المباهلة وتعني اللعن و… ويعنى بها ما وقع بين الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصارى نجران في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجّة للسنة العاشرة للهجرة، وهناك من ذهب الى وقوعها في الخامس والعشرين من ذي الحجّة.
المباهلة وتعني اللعن و… ويعنى بها ما وقع بين الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصارى نجران في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجّة للسنة العاشرة للهجرة، وهناك من ذهب الى وقوعها في الخامس والعشرين من ذي الحجّة.
المباهلة في الغة
«مُباهَلة» في الأصل من مادة «بَهْل» (على وزن اَهل) بمعنى اطلاق وفك القيد عن الشيء وبذلك يقال للحيوان الطلق حيث لا توضع محالبها في كيس كي يستطيع وليدها أن يرضع بسهولة يقال له: «باهل»، وقال بعض اللغويين: المُباهَلة المُلاعَنة مفاعَلةُ من البُهْلة وهي اللَعنة، [١] و«بهله الله» لعنه وأبعده من رحمته.[٢]
آية المباهلة
وهي الآية 61 من سورة آل عمران والتي جاء فيها: «فَمَنْ حَاجَّك فیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَك مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبینَ» (آل عمران/61/3)
وقد أجمع المفسرون من الفريقين على أن الآيات نزلت في وفد نجران العاقب والسيد ومن معهما حينما قالوا لرسول الله(ص): هل رأيت ولداً من غير ذكر غير عيسى (عليه السلام) فهو أحد الأقانيم الثلاثة، فنزلت: (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم…) الآيات فقرأها عليهم ولمّا أصروا على عنادهم بأن عيسى (ع) أحد الأقانيم الثلاثة دعاهم رسول الله إلى المباهلة.[٣]
وذهب كبار مفسري السنّة كالزمخشري [٤] والفخر الرازي [٥] والبيضاوي[٦] وغيرهم الى أن المراد من أبنائنا الحسن والحسين (ع)ومن نسائنا فاطمة (عليها السلام) ومن أنفسنا الإمام علي بن أبي طالب (ع) بالاضافة الى شخص النبي الأكرم (ص) وهم أصحاب الكساء أو آل العباء الخمسة. وذهب كل من الزمخشري والفخر الرازي الى نزول الآية 33 من سورة الأحزاب والمعروفة بآية التطهير عقيب ذلك وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (ع).
فلمّا كان الغد جاء النّبي (ص) ومعه علي (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) وفاطمة (ع)، وخرج النصارى يتقدمهم اسقفهم. فلمّا رأوا صدق النّبي (ص) وأنّه قد أقبل بخاصّة أهله أحجموا عن المباهلة، وقالوا: إنا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ينهض به، فصالحهم.[٧]
يوم المباهلة
المشهور بين الباحثين أن المباهلة وقعت في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة من السنّة العاشرة للهجرة الموافق لسنة 631 م[٨] وهناك من ذهب الى أنّ الحادثة وقعت في الحادي والعشرين من نفس الشهر[٩] وذهب الشيخ الأنصاري الى إستحباب غسل يوم المباهلة، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة على المشهور.[١٠] وهذا ما تبناه الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان حيث ذكر مستحبات وأعمال ذلك اليوم منها غسل يوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة. علماً أن الاختلاف في تاريخ وقوعها لايضر مع التسالم على أًصل حدوث الواقعة.
شخصيات المباهلة
من المسلّم به بين المؤرخين والمفسرين أن النبي (ص) خرج للمباهلة يستصحب معه أمير المؤمنين (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع)، وأمّا بالنسبة الى جزئيات الواقعة وما دار بين الطرفين ومن هم الحاضرون من النصارى، فقد اختلفت كلمة الباحثين، فيمكن الرجوع فيها الى المصادر التي فصلّت البحث في هذه الواقعة، وكذلك الرجوع الى ما يأتي من أبحاث.
واقعة المباهلة
لمّا كان الغد وحان وقت المباهلة جاء النّبي (ص) آخذاً بيدي علي بن أبي طالب (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) بين يديه يمشيان وفاطمة (ع) تمشي خلفه، وخرج النصارى يتقدمهم أسقفهم. فلمّا رأى النّبي (ص) قد أقبل بمِن معه فسأل عنهم فقيل له:
هذا إبن عمّه وزوج إبنته وأحب الخلق إليه، وهذان إبنا بنته من علي وهذه الجارية بنته فاطمة أعزّ الناس عليه وأقربهم إلى قلبه، وتقدّم رسول الله (ص) فجثا على ركبتيه.
قال أبو حارثة الأسقف: جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة. فرجع ولم يقدم على المباهلة، فقال السيد: اُذن يا أبا حارثة للمباهلة! فقال: لا. إنّي لأرى رجلاً جريئاً على المباهلة وأنا أخاف أن يكون صادقاً ولئن كان صادقاً لم يحل والله علينا حول وفي الدنيا نصراني يطعم الماء. فقال الأسقف: يا أبا القاسم! إنا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ينهض به، فصالحهم رسول الله (ص) على ألفي حلّة من حلل الأواقي قيمة كلّ حلة أربعون درهماً فما زاد أونقص فعلى حساب ذلك أو على عارية ثلاثين درعاً وثلاثين رمحاً وثلاثين فرساً إن كان باليمن كيد (أي حرب)، ورسول الله ضامن حتّى يؤديها وكتب لهم بذلك كتاباً.
وروي أن الأسقف قال لهم: إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.[١١] فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد والعاقب إلا يسيراً حتى رجعا إلى النبي وأهدى العاقب له حلّة وعصا وقدحا ونعلين وأسلما.[١٢]
الإحتجاج بالمباهلة على مر التأريخ
سجل التأريخ الكثير من المحاججات في كلمات أمير المؤمنين (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) وسائر الأئمة (ع) بل في كلمات سائر المسلمين والتي كان المستند فيها واقعة المباهلة، نشير الى نماذج منها:
إحتجاج سعد بن أبي وقاص
قال العلامة الطباطبائي جاء في صحيح مسلم، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب، قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله (ص) فلن أسبه، لئن يكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم،…ثالثها لمّا نزلت هذه الآية: «قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل»، دعا رسول الله (ص)علياً (ع) وفاطمة (ع) وحسناً (ع) وحسيناً (ع) وقال: أللهم هؤلاء أهل بيتي.[١٣] وأردف العلامة الطباطبائي قائلا: ورواه الترمذي في صحيحه، ورواه أبو المؤيد الموفق بن أحمد في كتاب فضائل علي، ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية، عن عامر بن سعد عن أبيه، ورواه الحمويني في كتاب فرائد السمطين.
إحتجاج الإمام الكاظم (ع)
روى صاحب العيون بإسناده إلى موسى بن جعفر (ع): في حديث له مع هارون الرشيد، قال الرشيد له: كيف قلتم إنا ذرية النبي (ص) والنبي (ص) لم يعقب، وإنّما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد البنت و لا يكون له عقب؟.
فقلت: أسأله بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفاني عن هذه المسألة.
فقال: تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي (ع) وأنت يا موسى (ع) يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا أنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله، وأنتم تدعون معشر ولد علي (ع) أنه لا يسقط عنكم منه شيء لا ألف ولا واو إلا تأويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل: «ما فرّطنا في الكتاب من شيء» (الأنعام، 38)، وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
فقلت: تأذن لي في الجواب؟
فقال: هات.
قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم «ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس» (الانعام، 84-85)، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟
فقال: ليس له أب.
فقلت: إنما ألحقه بذراري الأنبياء من طريق مريم، وكذلك ألحقنا الله تعالى بذراري النبي من أمّنا فاطمة (ع)، أزيدك يا أمير المؤمنين؟
قال: هات،
قلت: قول الله عز وجل «فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين» ولم يدع أحد أنّه أدخل النبي (ع) تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلا علي بن أبي طالب (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) فكان تأويل قوله أبناءنا الحسن (ع) والحسين (ع) ونساءنا فاطمة (ع) وأنفسنا علي بن أبي طالب (ع).[١٤]
إحتجاج الإمام الرضا (ع)
قال المأمون يوما للرضا (ع) أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين (ع) يدل عليها القرآن.
فقال له الرضا (ع): فضيلته في المباهلة «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ…» فدعا رسول الله (ص) الحسن (ع) والحسين (ع) فكانا إبنيه، ودعا فاطمة (ع) فكانت في هذا الموضع نساءه، ودعا أميرالمؤمنين (ع) فكان نفسه بحكم الله عزّ وجل، وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله (ص) وأفضل فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله (ص) بحكم الله عزّ وجل.
فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله (ص) إبنيه خاصّة وذكر النساء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول الله (ص) إبنته وحدها فلم لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين (ع) ما ذكرت من الفضل؟
فقال له الرضا (ع) ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين؛ وذلك أن الداعي إنّما يكون داعيا لغيره كما يكون الآمر آمراً لغيره ولا يصح أن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة، وإذا لم يدع رسول الله (ص) رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين (ع) فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه وجعل حكمه ذلك في تنزيله.
فقال المأمون: إذا ورد الجواب سقط السؤال.[١٥]
——————
الهوامش
1. الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، 1407. مادة بهل.
2. الزمخشري، محمود، 1415 ق، ج1، ص: 368.
3. القرآن الكريم، توضيحات ومصطلحات بهاء الدين خرمشاهي، 1376.في هامش آية المباهلة، ص 57.
4. الزمخشري، تفسير الكشاف، في هامش الآية 61 من سورة آل عمران.
5. الرازي، التفسير الكبير، في هامش الآية 61 من سورة آل عمران.
6. البيضاوي، تفسير أنوار التنزيل و أسرار التأويل، في هامش الآية 61 من سورة آل عمران.
7. القرآن الكريم، توضيحات ومصطلحات بهاء الدين خرمشاهي، 1376.في هامش آية المباهلة، ص 57.
8. ابن شهرآشوب، 1376ق، ج 3، ص: 144.
9. ورد في كشف الاسرار أن الحادثة قد وقعت في مثل هذا اليوم. راجع: الميبدي، كشف الاسرار وعدّة الأبرار، ج 2، ص 147.
10. الأنصاري، مرتضى، كتاب الطهارة، ج 3، قم، المؤتمر العالمي لإحياء ذكرى الشيخ الأعظم الأنصاري، صص 48-49.
11. القمي، الشيخ عباس، 1374، ج1، صص: 182-184.
12. الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، 1415، ج 2، ص 310.
13. الطباطبائي، محمدحسين، الميزان في تفسير القرآن، تفسير الآية 61 من سورة آل عمران. وقد ورد أن عن مؤلف هذا الكتاب أن الحديث ورد في صحيح مسلم، وصحيح الترمذي، وأبو المؤيد الموفق بن أحمد في كتاب فضائل علي، وأبو نعيم في الحلية، والحمويني وفي كتاب فرائد السمطين.
14. الطباطبائي، السيد محمد حسين، المصدر السابق، صص: 230-229.
15. المفيد، الفصول المختارة، تحقيق: السيد مير علي شريفي، بيروت: دار المفيد، الطعبة الثانية، 1414، ص 38.
المصدر : ويكي شيعة