة، فقلنا : لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك، من أي حادثة تستنزف دمعتك، وتستمطر عبرتك، وأيه حالة حتمت عليك هذا المأتم ؟
قال : فزفر الصادق (عليه السَّلام) زفرة انتفخ منها جوفه واشتد منها خوفه وقال : ويلكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم، وهوالكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خص الله تقدس اسمه به محمداً والأئمة من بعده (صلى الله عليه وآله) وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته، وإبطائه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم، التي قال الله تقدس ذكره : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، الولاية، فأخذتني الرقة، واستولت علي الأحزان.
فقلنا : يا بن رسول الله كرمنا وشرفنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم.
قال : إن الله تبارك وتعالى أدار في القائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل، قدَّر مولده تقدير مولد موسى (عليه السَّلام)، وقدَّر غيبته تقدير غيبة عيسى (عليه السَّلام)، وقدَّر عليه السَّلام) وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالحإبطاءه تقدير إبطاء نوح أعني الخضر دليلاً على عمره.
فقلت : إكشف لنا يا بن رسول الله عن وجوه هذه المعاني.
قال : أما مولد موسى فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة فدلوه على نسبه وأنه يكون من بني إسرائيل، ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفاً وعشرين ألف مولد، وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ الله تبارك وتعالى إياه.
كذلك بنوأمية وبنوالعباس لما وقفوا على أن زوال ملكهم والأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم (عجَّل الله فرجه)، ويأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة، إلى أن يتم نوره ولوكره المشركون.
وأما غيبة عيسى (عليه السَّلام) فإن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قُتل، وكذبهم الله عَزَّ وجَلَّ بقوله﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾(3) ذلك غيبة القائم (عجَّل الله فرجه) فإن الأمة تنكرها لطولها.
وأما إبطاء نوح (عليه السَّلام) فإنه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء، بعث الله عَزَّ وجَلَّ جبرئيل الروح الأمين بسبعة نويات فقال يا نبي الله إن الله تبارك وتعالى يقول لك : إن هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه، واغرس هذا النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين، فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وتغصنت وأثمرت وزهى الثمر عليها بعد زمن طويل، استنجز من الله سبحانه وتعالى العدة، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والإجتهاد، ويؤكد الحجة على قومه، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به، فارتد منهم ثلاث مائة رجل وقالوا : ولوكان ما يدَّعيه نوح حقاً لما وقع في وَعد ربه خُلف.
ثم إن الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد أخرى، إلى أن غرسها سبع مرات، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة، إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلاً، فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ عند ذلك إليه وقال : يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك، حين صرح الحق عن محضه وصفي من الكدر، بارتداد كل من كانت طينته خبيثة.
قال الصادق (عليه السَّلام) : وكذلك القائم (عجَّل الله فرجه) تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفوا الإيمان من الكدر “، (بحار الأنوار : 51 / 219 – 222.
نماذج من الأدعية له وزيارته (عجَّل الله فرَجَه)
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلا.
اللهم وصلِّ على ولي أمرك، القائم المؤمل، والعدل المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيده منك بروح القدس يا رب العالمين.
اللهم اجعله الداعيَ إلى كتابك، والقائمَ بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مَكِّنْ له دينه الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمناً، يعبدك لا يشرك بك شيئاً، اللهم أعزه وأعزز به، وانصره وانتصر به، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لدنك سلطاناً نصيراً، اللهم أظهر به دينك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله)، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق.
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.
اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه، اللهم الْمُمْ به شعثنا، وأشعب به صدعنا، وارتق به فتقنا، وكثر به قلتنا، وأعزز به ذلتنا، وأغن به عائلنا، واقض به عن مغرمنا، واجبر به فقرنا، وسُدَّ به خلتنا، ويسر به عسرنا، وبيض به وجوهنا، وفك به أسرنا، وأنجح به طلبتنا، وأنجز به مواعيدنا، واستجب به دعوتنا وأعطنا به سؤلنا، وبلغنا به من الدنيا والآخرة آمالنا، وأعطنا به فوق رغبتنا.
يا خير المسؤولين وأوسع المعطين، إشف به صدورنا، وأذهب به غيظ قلوبنا، وأهدنا به لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، وانصرنا به على عدوك وعدونا إله الحق آمين.
اللهم إنا نشكوإليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله، وغيبة ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا، فصل على محمد وآل محمد، وأعنا على ذلك كله بفتح منك تعجله، وضر تكشفه ونصر تعزه، وسلطان حق تظهره، ورحمة منك تجللناها، وعافية منك تلبسناها، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ على محمد وعليهم صلاةً كثيرةً دائمةً طيبة، لا يحبط بها إلا أنت، ولا يسعها إلا علمك، ولا يحصيها أحد غيرك.
اللهم صل على وليك المحيي سنتك، القائم بأمرك، الداعي إليك، الدليل عليك، وحجتك على خلقك، وخليفتك في أمرك، وشاهدك على عبادك، اللهم أعزَّ نصره، ومُدَّ عمره، وزيِّنْ الأرض بطول بقائه.
اللهم اكفه بغي الحاسدين، وأعذه من شر الكائدين، وازجر عنه إرادة الظالمين، وخلصه من أيدي الجبارين، اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تَقَرُّ به عينه، وتُسَرُّ به نفسه، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير.
اللهم جدد به ما مُحي من دينك، وأحي به ما بُدِّل من كتابك، وأظهر به ما غير من حكمك، حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً خالصاً مخلَصاً، لاشك فيه ولا شبهة معه، ولا باطل عنده ولا بدعة لديه.
اللهم نوره بنوره كل ظلمة، وهد بركنه كل بدعة، واهدم بعزته كل ضلالة واقصم به كل جبار، وأخمد بسيفه كل نار، وأهلك بعدله كل جبار، وأجر حكمه على كل حكم، وأذل لسلطانه كل سلطان.
اللهم أذل كل من ناواه، وأهلك كل من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه واستهان بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره.
اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في اَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ ودينِكَ، اِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ الْمُقيمِ الَّذي لا زَوالَ لَهُ ولاَ اضْمِحْلالَ، بَعْدَ اَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ في دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وزُخْرُفِها وزِبْرِجِها، فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ، وعَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفاءَ بِهِ فَقَبِلْتَهُمْ وقَرَّبْتَهُمْ، وقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ والثَّناءَ الْجَلِىَّ، واَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ وأكَرَمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، ورَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ، وجَعَلْتَهُمُ الذَّرائع اِلَيْكَ والْوَسيلَةَ اِلى رِضْوانِكَ، فَبَعْضٌ اَسْكَنْتَهُ جَنَّتَكَ اِلى اَنْ اَخْرَجْتَهُ مِنْها، وبَعْضٌ حَمَلْتَهُ في فُلْكِكَ ونَجَّيْتَهُ ومَنْ آمَنَ مَعَهُ مِنَ الْهَلَكَةِ بِرَحْمَتِكَ، وبَعْضٌ اتَّخَذْتَهُ لِنَفْسِكَ خَليلاً وسَأَلَكَ لِسانَ صِدْقٍ فِي الاْخِرينَ فَاَجَبْتَهُ وجَعَلْتَ ذلِكَ عَلِيّاً، وبَعْضٌ كَلَّمْتَهُ مِنْ شَجَـرَةٍ تَكْليماً وجَعَلْتَ لَهُ مِنْ اَخيهِ رِدْءاً ووَزيراً، وبَعْضٌ اَوْلَدْتَهُ مِنْ غَيْرِ اَبٍ وآتَيْتَهُ الْبَيِّناتِ واَيَّدْتَهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وكُلٌّ شَرَعْتَ لَهُ شَريعَةً، ونَهَجْتَ لَهُ مِنْهاجاً، وتَخَيَّرْتَ لَهُ اَوْصِياءَ، مُسْتَحْفِظاً بَعْدَ مُسْتَحْفِظٍ مِنْ مُدَّةٍ اِلى مُدَّةٍ، اِقامَةً لِدينِكَ، وحُجَّةً عَلى عِبادِكَ، ولِئَلّا يَزُولَ الْحَقُّ عَنْ مَقَرِّهِ ويَغْلِبَ الْباطِلُ عَلى اَهْلِهِ، ولا يَقُولَ اَحَدٌ لَوْلا اَرْسَلْتَ اِلَيْنا رَسُولاً مُنْذِراً واَقَمْتَ لَنا عَلَماً هادِياً فَنَتَّبِـعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ اَنْ نَذِلَّ ونَخْزى.
اِلى اَنِ انْتَهَيْتَ بالأمْرِ اِلى حَبيبِكَ ونَجيبِكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ، فَكانَ كَمَا انْتَجَبْتَهُ سَيِّدَ مَنْ خَلَقْتَهُ، وصَفْوَةَ مَنِ اصْطَفَيْتَهُ، واَفْضَلَ مَنِ اجْتَبَيْتَهُ، واَكْرَمَ مَنِ اعْتَمَدْتَهُ، قَدَّمْتَهُ عَلى اَنْبِيائِكَ، وبَعَثْتَهُ اِلَى الثَّقَلَيْنِ مِنْ عِبادِكَ، واَوْطَأتَهُ مَشارِقَكَ ومَغارِبَكَ، وسَخَّرْتَ لَهُ الْبُراقَ، وعَرَجْتَ بِه اِلى سَمائِكَ، واَوْدَعْتَهُ عِلْمَ ما كانَ وَما يَكُونُ اِلَى انْقِضاءِ خَلْقِكَ.
فَعَلَى الاَْطائِبِ مِنْ اَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وعَلِيٍّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وآلِهِما فَلْيَبْكِ الْباكُونَ، واِيّاهُمْ فَلْيَنْدُبِ النّادِبُونَ، ولِمِثْلِهِمْ فَلْتَذْرِفِ الدُّمُوعُ، ولْيَصْرُخِ الصّارِخُونَ، ويَضِجَّ الضّاجُّونَ، ويَعِـجَّ الْعاجُّوَن.
اَيْنَ الْحَسَنُ، اَيْنَ الْحُسَيْنُ، اَيْنَ اَبْناءُ الْحُسَيْنِ، صالِحٌ بَعْدَ صالِـحٍ، وصادِقٌ بَعْدَ صادِقٍ، اَيْنَ السَّبيلُ بَعْدَ السَّبيلِ، اَيْنَ الْخِيَرَةُ بَعْدَ الْخِيَرَةِ، اَيْنَ الشُّمُوسُ الطّالِعَةُ، اَيْنَ الاَْقْمارُ الْمُنيرَةُ، اَيْنَ الاَْنْجُمُ الزّاهِرَةُ، اَيْنَ اَعْلامُ الدّينِ وقَواعِدُ الْعِلْمِ.
اَيْنَ بَقِيَّةُ اللهِ الَّتي لا تَخْلُومِنَ الْعِتْرَةِ الْطاهرة، اَيـْنَ الـْمُعَدُّ لِـقَطْعِ دابِرِ الظَّلَمَةِ، اَيْنَ الْمُنْتَظَرُ لاِِقامَةِ الاَْمْتِ واْلعِوَجِ، اَيْنَ الْمُرْتَجى لاِزالَةِ الْجَوْرِ والْعُدْوانِ، اَيْنَ الْمُدَّخَرُ لِتَجْديدِ الْفَرآئِضِ والسُّنَنِ، اَيْنَ الْمُتَخَيَّرُ لاِِعادَةِ الْمِلَّةِ والشَّريعَةِ، اَيْنَ الْمُؤَمَّلُ لاِِحْياءِ الْكِتابِ وحُدُودِهِ، اَيْنَ مُحْيي مَعالِمِ الدّينِ واَهْلِهِ، اَيْنَ قاصِمُ شَوْكَةِ الْمُعْتَدينَ، اَيْنَ هادِمُ اَبْنِيَةِ الشِّرْكِ والنِّفاقِ.
اَيْنَ مُـعِزُّ الاَْوْلِياءِ ومُذِلُّ الاَْعْداءِ، اَيْنَ جامِعُ الكَلِمِ عَلَى التَّقْوى، اَيْنَ السَّبَبُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الاَْرْضِ والسَّماءِ، اَيْنَ صاحِبُ يَوْمِ الْفَتْحِ وناشِرُ رايَةِ الْهُدى، اَيْنَ مُؤَلِّفُ شَمْلِ الصَّلاحِ والرِّضا، اَيْنَ الطّالِبُ بِذُحُولِ الاَْنْبِياءِ واَبْناءِ الاَْنْبِياءِ، اَيْنَ الطّالِبُ بِدَمِ الْمَقْتُولِ بِكَرْبَلاءَ.
بِاَبي اَنْتَ واُمّي ونَفْسي لَكَ الْوِقاءُ والْحِمى، يَا بْنَ السّادَةِ الْمُقَرَّبينَ، يَا بْنَ النُّجَباءِ الاَْكْرَمينَ، يَا بْنَ الْهُداةِ الْمَهْدِيّينَ، يَا بْنَ الْخِيَرَةِ الْمَهْدِيّينَ، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ اَرَى الْخَلْقَ ولا تُرى ولا اَسْمَعُ لَكَ حَسيساً ولا نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ لا تُحِيطَ بِِيَ دُونكَ الْبَلْوى ولا يَنالُكَ مِنّي ضَجيجٌ ولا شَكْوى، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ نازِحٍ لم يَنْزِحُ) عَنّا.
اِلى مَتى اَحارُ فيكَ يا مَوْلايَ واِلى مَتي، واَىَّ خِطابٍ اَصِفُ فيكَ واَيَّ نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ اُجابَ دُونَكَ واُناغى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ اَبْكِيَكَ ويَخْذُلَكَ الْوَرى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ ما جَرى.
هَلْ مِنْ مُعينٍ فَاُطيلَ مَعَهُ الْعَويلَ والْبُكاءَ، هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَاُساعِدَ جَزَعَهُ اِذا خَلا، هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَساعَدَتْها عَيْني عَلَى الْقَذى، هَلْ اِلَيْكَ يَا بْنَ اَحْمَدَ سَبيلٌ فَتُلْقى، هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنا مِنْكَ بِعِدَةٍ فَنَحْظى ؟ ترى اَتَرانا نَحُفُّ بِكَ واَنْتَ تَاُمُّ الْمَلاََ، وقَدْ مَلأْتَ الاَْرْضَ عَدْلاً، واَذَقْتَ اَعْداءَكَ هَواناً وعِقاباً، واجْتَثَثْتَ اُصُولَ الظّالِمينَ، ونَحْنُ نَقُولُ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ.
اَللّـهُمَّ اَنْتَ كَشّافُ ْالكُرَبِ والْبَلْوى، واِلَيْكَ اَسْتَعْدى فَعِنْدَكَ الْعَدْوى، واَنْتَ رَبُّ الاْخِرَةِ والاُولی.
اَللّـهُمَّ ونَحْنُ عَبيدُكَ التّائِقُونَ اِلى وَلِيِّكَ الْمُذَكِّرِ بِكَ وبِنَبِيِّكَ، خَلَقْتَهُ لَنا عِصْمَةً ومَلاذاً، واَقَمْتَهُ لَنا قِواماً ومَعاذاً، وجَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنينَ مِنّا اِماماً، فَبَلِّغْهُ مِنّا تَحِيَّةً وسَلاماً
اَللّـهُمَّ واَقِمْ بِهِ الْحَقَّ واَدْحِضْ بِهِ الْباطِلَ واَدِلْ بِهِ اَوْلِياءَكَ واَذْلِلْ بِهِ اَعْداءَكَ وصِلِ اللّهُمَّ بَيْنَنا وبَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدّى اِلى مُرافَقَةِ سَلَفِهِ، واجْعَلْنا مِمَّنْ يَأخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ، ويَكمْن في ظِلِّهِمْ، واَعِنّا عَلى تَأدِيَةِ حُقُوقِهِ اِلَيْهِ، والاْجْتِهادِ في طاعَتِهِ، والإجْتِنابِ عن مَعْصِيَتِهِ، وامْنُنْ عَلَيْنا بِرِضاهُ، وَهَبْ لَنا رَأَفَتَهُ ورَحْمَتَهُ ودُعاءَهُ وخَيْرَهُ مانَنالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وفَوْزاً عِنْدَكَ، واجْعَلْ صَلواتَنا بِهِ مَقبُولَةً، وذُنُوبَنا بِهِ مَغْفُورَةً، ودُعاءَنا بِهِ مُسْتَجاباً واجْعَلْ اَرْزاقَنا بِهِ مَبْسُوطَةً، وهُمُومَنا بِهِ مَكْفِيَّةً، وحَوآئِجَنا بِهِ مَقْضِيَّةً، واَقْبِلْ اِلَيْنا بِوَجْهِكَ الْكَريمِ واقْبَلْ تَقَرُّبَنا اِلَيْكَ، وانْظُرْ اِلَيْنا نَظْرَةً رَحيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرامَةَ عِنْدَكَ، ثُمَّ لا تَصْرِفْها عَنّا بِجُودِكَ، واسْقِنا مِنْ حَوْضِ جَدِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ بِكَأسِهِ وبِيَدِهِ رَيّاً رَوِيّاً، سائِغاً هَنيئاً، لا ظَمَأ بَعْدَهُ يا اَرْحَمَ الرّاحِمين.
هذا غيض من فيض من آدابنا الشيعية وأدبنا الشيعي مع الإمام المهدي الموعود أرواحنا فداه
كما أن للشيعة في مدحه وحبه من الشعر من قبل ولاته إلى يومنا هذا، مئات القصائد، وفيها من عيون الشعر العربي، وآيات الشعر الفارسي والتركي والأوردي، وسنختم الكتاب بمقطوعات منها، إن شاء الله.
عقيدة السنة في المهدي المنتظر (عجَّل الله فرَجَه) يتصور البعض أن عقيدة المهدي المنتظر عقيدة خاصة بالشيعة، بينما هي عند السنة أصيلة كأصالتها عند الشيعة، لا فرق بين الجميع في ثبوت البشارة عن النبي (صلى الله عليه وآله) بالمهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) ولا في مهمته العالمية، ولا في شخصيته المقدسة المتميزة، ولا في علامات ظهوره ومعالم ثورته.
وقد يكون الفرق الوحيد بشأنها أننا نحن الشيعة نعتقد بأنه هوالإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه) المولود سنة 255 هـ، وأن الله تعالى مد في عمره كما مد في عمر الخضر (عليه السَّلام) فهوحيٌّ غائب حتى يأذن الله له بالظهور، بينما يرى غالبية علماء السنة أنه لم يثبت أنه مولود وغائب، بل سوف يولد ويحقق ما بشر به النبي (صلى الله عليه وآله)
وتظهر أصالة عقيدة المهدي عند السنة في كثرة أحاديثها في مصادرهم وأصولهم الحديثية والعقائدية، وفي فتاوى وآراء علمائهم، وفي التاريخ العلمي والسياسي لهذه العقيدة في أوساطهم عبر الأجيال.
وعلى هذا الأساس، فإن الحركات المهدية في أوساط المسلمين السنة، مثل حركة المهدي السوداني في القرن الماضي، وحركة الحرم المكي الشريف في مطلع هذا القرن، والحركات المتضمنة لأفكار مهدية بشكل بارز كحركة الجهاد والهجرة في مصر، وأمثالها من الحركات، لم تنشأ من فراغ ولا من تأثر بأفكار الشيعة عن المهدي، كما يتصور بعضهم ! فرواة أحاديث المهدي المنتظر من الصحابة والتابعين السنة لا يقل عددهم عن الرواة من الشيعة، وكذلك من دونها منهم في الأصول والموسوعات الحديثية، ومن ألف فيها مؤلفاً خاصاً، ولعل أقدم مؤلف سني وصل إلينا في عقيدة المهدي هوكتاب (الفتن والملاحم) للحفاظ نعيم بن حماد المروزي المتوفى سنة 227 هـ، وهومن شيوخ البخاري وغيره من مصنفي الصحاح، وتوجد منه نسخة في مكتبة دائرة المعارف العثمانية في حيدر آباد الهند رقم 3187 – 83، ونسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق رقم 62 – أدب، ونسخة في مكتبة المتحف البريطاني تقع في نحومئتي صفحة مزدوجة، وقد تم نسخها سنة 706 هـ، ويوجد على بعض صفحاتها عبارة(وقف حسين أفندي) مما يشير إلى أنها أخذت من موقوفات تركيا، وقد سجلت في المكتبة البريطانية سنة 1924م، وهي التي نقلنا عنها في هذا الكتاب أما بقية المصادر الحديثية والعقائدية السنية التي تعرضت لعقيدة المهدي المنتظر أوعقدت لها فصلاً فتزيد على الخمسين مصدر، بما فيها كتب الصحاح.
وأما المؤلفات والرسائل والبحوث الخاصة بالموضوع فهي تقارب عدد المصادر.
كما أنَّ أقدم مؤلف شيعي وصل إلينا في عقيدة المهدي أيضاً كتاب (الغيبة أوكتاب (القائم) للفضل بن شاذان الأزدي النيشابوري المعاصر لنعيم بن حماد، والذي ألف كتابه قبل ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته
وقد كانت نسخه متداولة بين علمائنا إلى أن فقدت في هذا القرن مع الأسف، ولكن بقي منه ما رواه العلماء في مؤلفاتهم، خاصة ما نقله العلامة المجلسي (رحمه الله) في موسوعته (بحار الأنوار).
وعلى مر العصور كانت عقيدة المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) من العقائد الثابتة المتسالم عليها عند علماء السنة وجمهورهم، فإن ظهر رأي شاد ينكرها أويشكك فيها، تصدى له العلماء والمحققون وردوه وأنكروا عليه أن يشكك في واحدة من عقائد الإسلام ثبتت بالأحاديث المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله).
وأمامنا نموذجان ممن شكك في عقيدة المهدي فرد عليهما علماء السنة.
الأول : ابن خلدون، من علماء القرن الثامن، صاحب التاريخ المعروف.
قال في مقدمة تاريخه ص : 311 طبعة دار احياء التراث العربي :، ” إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بُدَّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال، أوينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته “، ثم استعرض ابن خلدون ثمانية وعشرين حديثاً وردت في المهدي وناقش في بعض رجال أسانيدها، وختم مناقشاته بقوله ص : 322 : ” فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه.
ثم استعرض بعض آراء المتصوفة في المهدي المنتظر، وختم مناقشته لها بقوله ص : 327 : ” والحق الذي ينبغي أن يتقرب لديك أنه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره وتدافع عنه من يدفعه حتى يظهر أمر الله فيه، وقد قررنا ذلك من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك، وعصبية الفاطميين بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش إلا ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الطالبيين من بني حسن وبني حسين وبني جعفر، وهم منتشرون في تلك البلاد وغالبون عليها، وهم عصائب متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون آلافاً من الكثرة، فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهوره ودعوته إلا بأن يكون منهم ويؤلف الله بين قلوبهم في أتباعه حتى تتم له شوكة وعصبية وافية بإظهار كلمته وحمل الناس عليها، وأما على غير هذا الوجه مثل أن يدعوفاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولا شوكة إلا مجرد نسبه في أهل البيت فلا يتم ذلك ولا يمكن.
ومع أن ابن خلدون لم يجزم بنفي عقيدة المهدي المنتظر ولكنه استبعدها وناقش في عدد من أحاديثها، فقد اعتبر العلماء ذلك منه شذوذاً وتكذيباً لعقيدة إسلامية استفاضت أحاديثها وتواترت، وانتقدوه بأنه مؤرخ وليس من أهل الإختصاص في الحديث حتى يحق له الجرح والتعديل والإجتهاد.
وأوسع ما رأيت في الرد عليه كتاب (الوهم المكنون من كلام ابن خلدون للعالم المحدث أحمد بن الصديق المغربي في أكثر من مئة وخمسين صفحة، قدم له مقدمة وافية ذكر فيها جملة من آراء أئمة الحديث في صحة أحاديث المهدي المنتظر وتواترها، ثم فند مناقشات ابن خلدون واحدة واحدة لأسانيد الأحاديث الثمان والعشرين التي ذكرها، ثم أكمل أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى مئة حديث.
والنموذج الثاني : كتاب (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) الذي نشره مؤلفه الشيخ عبد الله محمود رئيس المحاكم الشرعية في قطر، على أثر حركة المسجد الحرام وادعاء قائدها محمد عبد الله القرشي أنه المهدي المنتظر، فتصدى لعبد الله محمود عدد من علماء الحجاز وردوا عليه، ومنهم العالم المحدث الشيخ عبد المحسن العباد المدرس بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، الذي رد عليه في بحث واف في أكثر من خمسين صفحة باسم الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي) ونشره في العدد من مجلة الجامعة الإسلامية محرم 1400 هـ، وأشار في مقدمته إلى بحثه الذي كان نشره في نفس المجلة، قال: وعلى أثر وقوع هذا الحادث المؤلم لقلب كل مسلم (…) حصلت بعض التساؤلات عن خروج المهدي في آخر الزمان وهل صح فيه شيء من الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأوضح بعض العلماء في الإذاعة والصحف صحة كثيرة من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله ص، ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس إدارة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد، فقد تحدث في الإذاعة وكتب في بعض الصحف مبيناً ثبوت ذلك بالأحاديث المستفيضة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومستنكراً ما قام به هؤلاء المبطلون من الإعتداء على بيت الله الحرام.
ومنهم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، فقد ندد في إحدى خطب الجمعة باعتداء هذه الفئة الآثمة الظالمة وبين أنهم ومن زعموه المهدي في وادٍ والمهدي الذي جاء ذكره في الأحاديث في وادٍ آخر.
وحصل في مقابل ذلك أن أصدر فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود رئيس الحاكم الشرعية في دولة قطر رسالة سماها (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) نحا فيها منحى بعض الكتاب في القرن الرابع عشر ممن ليست لهم خبرة بحديث رسول الله ص ومعرفة صحيحه وسقيمه، وفيهم من تعويله على الشبهات العقلية، وكذب بكل ما ورد في المهدي، وقال كما قالوا : إنها أحاديث خرافة، وإنها وإنها، الخ، وقد رأيت كتابة هذه السطور مبيناً أخطاءه وأوهامه في هذه الرسالة، وموضحاً بأن القول بخروج المهدي في آخر الزمان هوالذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة وهوما عليه العلماء من أهل السنة والأثر في القديم والحديث، إلا من شذ.
ومن المناسب أن أشير هنا إلى أنني سبق أن كتبت بحثاً بعنوان (عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر) وقد نشر هذا البحث في العدد الثالث من السنة الأولى من مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الصادر في شهر ذي القعدة 1388 هـ، يشتمل هذا البحث على عشرة أمور.
الأول : في ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الثاني : في ذكر أسماء الأئمة الذي خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم.
الثالث : في ذكر العلماء الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف.
الرابع : في ذكر العلماء الذي حكموا بتواتر أحاديث المهدي، وحكاية كلامهم في ذلك.
الخامس : في ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث التي لها تعلق بشأن المهدي.
السادس : في ذكر بعض الأحاديث الواردة في شأن المهدي في غير الصحيحين مع الكلام على أسانيد بعضها.
السابع : في ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها، وحكاية كلامهم في ذلك.
الثامن : في ذكر من وقفت عليه ممن حكي عنه إنكار الأحاديث في المهدي أوالتردد فيها، مع مناقشة كلامه باختصار.
التاسع : في ذكر بعض ما يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي، والجواب على ذلك.
العاشر : كلمة ختامية في بيان أن التصديق بخروج المهدي في آخر الزمان من الإيمان بالغيب، وأن لا علاقة لعقيدة أهل السنة في المهدي بعقيدة الشيعة ، انتهى.
أقول : إن بحث ابن الصديق المغربي في الرد على ابن خلدون، وبحثي الشيخ العباد المذكورين من أغنى البحوث الحديثية العقائدية عند السنة في عقيدة المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وقد كنت أرغب في نقل مقتطفات منها لولا أن الأنفع نقل آراء علماء آخرين من كتاب (الإمام المهدي عند أهل السنة) الذي أصدرته أخيراً مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام)بأصفهان وجمعت فيه فصولاً من كتب الحديث ورسائل مفردةً وبحوثاً حول المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) لأكثر من خمسين من أئمة السنة وعلمائهم.
ابن القيم الجوزية.
قال في كتابه (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) بعد أن ذكر عدداً من أحاديث المهدي المنتظر : (وهذه الأحاديث أربعة أقسام : صحاح، وحسان، وغرائب، وموضوعة، وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال.
أحدها، أنه المسيح بن مريم، وهوالمهدي على الحقيقة، واحتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم (يقصد حديث لا مهدي إلا عيسى) وقد بينا حاله وأنه لا يصح، ولوصح لم يكن فيه حجة، لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين الساعة.
القول الثاني، أنه المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهى زمانه، واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في مسنده : (إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولوحَبْوَا على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي.
وفي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود قال : (بينما نحن عند رسول الله ص إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي ص اغرورقت عيناه وتغير لونه، فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه ! قال : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بلاءً وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من أهل المشرق ومعهم رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً كما ملئت جوراً، فمن أدرك ذلك فليأتهم ولوحبواً على الثلج.
وهذا والذي قبله لوصح، لم يكن فيه دليل على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هوالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان، بل هومهدي من جملة المهديين.
وعمر بن عبد العزيز كان مهدياً، بل هوأولى باسم المهدي منه.
فالمهدي في جانب الخير والرشد كالدجال في جانب الشر والضلال، وكما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالين كذابين، فكذلك بين يدي المهدي الأكبر مهديون راشدون.
القول الثالث، أنه رجل من أهل بيت النبي ص من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً وأكثر الأحاديث على هذا تدل،، الخ)، (المصدر المذكور : 1 / 289.
ابن حجر الهيثمي.
قال في كتابه الصواعق المحرقة : الآية الثانية عشرة قوله تعالى : وإنه لعلَمٌ للساعة، قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين إن هذه الآية نزلت في المهدي، وستأتي الأحاديث المصرحة بأنه من أهل البيت النبوي، وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي رضي الله عنهما، وأن الله ليخرج منهما كثيراً طيباً، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة، وسر ذلك أن النبي ص أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم، ودعا لعلي بمثل ذلك، وشرح ذلك كله يعلم بسياق الأحاديث الدالة عليه، المصدر : 1 / 420.
ابن كثير.
قال في النهاية : (فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان).
وهوأحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله ص وأنه يكون في آخر الدهر.
وقال تعقيباً على حديث تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء) : وهذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبومسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة سنتين وثلاثين ومئة، بل رايات سود أخرى تأتي صحبة المهدي، وهومحمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه، يصلحه الله في ليلة واحدة، أي يتوب عليه ويوفقه ويلهمه ويرشده، بعد أن لم يكن كذاك، ويؤيده ناس من أهل المشرق ينصرونه، ويقيمون سلطانه ويشيدون أركانه، وتكون راياتهم سوداً أيضاً، وهوزي عليه الوقار لأن راية رسول الله ص كانت سوداء يقال لها العقاب)، (: 1)
جلال الدين السيوطي.
قال في كتابه (الحاوي للفتاوي) : أخرج ابن جرير في تفسيره، عن السدي في قوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا، قال هم الروم، كانوا ظاهروا بخت نصر في خراب بيت المقدس، وفي قوله تعالى : أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ، قال : فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهوخائف أن تضرب عنقه، أوقد أخيف بأداء الجزية فهويؤديها، وفي قوله : لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ، قال : أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم، فذلك الخزي المصدر : 1 / 354
وقال في التعليق على حديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم) : قال القرطبي في التذكرة : إسناده ضعيف، والأحاديث عن النبي ص في التنصيص على خروج المهدي من عترته وأنه من عترته وأنه من ولد فاطمة، ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحكم بها دونه، قال أبوالحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجزي : قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى ص بمجئ المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج معه عيسى فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى يصلي خلفه، في طول من قصته وأمره، المصدر : 1 / 396.
ابن أبي الحديد المعتزلي.
قال في شرح قول أمير المؤمنين (عليه السَّلام) : (وبنا يختم لا بكم إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة، وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم واعترف به شيوخهم، إلا أنه عندنا لم يخلق بعد وسيخلق، وإلى هذا المذهب يذهب أصحاب الحديث أيضاً)، (المصدر : 1 / 146)
وقال في شرح قوله (عليه السَّلام) : (لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا عقيب ذلك ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾(4)
قال : والإمامية تزعم أن ذلك وعد منه بالإمام الغائب يملك الأرض في آخر الزمان، وأصحابنا يقولون إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك ولا يلزم من ذلك أنه لا بد أن يكون موجوداً، وتقول الزيدية : إنه لا بد من أن يملك الأرض فاطمي يتلوه جماعة من الفاطميين على مذهب زيد، وإن لم يكن أحد منهم الآن موجوداً)، (المصدر : 1 / 174)
وقال في شرح قوله (عليه السَّلام) : (بأبي ابن خيرة الإماء) (أما الإمامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس، وأما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد وليس بموجود الآن، وأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وينتقم من الظالمين وينكل بهم أشد النكال) (المصدر : 1 / 152) انتهى.
أقول : ولقد وقع فيها ابن أبي الحديد ومثله كل من يثبت هذا النص لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) بأن المهدي (عجَّل الله فرجه) ابن خيرة الإماء.
فإذا لم يكن هوابن الإمام العسكري (عليه السَّلام) وكان سيولد في عصرنا مثلاً، فأين الإماء، وكيف يكون ابن أم ولد وابن خيرة الإماء ؟
وقال ابن أبي الحديد في شرح قوله (عليه السَّلام) (في سترة من الناس هذا الكلام يدل على استتار هذا الإنسان المشار إليه، وليس ذلك بنافع للإمامية في مذهبهم، وإن ظنوا أنه تصريح بقولهم، وذلك لأنه من الجائز أن يكون هذا الإمام يخلقه الله تعالى في آخر الزمان، ويكون مستتراً مدة وله دعاة يدعون إليه ويقررون أمره، ثم يظهر بعد ذلك الإستتار ويملك الممالك ويقهر الدول ويمهد الأرض)، (المصدر : 1 / 163).
المناوي صاحب فيض القدير.
قال في شرح حديث : المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري : قال في المطامح : حكي أنه يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر، انتهى، وأخبار المهدي كثيرة شهيرة أفردها غير واحد في التأليف، قال السمهودي : ويتحصل مما ثبت في الأخبار عنه أنه من ولد فاطمة، وفي أبي داود أنه من ولد الحسن،، ثم قال : تنبيه : أخبار المهدي لا يعارضها خبر لا مهدي إلا عيسى بن مريم، لأن المراد به كما قال القرطبي لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى، قال ابن الجوزي، قال ابن أحمد الرازي : حديث باطل انتهى، وفيه محمد بن إبراهيم الصوري، قال : قال في الميزان عن ابن الجلاب، روى عن رواد خبراً باطلاً منكراً في ذكر المهدي، ثم ساق هذا الخبر وقال، هذا باطل)، (المصدر : 1 / 54).
خير الدين الآلوسي
قال في غالية المواعظ : فمنها – أي علامات الساعة – خروج المهدي رضي الله تعالى عنه على القول الأصح عند أكثر العلماء، ولا عبرة بمن أنكر مجيئه من الفضلاء، وفي مجيء المهدي أحاديث عديدة، واستعرض قسماً منها وقال وهذا الذي ذكرناه في أمر المهدي هوالصحيح من أقوال أهل السنة والجماعة) (المصدر : 2 / 158)
الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر.
قال في مقال نشرته مجلة التمدن الإسلامي بعنوان (نظرة في أحاديث المهدي ويلحق بالأحكام العملية في صحة الاحتجاج بخبر الآحاد أشياء يخبر بها الشارع ليعلمها الناس من غير أن يتوقف صحة إيمانهم على معرفتها ومن هذا القبيل حديث المهدي، فإذا ورد حديث صحيح عن النبي ص بأنه سيقع في آخر الزمان كذا، حصل به العلم، ووجب الوقوف عليه من غير حاجة إلى أن يكثر رواة هذه الحديث حتى يبلغ حد التواتر.
ولم يرد في الجامع الصحيح للإمام البخاري حديث في شأن المهدي، وإنما ورد في صحيح مسلم حديث لم يصرح فيه باسمه، وحمله بعضهم على أن المراد منه المهدي، أوالمشار فيها إلى بعض صفاته، أما بقية كتب الحديث فرواها الإمام أحمد بن حنبل، وأبوداود، والترمذي، وابن ماجة، والطبراني، وأبونعيم، وابن أبي شيبة، وأبويعلى، والدار قطني، والبيهقي، ونعيم بن حماد، وغيرهم، وجمعت هذه الأحاديث في رسائل مستقلة، مثل العرف الوردي في حقيقة المهدي) للملا علي القاري، و(التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح) للشوكاني، وقد صرح الشوكاني في رسالته المشار إليها آنفا بأن هذه الأحاديث بلغت مبلغ التواتر، قال : (والأحاديث التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها، على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول.
يقول بعض المنكرين لأحاديث المهدي جملة : إن هذه الأحاديث من وضع الشيعة لا محالة، ويرد بأن هذه الأحاديث مروية بأسانيدها، وقد تقصينا رجال سندها فوجدناهم ممن عرفوا بالعدالة والضبط، ولم يتهمهم أحد من رجال التعديل والجرح بتشيع، مع شهرة نقدهم للرجال، وقد اتخذ مسألة المهدي كثير من القائمين لإنشاء دول وسيلة إلى الوصول إلى غاياتهم، فادعوا المهدوية ليتهافت الناس على الإلتفاف حولهم، فالدولة الفاطمية قامت على هذه الدعوة، إذ زعم مؤسسها عبيد الله أنه المهدي.
ودولة الموحدين جرت على هذه الدعوة، فإن مؤسسها محمد بن تومرت أقام أمره على هذه الدعوة.
وظهر في أيام الدولة المرينية بفاس رجل يدعى التوزدي واجتمع حوله رؤساء صنهاجة، وقتل المصامتة.
وقام رجل اسمه العباس سنة 690 هـ، في نواحي الريف من المغرب وزعم أنه المهدي، واتبعته جماعة، وآل أمره إلى أنه قتل وانقطعت دعوته.
وبعد ثورة عرابي بمصر ظهر رجل في السودان يسمى محمد أحمد، ادعى أنه المهدي واتبعه قبيلة بقارة من جهينة على أنه المهدي سنة 1300 هـ، وهوالذي خلفه بعد موته التعايشي أحد زعماء البقارة.
وإذا أساء الناس فهم حديث نبوي، أولم يحسنوا تطبيقه على وجهه الصحيح حتى وقعت جراء ذلك مفاسد، فلا ينبغي أن يكون ذلك داعياً للشك في صحة الحديث أوالمبادرة إلى إنكاره، فإن النبوة حقيقة واقعة بلا شبهة، وقد ادعاها أناس كذباً وافتراء وأضلوا بدعواهم كثيراً من الناس، مثل ما يفعله طائفة القاديانية اليوم.
والألوهية ثابتة بأوضح من الشمس في كبد السماء، وقد ادعاها قوم لزعمائهم على معنى أنه جل شأنه يحل فيهم، مثلها يفعل طائفة البهائية في هذا العهد، فليس من الصواب إنكار الحق من أجل ما ألصق به من باطل، المصدر : 2 / 210 – 214.
الشيخ ناصر الألباني.
قال في مقال في مجلة التمدن الإسلامي، في مقالة بعنوان (حول المهدي وأما مسألة المهدي فليعلم أن في خروجه أحاديث كثيرة صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة، وأنا مورد هنا أمثلة منها، ثم معقب ذلك بدفع شبهة الذين طعنوا فيها (ثم ذكر أمثلة منها ومن آراء العلماء بتواترها، ثم قال : هذا ثم إن السيد رشيد (رضا) أوغيره لم يتتبعوا ما ورد في المهدي من الأحاديث حديثاً حديثاً، ولا توسعوا في طلب ما لكل حديث منها من الأسانيد، ولوفعلوا لوجدوا منها ما تقوم به الحجة، حتى في الأمور الغيبية التي يزعم البعض أنها لا تثبت إلا بحديث متواتر.
ومما يدلك على أن السيد رشيد ادعى أن أسانيد لا تخلوعن شيعي، مع أن الأمر ليس كذلك على إطلاقه، فالأحاديث الأربعة التي ذكرتها ليس فيها رجل معروف بالتشيع، على أنه لوصحت هذه الدعوى لم يقدح ذلك في صحة الأحاديث، لأن العبرة في الصحة إنما هوالصدق والضبط، وأما الخلاف المذهبي فلا يشترط في ذلك، كما هومقرر في مصطلح علم الحديث، ولهذا روى الشيخان في صحيحيهما لكثير من الشيعة وغيرهم من الفرق المخالفة، واحتجا بأحاديث هذا النوع.
وقد أعلها السيد بعلة أخرى وهي التعارض، وهذه علة مدفوعة لأن التعارض شرطه التساوي في قوة الثبوت، وأما نصب التعارض بين قوي وضعيف فمما لا يسوغه عاقل منصف، والتعارض المزعوم من هذا القبيل.
وخلاصة القول أن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه ص يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ (5)وأن إنكارها لا يصدر إلا عن جاهل أومكابر، أسأل الله أن يتوفانا على الإيمان بها، وبكل ما صح في الكتاب والسنة)، (المصدر : 2 / 288).
العدوي المصري.
قال في مشارق الأنوار : وجاء في بعض الروايات أنه ينادي عند ظهوره فوق رأسه ملك : هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه، فيقبل عليه الناس ويُشربون حبه، وأنه يملك الأرض شرقها وغربها، وأن الذين يبايعونه أولاً بين الركن والمقام بعدد أهل بدر، ثم تأتيه أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب أهل الشرق وأشباههم، ويبعث الله جيشاً من خراسان برايات سود نصرةً له، ثم يتوجه إلى الشام، وفي رواية إلى الكوفة، والجمع ممكن، وأن الله تعالى يؤيده بثلاثة آلاف من الملائكة، وأن أهل الكهف من أعوانه.
قال الأستاذ السيوطي : وحينئذ فسر تأخيرهم إلى هذه المدة إكرامهم بشرفهم بدخولهم في هذه الأمة، وإعانتهم للخليفة الحق، وأن على مقدمة جيشه جبريل، وميكائيل على ساقته)، (المصدر : 2 / 62.
سعد الدين التفتازاني.
قال في شرح المقاصد : خاتمة، مما يلحق بباب الإمامة خروج المهدي ونزول عيسى وهما من أشراط الساعة، وعنه رضي الله عنه، أي أبي سعيد الخدري، قال : ذكر رسول الله ص بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فذهب العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة رضي الله عنها يخلقه الله حين يشاء ويبعثه لنصرة دينه، وزعمت الشيعة الإمامية أنه محمد بن الحسن العسكري اختفى عن الناس خوفاً من الأعداء ولا استحالة في طول عمره كنوح ولقمان والخضر (عليهم السلام)، وأنكر ذلك سائر الفرق لأنه ادعاء أمر يستبعد جداً، إذ لم يعهد في هذه الأمة مثل هذه الأعمار من غير دليل ولا أمارة)، (المصدر : 1 / 214)
القرماني الدمشقي.
قال في أخبار الدول وآثار الأول : واتفق العلماء على أن المهدي هوالقائم في آخر الوقت، وقد تعاضدت الأخبار على ظهوره، وتظاهرت الروايات على إشراق نوره، وستسفر ظلمة الليالي والأيام بسفوره، وتنجلي برؤيته الظلم، انجلاء الصبح عن ديجوره، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير في مسيره)، (المصدر : 1 / 463).
محي الدين بن عربي.
قال في الفتوحات المكية : إعلم أيدنا الله أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، ولولم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة من عترة رسول الله ص من ولد فاطمة يواطي اسمه اسم رسول الله ص، “يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا، يبيد الظلم وأهله، يقيم الدين فينفخ الروح في الإسلام، يعز الإسلام به بعد ذلة، ويحيا بعد موته، يضع الجزية، ويدعوإلى الله بالسيف، فمن أبى قتل، ومن نازعه خذل، يظهر من الدين ما هوعليه في نفسه ما لوكان رسول الله ص لحكم به، يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص، أعداؤه مقلدة الفقهاء أهل الإجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما حكمت به أئمتهم، فيدخلون كرها تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته، ورغبة فيما لديه.
يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم، ويبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي.
له رجال إلهيون يقيمون دولته وينصرونه، هم الوزراء، يحملون أثقال المملكة، ويعينونه على ما قلده الله.
فشهداؤه خير الشهداء، وأمناؤه أفضل الأمناء، وأن الله يستوزر له طائفة خبأهم له في مكنون غيبه، أطلعهم كشفاً وشهوداً على الحقائق، وما هوأمر الله عليه في عباده، فبمشاورتهم يفصل ما يفصل، وهم العارفون الذين عرفوا ما ثم.
وأما هونفسه فصاحب سيف حق وسياسة مدنية، يعرف من الله قدر ما تحتاج إليه مرتبته ومنزله، لأنه خليفة مسدد، يفهم منطق الحيوان، يسري عدله في الإنس والجان، من أسرار علم وزرائه الذين استوزرهم الله له لقوله : وكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ، وهم على أقدام رجال من الصحابة، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهم من الأعاجم ما فيهم عربي، لكن لا يتكلمون إلا بالعربية، لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط، هوأخص الوزراء وأفضل الأمناء)، (المصدر : 1 / 106)
الشريف البرزنجي
قال في كتابه الإشاعة في أشراط الساعة : واعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر، فقد قال محمد بن الحسن الدستوري في كتابه مناقب الشافعي : قد تواترت الأخبار عن رسول الله ص بذكر المهدي وأنه من أهل بيته ص انتهى،،، جاء عن ابن سيرين أن المهدي خير من أبي بكر وعمر، قيل يا أبا بكر خير من أبي بكر وعمر ! ؟ قال : قد كان يفضل على بعض الأنبياء.
وعنه : لا يفضل عليه أبوبكر وعمر، قال السيوطي في العرف الوردي : هذا إسناد صحيح، وهوأخف من اللفظ الأول، قال : والأوجه عندي تأويل اللفظين على ما دل عليه حديث بل أجر خمسين منكم، لشدة الفتن في زمان المهدي
قلت : التحقيق أن جهات التفاضل مختلفة، ولا يجوز لنا التفضيل في فرد من الأفراد على الإطلاق إلا إذا فضله النبي ص كذلك، فإنه قد يوجد في المفضول مزية من جهات أخر ليست في الفاضل.
وتقدم من الشيخ في الفتوحات أنه معصوم في حكمه مقتف أثر النبي ص لا يخطئ أبداً، ولا شك أن هذا لم يكن في الشيخين، وأن الأمور التسعة التي مرت لم تجتمع كلها في إمام من أئمة الدين قبله، فمن هذه الجهات يجوز تفضيله عليهما، وإن كان لهما فضل الصحبة، والمشاهدة والوحي والسابقة، وغير ذلك، والله أعلم.
قال الشيخ علي القاري في المشرب الوردي في مذهب المهدي : ومما يدل على أفضليته أن النبي ص سماه خليفة الله، وأبوبكر لا يقال له إلا خليفة رسول الله)، (المصدر : 1 / 480)
الهوامش:
(1) القران الكريم : سورة النور (24)، الآية : 35، الصفحة : 354.
(2) القران الكريم : سورة فصلت (41)، الآية : 6، الصفحة : 477.
(3) القران الكريم : سورة النساء (4)، الآية : 157، الصفحة : 103.
(4) القران الكريم : سورة القصص (28)، الآية : 5، الصفحة : 385.
(5) القران الكريم : سورة البقرة (2)، الآية : 2، الصفحة : 2.
الشيخ علي الكوراني العاملي