حميد الوائلي
لقد شاءت الأقدار أنْ نعيش في زمان ينبغي أنْ تكون من أبرز سماته وخصوصياته وضوح الحق وعدم التباسه، بتوفّر الأدوات التي تبحث عن الحقيقة وكثرتها، وانتشار مصادر الحقّ، وسهولة الوصول إليها، فلا يسع الإنسان الباحث عن الحق سوى الوقت اليسير ليقف ناظراً الى الحقيقة التي سطّرتها الاقلام وهي تتحدّث عن تاريخ لم نره، وشاء الكثير من الناس أنْ يلتبس ولا يصل الينا إلا مشوّهاً مشوّشاً.
لقد شاءت الأقدار أنْ نعيش في زمان ينبغي أنْ تكون من أبرز سماته وخصوصياته وضوح الحق وعدم التباسه، بتوفّر الأدوات التي تبحث عن الحقيقة وكثرتها، وانتشار مصادر الحقّ، وسهولة الوصول إليها، فلا يسع الإنسان الباحث عن الحق سوى الوقت اليسير ليقف ناظراً الى الحقيقة التي سطّرتها الاقلام وهي تتحدّث عن تاريخ لم نره، وشاء الكثير من الناس أنْ يلتبس ولا يصل الينا إلا مشوّهاً مشوّشاً.
فبمطالعات يسيرة ووقت محدود بالقياس الى ما نبذله من كثير وقت ومزيد جهد وعناء وجهد في ترتيب معاشنا اليومي يمكن للإنسان أنْ يقف على صخرة صلبة تثبت به في أمواج متلاطمة من الشبهات صنعها الإعلام المزيّف والصحافة المأجورة، والتأريخ المدفوع الثمن.
ومن بين ابرز القضايا التي حاول كتّاب التأريخ تجفيف منابعها وتشويه ما بقي نبعه يتدفق منها، أو تغيير مسار هذا النبع على اقل تقدير، قضية الإمام المهدي عليه السلام وحقّانية مولده، وانّه رجل عربي هاشمي ولد في زمان معين ومن أب وأم تحدث عنهما التأريخ واثبت وجودهما، وانحنى الجميع من المؤرخين اجلالاً واكباراً للغصن الطاهر من الشجرة الطيبة التي اولدته عليه السلام _الإمام الحسن العسكري عليه السلام_.
إنّ هذه الحقيقة التي يحاول الجيش الاعلامي الوهابي المزيّف أنْ يشوّهها بعد أنْ عجز عن محوها من سجلاّت التأريخ ومعاجم ولادات الاعيان، فانبرت أقلام حقودة مدادها سموم قاتلة لتلقي علينا بشبهة هالكة متهالكة، القاها اسلافهم المقبورون وسار عليها أحفاد الفكر القبوري الرجعي الضيق، إذ يقولون إنّه يكفي لوهميّة وخرافة ما يدّعيه الشيعة في ولادة المهدي أنهم سطّروا أربعة أقوال في ولادته قد ذكرتها كتبهم، حيث اورد (بحار الأنوار) في الجزء ٥١ صفحة٢ انّها في سنة ٢٥٥هـ، فيما سجّل في ص١٤ من نفس الجزء أنّها ٢٥٦هـ، وما لبث انْ عاد وسجّل في ص١٦ من الجزء نفسه انّها ٢٥٤هـ، ولم يمكث طويلاً حتى قال إنّها ٢٥٧هـ في الجزء٥٣ ص٦ من بحاره.
فكيف تؤمنون ايّها الشيعة بولادة شخص ولد أربع مرات في سنوات متفاوتة.
إنّ هذه الشبهة التي يتداولها اقزام الوهابية في المنتديات سطّرتها كتب أعلام لهم كالدهلوي في (تحفة الاثني عشر) وغيره من المؤلفين.
وللإجابة عن هذه الشبهة نتحدث في ضمن نقاط:
النقطة الأولى: إنّ ضبط التأريخ للحوادث في السنين المتقدّمة لم يكن بالشكل الذي عليه الآن، ومع ذلك نجد أنّ هناك اختلافات كثيرة في ولادات شخصيات عاشت أخيراً وتركت آثارها وصماتها على الفكر البشري فالخلاف ليس قديماً فقط، فإن ضبط ولادة الاشخاص بشكل عام، ليس منضبطاً بشكل دقيق، هذا بشكل عام أمّا إذا لوحظت القضية بالنسبة لولادة شخص يترقّبه الظلمة قبل غيرهم ويعلمون جيداً أنّ انحسار وجودهم مرهون بولادته، كيف ترى سيكون تهيُّؤهم للانقضاض عليه ومحوه في أول لحظات بزوغه، فلابدّ للعاقل فضلاً عن الحكيم المدبر أنْ يرعى هذه الحالة بتدابير تحفظ الامرين معاً، امر ولادته الحتمي، وامر حفظه من الظلمة وقتلهم له، وهذا ما جرى عليه أهل البيت عليهم السلام في شأن ولادة الإمام المهدي عليه السلام، فهم اكّدوا بما لا يدع للشك مجالا وبألسنة مختلفة من الروايات أنّ ولادة الثاني عشر من الحتميات، وانّه وعد وعد الله به عباده، وأنّ الله لا يخلف الميعاد، وفي نفس الوقت احاطوا هذه، الولادة بحالة من التّخفّي والكتمان الذي من شأنه أنْ يضيّع على المتربصين بالأمام حقيقة الوقت الدقيق لتلك الولادة، فكان من ضمن التدابير أنْ يختفي حمله وأنْ لا يعلم حتى امّه بساعة ولادته، فكيف بك بغيرها، فلابدّ أنْ ينشأ اختلاف في تاريخ مولده بسبب هذه الحالة من التكتم الحفظي لهذا الرجل الالهي.
فالقضية طبيعية بالنسبة لهذا المولود، كما هي طبيعية ولا يتحسس منها اي مسلم، فضلاً عن متديّن، بالنسبة لموسى بن عمران عليه السلام، فرغم التشدّد والتقصّي والتّتبع الذي قام به فرعون إلاّ أنْ موسى عليه السلام ولد وفي السّنة التي يكون القتل على المواليد الذكور، ومع ذلك ولد وعاش وترعرع وكبر في بيت عدوه، انّه التدبير الإلهي، فكما لا نأنف، ونتقبل هذا التدبير في شأن نبي بني اسرائيل، فلم لا نتقبّله في شأن المهدي الموعود؟.
النقطة الثانية: إذا كانت الامور تقاس بهذه الموازين وهذه القواعد التي لم نسمع بها إلاّ من قبل هذا الدين الجديد (الوهابي) فلابدّ أنْ نلحظ قضية في غاية الاهمية مفادها أنّ الذي يؤمن بأنّ المهدي عليه السلام خرافة لانّه قد تعدّدت سنوات ولادته، فلابدّ أنْ يؤمن بأنّ كل شخص اختلف في سنة ولادته وتعددت تواريخ ميلاده هو خرافة أيضاً، وهنا اضرب نماذج ثلاثة لابد لاتباع هذه القاعدة أنْ يعتقدوا بخرافيتها اذا كانوا يؤمنون بقاعدتهم، ويلتزمون بها، أمّا نحن الذين لا نؤمن بها ولا نلتزم بها ففي راحة بال من آثارها:
النموذج الأوّل: إنّ ولادات الائمة عليهم السلام قد وقع فيها اختلاف في ايام او شهور او سني الولادة، فضلاً عن الوفيات، مع ذلك لم ينكر هؤلاء الوهابيون احداً من اشراف أهل البيت عليهم السلام، فلم ينكرون ولادة الحسن، او الجواد، او الرضا، او الهادي، او العسكري عليهم السلام جميعاً، لأنّ هناك اختلافات في تواريخ ولادتهم او وفياتهم، فهل القضية اختصاصية بالمهدي عليه السلام وانّها قاعدة اسّست فقط لاجل الانتقاص من هذه العقيدة؟.
النموذج الثاني: لقد وقع اختلاف كبير في ولادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وانا ساعتمد على كتاب واحد لأنّ الوهابية يقدّسونه، واترك عشرات المصادر التي تنقل هذا الاختلاف، ففي (البداية والنهاية) لابن كثير في ج٢ ص٣٢ ينقل مجموعة من الاقوال في ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم انهاها الى الاربعة.
انّه ولد صلى الله عليه وآله وسلم في الاول من ربيع الاول.
انّه ولد صلى الله عليه وآله وسلم في ١٢ ربيع الاول.
انّه ولد صلى الله عليه وآله وسلم في ١٢ شهر رمضان.
انّه ولد صلى الله عليه وآله وسلم في ٢٠ من نيسان.
ولا ادري لماذا جاء الشهر الرومي مع الاشهر العربية!!. فهل مع هذا الاختلاف الرباعي في الولادة يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى حد زعمهم _والعياذ بالله_ خرافة ووهم؟.
النموذج الثالث: إذا كنّا نعتقد أنّ الولادة امر قد يخفى على الناس ولايهتمون به كثيراً، وهي عادة عرفية، لانّهم يجهلون حقائق الاشخاص وما سيكونون عليه في المستقبل، فيهملون متابعة ولادتهم، فإنّ هذا الامر لابدّ أنْ لا يسري في وفيات الاشخاص العظام خصوصا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ وقوع الاختلاف في تأريخ وفاته دليل كبير على اهمال المسلمين لاهمّ شخصية عندهم، هذا اذا لم نقل إنّ الاختلاف في تسجيل تأريخ وفاته يدل على خرافيته ووهميته _والعياذ بالله_ على حد زعم القاعدة الوهابية.
وهنا اذكر للقارئ الكريم ومن كتاب واحد فقط، لا لأنّني لم اجد اختلافات كثيرة في كتب أُخرى، وانّما أريد أنْ ابيّن عظم المسألة، ففي كتاب واحد ومهم بالنسبة الى الوهابية وهو (البداية والنهاية) لابن كثير نجد أنّه سطّر أربعة أقوال في تأريخ وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يا ترى يكون الاختلاف في وفاته موجباً للقول بوهميّته _والعياذ بالله_.
انظر اخي الكريم، انّ ابن كثير في الجزء الخامس ص٢٧٨ من كتابه يعنون فصلا كاملا تحت عنوان (فصل في ذكر الوقت الذي توفّي فيه صلى الله عليه وآله وسلم) والاقوال هي:
حين زاغت الشمس لهلال ربيع الأول، ينقله عن عروة بن الزبير.
٢ ربيع الأول، ينقله عن الاوزاعي.
١٠ ربيع الأول، ينقله عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس.
١٢ ربيع الأول، ينقله عن الواقدي.
والعجيب انّهم جعلوا يوم وفاته صلى الله عليه وآله وسلم بيوم ولادته، فيما ذهب الشيعة الإمامية إلى أنّ يوم ولادته هو ١٧ ربيع الأول، وانّ يوم وفاته هو ٢٨ صفر ، فهل يا ترى سيؤمنون بهذه القاعدة بعد هذا الاختلاف في أهم شخصية يؤمنون بها أو لا.