في السابع من الشهر الحالي أوردت قناة سي ان ان الاميركية خبراً نقلاً عن مسؤول عسكري اميركي مفاده ان “واشنطن تنظر في توجيه ضربات جوية محتملة إلى مسلحين في العراق” .بعدها بساعات أُعلن عن تنفيذ طائرات أميركية غارات ضد مواقع تنظيم “داعش” في الشمال العراقي.
القرار الاميركي هدف – وفق واشنطن – الى حماية الايزيديين والمسيحيين ولاحقاً الاكراد من خطر “داعش” ، وتناوب مسؤولو ادارة باراك اوباما على إضفاء صورة “المنقذ” على الجيش الاميركي لمحاربته تنظيم ابي بكر البغدادي ببضعة غارات جوية.
مقولة ان طائرات العم سام توزع قنابلها على مسلحي “داعش” وفي الوقت نفسه تنشر مساعداتها على المضطهدين، لم تعد تقنع احداً لا في العراق أو في دول الاقليم وحتى في العالم الغربي، حيث علت أصوات تشكك بالنوايا الاميركية وبالاخص لناحية توقيت الضربات الجوية، وذهب روبرت فيسك في مقالة ضمن صحيفة الاندبندنت البريطانية الى وصف “الاعلان الاميركي بانقاذ الاقليات في العراق” بانه “نفاق”.
وفي مقالته التي نشرت في 9 – 8 – 2014 يقول فيسك إن “الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يحرك ساكناً عندما كان تنظيم (داعش) بقيادة أبو بكر البغدادي يرتكب مجازر في العراق، لكنه يهرع لإنقاذ المسيحيين والإيزيديين من إبادة جماعية محتملة”، ويكمل الكاتب متسائلا “هل كان الأمريكيون سيفعلون الشيء ذاته إذا كان اللاجئون التعساء في شمال العراق فلسطينيين؟ أو هل ستوفر حملة أوباما الأخيرة للقصف ببساطة تشتيتا مرحبا به عن حقول القتل في غزة؟”.
ما بدأه روبرت فيسك في الاندبندنت اكمله جوناثان كرون في صحيفة “ديلي تليغراف” في مقالة نشرت بتاريخ 12 – 8 – 2014 ويروي الكاتب تفاصيل ما اسماه ” في جبل الجحيم” والمقصود به جبل سنجار الذي يتواجد فيها الاف الايزيديين ممن فروا خوفاً من مسلحي “داعش”.
وفي اشارة الى غارات الطائرات الاميركية على مواقع “داعش” يقول ان هذه الطائرات اتت فقط لحماية الخطوط الأمامية “للعاصمة” الكردية أربيل، التي تذخر بالفنادق الفخمة والاستثمارات الغربية التي يتعين حمايتها . على حد وصف الكاتب.
الانعطافة الاميركية حيال مهاجمة “داعش” بفرعه العراقي (وتحديداً في الشمال) تأتي بعد تمنع متعمد للبيت الابيض عن تقديم المساعدة لبغداد من اجل التصدي للتنظيم بُعيد إحتلاله الموصل وغيرها من المناطق في الوسط والشمال .
طبعاً الكثير من الساسة العراقيين أدركوا ان الاميركيين لن يهبوا لمساعدتهم في ظل معطيات وتقارير اعلامية تحدثت عن تورط اميركي بـ”غزوة الموصل” .
ووصل الحد ببعض الساسة العراقيين الى وصف التصرف الاميركي بالخديعة التي وجهتها واشنطن الى بغداد المترتبطان باتفاقية امنية وقعت أبان الانسحاب الاميركي من بلاد الرافدين، وما عزز الاعتقاد بتورط إدارة اوباما في مشروع اضعاف حكومة بغداد هو تلكؤ واشنطن عن تنفيذ عقود ابرمت بشأن تسليح الجيش العراقي كذلك تؤكد تقارير ان “غزو نينوى” كان بالدرجة الاولى عملية أمنية إنغمس كثيرون فيها من عراقيين وعرب واجانب تحت المجهر الاميركي.
وبدى الاميركيون ومعهم انقرة واربيل والرياض والدوحة مسرورين وهم يشاهدون حكومة نوري المالكي تفقد السيطرة عن مناطق واسعة معتبرين في الامر فرصة للضغط على بغداد ومحاولة تغيير ما افرزته نتائج الانتخابات التشريعية العراقية الاخيرة التي رسخت تراجع النفوذ الاميركي – السعودي – القطري – التركي على أرض العراق.
لكن سرعة تمدد تنظيم “داعش” وطرقه لأبواب أربيل عاصمة اقليم كردستان اضافة الى تهديده المصالح النفطية والامنية الغربية شمال العراق ، سرعت في القرار الاميركي للتدخل من أجل وضع خطوط حمراء امام تقدم مسلحي “البغدادي” تجاه الاستثمارات الاميركية وليس كما يُروج لوقف المجازر المنتهكة بحق الاقليات في العراق كما يقول العميد المتقاعد والخبير الاستراتيجي الياس حنا لموقع المنار.
والتساؤل المشروع هنا ، إذا كان الاميركي حريصاً على الاقليات في العراق لماذا لم يحرك ساكناً حينما ارتكبت المجازر بحق مسيحيي سهل نينوى وغيرهم …وأين واشنطن من الاعدامات العشوائية وسيارات الموت المتنقلة التي تستهدف عشائر عربية (سنة) والاكراد في الحسكة والمسيحيين والعلويين والدروز في سوريا ….؟؟
المطلوب أميركياً في العراق وسوريا التركيز على الفتنة السنية – الشيعية “لاضعاف” محور المقاومة وإبقاء النيران مستعرة بين المسلمين وان طالت شرارتها المسيحيين وغيرهم من “الاقليات” الذين يدفعون ثمن ارهاب جماعات متطرفة إستجلبت من مختلف اصقاع الارض لتأجيج الازمات في المنطقة تحت العباءة الاميركية .