سطر العراق منذ الاحتلال الامريكي عام 2003 ارقاما قياسية لا يحسده أحد عليها وتتمنى دول العالم الأخرى ألا تقترب منها. إذ مر زمن ظل العراق فيه أخطر بلدان العالم على الصحفيين والاعلاميين. وما زال الاعلاميون العراقيون يدفعون ثمن هذا اللقب البغيض.
ولعل ما نشرته الأمم المتحدة من بيانات مؤخرا يُسجل للعراق أشد ارقامه القياسية مأساوية حتى الآن. إذ تبين ارقام المنظمة الدولية ان العراق يتصدر دول العالم بعدد مواطنيه الذين اصبحوا لاجئين في بلدهم. وبحسب هذه البيانات فان عدد العراقيين الذين تعرضوا للتهجير زاد على 3.5 مليون مواطن حتى الآن.
ومن المؤشرات ذات المغزى في ارقام الأمم المتحدة ان 90 في المئة من إجمالي عدد المهجرين والنازحين داخل بلدهم في الشرق الأوسط وشمال افريقيا يعيشون في العراق وسوريا التي تشهد حربا أهلية طاحنة منذ اربع سنوات.
وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ان تصاعد المواجهات المسلحة في محافظات العراق الوسطى والوضع الأمني المتغير باستمرار أسفر عن حركات نزوح جديدة وثانية. وتوقعت المفوضية ان تبقى هناك قيود تحد من قدرتها على الوصول الى هؤلاء النازحين وكذلك قدرة النازحين أنفسهم على المرور عبر مناطق معينة من العراق.
ولفتت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الى محنة النازحين الجدد قائلة ان امكاناتهم المالية المحدودة اصلا سرعان ما تنضب وتُستنزف بسبب ارتفاع تكاليف السكن والمواد الغذائية الأساسية.
في هذه الأثناء حذرت الأمم المتحدة من توقف عملياتها لمساعدة ملايين النازحين والمهجرين وضحايا الحرب مع تنظيم داعش ما لم تتوفر لها مصادر تمويل على الفور.
وناشدت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة معها في مطلع حزيران الماضي الجهات المانحة تقديم نحو 500 مليون دولار لمساعدة 5.6 مليون عراقي بتوفير احتياجاتهم الأساسية من مأوى ومأكل وماء وخدمات أخرى تبقيهم على قيد الحياة خلال الأشهر الستة المقبلة.
وقالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الانسانية في العراق ليز غراندي خلال اطلاق النداء من البرلمان الاوروبي ان عملية اغاثة هؤلاء المواطنين “معلقة بخيوط واهية”.
واضافت “ان الأزمة في العراق واحدة من اشد الأزمات تعقيدا وتفجرا في أي رقعة من العالم”، مشيرة الى ان 50 في المئة من عمليات تقديم المساعدة الانسانية لهؤلاء المواطنين ستتوقف أو تُقلص إذا لم يتأمن لها تمويل على الفور ، واصفة النتائج المترتبة على ذلك بـ”الكارثية”.
وتابعت المسؤولة الدولية واصفة الاحتياجات الانسانية في العراق بالهائلة والمتزايدة مؤكدة ان هناك ما يربو على 8 ملايين عراقي بحاجة الى مساعدات فورا وان هذا الرقم يمكن ان يصل الى 10 ملايين عراقي بحلول نهاية 2015.
وقال المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين ستار نوروز الذي ان محنة النازحين والمهجرين العراقيين تتطلب جهودا متعددة الجوانب وامكانات ضخمة واصفا موجة النزوح الحالية بأنها أكبر موجة يشهدها العراق ويزداد التحدي الذي تمثله هذه الأزمة الانسانية جسامة بانتشار هؤلاء المواطنين على مساحة واسعة من العراق.
ومما يزيد المشكلة تعقيدا ان موجة النزوح ما زالت مستمرة كما لفت نوروز الذي أكد ان عدد العائلات النازحة بلغ حتى الآن نحو 580 الف عائلة. ونزح هؤلاء المواطنون تاركين بيوتهم وممتلكاتهم من المناطق التي وقعت تحت سيطرة “داعش” وخاصة محافظات نينوى وصلاح الدين والانبار.
مدير المرصد العراقي لحقوق الانسان مصطفى السعدون تناول التغير الذي حدث في موقع العراق من بين بلدان العالم الأولى في عدد المهاجرين وطالبي اللجوء في الخارج خلال السنوات الممتدة حتى عام 2011 بجانب دول مثل افغانستان الى تراجع موقعه هذا باندلاع النزاع في سوريا ثم عودته ليكون البلد الأول عالميا في عدد النازحين في الداخل بعد اجتياح داعش مناطق واسعة من العراق منذ صيف العام الماضي.
عضو مفوضية حقوق الانسان فاضل الغراوي لفت الى عدم وجود اتفاقية خاصة بالتهجير والنزوح الداخلي على غرار اتفاقية اللاجئين التي انضم اليها العراق ومن هنا ضرورة شمول هؤلاء المواطنين باتفاقية اللاجئين لعدم وجود اتفاقية تحميهم وتضمن حقوقهم، مشيرا الى ان المشكلة كانت الى ما قبل عام تتعلق بلاجئين بين بلدان سواء أكانوا من سوريا الى العراق الذي استقبل نحو 300 الف لاجئ سوري او من العراق الى سوريا قبل اندلاع حربها الأهلية لكنها اصبحت الآن أزمة لاجئين في بلدهم.
واستعرض الغراوي محنة النازحين في الداخل ، من تعرضهم الى القتل لوقوفهم ضد داعش واستخدام داعش لهم دروعا بشرية ، الى معاناتهم فيما يتعلق بتوفير الأمن والمأوى والاحتياجات الغذائية وخدمات اساسية مثل الصحة والتعليم واصفا عدد النازحين بأنه “مهول” لم يعرف بلد آخر مثيلا له بوجود عصابات داعش التي هجَّرت هذه الملايين.
ورأى عضو مفوضية حقوق الانسان فاضل الغراوي ان تعدد الجهات التي تتعامل مع النازحين وتداخل صلاحياتها واجراءاتها البيروقراطية زادت معاناة هؤلاء المواطنين بدلا من تخفيفها في وقت ما زالت ظروف العودة الطوعية الى المناطق المحررة غير مواتية ، بما في ذلك بقاء الأوضاع الأمنية هشة في هذه المناطق وعدم توفر الخدمات والبنية التحتية المشجعة فضلا عن بيئة العنف التي اشاعها داعش في هذه المناطق.
واشار الغراوي الى تجاهل اقتراح قدمته مفوضية حقوق الانسان بأن تُعطى الأموال التي تُخصص لمساعدة النازحين الى المحافظات المستضيفة مباشرة لأنها على تماس يومي بأوضاع اللاجئين وتعرف احتياجهم بصورة أفضل مع ضرورة استخلاص الدروس من الخبرات السابقة في هذا المجال مثل أزمة النزوح عام 2006 وخاصة تشكيل هيئة عليا للطوارئ والأزمات ودعم الجهة القطاعية في وزارة الهجرة والمهجرين بالموارد المالية والكوادر البشرية.
ودعا الغراوي الى اقامة مخيمات قرب المناطق الساخنة تحسبا لموجات نزوح جديدة وخاصة في محافظتي نينوى والانبار ، واتخاذ اجراءات سريعة في المناطق المحررة لتيسير عودة أهلها.
عضو لجنة المهجرين والمرحلين في مجلس النواب لقاء مهدي وردي لاحظت ان العراقيين بسبب انتكاس الأوضاع وترديها عادوا يبحثون عن بلدان أخرى يلجأون اليها رغم انعدام المساعدات وفرص العمل فيها مفضلين المهجر والغربة بعد ان اصبح العراق بلدا طاردا لأصحاب الكفاءات والشباب ليبدد نتائج الجهود التي بُذلت سابقا من أجل عودتهم الى الوطن ومن هنا اقتراح اللجنة ان يُعامل المهاجر العائد معاملة النازح.
ودعت النائبة وردي الحكومة الى وقف نزيف العراق من أهله بتوفير الأمن والحياة الكريمة للمواطنين محذرة من ان العراق سيفرغ إلا من المنتفعين من هذا الوضع ، بحسب وردي.
تبين ارقام الأمم المتحدة ان عدد طالبي اللجوء العراقيين زاد على 18 الف عراقي حتى الرابع من حزيران الماضي.
المصدر : موقع المسلة