لنسأل الغرب :ضرورة التفكير وتحديد الحالة

إسماعیل شفیعی سروستانی
إن السؤال يليق بمقام المفكر وأن التفكير يتطلب التذكير. إن مفردات وتعابير مثل الفكر والتفكير والمقام الذي يليق بالمفكر، تفقد معناها لدى الذين لا ينبهون الآخرين إلى الظروف والموقع التاريخي ومكانة الأمم عبر التاريخ.

 

إن التفكير والمفكر والتذكير والذكر هي من المصطلحات والعبارات التي باتت لا أثر لها في إبراز جميع المعاني والمفاهيم الأصيلة والحقيقية بسبب اضطراب اللغة وابتعاد الأسماء والألفاظ عن معانيها الأصيلة والحقيقية على مدى الأعوام المائة ونيف الأخيرة. إن جميع العبارات والمصطلحات والأسماء والألفاظ الفارسية، جعلت في خدمة ترجمة التعاليم الحديثة، وأصبحت في الحقيقة لا علاقة وقرابة لها بتلك الأسماء والألفاظ. وهذا الأمر أبطأ درك الكثير من الموضوعات، لانه يطلق بناء على العادة والتقليد المتبع لقب المفكر والعالم وما شابه على المتعلمين والدراسين في المدارس والمراكز الثقافية الغربية وبالأحرى متخرجي العلم الحصولي غربي المحور – والذين أصبحوا يفتقدون إلى الفكر والذكر بسبب الإستئناس والإشتغال بالعلوم العلمانية والدنيوية والغفلة عن التفكير القلبي والعالم المعنوي في الأغلب -. بينما يتم تجاهل حقيقة أن التفكير لا يحصل في خضم الزحام والضوضاء وغليان الحب النفساني، وأن التفكير والمفكر لا يمتان بصلة أصلا إلى الزحام والميل إلى المُلك والحكم والتسلط.
وحسبما يقول الشيخ محمود شبستري:

إن التفكير بمغادرة الباطل والتوجه نحو الحق             لا يتحقق إلا من خلال رؤية الكل المطلق

إن من يستعين في الدنيا، بعقل المعاش والتدبير الإقتصادي، لتدبر الشؤون المُلكية ويعتبر العلم الحصولي معيارا وحجة تامتين، فانه لا سبيل له للدخول إلى ساحة التفكير والإنخراط في جمع أهل الفكر. إن هؤلاء القوم ينتقلون بمدد التفكير، من الظاهر إلى الباطن ومن الجزء إلى الكل، ويرون في رقعة العالم الشاسعة، وجه المحبوب الأزلي والأبدي، ويدركون النسبة بين جميع أجزاء الكون من خلاله.
ويطلق اليوم وبسبب الإرتباك الذهني واللغوي، عنوان التفكير على أي نوع من التدبر والتأمل في الشؤون المُلكية والمادية وحتى الإنغماس في الهواجس النفسانية والرغبات الشيطانية.
إن الإفتراض العام للعمليين والبراغماتيين  الذين يفتقدون للفكر والذكر، يتمثل في أنهم في غنى عن أهل الفكر والنظر، أو أنهم يحسبون إن دعائم النظر قد أرسيت سابقا.  وطبعا هؤلاء أي البراغماتيون، لا يخطئون كثيرا، لأن دعائم النظر، التي تمكن قوام العمل، قد تزعزعت، وإن منظمي ومرتبي أمور وتعاملات الناس، يتكئون بكل ما كان قد بني قبل هذا في بلاد الغرب، وإن هؤلاء يرون أنهم مكلفون ببناء صرح البراغماتية، أكان في السياسة أو الاقتصاد أو بناء المن و… على أساس النظر المقبول والمنشود في العصر الحاضر. إن حصيلة عملهم هي إرساء نمط الحضارة والحداثة الإفرنجية في البلدان الاسلامية الشرقية وابتعاد الأجيال عن الدين وإعراض الشبان عن الأدب والتقليد الديني والأخلاق والقيم. وبلا ريب فإن إصلاح ما هو جار ومعمول به في جميع العلاقات الفردية والجماعية للناس، بمدد تلك الخبرات والعلوم سواء علم النفس وعلم الاجتماع و… – والتي تستند كلها إلى الأسس النظرية الغربية – لا يتمخض إلا عن المزيد من الأزمات، مثلما أن العودة البحتة إلى نمط الدين والعمل لإحياء هذه الصور، لا يؤتي أكله.
ويجب معرفة أن هذا الوضع المشوه، يقدر رزق ونصيب أمم الشرق طالما أنها لم تبدأ بشكل جاد السؤال من الغرب.
إن السؤال، يعود أصلا إلى وقت الحيرة والإنشداه، وحينما تطغى الأزمات وتربك كل شئ. وعندما يتم إخضاع تاريخ وفكر وثقافة ما بصورة جادة للسؤال والتحقيق، فان ذلك يشكل مقدمة للخروج من الأزمة وتحديد الحالة.
إن العنصر الضروري للسؤال من الغرب، يكمن في الشعور بضرورة تحديد الوضع والحالة وإعلان الموقف، مثلما أن ضرورة الخروج من الأزمة هي التساؤل عن عامل ومسبب الأزمة، وإلا فان الأمم التي لا تسعى لتحديد الحالة، وتهم في نطاق التاريخ الغربي وبالتالي بمدد العقل الجزئي وعقل التدبر والمعاش والمكاسب التكنيكية المنفعلة، لمعالجة الأمور، لا تجد ضرورة لطرح السؤال عن الحالة.
وربما لهذا السبب فان السؤال من الغرب قد بدأ من الغرب ذاته، وكما ذكرنا سابقا، فان الكثير من بين المثقفين الغربيين بمن فيهم اشبينغلر من فلاسفة التاريخ ونيتشة وكي يركه غورد وهايدغر وآخرون هم من هؤلاء.

یتبع انشالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.