في مقابلة إذاعية أجريت قبل أكثر من أربعة عقود من الزمن سألت المذيعة أحد مطربي الريف – وهو راحل حالياً – عن الفترة الزمنية التي يستغرقها في إنجاز الأغنية إذا ما علمنا و- الكلام للمذيعة طبعاً – أن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب كان يستغرق فترة طويلة في تلحين أغانيه قد تمتد الى ستة أشهر أو عام أو أكثر حسب طبيعة الأغنية..؟ ضحك مطربنا من هذا الكلام وأجاب ساخراً بعد أن “طقطق” بمسبحته ولفها على إبهامه و”استعدل” في جلسته ووضع ساقه اليمنى على اليسرى: “يمعودة شنو السالفة.. ست أشهر لو سنة شدعوه.. هي غنيوه.. قابل دنبني عمارة من خمسين طابق لو مجمع سكني “!
هنا كررت المذيعة عليه السؤال نفسه..!
أجابها : ” هاي ماكو أبسط منها.. آني أخلص الأغنية الجديدة – بركبة بايسكل – من العلاوي الى الصالحية.. حيث مبنى الإذاعة والتلفزيون !
قاطعته المذيعة متسائلة: يعني شلون مطربنا الكبير؟ أجابها.. أنه يقوم دائما بتأجير دراجة هوائية بمبلغ عشرين فلساً من خضير أبو البايسكلات في منطقة علاوي الحلة قاصداً منطقة الصالحية التي لا تبعد عنها كثيراً وأثناء قطعه المسافة المحصورة بين المحلتين والتي لا تتجاوز العشر دقائق أو أكثر أو أقل بقليل.. تؤلف وتلحن الأغنية.. بعد أن يقوم بنظم كلماتها شفهياً ثم يضيف عليها اللحن ويدندنها مع كل “دوسة بايدر للبايسكل” ومع كل رنة للجرس المعدني المثبت في مقدمة ” البايسكل ” ومن ثم يغنيها دفعة واحدة وهو على ظهر الدراجة الهوائية.. وما أن يصل الى مبنى الإذاعة حتى يدخل الاستديو الذي كان يُطلق عليه آنذاك “البنكَلة” بعد أن يركن دراجته جانباً ، ومع بروفة سريعة.. بدون ” نوطة” مع الفرقة الموسيقية التي لا يتجاوز عدد أفرادها أربعة أو خمسة أعضاء… يطلق العنان لصوته بعد ذلك معلناً ولادة أغنية جديدة ..!
وفي موضوع ذي صلة وبعد تطبيق تعليمات لا تسمح بتسجيل الأغاني للمطربين ما لم تكن ألحانها “منوّطة” على الورق.. حضر أحد المطربين من كبار السن الى الاستديو وهو لا يعلم بالتعليمات الجديدة.. وعندما أراد التسجيل.. اعتذر منه مدير الاستديو قائلا: “عمي منكَدر نسجللك الأغنية إلاّ تجيب “نوطة” ! أجابه المطرب: “ميصير أجيبها بعد التسجيل ؟” قال له مدير الاستديو: “تعذرنا خالي.. التعليمات تكَول ماكو تسجيل إلا تجيب “نوطة” !
قال له: طيب” فوضت أمري لله ” سأذهب وأعود إليكم بما طلبتم.. وبعد نصف ساعة تقريباً عاد المطرب الى الاستديو حاملا كيساَ ورقياً يحتوي على كمية من “الموطا” .. وأخذ يوزعها بين العاملين في الاستديو.. وسط ذهول ودهشة مدير الاستديو.. وهو يقول: “هاي الموطا اللي طلبتها.. برد قلبك.. خلي ياكلون موطا ماطول خالهم طيب.. ومن تخلصون نسجل الأغنية براحتنا !”
يبدو أن الكثير من القضايا والتحديات التي تواجه بلدنا يتم معالجتها أو التصدي لها أو إيجاد الحلول لها من قبل المعنيين.. أما على طريقة المطرب صاحب “البايسكل” المستعجل.. أو على طريقة المطرب الذي لا يفرّق بين “النوطة” و”الموطا” !
• ضوء
في الدول المتحضرة ..يتحدثون عن قيمة بلدانهم، أما عندنا فيتحدثون عن قيمة أنفسهم فقط أو عن الجهات التي يمثلونها !
ملاحظة: هذا المنشور للمتحدث باسم وزارة النفط العراقية (عاصم جهاد).