عبدالباسط عبدالصمد.. ملك التلاوة في القرن العشرين

يوصف الشيخ عبدالباسط عبدالصمد بأنه ملك التلاوة في القرن العشرين نظراً لعذوبة صوته فهو قارئ القرآن الذي جاب بلاد العرب والمسلمين شرقاً وغرباً بحنجرته الذهبية، ليتربع على عرش ملوك التلاوة في القرن العشرين.

و لقد أجمع القراء جميعهم على أن الشيخ عبدالباسط عبدالصمد هو إمام القراء قراءةً وفناً، وسيد عصره، أكثر القراء عبادة، الذي لا يتكلم إلا إذا طلب منه الحديث، وإذا تكلم أوجز، لا يخوض في سيرة أحد من الخلق، وإذا قرأ القرآن فكأن شخصاً آخر يقرأ.
والإنسان الصامت تراه في القراءة نجماً يلمع إذا قرأ، كان يراقب الله في قراءته، حوى من الفضل ما حواه، وبلغ ما تراه إلى أن صار قطب القراء وأعلاهم منزلة.

ولد القارئ عبدالباسط عبدالصمد عام 1927 م بقرية المراعزة التابعة لمدينة أرمنت بمحافظة قنا، ونشأ في أسرة قرآنية، فالجد الشيخ عبدالصمد من الحفظة المشهود لهم بالتمكن في حفظ القرآن الكريم، وأيضا جده من جهة أمه هو العارف الشيخ أبو داود صاحب المقام المعروف بمدينة أرمنت، والوالد هو الشيخ محمد عبدالصمد كان أحد المجودين المجيدين للقرآن الكريم، أما الشقيقان محمود وعبدالحميد فكانا يحفظان القرآن الكريم بالكتاب، فلحق بهما الابن الأصغر عبدالباسط وهو في السادسة من عمره، وهو في قمة السعادة للحاق بهما لحفظ القرآن الكريم، والصغير بعد أن وصل عمره العاشرة حفظ القرآن الكريم كاملاً، ورغم حداثة سنه كان يدندن بالقرآن ذهاباً وإياباً، مستمعا لصوت الشيخ محمد رفعت والشيخ أبو العينين شعيشع، وشاء القدر أن يجتمع الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ أبو العينين شعيشع أمد الله في عمره.

ويقول الشيخ عبدالباسط في مذكراته: «كان سني عشر سنوات، أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري، وكان والدي موظفاً بوزارة المواصلات وكان جدي من العلماء، فطلبت منهما أن أتعلم القراءات، فأشارا عليّ أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ «محمد سليم»، لكن المسافة بين أرمنت في جنوب مصر وبين طنطا في الوجه البحري بعيدة جداً.

ولكن الأمر كان متعلقاً بصياغة مستقبلي وقبل التوجه إلى طنطا بيوم واحد علمنا بوصول الشيخ محمد سليم إلى «أرمنت» ليستقر بها مدرساً للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت، وأقام له أهل البلدة جمعية للمحافظة على القرآن الكريم؛ فكان يُحَفِظُ القرآن ويعلم علومه والقراءات، فذهبت إليه وراجعت عليه القرآن كله ثم حفظت الشاطبية».

شهرته

عن بداية شهرة الشيخ عبدالباسط، روى الشيخ البطيخي فقال: في شهر رمضان كان الشيخ عبدالباسط يحيي لياليه في دواوين القرية، ولا يرد أحداً يطلب منه أن يقرأ له بضع آيات من القرآن، ثم بدأ بعدها في التنقل بين المحافظات، وفي إحدى المرات قرأ في مجلس المقرئين بمسجد الحسين(ع) بالقاهرة، وعندما جاء دوره في القراءة كان من نصيبه ربع من سورة النحل، وأعجب به الناس حتى إن المشايخ كانوا يُلوحون بعمائمهم وكان يستوقفه المستمعون من حين لآخر ليعيد لهم ما قرأه من شدة الإعجاب، ثم تهافت الناس على طلبه حتى طلبته سوريا ليحيي فيها شهر رمضان فرفض إلا بعد أن يأذن له شيخه.

ويضيف الشيخ عبدالصبور: كنا ذات مرة في زيارة إلى الحرم المكي، وكان شيخ الحرم المكي في ذلك الوقت يقرأ من سورة البقرة إلى سورة الأنعام بقراءة ورش عن نافع فرتل قائلاً: «وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا» وقرأ في الركعة الثانية: «إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا»، فحرص الشيخ عبدالباسط على أن يقابله ليصحح له سهوه في القراءة، فقال له: كان ينبغي أن تقرأ وتقول: نبيؤهم، بدلاً من نبيهم، وأشد وطائا بدلاً من أشد وطئا، فقد قرأت في الآية الأولى بقراءة حفص ولم تقرأ بقراءة ورش، فأقره الشيخ على هذا السهو في القراءة، وطلب منه أن يبقى في الحرم المكي معهم.

الإذاعة المصرية

ثم قدم الشيخ عبدالباسط إلى القاهرة سنة 1950م، ودخل الإذاعة المصرية سنة 1951م، وكانت أول تلاواته من سورة فاطر، وعُيّن قارئاً لمسجد الإمام الشافعي سنة 1952م، ثم لمسجد الإمام الحسين(ع) سنة 1985م خلفاً للشيخ محمود علي البنا.

وبعد التحاقه بالإذاعة انتقل الشيخ بأسرته من الصعيد إلى حي السيدة زينب(س)، وبسبب التحاقه بالإذاعة زاد الإقبال على شراء أجهزة الراديو، وانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع الدنيا، واستقبل في كل بلد يذهب إليه استقبالاً شعبيًّا ورسميًّا حافلاً؛ حيث استقبله الرئيس الباكستاني في أرض المطار وصافحه وهو ينزل من الطائرة.

وفي جاكرتا بدولة إندونيسيا قرأ القرآن الكريم بأكبر مساجدها فامتلأت جنبات المسجد بالحاضرين، وامتد المجلس خارج المسجد لمسافة كيلو متر مربع فامتلأ الميدان المقابل للمسجد بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليه وقوفا على الأقدام حتى مطلع الفجر.

وفي جنوب إفريقيا عندما علم المسؤولون بوصوله أرسلوا إليه فريق عمل إعلامي من رجال الصحافة والإذاعة والتليفزيون لإجراء لقاءات معه.

أشهر المساجد التي قرأ بها

أشهر المساجد التي قرأ بها القرآن هي: المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى بالقدس، والمسجد الإبراهيمي بالخليل بفلسطين، والمسجد الأموي بدمشق، وأشهر المساجد بآسيا وإفريقيا والولايات المتحدة وفرنسا ولندن والهند ومعظم دول العالم.

كرمته سوريا عام 1956م بمنحه وسام الاستحقاق، كما كرمته لبنان بمنحه وسام الأرز، كما منح الوسام الذهبي من ماليزيا، ووساما من السنغال، وآخر من المغرب، وآخر الأوسمة التي حصل عليها كان بعد رحيله من مصر في الاحتفال بليلة القدر عام 1990م.

وترك الشيخ عبد الباسط للإذاعة ثروة من التسجيلات، إلى جانب المصحفين المرتّل والمجوّد، كما جاب بلاد العالم سفيراً لكتاب الله، وخصه الملوك والأمراء بالأوسمة والنياشين؛ تكريمًا له وللقرآن، وكان له فضل إنشاء نقابة محفّظي القرآن الكريم، وانتُخب كأوَّل نقيب لقراء مصر سنة (1405هـ= 1984م).

الأوسمة والنياشين

لم ينل قارئ في القرن العشرين من الأوسمة والنياشين وتكريم المستمعين والحب الذي لاقاه من الملوك والرؤساء مثل الشيخ عبدالباسط، وكان الملك محمد الخامس ملك المغرب متيماً بصوت الشيخ عبدالباسط، بالإضافة إلى الرئيس مأمون عبدالقيوم رئيس جزر المالديف الذي استقبل الشيخ عبد الباسط في مطار جزر المالديف حين زارها عام 1987، وكان يصحبه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، وعلى المستوى الرسمي نال الشيخ عبدالباسط عشرات الأوسمة من أبرزها: وسام الكفاءة الفكرية المغربي، وسام الاستحقاق السنغالي، وسام رئيس وزراء سوريا صبري العسلي، وسام الاستحقاق من إندونيسيا، وسام الإذاعة المصرية في عيدها الخمسين عام 1984، الوسام الذهبي من باكستان عام 1958، نياشين من تونس ولبنان والعراق، وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس مبارك في يوم الدعاة عام 1987، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في الاحتفال بليلة القدر عام 1990.

وفاته

وتمكن مرض السكري منه، وكان يحاول مقاومته بالحرص الشديد والالتزام في تناول الطعام والمشروبات، لكن تزامن الكسل الكبدي مع السكر فلم يستطع أن يقاوم هذين المرضين الخطيرين، فأصيب بالتهاب كبدي قبل رحيله بأقل من شهر ودخل المستشفى إلا أن صحته تدهورت، مما دفع أبناءه والأطباء إلى نصحه بالسفر إلى الخارج ليعالج بلندن، حيث مكث بها أسبوعاً وكان بصحبته ابنه طارق فطلب منه أن يعود به إلى مصر.

توفي يوم الأربعاء 30 ديسمبر 1988م، وكانت جنازته وطنية ورسمية على المستويين المحلي والعالمي، فحضر تشييع الجنازة كثير من سفراء دول العالم نيابة عن شعوبهم وملوك ورؤساء دولهم تقديراً لدوره في مجال الدعوة بكافة أشكالها.

المصدر: جريدة العرب القطرية

شاهد أيضاً

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

الاخبار – القدس العربي: قام جندي إسرائيلي بتهديد نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين كانوا يتضامنون مع أهالي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *