علل الغيبة وفلسفتها الشيخ الصدوق وثاني كتاب في الغيبة

قال الشيخ الصدوق قدس سره أقول: (إنه قد ثبت ان ظهور حُجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل، على سبيل التدبير و الإمكان لأهل ذلك الزمان; فان كانت الحال ممكنة لوجود الحجة بين الخاص و العام، كان ظهور الحُجّة كذلك. و إِن كانت الحال غير ممكنة لوجود الحجة بين الخاص و العام، و كان مما توجب الحكمة و يقتضيه التدبير استتاره، ستره الله و حجبه إلى وقت بلوغ الكتاب اجله، كما قد وجدنا ذلك في حجج الله المتقدّمين من عصر آدم عليه السلام إلى حين زماننا هذا).

الف الشيخ الصدوق كتاب (كمال الدين واتمام النعمة).
وها نحن مع الشيخ في كتابه:
1 ـ الصدوق و علّة الخوف على النفس:
قال الشيخ الصدوق قدس سره أقول: (إنه قد ثبت ان ظهور حُجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل، على سبيل التدبير و الإمكان لأهل ذلك الزمان; فان كانت الحال ممكنة لوجود الحجة بين الخاص و العام، كان ظهور الحُجّة كذلك.
و إِن كانت الحال غير ممكنة لوجود الحجة بين الخاص و العام، و كان مما توجب الحكمة و يقتضيه التدبير استتاره، ستره الله و حجبه إلى وقت بلوغ الكتاب اجله، كما قد وجدنا ذلك في حجج الله المتقدّمين من عصر آدم عليه السلام إلى حين زماننا هذا).
فمنهم المستعلنون و منهم المستخفون، و بذلك نطق الكتاب العزيز، و ذلك قوله تعالى: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ).
ثم روى بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام قال لعبد الحميد ابن أبى الديلم: (يا عبد الحميد، اِنّ لله رسلاً مستعلنين و رسلاً مستخفين، فإذا سألته بحق المستعلنين فسله بحق المستخفين).
ثم يقول الشيخ الصدوق قدس سره: (فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم عليه السلام إلى وقت ظهور إبراهيم عليه السلام أوصياء مستعلنين ومستخفين).
فلما كان وقت تكوين إبراهيم عليه السلام والذي كان ظهور الحجة متعذراً في زمانه (و ذلك أن نمرود كان يقتل أولاد رعيّته و أهل مملكته في طلبه).. و لذلك ستر الله وجوده و أخفى ولادته.. و بعد أن بلغت الغيبة أمدها دلّهم إبراهيم عليه السلام على نفسه و أظهر لهم أمره الذي أراده الله من إثبات حجته وإكمال دينه.
فلما كان وقت وفاة إبراهيم عليه السلام كان له أوصياء حججاً لله عزّ وجل في أرضه يتوارثون الوصيّة كذلك مستعلنين ومستخفين، إلى وقت موسى عليه السلام.
و في وقت موسى عليه السلام كان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلب موسى عليه السلام الذى كان قد شاع ذكره و خبر وجوده.
فستر الله ولادته حتى قذفت به اُمه في اليم كما أخبر الله عز وجل في كتابه ثم كان من أمره بعد أن اظهر دعوته و دلّهم على نفسه ما قصّه الله في كتابه كذلك.
و لما كان وقت وفاة موسى عليه السلام كان له أوصياء حُججاً لله كذلك مستعلنين و مستخفين إلى وقت ظهور عيسى عليه السلام.
و عيسى عليه السلام ظهر منذ ولادته مُعلناً لدلائله مُظهراً لشخصه شاهراً لبراهينه، غير مُخف لنفسه، لأن زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجة كذلك.
ثم كان له من بعده أوصياء حججاً لله عز وجل كذلك مستعلنين و مستخفين، إلى وقت ظهور نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم.
و بعد ظهور نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان مما قيل له على سنن من تقدمه من الرسل عليهم السلام.
أن يقيم لنفسه أوصياء كإِقامة من تقدمه لأوصيائهم.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصياء كذلك.
و من المعروف المتسالم عليه بين الخاص و العام من أهل هذه الملة: أن الإمام الحسن بن على العسكري عليه السلام والد إمام زماننا عليه السلام كان قد وكّل به طاغية زمانه حتى وفاته، فلما توفى وكّل بحاشيته و أهله، و حُبست جواريه و طُلب مولوده هذا أشدّ الطلب.. فجرت السنة في غيبته بما جرى من سنن غيبته من ذكرنا من الحجج المتقدمين، و ثبت من الحكمة فى غيبته ما ثبت من الحكمة في غيبتهم).
فالشيخ الصدوق هنا يقرّر: ان الحكمة في غيبة الحجة اليوم هو عين ما سبق من الحكمة في استتار حجج الله المتقدمين من المرسلين و الأنبياء عليهم السلام والأوصياء عليهم السلام من خوفهم على أنفسهم من حيف الفراعنة و الطواغيت وبطشهم بهم و قتلهم قبل أداء أدوارهم.
ولتصديق هذه الحكمة السابقة والثابتة والعامّة لم يستشهد الصدوق بنصّ من أخبارهم عليه السلام سوى ما مرّ ذكره عن الصادق عليه السلام في: (أن لله رسلاً مستعلنين و رسلاً مستخفين).
2 ـ الصدوق و حكمة التمحيص:
روى شيخنا قدس سره الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً في التمحيص حيث قال: (كيف انتم إذا بقيتم بلا إمام هدى…، فعند ذلك تميزون وتمحصّون و تُغربلون).
وخبراً آخر عن الصادق عليه السلام أيضاً قال: (تمتدّ أيام غيبة القائم ليصرّح الحق عن محضه، و يصفو الإيمان من الكدر).
وقد عقد باباً بعنوان: باب علة الغيبة، و ذكر فيه أخباراً، سادسها:
عن الصادق عليه السلام أيضاً قال: (اِن للقائم منا غيبة يطول أمدها. فقلت له: يا بن رسول الله و لِمَ ذلك؟ قال: لأن الله أبى إلا أن تجرى فيه سنن الأنبياء في غيباتهم).
و ختم الباب بما سمع عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً حيث يقول: (اِن لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: جعلتُ فداك.. فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته هو وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره).
و هو لما يقرّر هذه الحكمة السابقة و الثابتة و العامّة لا يعنى ذلك أنه يحصر حكمة الغيبة فيها ولا يصدّق غيرها، وإنما يعنى أنه قدّمها هنا على ما سواها من الحِكم،وهذه الحكمة لا تختلف مع حكمة الخوف على النفس دون أداء الدور بل هي هي بالذات تماماً.
3 ـ الصدوق و علّة أن لا تكون عليه عليه السلام بيعة:
قدّم الشيخ الصدوق قبل الأخبار بهذه الحكمة أخباراً, يتّحد الأول منها و الأخير وهي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (صاحب هذا الأمر يغيب عن هذا الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعةً إذا خرج).
والثاني و الثالث عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً قال: (يقوم القائم أو يبعث القائم و ليس في عنقه بيعة لأحد، أو: ليس لأحد في عنقه بيعة).
وثم خبر عن الإمام الرضا عليه السلام قال: (كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدى كالنعَم يطلبون الراعى فلا يجدونه، فان إمامهم يغيب عنهم. قال: فقلت له، و لِمَ ذاك يا بن رسول الله؟ قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف).
4 ـ الحكمة التفصيلية مكتومة:
وآخر خبر يختم به الشيخ الصدوق باب علة الغيبة; هو ما تفضل به الصادق عليه السلام لعبد الله بن الفضل الهاشمي، فأشار فيه إلى ان هاتين الحكمتين المذكورتين إنما هي الحكم الإجمالية.
وان وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره عليه السلام، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما آتاه الله الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلى وقت افتراقهما… و متى علمنا أنه عز وّجل حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلها عن حكمة و اِن كان وجهها غير منكشف. (يا ابن الفضل، اِنّ هذا أمر من أمر الله و ستر من ستر الله و غيب من غيب الله).

الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي

Check Also

عِللُ الغيبة و فلسفتها

«اللّهمّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إنّ لم تُعرّفني حُجّتك ضَلَلْتُ عن ديني»لا نعرف شيئاً بعد معرفة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *