بقلم:حسن كاظم الفتال
بسم الله الرحمن الرحيم
(فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ـ الأنعام / 54
لم يكن الكون لِيشيد.. ولا السماوات لِتمتد وتبنى.. ولا الأرض لِتبسط وتدحى.. لازال الكل طي العدم لا وجود إلا لله جل وعلا..
وآن أوان الساعة.. يطلق الله سبحانه وتعالى كلمته الأحدية الصمدية لكل شيء.. فيقول: (كن) فيكون. ويبدأ الخلق.. وقبل إن ينشئَ الخليقة يشق من نوره فلقة ليخلق منها رسولَه محمدا صلى الله عليه وآله.. قبل الخلق كله. ليسمق نورُه المتشعشعُ المحيطُ بأقطار السماوات والأرض.. فيكون لها محورا وقطبا تدور فيه وعليه وله. ثم يشطر جل وعلا ذلك النورَ المحمدي فينشئُ منه وصيه ونصيره وخليفته علي بن أبي طالب عليه السلام.. ثم تتشظى الأنوار لتنشر عشرةُ أنوار أخرى.. وتطوفَ أقطارَ السموات مسبحة لله مهللة. تعلم الملائكة التسبيحَ والتهليل. فيعلن كتابُ الله تصريحَه ليكون لسان حال هذه الأنوار ومصداقا لبيان منزلتها ومقامها وعظمتها وأسبقيتها بالخلق والتكوين. وأحقيتها بامتلاك الولاية التشريعية والتكوينية ويصدر قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم. (وَمَا مِنَّا إِلاّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) ـ 166/ الصافون مشيرا إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله وآل بيته الطيبين الطاهرين
والجزيرة العربية التي كانت تُعدُ واجهتُها الحضاريةُ أكبرَ مهد للحضارة. ومستقرَ مكارم الأخلاق.. تهافت ضوء إشراقتها المزعومة.. وبدلا من أن تنصهر بمكارم أخلاقها المعهودة. راح يداهمُها إعصار التخلف.راحت تئد البنات اللواتي هن نعمات واستبدلت القيم والمبادئ والمثل العليا بالتمييز العنصري والتمايز العرقي وإعطاء الحكم والأولوية للجاه والمال وغير ذلك. وكادت أن تنحدر إلى قاع يحيطه ظلامٌ فكري وعقائدي.. وتلبدت سماء موروثاتها بظلمة التراجع والعد التنازلي لاندثار معالم المبادئ والقيم السامية
ولما بلغ السيلُ الزبى وكادت صروح الحضارة الإنسانية أن تنهار ويؤول كل شيء إلى السقوط آن أوان ظهور النور الذي تحول إلى بشر ليقول للناس: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) ـ فصلت/ 6. ثم يعلن مضمونَ رسالته بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فيلاحقه الصوت الإلهي القرآني هادرا ليعرفَه على الناس ويعرفَ الناسَ به. (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ـ الأنبياء / 107. تشرق أنوارُ الرحمة بمحمد صلى الله عليه وآله فيمهد السبيلَ لامتداد الرحمة وديمومتها ويعهدُ بعهده إلى سبطه الذي هو نفسُه بقوله: (حسين مني وأنا من حسين) لتتوسع رقعتُها وتغدو أكثرَ شمولية وأمضى عمومية. هذا العهد والتمهيد تسلل كالنسيم العذب إلى القلوب الصافية السليمة والضمائر النقية ليوسمَها فتنتشي بسلساله الإنساني العذب الرقراق. ولعله مصداقية هذا وانسيابية جلالة التمهيد جذبا الأمانتين العامتين للعتبتين الحسينية والعباسية المقدستين لأن تقيما مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي الحادي عشر فيتصدرُ إقامتَه عنوانٌ يشير إلى معرفة مرتبةِ الإمام الحسين عليه السلام ومقامِه ومكانته ويتساوقُ مع مفهوم الدعوة الإنسانية والرحمة الربانية فيكون الشعار: (الإمام الحسين عليه السلام دعوة إنسانية ورحمة ربانية)
نسأل الله التوفيق لكل العاملين من أجل إعمام الخير والداعين إلى الصلاح والفلاح ويحقق كل أمانيهم