الشيخ أبو خالد الجابري السماوي
لو كان على الشخص قضيَّة ما، وضده ثلاثة صنوف من الشهود: شهود عيان، وأدلَّة مادية خارجية، كأدوات الجريمة مثلاً، وأدلَّة داخلية، كبصمات يديه، أو فحص ال (دي أنْ أي) ولكلِّ صنف من هذه الأصناف عدة مصاديق، لا شك أنَّ متَّهماً…
لو كان على الشخص قضيَّة ما، وضده ثلاثة صنوف من الشهود: شهود عيان، وأدلَّة مادية خارجية، كأدوات الجريمة مثلاً، وأدلَّة داخلية، كبصمات يديه، أو فحص الـ (دي أنْ أي)ـ ولكلِّ صنف من هذه الأصناف عدة مصاديق، لا شك أنَّ متَّهماً مثل هذا سوف يكون محاصراً من جميع الجهات، وأنَّ التهمة ثابتة عليه بشكل قطعي، فإنْ حاول أنْ يُنكر واحداً من أدلة إثبات جريمته ستحاصره الأدلة الأُخرى وتشهد بكذبه، وإنْ أنكر الجميع فستشهد عليه جميعها، فالتهمة مستحكمة بحقه ولا مفر له من ذلك.
مثال آخر: طوَّر الإنسان في العقود الأخيرة نظاماً يستطيع من خلاله تحديد المواقع على سطح الأرض، وهو ما يُعرف اليوم بنظام (جي بي اس)، ويعتمد في عمله على عدة أقمار اصطناعية وأقلها ثلاثة أقمار، وكلما زاد عدد الأقمار كانت النتيجة أدق وأضمن، وبتقاطع معلومات تلك الأقمار مع أبعاد سطح الكرة الأرضية يُحدَّد المكان المطلوب.
أي يشهد بعض الأدلة على البعض الآخر فتكون متآزرة متظافرة على إثبات المطلوب.
فلو قسَّمنا الروايات التي تتعلق بالإمام عليه السلام ربما نجد أنّها تنقسم إلى أربع فئات:
الفئة الأولى: ما يتعلق بثبوت إمامته وإثباته، باعتباره أحد الأئمة الاثني عشر الهداة وخاتمهم عليه السلام في نصِّ النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام من بعده. وهناك العشرات من الروايات في حقه عليه السلام، في تحديد موقعه بالنسبة لآبائه عليه السلام وإثبات اسمه المبارك ووظيفته الإلهية.
الفئة الثانية: هي التي تتعلق بتحديد شخصه عليه السلام، وهي بدورها تنقسم إلى عدة أقسام أيضاً، فمنها: ما يتعلق بنسبه الشريف، ومنها: ما يتعلق باسمه المبارك، وما يتعلق بسماته الشخصية، ومنها: ما يتعلق بصفاته ومميزاته الكمالية.
الفئة الثالثة: ما تتحدث عن فترة غيبته عليه السلام وما يرتبط بظهوره المبارك، وتنقسم كذلك إلى عدة أقسام، فمنها ما يرتبط ببداية الغيبة الصغرى وما رافقها من تحديات، وكيفية قيادته لتلك المرحلة، ومنها ما يرتبط بالغيبة الكبرى، ومنها ما يتعلق بقبيل ظهوره عليه السلام، ويترتب على ذلك من علامات وشروط وأحداث، ويتفرع من كل واحدة من هذه الأمور عشرات إنْ لم يكن أكثر من المسائل، كالعلامات الكونية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والأحداث الدينية.
الفئة الرابعة: ما يرتبط بالظهور المقدس وما يرافقه من تحديد واضح ومحدد في الأزمنة، كاليوم العاشر من المحرم، والأمكنة مثل ظهوره بين الركن والمقام، وتصريحاته وخطبه، وخط سيره بعد الظهور وسيرته مع أعدائه وأنصاره، ومعاركه وغزواته، وهديه وإصلاحه.
ومن تجرأ أو يتجرأ على دعوى تتعلق بالإمام المهدي عليه السلام، فهو أمام معضلة كبيرة، وهي تطويقه بمئات أو آلاف الدلائل الشاهدة بكذبه والمثبتة لافترائه، ويبدو أنَّ الذين حاولوا التجاسر على مقام الإمام عليه السلام قد عانوا كثيراً من هذا الربط المحكم والمتآزر بين أدلة إثبات الإمام المهدي عليه السلام. وقد استعملوا كل الطرق لإفشال التخطيط الإلهي في قيادة من يريده الله جلَّ ذكره مهدياً للبشرية، من خارج المسلمين أو ممَّن يدَّعونه، فبدؤوا بخلط اسمه بأسماء أسموها هم وآباؤهم، بعد أنْ عجزوا عن إخفاء أصل قضيَّته عليه السلام. ثم أدَّعوا اسمه وصفاته بعد أنْ سلبوا الخلافة من آبائه عليهم السلام، ويبدو أنَّ الفكرة راقت لبعض من يدَّعون التشيّع، فانتقل وباء الادّعاء إليهم، تجاهلاً وتجاسراً على هذا المنصب الخطير، والذي يتوقف عليه هدف خلق البشرية جمعاء، وانطلاقاً من هذه الأهمية الكبرى، وقد وضع من خطَّط لهذا الهدف أسواراً يستحيل على متسوّريها والنازين عليها اختراقها، وذلك يجعل مئات الدلائل التي يشهد بعضها على بعض، ويُصدّق بعضها بعضاً، والتي قسَّمناها إلى فئات أربعة.
ومن تجرّأ وادَّعى المهدوية في الحقيقة عليه أنْ يجتاز أحد طريقين:
الطريق الأول: أنْ يدَّعي أحد مقامات الإمام المهدي عليه السلام أو شأناً من شؤونه، فتُكذَّبه كلُّ الأدلَّة والشواهد الأُخرى وتشهد عليه.
الطريق الثاني: أنْ يدَّعي جميع ما يتعلق بالإمام المهدي عليه السلام، حتى شخصه المبارك، وهنا تكون المصيبة عليه أعظم، فإنْ كان هذا يستطيع التمويه على البسطاء بصفة من صفاته، فهنا يجب عليه إثبات كلّ ما يتعلق به عليه السلام، وهذا مستحيل، لأنَّ آل محمد عليهم السلام لا يُقاس بهم أحد، فلو أُخذ العلم فقط مقياساً لمعرفة المدَّعي لافتضح وبان زيفه من أول الاختبار.
فيلجأ المدَّعون عادةً إلى التمويه والتهرُّب والتخفّي والتحايل على أتباعهم، للالتفاف على هذا المعيار، وهو ما يفعله أحمد اسماعيل تماماً. وبهذه المحاولة فأقرب ما يكون صاحبها للمرض النفسي، إنْ لم يكن كذلك، وسيفتضح أمره بشهادة كلّ الدلائل التاريخية والزمانية والمكانية والصفاتية والمادية.
فقضية الإمام المهدي عليه السلام ممتنعة على مدَّعيها، وشواهد تكذيبهم في طياتها، وهي محفوظة بأمر الله سبحانه وتعالى، من خلال تآزر وتعاضد أدلَّتها، وكذلك هي راية تخفق في قلوب المخلصين من أوليائه شوقاً للقائه ونصرته على كلِّ رايات الضلال.