صبحت مواجهة الإرهاب الذي أسست له دولٌ وجهاتٌ لا يُخطئها النظر، وروّجت لها فتاوى لا تخفى، ولا يشتبه أحدٌ في مصادرها وهي معلنةٌ عن نفسها، وغذّته الأموال الطائلة والخطط المحكمة كيداً بالقوى الخيّرة وانحرافاً بصحوة أمتنا ويقظة شعوبها وسحباً للبساط من تحت قدم حركات الإصلاح والتغيير وإحباطاً لثورة الأمة وشعوبها وتخريباً للنتائج الكبيرة التي كان يُترقب أن تجنى منها وتترتب عليها.
قال سماحة الشيخ آية الله العظمى “عيسى أحمد قاسم ” في خطبته في صلاة الجمعة بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز: ” أصبحت مواجهة هذا الإرهاب الذي زرعته ونمّته القوى الظلامية الماكرة في الأرض ضرورةً في نظر العالم يفرضها الواقع وتأخذ قناعة عامة تشمل حتى الدول التي أسسته ورعته بأموالها وخططها بعد أن تعملق وتمدد وبدأ حريقه الهائل يتهدد صانعيه ومشعلي ناره. على أن هؤلاء ليسوا جادين في القضاء عليه كل الجدّ وإنما المستهدف لهم إضعافه بما يضمن حمايتهم ويبقيه تحت سيطرتهم لتوجيهه حيث يريدون ووقت ما شاؤوا “.
وأضاف سماحته : “وبغض النظر عن ذلك كلّه، فهناك على مستوى التصوّر مواجهةٌ للإرهاب للإجهاز عليه أو إضعافه بصورة مؤقتة، وأخرى بصورة دائمة تتمتع بالثبات ولكلٍ منهما آلياتٌ وأدوات “.
وقال : ” وإذا أمكن إيقاف الإرهاب أو إضعافه مؤقتاً من خلال الشدة وأساليب القوة، فإن تحقيق ذلك بصورة دائمة أو على المدى الطويل يتطلب تجفيف منابعه بالكامل وبصورةٍ مستمرة، ولا يتم من غير ذلك”.
وأضاف : ” وأكبر منابع الإرهاب ومشجعٍ ومُمدٍ له بالمال والرجال هو الإرهاب الذي تمارسه حكومات الأمة في حق شعوبها، واستبعاده لها وحرمانها وسرقة جهودها وتهميشها السياسي وسياسة التمييز وزرع الفرقة في صفوف الأمة، ومناقضة الدين والتنّكر لأحكامه وعمليات التحريف له والتي تمارسها هذه الحكومات على مرأىً ومسمعٍ من الأمة. هذا إلى جانب فتاوى التكفير الذي لا ندري هل ستتوقف أو لن تتوقف “.
وقال : ” وإرهاب الدول للشعوب ومعاداتها لصحوة الأمة والكيد بدولٍ أخرى هو الذي أحوج هذه الدول التي تخرّجت على يدها صناعة الإرهاب إلى الاستعانة بهذه الوسيلة المدمرة “.
وأضاف : ” إنه لا يمكن الإيقاف النهائي للإرهاب بحق والإجهاز عليه ما استمرت سياسة الدول في اضطهاد الشعوب وإفشال تطلعاتها في الحرية والكرامة والتمتع بكامل حقوقها، وسيُمدّ الإرهاب دائماً بفعل هذه السياسة ما يمدّه بالمال والقوة والرجال من أبناء الشعوب الغاضبة من حكوماتها “.
وقال: “والحكومات لا يخفى عليها هذا الأمر، ولا تنتظر من أحدٍ أن يُلفت إليه نظرها، ولكنها هي نفسها تريده، ولو أرادت الإجهاز على الإرهاب الذي يتطلب منها العدل مع الشعوب والاعتراف لها بما لها من حقٍّ لمنعها من ذلك شيطان الهوى والغرور وروح الاستئثار والاستكبار والتبعية الذليلة التي تعاني منها للأجنبي الذي لا يريد خير هذه الأمة “.
وتطريق سماحة الشيخ الى ما يحصل في البحرين من سياسة ومنهجا، قال : ” للسياسة في البحرين كأي سياسةٍ أخرى اهتماماتها، ولكن ما أضر أن يكون من أبرز اهتماماتها ما يطالعنا به الواقع من دلائل عملية صارخة على استهداف إضعاف الشعب والحرص على منع توّحده وإضعاف من ترى توهماً فيه عدواً لها فتعاديه كما تراه عدواً لها حسبما يُخيّل لها “.
وأضاف ” : ما أضر أن تعادي شعبها في مصالحه ومقدساته ومَقدراته ومُقدّراته وتاريخه، وتعمل جاهدة على مستويات متعددة على إضعافه وتهميشه وحرمانه وتعمد إلى محو آثاره والتزوير لما يتصل بهويته، مما يعني ويأخذ مستوى الحرب الشاملة إلى من تحتاجه وهو الشعب ويحتاج إلى إخلاصها في البناء للوطن المشترك والإشادة بمعالم المجد في تاريخه . وإلا فلا سياسة التهجير وإسقاط الجنسية للبعض والتسبب في هجرة العقول والكفاءات للبعض الآخر وطلب جنسيات أخرى، ومزاحمة مصالح المواطنين وخدماتهم الرئيسية بالتجنيس السياسي غير المسؤول والإضرار بالكثير من المستوردين، والتضييق على شعائر الدين، وقطع الأرزاق، والزج بالأعداد الهائلة في مقابر السجون، والإقصاء السياسي والحرمان من المشاركة السياسية، والعقاب الجماعي، والتشهير الآثم من غير وجه حق، والإعلام المضاد، وإطلاق الألسن البذيئة بالسبّ والشتم للرموز والمقدسات والنيل من العقيدة، ومسخ التاريخ وتزويره ومحو آثاره، وغلق مواقع الإشعاع الفكري، والتعدي على مؤسسة سياسية أو ثقافية بعد مؤسسة”. كيف تأتي سياسةٌ لا تترك أمر دينٍ ولا دنيا لشعبها إلا نالت منه وأضرّت به؟ أفلا يعني ذلك كلّه حرباً شاملة وقاسية على هذا الشعب.
وقال : “ونحن نتكلم عن شعبٍ بكامله بعيداً عن لغة الطوائف والمكونات لأنه في نظرنا شعب واحد، حاضره واحد، ومصيره واحد، وظلم بعض منه ظلمٌ للكل، ولا ينعم بحياة رغيدة إلا بأن نعيش الأخوّة الصادقة الوطنية على الأقل على أن هناك وحدة أكبر وأعظم وأنبت وهي الوحدة الإسلامية لأبناء هذا الوطن العزيز”.
وقال: ” ثم أيرى أحدٌ ممن يعقل أن مثل هذه السياسة وهي تمارس هذا كله وتستمر عليه، أيراها جادة في دعواها إرادة الإصلاح؟ وانتخاباتٍ نيابية عادلة ناجحة؟ ومشاركة شعبية واسعة انتخاباً وترشيحاً؟ أفعلاً تريد الحكومة هذه المشاركة؟ كيف يُتخذ طريق معاكسٌ تماماً لغايةٍ يقصد إليها عاقلٌ حكيم لو كان جادّاً في إرادته ولم تكن دعواه على خلاف ما يضمره. ما يحصل على الأرض من السلطة تزهيدٌ في المشاركة لا ترغيب، وطردٌ لا ترحيب، واستبعادٌ لا دعوة”.لكي تكون الدعوة جدية، والدعوة حقيقية، لابد ألاّ يكون شيءٌ من هذا الواقع المرير الظالم، وألاّ يكون التخطيط للانتخابات مُنتجاً حتماً بطبيعته النتيجة التي تكرس الواقع المظلم السابق المرير وتمثل تثبيتاً للمُشكل خلق شرخاً كبيراً بين الشعب والسلطة وأزّم الأمور.
وتسائل الشيخ : ” وهل من الدعوة الجادة للمشاركة في الترشيح والانتخاب أن يُصادر مشهد الخميس ذو المنارتين (مسجد الخميس) لأنه تابعٌ لدائرة خاصة من دائرتي الأوقاف وتُلغى مسجديته لتحويله إلى وجودٍ متحفي ومعلم سياحي ليفقد وظيفته العبادية التي لا مسجدية بدونها، تحويله من مسجد يُذكر فيه اسم الله ويُتلى كتابه الكريم آناء الليل وأطراف النهار إلى مكانٍ يرتاده الجُنب والحائض وعابد الوثن”. يُحوّل من مسجدٍ يتمتع بالقدسية الدينية والاحترام إلى قاعةٍ تملؤ جنباتها قهقهات الفُجّار والسكارى والكفار بما لا يبقي له حرمة ولا شأناً ومكانةً مما يرضى الدين، أيكون هذا لمن جدّ بدعوته للناس بأن يشاركوا في انتخابات يريدها؟
وقال : ” إن تاريخ هذا البلد على خلاف تاريخ البلدان الأخرى لا تثبته الوثائق الدامغة من مثل الوثائق التي تتعلق بهذا المسجد الشريف الضارب في القدم في تاريخ البحرين والأمة المسلمة وقد تكرر من الصحف المحلية ذكرها، تاريخنا لا تثبته هذه الوثائق ولا تحميه من التشويش والتزوير والطمس، تاريخنا في هذا البلد لا يُثبته ذلك ولا الوقائع الماضية ولا الحاضرة إنما تصوغه وتغيره وتستبدل عنه صورةً مختلقة وتمحوه القرارات الرسمية وهوى السياسة وأمراضها”.
كما وتطرق سماحة الشيخ للطلاب والدراسة وقال : “ما من علمٍ نافعٍ من علوم الدين والدنيا إلا ويحب الإسلام للإنسان أن يطلبه ويتحلى به، والإسلام مدعوّ بكل قوة من دينه بكل ما يمكنه من هذا العلم ليكسب القوة لنفسه ولأمته وذلك من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل.
وأضاف : ” وبالنسبة للعلم الدنيوي الذي يضر الأمة فقده، ولها طريقٌ مشروعٌ إليه، يجب عليها وجوباً كفائياً أن تطلبه وتتوفر عليه ما وجدت إلى ذلك سبيلا، وهي مسؤولية يتحملها كل جيل من أجيال الأمة حتى لا تضعف في يومٍ من الأيام ولا تتعطل مصالحها ولا تصعب حياتها ولا تكون مسبوقة من إحدى الأمة فتقع تحت الحاجة إليها ويقلّ شأنها”.
وقال : ” ومن هنا لا يسع طلابنا الأعزاء من منطلق دينهم أن يتوانوا عن طلب العلوم النافعة والتنافس عليها وتحقيق السبق فيها، ولا يُلتمس لهم عذرٌ مطلقاً في هذا التواني وعدم الجد ما لم تكن ضرورة بالغة مانعة”.
وقال : وإذا كان لا عذر في هذا المجال، فإنه لا عذر بصورة أشد وآكد عن طلب ما يتقوّم به دين المسلم ويفرضه الضروري من معرفته عقيدةً وعبادةً ومعاملة، ويكون محلّ التكليف الفعلي وما هو من محلّ الابتلاء من الناحية العملية، إذ لا علم كعلم الدين أهمية ومسؤولية وربحاً مما يترتب على العلم، ولا ضمان لربحٍ لعلمٍ من علوم الدنيا إذا انفصل عن الدين الحق وعلمه وهداه وانطلق بصاحبه بعيداً عن تقوى الله، بل الأمر أكبر من هذا حيث تتحول العلوم الدنيوية المنفصلة عن وعي الدين وفهمه وتربيته إلى كارثة على مكتسبيها وعلى المجتمع الإنساني كلّه “.