الشيخ محمد آل عبيدان القطيفي
عندما يذكر الإمام المهدي عليه السلام تتبادر إلى الأذهان مجموعة من الأسئلة والاستفسارات، بعضها يرتبط بشأنه الخاص، مثل كونه متزوّجاً، وهل أنّ له ذريّة أو لا؟ وبعضها يرتبط بحكومته ودولته التي سوف يقيمها، وكم المدة التي…
عندما يذكر الإمام المهدي عليه السلام تتبادر إلى الأذهان مجموعة من الأسئلة والاستفسارات، بعضها يرتبط بشأنه الخاص، مثل كونه متزوّجاً، وهل أنّ له ذريّة أو لا؟ وبعضها يرتبط بحكومته ودولته التي سوف يقيمها، وكم المدة التي يقضيها في الحكم؟ وكيف سيكون منهجه في الحكم؟ وغير ذلك.
ومن الأسئلة التي تطرح في هذا المضمار: ماذا بعد الإمام المهدي عليه السلام، وهل أنّه بعد قيامه بدولته الكريمة، وانقضاء مدة حكمه الشريف سوف تقوم القيامة، أو أنّ هناك دولة أخرى سوف تكون بعد دولته عليه السلام؟ وإذا كانت هناك دولة، أو كان هناك استمرار لدولته عليه السلام، فمَن الذي سوف يتولّى الحكم والقيام بالحكومة في تلك المرحلة؟
إنّ هذا السؤال كغيره من الأسئلة التي تثار عند الحديث حول القضية المهدوية، وحول الدولة الكريمة التي سوف يقيمها الإمام عليه السلام، وهو لا يقلّ من حيث الأهمية عن الأسئلة الأخرى، كما هو واضح.
كلمات أعلام الطائفة:
ولا بأس في البداية من الإشارة إلى كلمات بعض أعلام الطائفة في هذا الموضوع، فإنّ المعروف بينهم هو البناء على عدم وجود دولة بعد دولة الإمام المنتظر عليه السلام، وأنّ القيامة لن تقوم بمجرّد انقضاء مدّة حكمه عليه السلام، وإنّما سوف يكون هناك استمرارية لدولته الكريمة التي سوف يقيمها.
قال الشيخ الطبرسي قدس سره في كتابه (إعلام الورى بأعلام الهدى): (وجاءت الرواية الصحيحة بأنّه ليس بعد دولة القائم عليه السلام دولة لأحد، إلاّ ما روي من قيام ولده إنْ شاء الله تعالى ذلك، ولم ترد به الرواية على القطع والثبات، وأكثر الروايات أنّه لن يمضي عليه السلام من الدنيا إلاّ قبل القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، والله أعلم).
وقد تضمّن كلامه رحمه الله ثلاثة مطالب هي:
الأول: أنّه ليس من دولة بعد دولة المولى عليه السلام، وهذا يعني إمّا أنْ تقوم القيامة، وإمّا أنْ تستمر دولته، من خلال وجود حكومة أخرى.
الثاني: إنّ هناك مانعاً يمنع من كون الحكم من بعده لولده عليه السلام، حتى لو كانت هناك رواية تشير إلى هذا المعنى، والسبب أنّ الرواية المذكورة لم يحرز صدورها، فهي مجرّد خبر مروي، لا يمكن الجزم به وبثبوته، وترتيب الأثر عليه.
الثالث: أنّه يكون بعد رحلته خروج الأموات، وهذا كما لا يخفى قبل القيامة، وهو الذي يعبّر عنه عندنا بالرجعة، ما يعني أنّ الحكومة سوف تكون للراجعين، فلاحظ.
هذا، وقد حمل شيخنا الحر رحمه الله ما ذكره من حديث عدم تأخّر القيامة من موته إلاّ أربعين يوماً، على ما بعد رجعته عليه السلام، بمعنى أنّه (بأبي وأمي) بعد أنْ يقضي مدّة حكمه المقرّرة له في حياته الدنيا، سوف يخرج إلى عالم الملكوت، ثم سوف يعود بعده كبقية الراجعين، وبين القيامة وبين خروجه من الدنيا بعد الرجعة أربعون يوماً، فلاحظ.
والمتحصّل من كلامه رحمه الله: بناؤه على أنّ الحكم من بعد الإمام عليه السلام سوف يكون للراجعين دون غيرهم. وقريب منه ذكر الشيخ المفيد في كتابه (الإرشاد)، فلاحظ.
وقال في كتاب (الصراط المستقيم): (ليس بعد دولة القائم عليه السلام دولة واردة إلاّ في رواية شاذّة من قيام أولاده من بعده).
وقد وسم الرواية التي تفيد حاكمية أولاد الإمام عليه السلام من بعده بالشذوذ، ومعروف عند أهل الحديث أنّ هذا الوصف يفيد سقوط الرواية المذكورة عن الاعتبار، ويمنع من الاستدلال بها على المدّعي، لأنّ هذا التوصيف يكشف عن مقدار ما فيها من الضعف المانع من الاستناد إليها.
ومثل ذلك بنى شيخنا الحر العاملي رحمه الله، فقد عقد باباً في كتابه (الإيقاظ من الهجعة) بعنوان: في أنّه هل بعد دولة المهدي عليه السلام دولة أو لا؟ استعرض فيه ما يوهم وجود دولة أو حكومة لمن يسمّون بالمهديين، وعمد بعد ذلك إلى مناقشة تلك الأدلة، وبنى على أنّ دولة الأئمة المعصومين عليهم السلام ممدودة إلى يوم القيامة، وأن الثاني عشر خاتم الأوصياء والأئمة والخلف، وأنّ الأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة، ونحو ذلك من العبارات، فلو كان يجب علينا الإقرار بإمامة اثني عشر بعدهم؛ لوصلت إلينا نصوص متواترة تقاوم تلك النصوص، لينظر في الجمع بينهما.
ولم يقتصر رحمه الله على ذكر الخلل في الرواية التي تفيد حاكمية أولاد الإمام عليه السلام من بعده، بل ذكر جملة من الموانع التي تمنع من الاستناد لهذا النصّ وما وافقه.
حكومة الأولياء الصالحين:
وبنى بعض الأعلام رحمهم الله على أنّ الحكم من بعد الإمام عليه السلام سوف يكون للأولياء الصالحين، وذلك لتأمّله في الأدلة التي تضمّنت رجوع المعصومين عليهم السلام، بمناقشة ما دلّ على الرجعة من الآيات الشريفة، ولعدم اعتبار النصوص الدالة على رجوعهم عليهم السلام، على أنّه لو بني على التسليم بالرجعة إليهم، إلاّ أنّه لا يمكن البناء على رجوع الجميع منهم، لعدم تماميّة دليل يدلّ على ذلك، بل إنّه لو أُريد إثباتها من خلال المجموع، فلا ريب أنّ مجموع نصوص الأولياء الصالحين لا يقصر عنها، ما يعني البناء على ترجيحها عليها. كما أنّه التزم بأنّ هؤلاء الأولياء الصالحين يرجعون جميعهم في النسب إلى الإمام المهدي عليه السلام.
ولا يذهب عليك أنّ ما بنى عليه رحمه الله كلامه يقوم على التسليم أولاً بوجود العقب والذرية للإمام المنتظر عليه السلام، وقد عرفت منّا (راجع كتاب كلمات مهدوية للمؤلف) عدم تمامية الدليل على ذلك، بل إنّ البناء على عدم وجود العقب له حتى بعد الظهور، وأنّه يخرج من الدنيا دون عقب، هو مقتضى الصحيحة المروية عن الإمام الرض عليه السلام.
ثم إنّه بعد الفراغ عن ثبوت الذرية له، ورفع اليد عمّا سبق وقدّمناه هناك، فإنّه يبتني على تمامية النصوص المستند إليها في حكومة الأولياء الصالحين، والمعبّر عنها بروايات المهديّين.
ومن الغريب القول بمقاومة نصوص المهديين لنصوص الرجعة، لأنّه لا ريب في كون نصوص الرجعة متواترة، ولا مجال للقول بذلك في نصوص المهديّين، لعدم انطباق ميزان التواتر عليها، كما هو واضح.
ووفقاً لما تقدّم سوف يلتزم بأنّ الحكومة من بعد الإمام عليه السلام سوف تكون للراجعين من المعصومين عليهم السلام.