السيستاني.. مركز القوة في العراق ومحور حيرة العالم

يتطرق المقال إلى دور آية الله العظمى السيستاني في إدارة العراق وإنقاذه من الأزمات وإصداره لفتوى الجهاد الكفائي الذي أجهض مخططات أعداء العراق.

موعود: شهر حزيران من العام الماضي 2014، فقد العراق أكثر من ثلث اراضيه التي سقطت بيد تنظيم داعش المتطرف، هذا التنظيم المتعدد الجنسيات الذي يحظى بأسوأ سمعة بين المنظمات الارهابية في التاريخ الحديث.

بعد ذلك ببضعة ايام، واثناء خطبة لصلاة الجمعة بتاريخ الـ 13 من الشهر ذاته، أصدر آية الله السيد علي السيستاني فتواه البارزة التي دعا فيها المواطنين العراقيين للدفاع عن بلادهم وشعبهم وشرفهم ومقدساتهم.

وكان لهذه الدعوة ان عبأت عشرات الآلاف من المتطوعين على الفور لينظموا الى جانب قوات الامن العراقية. كما ساعدت هذه الفتوى المليشيات الشيعية وموعودء العشائر السنية مع افراد الجماعات المسلحة الايزيدية والمسيحية كي ينتظموا تحت مضلة ما أطلق عليها لاحقا “قوات الحشد الشعبي” التي يقدر عديدها الآن بما يزيد عن 65000 من المتطوعين، بمن فيهم 17000 من موعودء العشائر السنية، وحيث يخضع الجميع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة ممثلا في رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

جاءت سيطرة تنظيم داعش على المحافظات ذات الغالبية السنية نتيجة لتدهور الوضع الامني الذي تصاعدت تعقيداته منذ سقوط دكتاتورية صدام حسين ربيع العام 2003.
وبصرف النظر عن الخطاب الاعلامي الذي صور التنظيم على انه يمثل بضعة مئات من المقاتلين الاجانب الذين تمكنوا من طرد عشرات الآلاف من الجنود العراقيين، الا ان الحقيقة على الارض برهنت عن شيء آخر مختلف تماما.

لقد كان غزو تنظيم داعش منسقا بشكل جيد جاء بدعم عبر الحدود من قبل مؤيدين ومتعاطفين محليين، فضلا عن دعم مالي ولوجستي قوي. ان هجوما معدا ومخططا له بشكل جيد في مرحلة كانت البلاد تعاني فيها فوضى سياسية معقدة انما قاد الى انهيار الجيش العراقي الهش مع قوات الشرطة المحلية التي يهيمن عليها سنة البلاد من تلك المناطق عموما.

واليوم، وبعد مضي عام على تأسيسها، برهنت قوات الحشد الشعبي على انها تمثل قوة مقتدرة وفاعلة أفضل حتى من طيران التحالف الدولي المناهض لداعش. لقد أمكن لهذا الحشد ان يحمي العاصمة بغداد ويحرر تكريت والكثير من المناطق وسط البلاد.

لكن برغم ذلك، كانت تنظيم داعش ولا يزال تواقا بشدة لتحقيق أي انتصارات تمكنه من تعويض خسائره، الامر الذي حدا به الى تعبئة كل مقاتليه الاجانب الذين تحول الكثير منهم الى انتحاريين، وذلك بغية السيطرة على مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار، تلك المحافظة التي كانت خارج السيطرة الى حد كبير منذ العام 2003.

لكن برغم ذلك، يبدو ان قوات الامن العراقية بما فيها الجيش والحشد الشعبي مصممة بشدة على تحرير المحافظة بحلول نهاية العام الحالي. وها هي الولايات المتحدة الان وقد اقرت بفعالية وقوة الحشد الشعبي كعامل اساسي في تحرير المناطق من سيطرة تنظيم داعش، فيما برهن المجتمع الدولي عن دعم لهذه الفتوى تمثل في زيارة الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى مدينة النجف.

ودعوة السيد السيستاني عام 2014 لإعادة بناء القوات العراقية ليست اول خطوة حيوية نحو التدخل الايجابي. فبالرغم من انه يميل الى عدم اقحام نفسه في شؤون العراق السياسية اليومية، الا ان تدخله يثبت مدى اهمية وحساسية تلك الامور، ولصالح جميع العراقيين دون استثناء. كما ان دعوته لتشكيل جمعية وطنية بعد الاطاحة بالنظام السابق عام 2003 مثلت دفعة التشغيل الكبرى التي حركت العملية السياسية الرامية الى كتابة الدستور في العراق. كما ساعد السيستاني على نزع فتيل الصراع الطائفي الذي عصف بالبلاد بعد تفجيرات مراقد سامراء المقدسة التي نفذها تنظيم القاعدة بداية العام 2006. كما لعب السيستاني دورا اساسيا في ضمان عملية انتقال سلسة للسلطة اثناء الانتخابات العامة وكسر حالة الجمود السياسية عامي 2006 و2014.

برغم كونه أبقى بابه مفتوحا لاستقبال الناس والترحيب بهم، الا انه توقف عن لقاء السياسيين العراقيين منذ العام 2011 في مقابل شروع البعض من هؤلاء بالإساءة اليه بغية تسويق صورتهم سياسيا. لكن السيستاني عاد واستقبل رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي بعد ان حظيت حكومته بقبول وطني واقليمي ودولي صيف العام الماضي.

واستمر السيستاني بتوجيه جموع الناس من خلال ممثليه الذين يلقون خطب الجمعة حسب توجيهاته، حيث يدعو الى الوحدة ومحاربة الفساد ودعم النازحين والمهجرين فضلا عن محاربة التوجهات الطائفية. ولنا ان نذكر ان شخصية آية الله العظمى السيد السيستاني اثارت انتباه العديد من الشخصيات والجهات الغربية التي رشحته لنيل جائزة نوبل لجهوده البارزة في حفظ وتعزيز السلام.

داخل العالم الغربي، يعرف الكثيرون آية الله السيستاني بكونه رجل دين وعالم ومرجع شيعي من اصول ايرانية. فبالرغم من كونه ولد في العام 1930 في مدينة مشهد الايرانية، الا انه قرر الانتقال الى العراق عام 1951 ليكرس أكثر من 6 عقود من عمره للحياة في مدينة النجف المقدسة حيث استمر بمشواره العلمي الاسلامي في حوزة النجف التي يمتد عمرها لأكثر من 1000 عام، والتي تعد مركز الدراسات الدينية الشيعية الابرز في العراق. حصل السيستاني على اول شهاداته كمجتهد في مجال التشريع عام 1960.

وقد افادت محاضراته في تدريس التشريع من خلال البحث عن مصادر قوانين الشريعة الاصلية لأفكار المدارس المتعددة في الاسلام. كما ان نمطه في التدريس يركز على الابحاث المقارنة مع القوانين المعاصرة، بما فيها القوانين العراقية والمصرية الفرنسية. كما ركز السيد السيستاني على التجديد في خطاب الاحكام الاسلامية تبعا لمتغيرات الظروف المعاصرة التي تعيشها الامة، وذلك على النقيض من بعض الباحثين الذين يتعاملون مع النصوص التاريخية على انها ثوابت مطلقة لا يمكن تغييرها تماشيا مع التغيير في شروط ومفردات الحياة اليومية المعاصرة.

يقول العديد من علماء ودارسي الحوزة انهم نصحوا الراحل آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (1899-1992) ان يهيئ شخصا لتولي زعامة السلطة الدينية العليا وادارة شؤون التدريس الديني في النجف. وقد جاء اختيار الخوئي للسيد السيستاني لسمو مكانته، واخلاقه، وفضائله، ولياقته، ومعرفته العلمية، فضلا عن شخصيته التي لا تشوبها شائبة. نتيجة لذلك، بدأ السيستاني بإمامة الصلاة في مسجد الخوئي بالنجف مع التدريس في الحوزة. وبعد وفاة الخوئي عام 1992، توصل علماء الدين في النجف الى اجماع توافقي على اختيار السيستاني الذي أصبح آية الله العظمى الابرز في الاسلام الشيعي.

كان لي شرف ان أزور آية الله السيد علي السيستاني الشهر الماضي، هذا الرجل الذي يحمل عبأ منع تمزق العراق على كاهله وحده. وبفيض من الحيوية، فإنني اتذكر تلك اللحظة التي مشيت فيها داخل منزله المتواضع الذي لا يتجاوز الـ 100 متر مربع من المساحة داخل أحد الازقة الضيقة المتفرعة من شارع الرسول المؤدي الى ضريح الامام علي في مدينة النجف المقدسة جنوبي العراق، ذلك المنزل الذي قيل لي انه مؤجر بمبلغ يقدر بـ 400 دولار في الشهر حسب بعض المصادر.

اثناء ذلك اللقاء المهيب، شاركت آية الله افكاري بخصوص القضايا الراهنة، الا انني وجدته أكثر اطلاعا ومعرفة بتفاصيل ما يجري، الامر الذي أقنعني ان الرجل يتمتع بمجلس استشاري جيد الى درجة يحيطه فيها بكل المستحدثات في القضايا الوطنية والدولية.

لقد بقيت كلمات السيد السيستاني ترن في اذني حينما كرر مرارا انه يصلي ليل نهار من اجل ان تنعم الانسانية بعالم آمن، وان يحقق كل المسلمين الوحدة فيما بينهم عبر نبذ الطائفية واحترام حقوق الانسان. ولم يتكلم آية الله البالغ من العمر 85 عاما معي على اساس انني شيعي اوسني، مسلم او غير مسلم، وانما حدثني كانسان وحسب.

لقد تركت استقبال السيد السيستاني وكلي ثقة ان العراق في ايد امينة ما دام فيه رجال يتمتعون بالحكمة من وزن وحجم آية الله العظمى السيد علي السيستاني.
لكن السؤال الذي بقي عالقا في ذهني دون جواب يتمثل في: ما الذي سيحصل بعد رحيل هذا الرجل العظيم عن هذا العراق الهش يا ترى؟

شاهد أيضاً

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

الاخبار – القدس العربي: قام جندي إسرائيلي بتهديد نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين كانوا يتضامنون مع أهالي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *