الشيخ جعفر السبحاني
اتفق المسلمون قاطبة – الا من شذ منهم – على انه يقوم في برهة من الزمن قائد يعمل على اصلاح المجتمع الإنساني قاطبة ، وينشر راية العدل في ربوع الارض بعد ما ملئت بالجور والطغيان.
وهذا القائد المثالي العظيم من سلالة…
اتفق المسلمون قاطبة – الا من شذ منهم – على انه يقوم في برهة من الزمن قائد يعمل على اصلاح المجتمع الإنساني قاطبة ، وينشر راية العدل في ربوع الارض بعد ما ملئت بالجور والطغيان.
وهذا القائد المثالي العظيم من سلالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاء نبأه وثورته العارمة على الفساد في الكتب السماوية ، قال سبحانه : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) .
ان زبور داوود عليه السلام الموجود في العهد العتيق يحتوي على مضمون هذه الآية بصراحة.
هذا ما اتفق عليه المسلمون واهل الكتاب جميعاً ، غير ان هنا نكتة لا محيص من إلفات نظر القارئ إليها وهي :
ان الإمام عليه السلام وإن كان يخرج بالقوة ، ويجابه الفساد بمنطق الشدة والعنف ، ولكنها ليست العماد الوحيد لثورته وسلطته ، بل هناك عماد آخر وهو بلوغ الانسان عبر القرون الى ذروة الكمال من حيث الصناعات والعلوم ، وتقدمه في معترك الفنون والثقافة الى حد يؤمن ايماناً كاملاً بأن الظروف الحاضرة لا تستطيع ان تلبي حاجاته ، وتعطي له حياة طيبة ، وان المنظمات البشرية مع دويها وعناوينها الفخمة لا تسعده او تنقذه من محنته ومشكلته ، ولاجل ذلك ظل يتربص بصيصاً من الامل حتى تمده عناية غيبية في اصلاح المجتمع ، واسعاده.
ولاجل هذ الامل والتفتح العقلي لقبول الدعوة الغيبية، فانه اذا ظهر القائد – الذي وعد الله به الامم – لباه كثير من الناس بالايمان والبيعة والتضحية والفداء بلا شك وتردد، ويستقبلونه بصدور رحيبة .
ان هذا التهيؤ النابع من صميم الإنسان ، هو الذي يسهل لقائد الإصلاح ان يصل الى الغاية التي امر بتحقيقها بسرعة . والى ذلك العامل المؤثر يشير الإمام ابو جعفر الباقر عليه السلام : (اذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤس العباد ، فجمع بها عقولهم وكملت به احلامهم).
ان الشيعة قاطبة وكثيراً من اهل السنة يرون ان ذلك القائد هو الإمام الثاني عشر عليه السلام ومن ذرية الإمام الحسين عليه السلام ، ونجل الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام، ولد عام 255 هـ ، وظل في احضان والده خمس سنين حتى توفي الإمام العسكري عليه السلام ، فتعلقت مشيئة الله تعالى بغيبته عن اعين الناس لا عن بيئاتهم ،بل يحيى حياة انسانية كاملة من غير ان يعرفوه الى ان يأذن له الله تبارك وتعالى بالظهور.
والناظر في حياة الأمم يقف على ان ذلك ليس بامر بديع ، وبلا مثال متقدم ، فقد كانت بين الامم غيبة للأنبياء والأولياء حتى أنه سبحانه يأتي بأنموذج واضح من ذلك في سورة الكهف، ويعرّف إنساناً كان ولياً راشداً من أوليائه عائشاً بين الناس، حالاً لعقدهم الى حد، لم يكن الناس يعرفونه، وحتى النبي موسى عليه السلام قال سبحانه : (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) (الكهف :65) .
غاب الإمام الثاني عشر عليه السلام على إثر ضغط الحكومة العباسية المصممة على قتله بسبب اطلاعهم على ما شاع بين الناس على ان المهدي المصلح نجل الإمام العسكري عليه السلام، وهو الذي يقوض عروش الجبابرة والطواغيت ، فلأجل ذلك لما انتشر نبأ وفاة أبيه ، توالت حملات التفتيش على بيت الإمام العسكري عليه السلام لكي يعثروا على الوارث الوحيد لامامته ولكنهم رجعوا خائبين فقد حالت مشيئة الله تعالى بينهم وبين ما وعد الله به الامم في كتب السابقين واللاحقين ، فحفظه عليه السلام وصانه عن كيدهم .