السيد محمد حسن الحسيني الطهراني
إنّ مجالس التوسّل بولي ّالعصر عليه السلام ومحافله هي في غاية الحسن والجودة . بَيدَ أنّ التوسّل الذي يُقْصَدُ من ورائه الحقّ؛ والوصول إلى الحقّ؛ ورفع الحجب الظلمانيّة والنورانيّة ؛ وكشف حقيقة الولاية والتوحيد؛…
إنّ مجالس التوسّل بوليّالعصر عليه السلام ومحافله هي في غاية الحسن والجودة. بَيدَ أنّ التوسّل الذي يُقْصَدُ من ورائه الحقّ؛ والوصول إلى الحقّ؛ ورفع الحجب الظلمانيّة والنورانيّة؛ وكشف حقيقة الولاية والتوحيد؛ وحصول العرفان الإلهيّ والفناء في ذاته المقدّسة، هو التوسّل المرغوب والمحمود. ولذلك فإنّ انتظارالفرج حتّى في عصر الائمّة عليهم السلام أنفسهم كان يعتبر من أعظم الاعمال وأكثرها فضيلة .
إنّ التوسّل بحقيقة ولاية الإمام لكشف حجب الطريق من أفضل الاعمال؛ لانّ توحيد الحقّ من أفضل الاعمال. كما أنّ انتظار الظهور الخارجيّللإمام عليه السلام بوصفه مقدّماً على ظهوره الباطنيّ وكشف ولايته مفيد. وانتظار الظهور الخارجيّ محبوب ومحمود في ضوء ذلك.
وإذا كنّا نرمي إلى الظهور الخارجيّ وحده دون القصد إلى تلك الحقيقة ومحتواها، فقد بعنا الإمام عليه السلام بِثَمَنٍ بَخسٍ حينئذٍ؛ وبالتالي فنحن المتضرّرون كثيراً؛ لانّ المراد والمقصود ليس التشرّف بحضوره الطبيعيّ؛ وإلاّ فإنّ كثيراً من الناس كانوا يرون الائمّة في عصورهم ويحضرون عندهم؛ ويتكلّمون معهم؛ بَيدَ أنـّهم كانوا لا خلاق لهم من حقيقتهم. ولو كنّا في مجالس التوسّل، أو عند الاختلاء بأنفسنا توّاقين إلى لقائه؛ ورزقنا الله ذلك، ولم تكن غايتنا لقاء الله وحقيقة الولاية، فإنّنا نتشرّف برؤيته على نفس النسق الذي كان الناس به يتشرّفون برؤية الائمّة والحضور عندهم آنذاك. وأنـّه لغَبْن وضرر كبير أنْ نتشرّف بخدمته بعد الجدّ والجهد والكدّ والسعي، بينما ليس لدينا هدف أعلى وأسمى من اللقاء الظاهريّ_وهذا اللقاء في الحقيقة لرفع الشكّ والشبهة عن وجوده وطول عمره عليه السلام_ أو أنْ نتوجّه إليه في قضاء حوائجنا المادّيّة ورفع ما يهمّنا من أُمورنا الخاصّة أو العامّة؛ وهو أمر كان متيسّراً لجميع الناس الذين شهدوا عصر الائمّة عليهم السلام بدون مشقّة التوسّل.
على أنّ الشيء القيّم حقّاً هو التشرّف بحقيقة الإمام عليه السلام وبلوغها، والشوق إلى لقائه من حيث آيتيّة الحقّ سبحانه وتعالى؛ وهذا هو المهمّ؛ وهو من أفضل الاعمال؛ ومثل هذا الانتظار للفرج يحيي القلوب وينعش النفوس ويطيّب الأرواح.
ولكن ما هي القيمة من وراء العلم بزمن ظهوره الخارجيّ لنا؟ فقد ورد في الأخبار النهي عن التفحّص والتجسّس في مثل هذه الاُمور.
إفرضوا أنـّنا عرفنا زمن ظهوره عليه السلام عن طريق علم الجَفْر والرَمْل الصحيح، فماذا نفعل حينئذٍ؟ وما هو واجبنا؟ إنّ واجبنا هو تهذيب النفس الامّارة وتزكيتها وإعدادها للقبول والتضحية والإيثار.
إنّنا مكلّفون بهذه الاُمور دائماً؛ وما علينا إلاّ أنْ نعيش أجواء تهذيب النفس وتزكيتها، وتطهير الضمير؛ سواء عرفنا وقت ظهوره عليه السلام أو لمنعرف ذلك؛ ولو أخلصنا نيّاتنا وتأهّبنا لذلك فسيحالفنا الحظّ والتوفيق بلقائه الحقيقيّ؛ ولو لم نكن كذلك، فإنّنا لن نقطف شيئاً ذا بال من وراء لقاء جسمه المقدّس، العنصريّ والمادّيّ؛ ولا نحصل على نتيجة من هذا اللقاء.
ولذلك نرى كثيراً من الاشخاص الذين أقاموا في مسجد السَهْلَةَ أو في مسجد الكوفة، أو في غيرهما من الاماكن المقدّسة أربعينيّات متعدّدة لزيارة الإمام عليه السلام وظفروا بذلك، إلاّ أنـّهم لم يحصلوا علىشيء مهمّ من تلك الزيارة.
وما ينبغي ذكره أكثر من غيره هو أنّ الظهور الخارجيّ والعامّ لميقع للإمام عليه السلام بعد؛ ومرتبط بأسباب وعلامات لابدّ من تحقّقها؛ إلاّ أنّ الظهور الخاصّ والباطنيّ ممكن للبعض؛ وبكلمة بديلة: إنّ سبيل الوصول إلى الإمام عليه السلام والتشرّف بخدمته مفتوح للجميع، غاية الأمر أنـّه يحتاج إلى تهذيب الاخلاق وتزكية النفس.
وكلّ من نوى لقاء الله هذا اليوم، وجاهد نفسه لهذا الهدف، فسيحظى بظهور الإمام عليه السلام الشخصيّ والباطنيّ دون أدنى شكّ، ذلك لانّ لقاء الحقّ لا يتحقّق بدون اللقاء الآيتيّ والمرآتيّ للإمام عليه السلام.
وَمُحَصَّلُ الْكَلاَمِ هو: أنّ طريق التشرّف بحقيقة ولاية الإمام مفتوح؛ وهذا هو المهمّ؛ إلاّ أنـّه يحتاج إلى مجاهدة النفس الامّارة وتزكية الاخلاق وتطهير الباطن؛ وكذلك يحتاج إلى السير والسلوك في طريق عرفان الحقّ سبحانه وتعالى وتوحيده؛ سواء تحقّق الظهور الخارجيّ والعامّ للإمام عليه السلام عاجلاً أو لميتحقّق.
وذلك لانّ الله جلّ شأنه غير ظالم؛ ولا يمنع فيضه؛ ولميوصد طريق الوصول أمام المشتاقين التوّاقين.
هذا الباب مفتوح دائماً؛ ويرحّب بدعوة المحبّين والمشتاقين والعاشقين ملبيّاً لها.
فما على عشّاق الجمال الإلهيّ والمشتاقين إلى لقائه جَلَّ وَعَلاَ إلاّ أن يجدّوا في طريق سير عرفانه وسلوكه بخطى ثابتة وطيدةويوصلوا أنفسهم إلى النقطة المنشودة بالتهذيب والتزكية، والمراقبة الشديدة، والاهتمام بالواجبات الإلهيّة، والتكاليف السبحانيّة، وحينئذٍ _شاء الإنسان أم أبى_ فإنّهم سيحبرون بالطلعة المنيرة لإمام الزمان عليه السلام وقطب دائرة الإمكان الذي يمثّل وسيلة الفيض وواسطة الرحمة الرحمانيّة والرحيميّة للحقّ
ويتمتّعون بكلّ السبل المفيدة لتكميل نفوسهم؛ ويستثمرون جميع الاستعدادات الفطريّة من أجل التطبيق العمليّ لها بغية الوصول إلى نقطة الكمال.
وينبغي هنا أنْ نأخذ بعين الاعتبار ثلاث نقاط:
الاُولى: أنّ غيبة الإمام عليه السلام هي من جانبنا لا من جانبه. أي: أنـّنا حرمنا أنفسنا من زيارته بسبب ذنوبنا وأنانيّاتنا وتوجّهاتنا الاستكباريّة، لا أنـّه هجر نفسه وأخفاها عنّا، وبعبارة أُخرى، هو غائب عنّا، ونحن غير غائبين عنه.
الثانية: أنَّ قدرة الإمام عليه السلام وعلمه وإحاطته وسيطرته علىالاُمور، كلّ ذلك لا يتوقّف على عصر الظهور بحيث نتصوّر أنـّها ليست له قبل الظهور، وإذا ما ظهر فسوف تكون له. بل هو في الحالين يتمتّع بالهيمنة والسيطرة والإحاطة التكوينيّة، وهي كلّها لازمة لولايته الكلّيّة؛ إلاّ أنَّ هذا الامر محجوب عن أنظار الناس، وعن إدراك العقول والنفوس قبل الظهور، وسيتجلّى بعد الظهور.
الثالثة: انّ القدرة العمليّة للإمام عليه السلام وسعته العلميّة وإحاطته التكوينيّة بالأُمور لا تنحصر في أعمال الخير والبرّ والإحسان التي نراها خيراً؛ بل هي الهيمنة والسَيْطَرة على جميع الاُمور خيرها وشرّها، وبشكل عامّ على كلّ عمل، وكلّ فعل، وكلّ موجود من الموجودات.