کشف الناطق الرسمی باسم منظمة التعاون الإسلامی السفیر طارق بخیت، أمس السبت، عن استراتیجیة قادمة للتصدی لظاهرة الإسلاموفوبیا یضعها وزراء خارجیة الدول الأعضاء فی منظمة التعاون الإسلامی فی مؤتمرهم فی الکویت، المقرر عقده یومی ۲۷ و۲۸ مایو المقبل.
و قال بخیت فی تصریح إن ظاهرة الإسلاموفوبیا المتزایدة فی الآونة الأخیرة تشکل قلقا کبیرا لدى منظمة التعاون الإسلامی التی تعمل جاهدة منذ فترة مع المجتمع الدولی والأمم المتحدة لتعزیز خطاب التعایش ومکافحة لغة الکراهیة والتحریض والعداء للأدیان وأتباعها.
ومنذ مایو 2011م، بادرت منظمة التعاون الإسلامی، بالتعاون مع الولایات المتحدة لإطلاق مفاوضات “وتیرة اسطنبول” التی حاولت فی عدة اجتماعات فی اسطنبول، وواشنطن، ولندن، وجدة، إیجاد أرضیة حوار لوضع آلیات تحد من إنتاج الآلة الإعلامیة الغربیة لحملات إساءة منهجیة ضد الإسلام والمسلمین، توجت بقرار مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان 16/18 حول “مکافحة التعصب والصورة النمطیة السلبیة لمجتمع ما، والوصم بالمثالب، والتمییز، والتحریض على العنف، والعنف ضد الأفراد على أساس الدین أو المعتقد.”
کما عقدت المنظمة فی 2012م اجتماعا للشخصیات البارزة المسلمة فی اسطنبول لبحث المفاهیم، والسبل الفکریة التی تعزز الحجج فی مطالبة المنظمة بتشریعات أوروبیة محلیة تحد من “حملات الکراهیة” ضد المسلمین، طالما کان من الصعب المضی فی قرارات جدیدة أو تعدیلات تطال المادة 19 فی الإعلان العالمی لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والذی یکفل مبدأ حریة التعبیر.
قلق دولی من رهاب الإسلام
وتصاعدت حدة الأحداث المرتبطة بظاهرة الإسلاموفوبیا أو “رهاب الإسلام”، على مدى الأسابیع الماضیة بدأت بتداعیات الاعتداء على مجلة تشارلی إبدو الفرنسة فی ینایر الماضی التی حملت إساءة جدیدة للإسلام ورسوله، واستمرت حتى وصلت إلى قتل ثلاثة شبان مسلمین فی شابیل هیل فی أمریکا مطلع فبرایر، ناهیک عن تدنیس عدد من المساجد واعتداءات متفرقة على مسلمین فی الغرب.
وفی کلتا الجریمتین عملت الدوائر القانونیة الغربیة على إیجاد مخارج تشریعیة تبرر استفزاز مشاعر المسلمین وتنامی ظاهرة الإسلاموفوبیا متعللة بحریة التعبیر، تماما کما تنفی تهم الکراهیة عن تلک الاعتداءات التی تطال أفرادا مسلمین فی الغرب وترجعها إلى اسباب لا ترقى إلى الکراهیة منها الخلاف على موقف للسیارات مثلا.
دعاة الخوف من الإسلام
وبالعودة إلى من یقف وراء تنامی ظاهرة الإسلاموفوبیا فی أوروبا مثلا، نجد معسکرین غربیین مناصرین لحملة تتجدد ضد الإسلام ومسلمی الغرب، جمعتهما المنافع الثقافیة والسیاسیة والتجاریة، فتارة یتبناها معسکر “الیمین الأوروبی المتطرف” ومؤیدوه، تحت ذریعة الحد من الهجرة، وتحصین المجتمعات الأوروبیة المسیحیة ضد الثقافة الإسلامیة “الدخیلة” على حد زعمهم والتی یمثلها ملایین المواطنین والمقیمین فی الغرب.
والمعسکر الثانی المتمثل فی بعض “الیمین المعتدل” و”التیار الیساری” الذی یدافع عن قیم حریة التعبیر باعتباره أساس مقدس لا یجب المساس به حتى لو کان ذلک على حساب حساسیة أتباع الدیانات الأخرى، ویظهر هذا الدفاع المستمیت عن جولات الإساءة المستمرة ضد المسلمین، تحالفا نادرا بین المعسکرین.
وبین زعم الیمین المتطرف بأنه یسعى إلى حمایة ثقافته بالدفع إلى حملات إساءة لا تتوقف، وحجة الیسار بإبقاء الحصانة على حریة التعبیر مفتوحة بأی ثمن کان، تتکشف ثغرات عدیدة فی الطرح الغربی بازدواجیة معاییره، التی لطالما دعت إلى الکف عن “معاداة السامیة” وسنت القوانین الرقابیة الرادعة ضد کتاب وسیاسیین أساءوا للیهود داخل أوروبا.
ویقول رئیس المجلس الأعلى للائمة والشؤون الإسلامیة فی البرازیل الشیخ خالد تقی الدین “إن الأحزاب الیمینیة تتخذ من الإسلاموفوبیا وسیلة لزیادة اتباعها وتحقیق مبتغاها فی الانتخابات وهذه الأحزاب لدیها تراکمات تاریخیة ضد الإسلام ودائما ما یرددون بأنه دین عدو یدعو للعنف وهو دین مخصص للبدو والعرب فقط”.
وأضاف “الیسار وإن کان متشبثا بحریة التعبیر نجد فیه تیارات تتضامن مع الإسلام والمسلمین (…) ففی أمریکا اللاتینیة على سبیل المثال نلاحظ التفریق فی خطابهم بین الإسلام کدین تسامح وبین ما تفعله الجماعات المتطرفة التی تدعی انتمائها للإسلام”.
وحث تقی الدین “المجتمعات المسلمة التی تعیش فی الغرب على تنمیة الخطاب الغربی المعتدل الذی یفرق بین الإسلام والإرهاب وإقامة وتنمیة العلاقات مع بعض التیارات الیساریة التی تلتقی مع الإسلام فی کثیر من الأفکار مثل محاربة الفقر والتوزیع العادل للثروة”.
وأکد “أن موجة الإسلاموفوبیا اکتسحت العالم الغربی ووصل مدها إلى دول أمریکا اللاتینیة فالأحزاب الیمینیة لدیها التقاء رؤى وافکار مع الیمین المتطرف فی أوروبا وأمریکا ومدفوعة بتحریض صهیونی ومن بعض الکنائس وهی تحرض على العداء على المسلمین وهو ما ولد خوفا لدى المسلمین فی أمریکا اللاتینیة”.
وإزاء الحصانة التی یتمتع بها مبدأ حریة التعبیر فی الغرب، وصعوبة العمل على سن تشریعات محلیة تنظم وتؤطر مبدأ حریة التعبیر، طالب رئیس المجلس الأعلى للائمة والشؤون الإسلامیة فی البرازیل “منظمة التعاون الإسلامی وسفراء الدول الإسلامیة فی أمریکا اللاتینیة لتشکیل قوة ضغط على الحکومات وعبر القنوات القانونیة لإصدار قوانین محلیة تجرم الإساءة إلى الأدیان والمعتقدات ومعتنقیها وتکف عن لغة التحریض والکراهیة (…) هذه الأمور یجب أن تضبط ولا تترک انتهاکات المقدسات مفتوحة اسوة بمعادة السامیة”.
ویعلق الناطق الرسمی باسم منظمة التعاون الإسلامی على هذا الطلب بأن “الاستراتیجیة المزمع بحثها فی مؤتمر الکویت ستبحث آلیات للتعامل مع ظاهرة الإسلاموفوبیا تشمل التنسیق والتعاون مع المنظمات الدولیة والمجتمع والحکومات وکیفیة الاستفادة من منظمات المجتمع المدنی”.
البعد التجاری
وکان البعد التجاری حاضرا فی مجلة تشارلی إیبدو التی لم تطبع فی تاریخها أکثر من 60 ألف نسخة، حین طبعت خمسة ملایین نسخة فی عددها الذی تلى حادث الاعتداء علیها بالترافق مع نشرها رسوم کاریکاتوریة مسیئة لشخص النبی محمد صلى الله علیه وآله وسلم، الأمر الذی کان ـ بحسب مراقبین ـ فرصة سانحة لإنقاذ المجلة من إفلاس محتم.
لکن البعد التجاری أو المادی فی سیاسة المجلة التی بدت انتهازیة ـ بحسب نقاد ـ، وقوبلت لاحقا بموجة انتقادات محلیة فی فرنسا، تکشف خللا فی مبدأ حریة التعبیر، والمدى الذی یمکن الذهاب إلیه، لیس فی الالتزام بالبعد القیمی للمبدأ، بل فی الانتفاع من ظاهرة جماهیریة وفرت للمجلة عددا أکبر من القراء، على حساب الإساءة لعقیدة شریحة واسعة من الفرنسیین والمسلمین فی أنحاء العالم، والتذرع بعد ذلک بحریة التعبیر، من دون إلقاء بالٍ للجدل والمشاکل العالقة التی خلفتها المجلة.
معیار المشاهد الصادمة
وتمتنع وسائل الإعلام الغربیة عن عرض مشاهد صادمة کالإیذاء والتعذیب وإذا ما شذت إحداها ونشرت مشهدا آذى مشاعر المشاهدین یدخل الجدل حول أعراف تحظر بث لقطات من شأنها أن تثیر حساسیة المشاهدین، أو تخدش حیاءهم وتواجه الوسیلة الانتقاد بدعوى نکثها مواثیق شرف العمل الإعلامی.
ویحیلنا هذا المبدأ الإعلامی المتعارف علیه، إلى حقیقة التفسیرات للمشاهد الصادمة التی یقرر بشأنها المحررون، وفیما إذا کانت الإساءة لرسول الإسلام، صادمة لملیار ونصف الملیار مسلم، یرفضون بإجماع ما یمکن أن یولد الصدمة لدیهم، ویجرح مشاعرهم، وإمکانیة إضافة هذه المشاهد أو اللقطات الساخرة إلى قائمة ما یعده القائمون على العملیة الإعلامیة بمشاهد صادمة، وغیر مستحبة.
ویقرأ الناطق الرسمی لمنظمة التعاون الإسلامی ذلک بقوله “هناک ازدواجیة بالمعاییر الإعلامیة الغربیة ومنها من لدیه أجندة خاصة تعادی الإسلام والمسلمین وواجبنا التصدی لهذا العداء والترکیز على الجوانب الإیجابیة وبناء علاقات مع وسائل الإعلام الدولیة المعتدلة”.
المصدر: إینا