غيبة الامام المهدي عليه السلام في ضوء حديث الثقلين

ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي, ما إن تمسكتم بهما لم تضلوا بعدي أبداً, وقد أنبأني الخبير اللطيف أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض, فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(1).

ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي, ما إن تمسكتم بهما لم تضلوا بعدي أبداً, وقد أنبأني الخبير اللطيف أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض, فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(1).
الحديث عن الإمام المنتظر عليه السلام من خلال حديث الثقلين يصبّ في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: إثبات حضوره وغيبته.
والنقطة الثانية: في إثبات دوافع الغيبة.
والنقطة الثالثة: في بيان التفاعل بين المسلمين وبين الإمام عليه السلام حال غيبته.
النقطة الأولى: إثبات حضوره وغيبته:
إن مسألة ظهور الإمام عليه السلام أمر مسلّم به عند جميع المسلمين, فلا أحد ينكر أن هناك إماماً يظهر في آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً, فجميع المسلمين شيعة وسُنّة يُسلّمون بأن في آخر الزمان يظهر إمام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً, وذلك بدلالة القرآن الكريم والحديث النبوي, أما القرآن الكريم فيقول: (هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(2), أي لا بدَّ أن يظهر الدين الإسلامي على جميع الأديان في يوم من الأيام, فتظهر راية الإسلام ولواؤه على جميع الأديان وجميع المذاهب في شتّى بقاع العالم, وهذا إلى الآن لم يحصل, ولكن لا بدَّ أن يحصل, وفي يوم من الأيام ستمتد الدعوة الإسلاميّة ويمتد النداء الإسلامي إلى جميع أرجاء الأرض, وتظهر راية الإسلام خفّاقة على جميع الرايات: (وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ)(3), فمعنى يرثون الأرض أي هم آخر من يحكم الأرض.
إذن, لا بدَّ من دولة إسلاميّة تعمُّ أرجاء الأرض في آخر الزمان, وهذا صريح القرآن الكريم, وهذا أمر مسلّم به.
أما الحديث النبوي الشريف, فقد ورد عن الرسول الأعظم  أنه قال _ كما في (المستدرك على الصحيحين)(4): (لا تقوم الساعة حتّى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً, ثمّ يخرج رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وعدواناً>. وفي (كنز العمال)(5): (لو لم يبقَ من الدهر إلاّ يوم, لبعث الله تعالى رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما مُلِئت جوراً).
التاريخ والأحاديث النبوية يؤيّدان ولادته عليه السلام:
إن مسألة ظهور الإمام عليه السلام لا نقاش فيها, والشيعة الإمامية تعتقد أن الإمام وُلِد, وأنه غائب إلى أن يأذن الله له بالخروج. أما غيرهم من المسلمين فيقول: إن الإمام بعدُ لم يولد, والإمام يولد في آخر الزمان ويخرج, فالاختلاف في هذه النقطة: هل أنه وُلِد ثمّ غاب؟ أم أنه بعد لم يولد؟
نحن الشيعة الإمامية نقول: نعم, وُلِد, وهو غائب حالياً.
أوّلاً: الدليل التاريخي يساعدنا, فعندما تقرأ كتاب (وفيّات الأعيان) لابن خلّكان, أو (مطالب السؤول) لمحمّد بن طلحة الشافعي, أو (تذكرة خواص الأمّة) لابن الجوزي, تجدهم كلّهم ينصّون على أن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنجب ولداً اسمه محمّد, وُلد ثمّ غاب عن الأنظار.
وغير ذلك من كتب أهل السُنّة التاريخية الدالة على أن شخصاً اسمه محمّد بن الإمام الحسن العسكري ولد.
ثانياً: الأحاديث النبوية, فالأحاديث تؤيّد وجود الإمام, فقد ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يزال هذا الدين قائماً حتّى يكون عليكم اثنا عشر خليفة, كلّهم من قريش)(6).
وهذا الحديث يؤكّد على أن الأئمّة متصلون إلى يوم القيامة, أي لن تمرَّ فترة على الأمّة الإسلاميّة بدون إمام, وأن الإثني عشر يتسلسلون إلى يوم القيامة, فلا تأتي فترة أو زمان على الأمّة الإسلاميّة خالية من وجود إمام منهم, وهذا ما أكّده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر, على ما ورد في مصادر المذاهب الأخرى: (من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية)(7).
إذن لكل زمان إمام, وكل زمان يمرُّ على الأمّة الإسلاميّة يوجد فيها إمام, ولو سألنا أيّ مسلم: من إمامك, أي إمام هذا الزمان؟ فلا يجرأ ويتجاسر ويدّعي أنه إمام هذا الزمان, بل لا يوجد من البشر شرقاً وغرباً من يقول لك: أنا إمام هذا الزمان, ولا يمكن أن تُسند هذه الدعوى إلاّ إلى الإمام المهدي عليه السلام.
وأيضاً حديث الثقلين الذي ذكرناه: (إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي, ما إن تمسكتم بهما لم تضلّوا بعدي أبداً, وقد أنبأني الخبير اللطيف أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض, فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
إذن مدلول هذا الحديث أنه لا بدَّ من إمام باقٍ إلى يوم خروجه وظهوره, والدليل التاريخي _ كما ذكرناه _ يساعدنا على أن هذا الإمام الغائب الموجود هو محمّد بن الحسن المهدي عليه السلام, أما مسألة استبعاد غيبة الإمام هذه المئات من السنين فهي مسألة واضحة الدفع, فجميع المسلمين يقرّون أن عيسى بن مريم ما زال حيّاً: (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(8), وفي آية أخرى: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)(9), الروايات الشيعية تؤكّد أن عيسى بن مريم عليه السلام يأتي للإمام المنتظر عليه السلام ويصلي خلفه في بيت المقدس(10), فإذا كان عيسى بن مريم عليه السلام متمتّعاً بصحة وعافية كل هذه المئات من السنين, فما المانع أن يبقى الإمام المنتظر عليه السلام هذه المئات من السنين وبصحة وعافية استعداداً لذلك اليوم العظيم يوم خروجه؟!
النقطة الثانية: التجربة وضرورتها للإمام عليه السلام:
وهي مهمّة لأنّ البشرية بلا شكّ تحتاج إلى إمام معصوم يبلّغ الأحكام الواقعية, يقيم العدل, يقيم القسط, ينشد الأمّة الإسلاميّة إلى خيرها, فهي بحاجة ماسّة إلى وجوده, فما هو الدافع, وما هو سبب غيبته وعدم ظهوره؟ هذا سؤال يطرحه الكثير من الإخوان السُنّة وغيرهم.
ونذكر هنا وجهين:
الوجه الأوّل: ما طرحه علماؤنا, من أن البشرية لا بدَّ لها من تجربة مريرة تتهيّأ فيها لدولة الإمام عليه السلام.
كيف؟
مثلاً: حكومة الإمام علي عليه السلام أكبر من الظروف التي عاشتها العقلية والتجربة البشرية آنذاك, التي لم تكن في مستوى وعي شخصية الإمام علي عليه السلام, ومستوى إدراك حكم الإمام علي عليه السلام, وبالتالي حكم عليه السلام فقط خمس سنوات, وكلها حروب واختلافات واضطرابات بين المسلمين, نتيجة أن التجربة البشرية ما كانت في مستوى حكم الإمام عليه السلام.
مع أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نصبه خليفة على المسلمين, لكن لما اُبعدت الخلافة عنه خمساً وعشرين سنة صارت الظروف غير مهيّأة, أي ليست في مستوى حكم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
والإمام المنتظر لو أراد الدولة العادلة أو الدولة العامة الشاملة على أرجاء الأرض, فهل الأرضية مهيّأة لإقامة الدولة الإسلامية العامة على جميع بقاع الأرض، (هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(11) ؟
إن إقامة الدولة الإسلاميّة العامة تحتاج إلى كون المجتمع البشري متهيّئاً نفسياً وذهنياً لقبول الإسلام واعتناقه وتلقّيه, كما لا بدَّ من وجود أرضية بشرية مهيّأة نفسياً وثقافياً لدولة الإمام المنتظر عليه السلام, والبشرية تعيش في تجربة مُرّة حيث تجرّب سائر الأنظمة وسائر الحضارات وسائر القوى إلى أن تيأس من كثرة المشاكل الاقتصادية, والحروب والفتن والويلات التي تمرُّ بها, إلى أن تتهيّأ نفسياً بكل انتظار, وبكل إلحاح إلى أن الخلاص الوحيد والعلاج الوحيد لمشاكلها هو الإسلام.
والبشرية جرّبت أنظمة وحضارات وأجهزة مختلفة ومتباينة, رأسمالية, وشيوعية, واشتراكية, وأنظمة أخرى, ورأت فشل الجميع, وأدركت فشلها وعدم كفاءتها, وطبعاً تزداد المشاكل البشرية يوماً بعد يوم, وتزداد نسب المجاعة والفقر والحروب والفتن والقلاقل والاضطرابات, إلى أن تدرك البشرية أنه لا مخلّص إلاّ الإسلام, ولا علاج ولا حلَّ ولا كافل لسائر المشاكل إلاّ الإسلام, وإذا تطلّعت البشرية إلى الإسلام وإلى نظامه كحلّ وكعلاج كان ظرفاً مهيّأ ومناسباً لخروج الإمام عليه السلام, فيخرج والبشرية تحت رايته؛ لأنها راية الإسلام الذي هو الحلّ الوحيد لسائر المشاكل البشرية الاقتصادية والأمنية.
الوجه الثاني: رأي المفكر الإسلامي الكبير الشهيد السعيد السيد محمّد باقر الصدر قدس سره في الغيبة:
إن السيد محمّد باقر الصدر قدس سره يذكر أن غيبة الإمام نافعة حتّى للإمام نفسه فضلاً عن البشرية, فيقول: إن كل دور يحتاج إلى كفاءة مناسبة للدور, فمثلاً موسى بن عمران بُعث رسولاً لمّا بلغ أربعين سنة, والقرآن الكريم يقول: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى‏ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً)(12), أي لمّا صار عقله ناضجاً وخبرته ناضجة ورجولته كاملة آتيناه حكماً وعلماً, فذلك الدور كان يحتاج هذا النوع من الكفاءة, أي ما كان يمكن لموسى بن عمران أن يقوم بدوره كرسول إلاّ بعد هذا السن وبعد هذه التجربة.
وكذلك النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم, فقد بُعث وعمره أربعون سنة, مع أنه نبي منذ ولادته, وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم كما في (تفسير الرازي): (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين)(13), أي أنّ الله تبارك وتعالى خلق النبي نوراً قبل أن يخلق آدم, وأعطاه النبوة قبل أن يخلق آدم, واجتباه بالنبوة والعفّة والطهارة, وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عزوجل قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله آدم سلك ذلك النور في صلبه, فلم يزل الله عزوجل ينقله من صلب إلى صلب حتّى أقرَّه في صلب عبد المطلب…)(14), لكن ما اُمر بالدعوة إلاّ بعد أربعين سنة, والتجربة الإسلاميّة تؤكّد هذا, فتهيئته كقائد مميّز تذعن له القلوب وتلتف خلف رايته وتعلن وتؤمن بنضجه وتؤمن بفكره يحتاج إلى أن يمرَّ بهذا النحو من التجربة.
وإن الدور الذي يقوم به الإمام المنتظر ليس دوراً عادياً, فلم يقم به أحد من نبي ولا رسول منذ آدم إلى يومنا هذا, إن إقامة دولة على جميع بقاع الأرض ولمدّة أربعين سنة دور عملاق ما قام به أحد قبله, لا من الأنبياء, ولا من الرسل, ولا من الأوصياء, إذن يُحتاج في هذا الدور إلى كفاءة تتناسب مع الدور نفسه.
فإن ضخامة الدور تقتضي ضخامة الكفاءة, وضخامة الدور تقتضي ضخامة الاستعداد, فكلّما كان الدور عظيماً فهو يحتاج إلى عظمة وكفاءة أكبر, والإمام المنتظر يقوم بدور ما قام به أحد, وهو إقامة دولة إسلاميّة عامة على جميع بقاع الأرض, وهذا أمر يحتاج إلى إعداد يتناسب مع الدور تماماً, أي أن الدور يحتاج إلى شخص عاصر جميع الحضارات وجميع المجتمعات وجميع الأنظمة والدول, وتعرَّف على جميع الأهواء والميول وعلى جميع أنواع الأمور.
فإذا عاصر جميع الأنظمة فإنه يتعرّف على نقاط الضعف ونقاط القوّة في كل نظام, وإذا عاصر جميع الحضارات تعرَّف على عوامل البقاء وعوامل الفناء لكل حضارة معاصرة وجميع الأزمنة التي تمرُّ على البشرية, فيكتسب هذا الشخص نضجاً كاملاً في الخبرة وما تحتاج إليه الدولة الإسلاميّة العامة على جميع بقاع الأرض, أي أنه عاصر الجميع, فوصل إلى الإعداد الكافي للقيام بدوره كقائد عام لدولة إسلاميّة عامة. 
الفرق بين العلم والخبرة:
فهناك فرق بين العلم وبين الخبرة, فالعلم أمر نظري, والخبرة أمر تطبيقي, والأمر التطبيقي يحتاج له الإمام كأيّ شخص آخر, فالطبيب درس في الجامعة وتخرّج متخصّصاً في القلب مثلاً, وهذا الطبيب عنده معلومات نظرية بحتة, ثمّ يبدأ بفتح عيادة يعالج مرضى القلب مثلاً, وتلك المعلومات النظرية تظهر للوجود فيثبّتها أثناء عيادته وأثناء علاجه, فيحصل على الخبرة, أي كان عنده علم نظري فتحوّل إلى خبرة, لذلك هناك فرق بين الخبرة وبين العلم النظري.
مثلاً ما نزل في النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْري مَا الْكِتابُ وَلاَ الْإيمانُ)(15), يدلُّ على وجود فرق بين الدراية النظرية والدراية التطبيقية والتفصيلية, فالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة كان يدري بتمام الأمور لكن دراية نظرية علمية, وبعد البعثة ما درى به صار مجالاً تطبيقياً, فقاد حروباً وغزوات, وقاد الدولة الإسلاميّة, وعاصر فيها منافقين ويهوداً ومسيحيين, وجادلهم وناقشهم, وهذه التجربة التي مرَّ بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم امتدت لثلاث وعشرين سنة.
رأي صاحب الميزان في الدرايتين النظرية والتفصيلية:
والسيد الطباطبائي صاحب (تفسير الميزان)(16) يقول: هذه الثلاث والعشرون سنة هي دراية تفصيلية, وما قبلها دراية نظرية, فالذي ينفيه القرآن هو الدراية التفصيلية.
ونحن نؤمن أن الإمام المعصوم منذ ولادته يعرف ويدري سائر الأمور, ما تحتاج إليه الدولة الإسلاميّة العامة, وما تحتاج إليه المجتمعات, وما تحتاج إليه الحضارات والأجهزة المختلفة, وكان يعلم بذلك, ولكن علماً نظرياً, وقد ترك الإمام بالفعل ليعيش ألفاً وثلاثمائة سنة أو ألفاً وأربعمائة سنة أو أكثر ليعاصر الحضارات بنفسه ويكتشف الأنظمة بنفسه, فالتجربة التي يمرُّ بها أثناء غيبته يتحوّل فيها العلم النظري إلى خبرة تطبيقية, وهذه الخبرة التطبيقية تساعده على إقامة النظام الإسلامي العام على وجه الأرض.
وقد يستند إلى روايات تؤيّد هذا, فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنّا لنزاد في الليل والنهار, ولو لم نُزد لنفد ما عندنا), قال أبو بصير: جُعِلت فداك, من يأتيكم به؟ قال: (إن منّا من يعاين، وإن منّا لمن ينقر في قلبه كيت وكيت، ومنّا من يسمع بأذنه وقعاً كوقع السلسلة في الطست)، فقلت له: من الذي يأتيكم بذلك؟ قال: (خلق لله أعظم من جبرئيل وميكائيل)(17).
إذن الإمام يمرُّ بمراحل تكاملية, فتزداد علومه ومعارفه, والسيد ; يقرر أن الغيبة ضرورية حتّى للإمام, حتّى يتمّ الإعداد الكافي المناسب للدور الذي يقوم به, وهو دور إقامة العدل الإسلامي العام على جميع وجه الأرض, وما اُفيد إن كان مبنياً على تصور المذاهب الإسلاميّة لشخصية الإمام عليه السلام فهو تام في الجملة، وإن كان مبنياً على مسلك الإمامية فإن كثيراً من العلماء يختلف معه بأن الإمام المعصوم لا يحتاج إلى هذه الفكرة, ولا يحتاج إلى هذه التجربة؛ لأنه قادر على تطبيق النظام في أيّ أمر وفي أيّ وقت بلا حاجة إلى أن يمرَّ بهذه التجربة, وهناك آراء في نفس النسق.


سماحة السيد منير الخباز- أستاذ في الحوزة العلمية

الهوامش:
(1) رواه جمهور العامة فضلاً عن الخاصة بتفاوت في الألفاظ, والمعنى واحد, راجع على سبيل المثال لا الحصر: كمال الدين: 234 – 241/ باب 22/ ح 44 – 65؛ سنن الترمذي 5: 328؛ سنن النسائي 5: 45.
(2) التوبة: 33؛ الصف: 9.
(3) القصص: 5.
(4) ج 4: 557.
(5) ج 14: 267/ ح 38675.
(6) راجع: مسند أحمد 5: 87 – 108؛ صحيح البخاري 8: 127؛ صحيح مسلم 6: 3؛ سنن أبي داود 2: 309؛ سنن الترمذي 3: 340؛… (رووه بتفاوت في اللفظ دون أن يخلَّ بالمعنى).
(7) راجع: مجمع الزوائد 5: 225؛ كتاب السُنّة لابن أبي عاصم: 489؛ مسند أبي يعلى 13: 366؛ معجم الطبراني الأوسط 6: 70.
(8) النساء: 157.
(9) النساء: 158.
(10) بل روايات العامة والخاصة, راجع: كمال الدين: 251/ باب 23/ ح 1؛ دلائل الإمامة 443/ ح 416/ 20؛ غيبة الطوسي: 191/ ح 154؛ مستدرك الحاكم 4: 478؛ كنز العمال 14: 266/ ح 38673؛ ينابيع المودة 1: 241/ باب 15/ ح 14.
(11) التوبة: 33؛ الصف: 9.
(12) القصص: 14.
(13) التفسير الكبير للفخر الرازي 6: 213.
(14) الخصال: 640/ ح 16.
(15) الشورى: 52.
(16) راجع: تفسير الميزان 18: 77.
(17) بصائر الدرجات: 252/ باب 7/ ح 5؛ عنه: بحار الأنوار 18: 270.

Check Also

عِللُ الغيبة و فلسفتها

«اللّهمّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إنّ لم تُعرّفني حُجّتك ضَلَلْتُ عن ديني»لا نعرف شيئاً بعد معرفة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *