في خضم الاخبار السياسية والعسكرية المتسارعة التي تمر على العالم الاسلامي ، يتساءل كثير من المؤمنين عن علاقة هذا الحدث أو ذاك الخبر بعلامات ظهور الإمام المهدي المنتظر (ع) ، فقد مل الناس من الظلم و ضجروا من الجور فكثر تطلعهم للبحث عن المنقذ و المخلص وزاد اهتمامهم بالقضية المهدوية وصب تركيزهم للبحث عن إرهاصات اليوم الموعود لعلهم يجدون اشارة او بصيص أمل لقرب الفرج ..
في خضم الاخبار السياسية والعسكرية المتسارعة التي تمر على العالم الاسلامي ، يتساءل كثير من المؤمنين عن علاقة هذا الحدث أو ذاك الخبر بعلامات ظهور الإمام المهدي المنتظر (ع) ، فقد مل الناس من الظلم و ضجروا من الجور فكثر تطلعهم للبحث عن المنقذ و المخلص وزاد اهتمامهم بالقضية المهدوية وصب تركيزهم للبحث عن إرهاصات اليوم الموعود لعلهم يجدون اشارة او بصيص أمل لقرب الفرج .. مما يتطلب من المؤمنين التحلي بمزيد من الوعي الثقافي والفكري ليساعدهم على فهم واستيعاب الروايات الشريفة الخاصة بالملاحم و الفتن ، بالاضافة للتاكيد على مجموعة من الثوابت التي يجب مراعاتها عند قراءة علامات الظهور وملامح الفرج ، وهي كالتالي:-
أولا : معرفة العلامات وتقسيماتها: لابد من معرفة ان علامات الظهور تعني تلك الاخبار او الحوادث التي ستقع في المستقبل وتكون مؤشرة على الظهور وقد اخبر بها الرسول (ص) او أهل بيته (ع) .. اذا نحن نتعامل مع روايات صادرة عن المعصومين (ع) ، فيجب ان يكون التعامل ذات صفة شرعية وعلمية ونبتعد عن الهوى و المزاجية والسطحية.
عند قراءتنا لروايات الملاحم والفتن يجب مراعاة التقسيمات التالية:-
· لابد ان نفرق بين علامات قيام الساعة وهي عشرة : ” ظهور المهدي ، نزول عيسى ، الدجال ، ياجوج وماجوج ، الدابة ، ……. ” وبين علامات ظهور الإمام المهدي (عج) ، حتى لا يلتبس علينا الامر ونصاب بسوء فهم عند قراءتنا او اطلاعنا على الروايات الشريفة التي تتحدث عن اخبار المستقبل و آخر الزمان.
· لابد من معرفة علامات الظهور (المحتومة) والتي لابد وان تقع والتي لا يتدخل البداء في كلياتها و لها الكثير من الارتباط بالظهور وتكون مقارنة له ، وهي خمس علامات “اليماني ، السفياني ، الصيحة ، قتل النفس الزكية ، خسف البيداء” وبين علامات الظهور (غير المحتومة) وهي كثيرة والتي لا يمكن الجزم واليقين بانها ستقع.
ثانيا : إدراك الابعاد التربوية للعلامات: ليس المطلوب من المعصومين (ع) ان يذكروا كل خبر سيحدث في المستقبل ويشيرون اليه في رواياتهم الشريفة أو ربطه بالقضية المهدوية ، بل نجدهم (ع) يختارون من الاحداث والاخبار المستقبلية مافيه مصلحة من اذاعتة والافصاح عنه ، وهنا لابد من معرفة الاهداف التربوية والعقائدية من وراء ذكر هذه العلامة او تلك ، حيث ان معرفة العلامات تعتبر حالة تعبئة (تثقيفية) تحصن المؤمن من مخاطر المتاهات الفكرية ، علما بان الهدف الاساسي من ذكر العلامات هو:-
· بعث الامل وزرع التفاؤل في النفوس عبر مختلف القرون والاجيال.
· الايعاز للمؤمنين الى قرب الظهور والتنبيه اليه.
· خلق حالة ايجابية في روحية الانتظار والاستعداد النفسي للظهور.
· تحصين الأمة من الرايات الضالة والمنحرفة.
من هنا نعرف ان علامات الظهور بشكل عام تجعل العلاقة بين الأمة و إمام زمانها (عج) علاقة دافئة متقدة وذات ارتباط مستمر ومخزون روحي كبير تغذيه الروايات الشريفة الخاصة بالعلامات ، ولذا صيغت الروايات بلغة كلية عمومية مقصودة ، يمكن ان تنطبق على قرون مختلفة.
ثالثا: المحافظة على سرية حركة الظهور: ان علامات الظهور هي اشبه برسائل خاصة من المعصومين (ع) الى شيعتهم ومحبيهم بمرأى ومسمع من الاعداء ، لذا لا نتصور ان يضع الرسول (ص) وأهل بيته (ع) اسرار الظهور في متناول اجهزة الاستخبارات العالمية مما يؤدي الى فشل الحركة في بداية انطلاقتها ، ولذا نفهم سبب صياغة اخبار وعلامات الظهور بصورة رمزية خاصة وبغموض مقصود وبلغة كلية عامة مراعاة لحساسية هذه الاخبار لدى مؤسسات الكفر العالمي وامتداداته ، وهذا ما يؤكد اعتماد لغة الترميز باعتباره جزء من مهمة المحافظة على السرية التامة و عدم الحاق الضرر بحركة اليوم الموعود.
من هنا نلاحظ ان روايات علامات الظهور تعتمد طريقة خاصة في الصياغة لا تدع مجال للاعداء وكذلك المؤمنين من الجزم بتحليل محدد او تشخيص دقيق يرسم لنا معالم الخارطة العسكرية للظهور ، وبالتالي لابد ان نعرف ان الروايات الشريفة لا تمكننا إلا من الوصول الى قرائن قوية تبعث على الامل ولكنها لا تذيع اسرار أهل البيت (ع).
رابعا: قراءة علامات الظهور بصورة شاملة: يتطلب من المؤمنين والباحثين ان يقرأوا علامات الظهور كلها وبصورة دقيقة وشاملة ، وليس كل علامة او خبر مستقل عن بقية العلامات والاحداث ، فلا بد من ربط العلامة الواحدة بجميع العلامات والاحداث الاخرى المرتبطة بها ، ناظما كل الاحداث في سلك تاريخي واحد لنستطيع ونتمكن من ايجاد وتحديد القرائن القوية لكل علامة ومدى تحققها ، أما الاستغراق في كل حادثة او علامة بمفردها سيؤدي الى حالة من التيه والضبابية وتكون حينها كل علامة منعزلة عن الاخرى ليس بينهما ضابط ولا رابط ، فضلا عن تشتيت الأفكار وبعثرة الجهود.
ان دراسة علامات الظهور جميعها ، والاطلاع على روايات أهل البيت (ع) كلها في هذا الخصوص ، تعتبر مقدمة ضرورية لرؤية شاملة عن إرهاصات الظهور ، فبتحليل منطقي جيد ونظرة كلية مستمدة من بصيرة نافذة ووجدان عميق يتسنى لنا تحديد القرائن القوية لكل علامة ، وبضم القرائن مع بعضها البعض نستطيع الالمام بالصورة الشاملة لوقائع و احداث وملامح اليوم الموعود.
خامسا: إستيضاح مصدر الخبر او العلامة: لابد من التفريق بين الخبر والتحليل فيما يتعلق باحداث وعلامات عصر الظهور لنعرف مصدر المعلومة ودقة صدقها.
· الخبر (علامة): حدث سيقع في المستقبل واشار اليه أهل البيت (ع) في رواياتهم الشريفة وله انعكاساته القريبة او البعيدة على الظهور، وهو عبارة عن علامة من علامات الظهور.
· التحليل (ليس علامة): ذكر الخبر مع التطرق الى التفاصيل والاسباب والمسببات والانعكاسات المنجرة على هذا الحدث ، وهو عبارة عن رأي واجتهاد و استنباط الكاتب او الباحث او الخطيب يوضح به فهمه للعلامة او الرواية الشريفة.
فمثال على ذلك عندما يقول الإمام علي (ع) “ثم رجفة تكون بالشام ، يهلك فيها مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذابا على الكافرين” (غيبة الطوسي ص 278) ، فكلمة رجفة (الخبر) مصدرها امير المؤمنين (ع) اما تفسيرها او تحليلها فارآء مختلفة : أحدهم يقول زلزال أرضي ، وآخر يقول انفجار نووي ، وثالث يقول اضطراب امني وسياسي وهكذا ، فعندما نسمع بزلزال سيكون بالشام أو بانفجار سيقع بالشام أو باضطراب امني سيحدث في الشام ، فلا بد ان نعرف ان هذا الكلام عبارة عن تحليل وفهم للرواية وليس خبر يقين صادر عن معصوم ، لذا لا بد ان نعرف مصدر المعلومة. الخبر الذي هو عبارة عن علامة من علامات الظهور اذا كان مصدرها المعصومين (ع) فهذا صدق ويقين – بعيدا عن موضوع البداء- أما المعلومة التي مصدرها التفسير والتحليل والفهم فقد تصيب الحقيقة وقد تخطئ ، ولا يصح ان نطلق عليها علامة.
ليتسنى للمؤمنين الحصول على ملكة وإمكانية التفريق بين الخبر والتحليل لابد من الاطلاع على مجمل روايات أهل البيت (ع) الخاصة بعلامات الظهور واستيعاب الفاظها بدقة ، فضلا عن دراسة صحة الرواية من عدمها.
خاتمة القول: عند الحديث عن علامات الظهور لابد من التاكيد على ثوابت اساسية وجوهرية بان تكون واضحة للجميع ومن المسلمات: ان قراءة العلامات يجب ان لا تشغلنا عن معرفة الابعاد الاخرى للقضية المهدوية مثل الجوانب العقائدية وشرائط الظهور وواجبات الانتظار وتهيئة النفس. الابتعاد عن التوقيت المنهي عنه وعدم تصديق من يحدد سنة الظهور. إجتناب إسقاط الروايات الشريفة أو تطبيق شخصيات عصر الظهور على واقعنا الحالي او على اشخاص بعينها وعدم الجزم عند تحديد القرائن للعلامات. كذلك في هذا السياق التأكيد على ان يكون الحديث عن ملامح يوم الظهور مقدمة لتقوية وزيادة ارتباط المؤمنين العاطفي بإمام زمانهم (ع) ، حيث أن من واجبنا في عصر الغيبة أن نعد أنفسنا لنكون من جنده لإحتمال إدراك زمن خروجه (عج) ، نسأل الله ان يوفقنا لذلك ، فكم نحن تواقون لرؤية الإمام روحي فداه ، وحريصون على الانضمام الى حركة الفتح التاريخية الفريدة.
بقلم: مجتبى الساده
صفوى