المباني المعرفية للعقيدة المهدوية
السيد رياض الحكيم
افتتح السيد المحاضر الكلام في محاضرته بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ).
ثم تابع بالقول:
إنَّ الحقائق في الحياة الدنيا…
افتتح السيد المحاضر الكلام في محاضرته بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ).
ثم تابع بالقول:
إنَّ الحقائق في الحياة الدنيا تنقسم الى قسمين أو صنفين هما:
الأول: الحقائق والمعلومات العامة والتي في متناول الجميع.
أما الصنف الثاني: فهي الحقائق والمعلومات التي يتوقف الإطلاع عليها على التخصص العلمي والجهد الاستثنائي, ومن هنا انبثقت التخصصات العلمية في كل مجال, باعتبار انّ هذا الخط من المعلومات غير متيسر لكل شخص, بل إنه يحتاج الى مقدمات ودراسات متخصصة ومضنية, تختص فيها كل شريحة, وعلى أساس ذلك تطور المجتمع الإنساني.
بعد هذه المقدمة باشر المحاضر بشرح محاور محاضرته, والتي يمكن حصرهابـ:
١- نشوء الحاجة الى الدين.
٢- المهدوية كالنبوة ترتبط بالغيب.
٣- الحجج المنطقية والموضوعية التي يعتمدها أصحاب الديانات السماوية في القضية المهدوية.
٤- ما يميّزنا نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام.
٥- هوية الإمام المهدي عليه السلام ومسؤوليته.
واليك عزيز القارئ موجزاً بالمحاضرة:
١- نشوء الحاجة إلى الدين:
من فكرة التخصص وعدم تيسر توفر المعلومة للجميع, بالرغم من كونها معلومة … نشأت الحاجة إلى الدين.
فإن الله تعالى لمّا خلق الإنسان زوّده بالعقل والقدرة على تمييز الخير من الشر والخطأ من الصواب.
وباعتبارنا مسلمين فإننا نعتقد بأنّ وراء هذه الحياة حياة أخرى, وأنّ هناك ضوابط ومعايير للسعادة في تلك الحياة، تختلف عن المعايير والمقومات والمقدمات التي توفر السعادة في هذه الحياة, ونحن نجهل هذه القوانين والضوابط التي تحكم هذا العالم…
من هنا فقد أرسل الله تعالى رسلاً ربطهم به, أي بـ(عالم الغيب) لكي يتحملوا رسالاته ويبلغوها للأمم.
ومن هنا كانت فكرة ترتبط بدين الله, ألا وهي فكرة التعبّد.
ومن هنا نقول: ما معنى التعبّد؟
إنه يعني أوامر وتعاليم, أي منظومة تشريعية لايستطيع الإنسان أحياناً أنْ يصل إلى حكمتها, ولا يصل الى مغزاها, بالرغم من كونه عاقلاً قادراً على تمييز الخير من الشر, ولكنه يحتاج الى من يسدده ويوجهه لمعرفة تلك الحقيقة.. الا وهم الرسل الإلهيون الذين اختارهم الله.
٢- المهدوية كالنبوة ترتبط بالغيب:
عندما نلاحظ العقيدة المهدوية نجد أنها بالذات ترتبط ارتباطاً مباشراً بعالم الغيب, وأنه لو لا عالم الغيب لما استطعنا أن نتوصل الى ملامح هذه العقيدة.
إنها مسألة غير معتاد عليها, وكل شيء لم يعتد عليه الإنسان, ولم يألفه تثار حوله تساؤلات ويكتنفه بعض الغموض..
ونحن نلاحظ هذه التساؤلات قد وردت على مر العصور حول الرسالات الإلهية.
إننا عندما نرجع الى القرآن الكريم, وهو يتحدث عن معاناة الأنبياء مع أُممهم نجده في أكثر من موضع يتحدث عن تساؤلات أثارتها تلك الأُمم, مثل كيف نتصور أن يكون هناك شخص يعيش في ما بيننا ويماثلنا من حيث الخلق والطبيعة يرتبط بعالم الغيب ارتباطاً مباشراً.
قال تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً), لذا اتهم الأنبياء بالسحر واتهموا بالجنون فقال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ), بل تعدّت تساؤلات الناس الى طبيعة ومواصفات هذا الرسول, فالبعض رغم تقبله أن يكون هناك ارتباط بين عالم الغيب والإنسان, ولكنه تردد في أنّ الشخص المؤهل للرسالة طرف مرتبط بالغيب.
ان نفس هذه التساؤلات التي قد نلمسها بشأن الرسالة الإلهية نجدها حاضرة بشأن القضية المهدوية, من قبيل مسألة طول العمر, وكيفية الغيبة, والجنبة الإلهية في شخص الامام عليه السلام، أي ارتباطه بعالم الغيب.
٣- الحجج المنطقية والموضوعية التي يعتمدها اصحاب الديانات في القضية المهدوية:
إذا لاحظنا القضية المهدوية نجد أنّ أحد أبعادها هو أصل الاعتقاد بوجود المصلح, مع غض النظر عن التفاصيل.
وهذا الأصل يكاد يجمع عليه المسلمون باختلاف فرقهم ومذاهبهم. بل حتى غير المسلمين, فنجد هناك نصوصاً تؤشر لهذه العقيدة بشكلٍ عام وإجمالي.
فقد جاء في (العهد القديم) في الإصحاح التاسع, وهو يتحدث عن المسيح حيث يقول: وهكذا المسيح أيضاً بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين (عقيدة المسيحيين والسابقين سيظهر ثانية بلا خطيئة للخلاص الذي تنتظرونه).
إذن هناك ظهور آخر للمسيح عليه السلام غير الظهور الأول.
وجاء في (العهد الجديد) الاصحاح السادس عشر من (انجيل متّى) هذا التعبير: (فإنّ ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله).
فنحن نلاحظ أنه يقول: ابن الإنسان.
إنّ هذا العنوان وهذه البشارات تتكرر، حتى أن الكاتب المسيحي (مستر هاكس) يقول: (وردت هذه اللفظة وهذا العنوان ثمانين مرة بالعهد الجديد, وفي ثلاثين مرة المقصود منها السيد المسيح عليه السلام, وفي خمسين مرة المقصود منها المصلح).
فهذه الفكرة موجودة عن المسيحيين في عقيدتهم , بل حتى على مستوى اليهودية.
أما في الاسلام فالأدلة والشواهد كثيرة.
٤- ما يميزنا نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام:
وهنا يمكن أن نلاحظ عدّة أمور:
الأول: مجموعة من الروايات الكاثرة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام. وهي تتحدث عن غيبة طويلة لهذا الامام, وأنّ أمره ليس مجرّد ظهوره في آخر الزمان, مثل الأدلة والروايات التي أشرنا اليها.
إن فكرة الغيبة لهذا الإمام لم تحدث فجأة, وإنما تحدث أو حدثت على مرحلتين:-
المرحلة الأولى: أو ما يسمى بالغيبة الصغرى والتي استمرت حوالي سبعين عاماً, أو تسعاً وستين عاماً وخمسة أشهر وأيام, وفي هذه الفترة كان ارتباط الناس مباشر مع الإمام وعن طريق عدّة أشخاص, وليس شخصاً واحد حتى يكون موضع اتهام, وهؤلاء هم النواب الأربعة, رابعهم وآخرهم الشيخ علي بن محمد السمري.
ثم جاءت المرحلة الثانية, مرحلة الغيبة الكبرى, والتي استمرت من وفاة النائب الرابع للإمام (الشيخ السمري) وحتى زماننا هذا.
إذن هذه الغيبة لم تحدث فجأة, وإنما سبقتها الغيبة الصغرى.
وعن هذه الغيبة _أي الغيبة الكبرى_ قال الإمام الصادق عليه السلام: (أما والله ليغيبن عنكم مهديكم حتى يقول الجاهل منكم والله مالنا في آل محمد حاجة, ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).
والأمر الثاني: هو الروايات الواردة من الفريقين, وهي بالمئات,وكلها تتحدث بالسنة وعبارات مختلفة ومتفاوتة, والشيء الملفت للنظر في هذه الروايات, إنه لم يرد ولا في رواية واحدة منها أنّ المهدي عليه السلام يولد في آخر الزمان.. بل الموجود فيها عبارات: يظهر.. يبعث.. ينزل, وأمثالها, ونجد هذه الروايات لم تتحدث عن ولادته بالمستقبل..
وهذا ما يؤكد أن الروايات تحدثت واهتمت وركّزت على ظهوره فقط, لأنه قد ولد سابقاً.
٥- هوية الامام المنتظر عليه السلام ومسؤوليته:
كل الروايات تتحدث عن مسؤولية المهدي المنتظر, وهي اصلاح شامل, وإمامة حجة على البشرية, لأنها -أي البشرية_ قد عجزت أنْ تقيم عدلاً شاملاً, وهذا الشخص هو بالذات من يتولى هذه المسؤولية.
لقد حددت الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة هوية هذا المخلص وشخصه وبما يمنع الالتباس عن الأمة في تمييزه عند ظهوره.
هذا في مدرسة أهل البيت عليهم السلام, أما في غير هذه المدرسة, فالمهدي غير مشخص الهوية, وانه فقط عنوان يصلح لأي شخص يدعو للإصلاح.
لذا نجد هذا الشخص قد طبق على أكثر من واحد ولعصور متعددة, كمحمد المهدي ابن المنصور العباسي, وكذلك محمد (ذو النفس الزكية) وغير ذلك كثير كالمهدي في السودان (وهو جد الصادق المهدي في السودان), وكذلك من احتلوا الحرم المكي سنة ١٩٨١م, وغيرهم, ولكن كل محاولات الادعاء تلك قد باءت بالفشل.
وختاماً لمحاضرته قال المحاضر:
أنّ هذا الشخص -أي الإمام المهدي- بهذه الاستثناءات وبهذه المهمة الخطيرة التي تنتظره لايكون الا محدد الهوية.
وإن عناوين شخصه ليست فضفاضة لكي يمكن لأي انسان أن يطبقها على نفسه, بمناسبة وبأخرى، بمال وقوة أو سلطان أو دعاية أو غير ذلك, ولينجرف الناس معه, وبعدها ينكشف الأمر وتفشل المحاولة.
إنه وفق معتقد أهل البيت عليهم السلام, إنّ هوية الإمام المنتظر عليه السلام شخصية واضحة, لأنها تلتقي بالنسب المحدد.
وهناك مجموعة من الشواهد تؤلف مصداقية مدرسة أهل البيت عليهم السلام في شخص وتحديد هوية الإمام بأنهُ محمد بن الحسن العسكري عليه السلام.