صدرت شعبة التبليغ التابعة لقسم الشؤون الدينية وضمن سلسلة الاصدارات الخاصة بالمناسبات السنوية، منشوراً خاصاً عن حياة الشهيد زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام)، تزامناً مع حلول ذكرى استشهاده (سلامه الله عليه)، في الرابع من شهر صفر للعام (121 أو 122) من الهجرة النبوية الشريفة على روايتين.
موعود: أصدرت شعبة التبليغ التابعة لقسم الشؤون الدينية وضمن سلسلة الاصدارات الخاصة بالمناسبات السنوية، منشوراً خاصاً عن حياة الشهيد زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام)، تزامناً مع حلول ذكرى استشهاده (سلامه الله عليه)، في الرابع من شهر صفر للعام (121 أو 122) من الهجرة النبوية الشريفة على روايتين.
وتضمن المنشور التعريفي نبذة عن حياته (عليه السلام)، وزهده وعبادته ، وثورته ، وما ورد من روايات في مدحه وكلمات العلماء في حقه وثورته ، وبرائته عليه السلام من دعوى الامامة ، والكرامات التي ظهرت له (صلوات الله وسلامه عليه).
قبس من سيرته العطرة:
ولد زيد بن علي عليه السلام في المدينة المنورة.
أبوه الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأمه من بلاد السند.
والكثير من المراجع والمصادر لم يثبت سنة ولادته، كما اختُلِفَ في سنة شهادته.
فقد أورد ابن الأثير في الكامل شهادته في أحداث عام (122هـ)، وكذلك الدينوري وابن الجوزي والطبري. وفئة من المؤرخين ذكروا أنه استشهد في عام (121 هـ) ومنهم ابن الأثير في تاريخه، فبعد أن أثبت وفاته سنة (122 هـ)، كتب: (وقيل سنة وفاته عام (121 هـ)).
وأورده الشيخ الطوسي في جملة أصحاب الإمام زين العابدين وأصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وكتب:
(زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ أبو الحسين، تابعي قتل سنة إحدى وعشرين ومائة وله اثنتان وأربعون سنة).
أما الشيخ المفيد فإنه كتب في إرشاده:
(وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة وكان سنه يومئذ اثنتين وأربعين سنة).
أما ابن عساكر في تاريخ دمشق فقد قال: (إن سنة ولادته (78هـ)).
وإذا كان الأمر كذلك فإن سنة شهادته مرددة بين عام (121هـ) كما ذهب إليه الشيخ الطوسي وبعض المؤرخين، وبين عام (122هـ) كما ذهب ابن الأثير وغيره. وعلى هذا الأساس يمكن تحديد سنة ولادته بين عام (79هـ) وبين عام (80هـ)، وذلك بقرينة أن عمره يوم شهادته بلغ الاثنتين والأربعين سنة كما أشار المفيد والطوسي وغيرهما إلى ذلك.
عاش مع أبيه السجاد عليه السلام خمسة عشر عاماً أو أكثر، وبعد استشهاد الإمام السجاد عليه السلام عام (95هـ) كفله أخوه الأكبر الإمام الباقر عليه السلام، فهو ربيب الباقر عليه السلام، عاش في رحاب عطفه وحنانه بعد استشهاد أبيه، واغترف العلم والتقوى من نبعه الفياض.
إنه من علماء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
توافرت لزيد مائدة أهل البيت السخية، فهو ابن هذا البيت الطاهر، فتح عينيه على ينابيع العلم والتقوى، والقيم الخلقية الرفيعة، فقد اغترف من منهل أبيه الزاخر بالتقوى والإخلاص والخشوع والعلم بالكتاب والشريعة، مدة خمسة عشر عاماً، ثم عاش في رحاب الإمام الباقر عليه السلام تسعة عشر عاماً ينهل من علومه ومعارفه، حتى بلغ الغاية في العلم والمعرفة، وكان L يناقش أبناء الحسن (جعفر بن الحسن بن الحسن) ومن بعده (عبد الله بن الحسن بن الحسن) في أوقاف علي بن أبي طالب عليه السلام وكيلاً عن أبناء الحسين عليه السلام.
وكان زيد يطوف على بعض رؤساء المذاهب والتيارات الأخرى، كواصل بن عطاء، لمناقشتهم في مسائل العلم، بعد أن استوعبها من مصدرها الأصيل، ويبيّن لهم موقع أئمة أهل البيت ودورهم في حفظ الإسلام والأمة.
وكان بليغاً فصيحاً إلى جانب علمه، فقد كتب هشام بن عبد الملك إلى يوسف بن عمر يصف زيداً:
(وقد قدم زيد بن علي أمير المؤمنين (يقصد نفسه) في خصومة فرأى (أي هشام) رجلاً جدلاً لسنا حوّلاً قُلّباً خليقاً بصوغِ الكلام وتمويهه، واجترار الرجال بحلاوة لسانه وكثرة مخارجه في حججه، وما يدلي به عند الخصام من العلوّ على الخصم بالقوة المؤدّية إلى الفلج).
تقواه وورعه
وكان زيد بن علي عابداً خاشعاً لله، تاليّاً كتابَهُ، فعن عاصم بن عبيد الله العمر قال: (أنا أكبر منه رأيته بالمدينة وهو شاب يذكر الله عنده، فيغشى عليه حتى يقول القائل: ما يرجع من الدنيا).
وقال محمد بن أيوب الرافقي: (كانت المرجئة وأهل النسك لا يعدلون بزيد أحداً». وعن محمد بن الفرات قال: «رأيت زيد بن علي وقد أثر السجود بوجهه أثراً خفيفاً).
وكان يصوم كل شهر ثلاثة أيام، وكل سنة ثلاثة أشهر، وكان يسمى حليف القرآن.
ويتحدث زيد عن نفسه لأبي قرة: (والذي يعلم ما تحت وريد زيد بن علي أن زيد بن علي لم يهتك لله محرماً منذ عرف يمينه من شماله).
وبكلمة موجزة، كان زيد مثالاً للشخصيّة الإسلامية الملتزمة التي جمعت المعرفة إلى جانب العبادة، والخشوع، والتبتل والى جانب الوعي السياسي، والاجتماعي.
ثورته واستشهاده
عرف زيد بن علي عليه السلام بجهاده للظلم ومحاربة طغاة بني أمية والدعوة بالرضا لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولقد خاض مع من بايعه على الجهاد والقتال معركة شديدة مع والي الكوفة وقواته التي زحفت إليه من الشام.
فكانت المعركة بين كرٍ وفرٍ منذ ليلة الأربعاء وهي الليلة الأخيرة من شهر صفر عام 122 هـ إلى ليلة الجمعة، أي كانت المعركة تدور في إحياء الكوفة ثلاثة ليالي.
وفي عشية يوم الخميس حمل زيد في أصحابة على العباس بن سعيد صاحب شرطة الكوفة مع قوات أهل الشام فكشفهم، ثم تبعهم حتى أخرجهم من السبخة، ثم شدّ عليهم حتى أخرجهم إلى بني سليم، ثم تبعهم في خيله ورجاله حتى أخذوا على المسناة وكان صاحب لواء زيد في هذه المعركة عبد الصمد بن أبي مالك بن مسروح من بني سعد، فجعلت خيل العباس لا تقف أمام هجمات قوات زيد، فبعث العباس إلى يوسف طلب النجدة، فأنجده بفرقة من الرماة بقيادة سليمان بن كيسان الكلبي، فحاول زيد أن يدفعهم إلى السبخة، فقتل معاوية بن إسحاق وهو الرجل المهم الآخر بعد نصر بن خزيمة، وما لبث أن ضرب زيد بسهم في جبهته اليسرى فبلغ دماغه، فرجع مع أصحابه إلى دار الجزارين التي بالسبخة.
فبعث إليه بطبيب اسمه (سفيان مولى لبني دواس) وطلبوا إليه قلع النصل الذي استقر في جبهة زيد فقال الطبيب له: (إنك إن نزعته من رأسك مت) فقال: (الموت أيسر عليّ مما أنا فيه، فأخذ الكلبتين فانتزعه فساعة انتزاعه مات).
فحفر له أصحابه قبراً وسط النهر من أجل إخفاء قبره، وذلك خوفاً على بدنه من التمثيل، ولكن عبداً سندياً كان معهم كشف ذلك ليوسف بن عمر فأستخرجه، وصلبه، وبعث برأسه إلى هشام بن عبد الملك الذي أرسله إلى المدينة فعُلّقَ عند قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم طيف به في مصر، فسرقه بعض الأنصار ودفنه.
وتفرق أصحاب زيد في الليل، واختفى ابنه يحيى عند سابق وهو مولى لبشر بن عبد الملك، ثم اختفى عند بشر مدة أخرى، ثم هرب إلى الري.
حث الأئمة عليهم السلام على نصرته ولعنهم قاتله
لقد حث الإمام الصادق عليه السلام الناس على نصرة زيد والجهاد معه في حربه للظلم فعن عيص بن القاسم، قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول:
«عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم، فوالله، إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها، يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها. والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها، ثم كانت الأخرى باقية يعمل على ما قد استبان لها، ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة. فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم. إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شيء تخرجون؟ ولا تقولوا خرج زيد، فإن زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه، وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه. إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه. فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد…».
وعن سليمان بن خالد قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
«كيف صنعتم بعمي زيد؟».
قلت: إنهم كانوا يحرسونه، فلما شفّ الناس (أي: تفرقوا) أخذنا جثته فدفناه في جرف على شاطئ الفرات، فلما أصبحوا جالت الخيل يطلبونه فوجدوه فاحرقوه.
فقال عليه السلام:
«أفلا أوقرتموه حديداً وألقيتموه في الفرات؟ صلى الله عليه ولعن قاتله».
وكلتا الروايتين تامة سنداً.
والرواية الأولى صريحة في أن خروج زيد كان مرضياً من قبل الإمام؛ لأنه جهاد ضد الطاغوت، إذ ورد في الرواية قوله عليه السلام:
«فالخارج منا إلى أيّ شيء يدعوكم إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن نشهدكم على أنا لسنا نرضى به».
وروي عن الإمام الرضا عليه السلام حينما خرج أخوه زيد بن موسى بن جعفر على المأمون بالبصرة، وأحرق دور وُلد العباس وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا عليه السلام، وقال له: يا أبا الحسن، لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل، ولو لا مكانك مني لقتلتُهُ، فليس ما أتاهُ بصغير.
فقال الإمام الرضا عليه السلام:
«يا مأمون لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي، فإنه كان من علماء آل محمد، غضب لله عزوجل فجاهد أعداءهُ حتى قتل في سبيله، ولقد حدّثني أبي موسى بن جعفر عليه السلام إنه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام يقول: رحم الله زيداً، إنه دعا إلى الرضا من آل محمد، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه، ولقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم، إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك، فلما ولى قال جعفر بن محمد: ويلٌ لمن سمع داعيته فلم يجبهُ…».
فكان رحمه الله كما عرّفه الأئمة عليهم السلام:
«عالماً، وصدوقاً، ومجاهداً وداعياً بالرضا لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم».
السلام على زيد الشهيد حليف القرآن يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً .