الشيخ وسام البغدادي
يقف القارئ عند مطالعة البحوث المعنية بدراسة روايات العلامات أمام عدة مناهج في دراسة علامات الظهور وتفسيرها، قد تكون مختلفة فيما بينها أو متفقة بعض الشيء، وذلك بحسب المنهج المتبع عند الباحث، وإليك بيانها:
يقف القارئ عند مطالعة البحوث المعنية بدراسة روايات العلامات أمام عدة مناهج في دراسة علامات الظهور وتفسيرها، قد تكون مختلفة فيما بينها أو متفقة بعض الشيء، وذلك بحسب المنهج المتبع عند الباحث، وإليك بيانها:
المنهج الأول: (التأويلي أو الرمزي)
يعتمد هذا الاتجاه في تفسيره لبعض روايات العلامات على التأويل والرمزية الذي يعني ( تأويل النص خارجاً عن المعنى الظاهر له).
وهذا المنهج حقيقة قد حصل فيه بعض الاشتباهات وذلك لعدة أسباب منها:
أولاً: عدم الالتفات إلى القرائن الداخلية أو الخارجية في النص، فإنّ غض النظر عن المعنى الظاهر من الرواية يحتاج إلى قرينة تشير إلى ذلك، سواء أنّ نفس الرواية تشير إلى الرمزية والتأويل، أو بجمع قرائن من نصوص أخرى، فمثلاً انّ الظاهر من الروايات التي تتحدث عن السفياني تذكر انه شخص اسمه عثمان بن عنبسة، يرجع نسبه إلى الأمويين، وذكرت لنا أوصافه بكاملها، فعندنا نأتي ونقول إنّ السفياني عبارة عن حركة تظهر في الشام مدعومة من الغرب، أو عبارة أخرى عن الاستعمار الغربي واحتلاله المنطقة بكاملها، فهذا تأويل خلاف الظاهر ولا قرينة تشير إليه.
بينما لو نظرنا إلى الروايات التي ذكرت السلاح الذي يخرج به عليه السلام وهو السيف _وهذا ما عليه ظاهر النصوص الشريفة_، فعن الصادق عليه السلام: (إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلاّ السيف) (بحار الأنوار ج٥٢ ص ٣٥٥)، وغيرها من الروايات لتمكنّا من خلال جمع القرائن الخارجية من بقية النصوص أنْ نقول إنّ الإمام يخرج بسلاح عصره حيث أنّ هناك نصوصاً عديدة تتحدث عن التطور الحاصل في دولة العدل الإلهي.
فعن الصادق عليه السلام أيضاً (…لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد، لو ضرب احدهم بسيفه جبلاً لقدّه حتى يفصله، يغزو بهم الهند والديلم والكرد والروم وبربر وفارس وبين جابرسا إلى جابلقا، وهما مدينتان واحدة بالمشرق وواحدة بالمغرب) (بصائر الدرجات ص ١٤٤)، فهذه الرواية تشير إلى تطور الأسلحة في عصر الإمام عليه السلام بحيث أنّ السلاح الذي بأيدي أصحابه يختلف عن السيف الذي عليه في صدر الإسلام من الناحية المعدنية والإمكانات التي فيه.
ومضافاً إلى ذلك كله، فإنّ الإمام عليه السلام لا يريد أنْ يرجع الناس إلى حالة متخلّفة عن عصره، بل الذي تشير إليه الروايات على عكس ذلك تماماً، فهي صريحة فيما يحصل من التطور الهائل في دولته عليه السلام وعلى جميع الأصعدة، فقد ورد أنّ شيعته لا يكون بينهم وبينه بريد، وانّهم ينظرون إليه ويسمعون كلامه وهو في مكانه، (بحار الانوارج٥٢ ص ٣٣٦)، وغيرها من سبل التطور.
إذن فالمنهج التأويلي يمكن أنْ يسلكه الباحث، لكن بشرط جمع القرائن التي تشير إلى ذلك، امّا بدون قرينة واضحة فلا يمكن الالتزام به.
ثانياً: عدم التحقق من مصدر الرواية أو حل تناقضاتها.
ونجد أنّ هناك بعض الباحثين من سلك منهج التأويل والرمزية لوجود بعض النصوص المتناقضة فيما بينها، وعدم الالتفات إلى مصدر صدورها، فمثلاً هناك من فسّر قضية الدجال بالمفهوم الشامل للحضارات المادية على مدى التاريخ، وليس خصوص حضارتنا، وذلك حلا للنصوص المتناقضة في روايات العامة، وربما لانه لم يلتفت إلى ان هذه النصوص التي وضعها مجموعة القصاصين والوضاعين من قبيل كعب الأحبار وتميم الداري وغيرهما، وذلك لتضخيم حركته وتهويلها للتغطية على الأئمة المضلين، ونكاية بالسيد المسيح عليه السلام، فذكروا له صفات لا يقبلها العقل، منها انّ طوله ستون ذراعاً، وفي جبهته قرن يخرص منه الحيّات، وفي جسده السلاح، ويدخل امصار العرب كلها الا المدينة، ويحيي الخضر بعد اماتته له، ويتناول السحاب بيده، ويخوض البحر الى كعبيه..إلخ حتى يقتل بدمشق وتقوم القيامة، وما شاكل ذلك من أساطير الوضّاعين والقصّاصين، بل انّها جاءت ملائمة لعقيدة اليهود ومستمدّة منها.
فهل يمكن لنا بعد معرفة مصادر هذه الأسطورة أنْ نأتي ونؤوّل الدجّال بالحضارات الغربية المادية على مدى التاريخ، ونربطها بقضية الظهور الشريف ونشغل المنتظرين بها وبهولها، مع انّ روايات أهل البيت عليهم السلام لم تشر له الا في نصوص قليلة لم تفصّل في شخصيته كثيراً، إلا انّها ذكرت خروجه بعد ظهور الإمام عليه السلام وأنّه عليه السلام يقتله ومعه عيسى بن مريم عليه السلام.
المنهج الثاني: (الذوقي أو الانتقائي)
ونعني به في مقامنا جمع النصوص التي تخدم فكر الباحث أو حزبه أو الجهة التي ينتمي إليها، وتحليلها بحسب الأذواق، فهو منهج غالبا ما يكون انتقائيا نابعاً من الأهواء، خالياً من الضوابط والقواعد العلمية السليمة التي سارت عليها الطائفة الحقّة منذ عصر الأئمة عليه السلام والى يومنا هذا، وأكاد أنْ اجزم بخطورة هذا المنهج، وذلك لانّه يؤدي إلى تضليل الكثير من الناس وتضييع أوقاتهم في أفكار خارجة عن الأطر العلمية، وخصوصا عندما يستخدم في قضايا مصيرية كروايات العلامات وغيرها مما يتعلّق بالإمام عليه السلام.
فمثلا نجد انّ اغلب المدّعين للمهدوية أو السفارة إنّما يسلكون هذا المنهج، فهم ينتقون نصوصا تخدم دعواهم ويسلطون الضوء عليها في كتبهم واعلامهم، فمثلاً إنّ الثابت بالأدلة القطعية التي اتفقت عليها روايات المسلمين انّ الأئمّة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر إماماً، بل قد قرنهم بعدد نقباء بني إسرائيل، وعدد الشهور، وعدد العيون التي انفجرت لموسى عليه السلام، وبيّن أولهم وآخرهم، فقال: أولهم علي عليه السلام وآخرهم القائم المهدي عليه السلام، وذلك تحديد واضح وصريح لعددهم عليه السلام.
ولكن جاء بعض المدّعين للمهدوية فادّعى انّه الوصي الثالث عشر وابن الإمام المهدي عليه السلام، عن طريق انتقاء بعض النصوص التي تخدم دعواه، وترك ما تواتر من الأخبار والنصوص عند المسلمين، وتمسّك ببعض النصوص الضعيفة التي لا علاقة لها بذلك، واخذ اتباعه يروّجون هذه الفكرة عن طريق هذا المنهج، تاركين ما تواتر واجمعت عليه الأمّة الإسلامية من النصوص، بل قد عمدوا إلى تأويل بعضها أيضاً حسب أذواقهم.
المنهج الثالث (التطبيقي أو الإسقاط على الواقع )
ونعني به تطبيق بعض روايات العلامات على الواقع المعاصر، من غير أنْ يُعتمد على الأسس والضوابط التي ذكرها أهل البيت عليهم السلام وتبع السائرين على هذا المنهج علماؤنا الأعلام، فبمجرد أنْ يحصل حدث في احد الأمكنة التي وردت في خارطة الظهور الشريف نراه يسقط بعض العلامات على وفق ذلك الحدث غافلا عما يرتبط بتلك العلامة من لوازم وأحداث متتالية ومتقاربة من عصر الظهور الشريف، أو قد يلتفت إليها ولكن من غير دليل واقعي على صدقها أو كذبها .
فبمجرد أنْ حصل حدث في الشام بدأ أصحاب هذا المنهج يسقطون بعض النصوص على الواقع، فادّعى بعضهم انّ الأسد هو الأصهب، وانّ السفياني سيأتي بعد سقوط الأسد مباشرة، ومن هذا القبيل.
وكذلك ما حصل لموت عبدالله ملك السعودية، فقد وردت رواية عن أبي بصير قال فيها: سمعت أبا عبدالله عليه السلام، قال (من يضمن لي موت عبدالله اضمن له القائم، ثم قال عليه السلام إذا مات عبدالله لم يجتمع الناس بعده على احد ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام، فقلت: يطول ذلك؟ قال عليه السلام كلا؟.
مع انّ الرواية التي تتحدث عن عبدالله لا يمكن ترتّب الاثر عليها لوحدها من دون ضمها الى حوادث اخرى تكون قبلها وبعدها فلابدّ أنْ تكون ضمن سلسلة من الاحداث والوقائع التي تقع في ضمن خارطة الظهور، فلا يمكن لنا نفيها مطلقا، ولا قبولها وترتّب الاثر عليها دون ان نضعها في ضمن خارطة الظهور الشريف، وهذا كله يحتاج إلى أدلة واقعية واضحة لا تشويش فيها.
المنهج الرابع: (التوقيتي)
ونعني به تحديد سنة الظهور ووقته، فمثلا يظهر البعض ويقول إنّ الإمام المهدي عليه السلام سيظهر في سنة ٢٠٤٠، أو في شهر كذا، وهكذا، من دون ضوابط وقواعد أسسها أهل البيت عليهم السلام، بل أكدت النصوص والروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام على تحريم هذا المنهج، فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره عن الفضيل قال سألت أبا جعفر عليه السلام هل لهذا الأمر وقت؟ (قال عليه السلام كذب الوقّاتون كذب الوقّاتون كذب الوقّاتون).
إذن عزيزي القارئ لابد من اتباع منهج صحيح قائم على أسس علمية وضوابط رسمها لنا أهل البيت عليهم السلام حتى لا نقع في مغالطات أو إخفاقات قد تؤدّي إلى تضليل الكثير من الناس، وإبعادهم عن المنهج السليم، كما حصل ذلك في واقعنا المعاصر.
فلك أنْ تسأل وتقول: ما هو المنهج العلمي الصحيح في دراسة روايات العلامات وكيف نتعامل معها، وهذا ما سيأتي في الحلقة الثالثة إنْ شاء الله تعالى.