أتمنى ألا يمر أي من عباد الله، بحادثة تحطم سفينة في ليلة ظلماء حالكة وفي وسط بحر هائج. لقد شاهد كل منا هكذا مشهد على شاشة السينما أو شاشة التلفزيون. وما حدث لسفينة “تيتانيك” يعد نموذجا من ألوف النماذج على ذلك. أن تخيل بلاء الطوفان وغرق سفينة في بحر غاضب وهائج ومتموج، يفزع ويرعب أي انسان، حتى وإن لم يكن هو من بين المسافرين العزل والمساكين ممن تقطعت بهم السبل في ليلة باردة دامسة الظلام.
وفي هكذا ظرف، تتجه قلوب ونفوس البعض نحو السماء طلبا للخلاص والنجاة، فيما يلقى البعض الآخر بنفسه من على ظهر السفينة بداخل الأمواج العاتية وذلك بسبب الخوف وعلى أمل الخلاص والنجاة، وحشد أخر يمر بشك وترديد وماذا يفعله ويتعلق بجدران السفينة، إلى أن تغرق ويغرقون معها.
وفي تلك الساعة التي تبتلع المياه السفينة وتهبط إلى قاع البحر، تكون ثمة حفرة كبيرة ورهيبة، تشبه الحفر السماوية السوداء، تبتلع كل ما هو طاف على الماء في حواليها، كالحوت الذي يبتلع فجأة كتلة هائلة من الأسماك. وربما لهذا السبب، يبتعد الملاحون المتمرسون بعد القاء أنفسهم في البحر، عن السفينة، أثناء تحطمها، لكي لا يكونوا فريسة مع السفينة لهذه الهوة المرعبة.
إن حفرا رهيبة كهذه، لا تحدث بين المجرات ووسط البحار فحسب، بل تحدث أحيانا في المحيط المترامي الأطراف لحياتنا نحن البشر، وتبتلع وتمتص قوما ما.
ومرورا بتقلبات الحياة، تواجه سفينة حياة الناس، تارة عاصفة هوجاء. إن الأمواج العاتية للأحداث والتطورات السياسية والاجتماعية وتارة المالية، ترتطم بقوة وبلاهوادة بهيكل سفينة الحياة، بحيث تلقي الذعر والخوف في قلوب ركاب السفينة وتأتي على جمع غفير منهم.
وليس قليلا، عدد الأناس الذين يتورطون من دون جهوزية وتقصير، بحفر البحر الهائج للعلاقات السياسية والاجتماعية، ويخسرون كل ما لديهم. وكم كثر عدد الأناس الذين تحولوا إلى ألواح خفيفة طافية على سطح البحر وأصبحوا بالتالي فريسة سهلة للفجوات الرهيبة التي يحدثها هياج البحر.
إن اسم هارون يحيى معروف للكثير من الجماهير التي لها ضلع في الدراسات السياسية والاجتماعية في العصر الحاضر، وترصد وتراقب بمنظار ذهنها ولسانها، المحافل “الماسونية والصهيونية”.
وبالنسبة للذين لا يعرفون هذا الإسم المستعار، أقول أنه وباسمه الحقيقي عدنان اكتار، واحد من الكتاب والباحثين ذائعي الصيت في عصرنا، في مجال “الدراسات الماسونية ومعاداة السامية”.
إن هارون يحيى هو مواطن تركي ويقيم في تلك البلاد، وقد انخرط أخيرا بصورة رسمية، في المحافل الماسونية التركية وعلق وسام الأستاذية من الدرجة 33 على صدره.
إن تحطم سفينة “المناهض التركي للماسونية” وسقوطه في براثن الماسونية العالمية، لم تكن التجربة الأولى ولن تكون الأخيرة. فثمة تفريط أعقب دائما إفراط على امتداد التاريخ وفي كافة المجتمعات.
وخلال العقدين أو الثلاثة الاخيرة للحياة السياسية في إيران الحديثة والاسلامية، فان أولئك الذين كانوا يطلقون الشعارات الرنانة بحماسة لا توصف وتتضخم فيها عروق أعناقهم، وكانوا ينادون “هل من مبارز”، إنخرطوا قبل غيرهم في الجبهة المعارضة وحتى أنهم ظهروا من ديار الأفرنجة كمعارضة.
ولا أشك أنه في أعقاب هارون يحيى وتحطم سفينته التي ضربتها العاصفة، فان الجماعة التي ظهرت في الهوة الناتجة عن غرق السفينة، ستُبتلع.
ولا يمكن اعتماد سوى إفتراضين حول هارون يحيى:
أ. إنه وعلى غرار الكثير من الأنبياء المزورين لعصرنا، كان يبيع الشعير لكنه يتظاهر ببيع القمح، وكان يُلهّي من خلال إثارة الضجة والبوح عن بعض المعلومات المتقادمة التي رفعت عنها السرية، حشدا غفيرا من الجمهور، وقد عاد إلى وكره بعد تأدية المهمة التي أوكلت إليه من قبل الماسونية العالمية.
وأهم مكاسب هذه الواقعة تتمثل في الحالات التالية:
1. إنكشاف الكثير من الناقدين والمعارضين المحتملين لليهود والماسونية في العالم الاسلامي، لدى الجهاز الشيطاني للماسونية العالمية. لكي توضع أسماؤهم من الان فصاعدا وإلى الأبد على قائمة المعارضين والأعداء؛
2. الضحك على ذقون جماعة من الناس حديثي العهد بالفكر، وإلهائهم بمعلومات عفا عليها الزمن وعديمة الجدوى والقيمة مثل علائم وشارات الماسونية واليهودية وجعلهم يغفلون عن تفكير ومخططات وعمل اليهود والماسونية في الميدان الثقافي والحضاري للغرب والعالم المعاصر.
إن هؤلاء وقبل أن يقدروا على مكافحة الماسونية العالمية بصورة جذرية، يبقون أسرى بعض الصور والمفاهيم البدائية ويهدرون عمرهم عبثا، فيما يواصل التيار المرعب والشيطاني للماسونية العالمية، نشاطه بمنأى عن أي مكروه.
إن الغرب واليهود، أنشاوا وربوا طوال التاريخ، جماعة مثل نعوم تشومسكي والكس جونز واليهود المناهضين للصهيونية، ليكونوا صمام أمان، يحول دون وقوع انفجار غير مرجو.
إن تصنيف الماسونية العالمية، إلى فئتين، الماسونية الجيدة والماسونية السيئة، كما يبين هارون يحيى، ليس ببعيد عن اللعبة الدائمة والمتكررة ل “هوليوود” في تنشئة شخصيتين شرطيتين سيئة وجيدة في الأفلام السينمائية السياسية والإجتماعية حسب الظاهر.
3. تعديل وتلطيف وجه “الماسونية العالمية” وسحبها من قائمة الأعداء الحقودين للانسان والأديان؛
ب. والإفتراض الآخر هو أن هارون يحيى وبعد سنوات من العمل والجهد للكشف عن وجه أحد الأعداء اللدودين للأديان التوحيدية لاسيما الإسلام، وقع تحت أثر أداة الترغيب والترهيب، فاضطر للسجود على عتبة الماسونية العالمية. وهذا الشئ ليس بغير مسبوق.
إن معاداة السامية والماسونية العالمية، استغلت دائما ثلاث أدوات على طريق إحباط محاولات معارضيهم وشطبهم من المعارضة:
1. التودد إلى أعدائهم ومعارضيهم؛
2. ترغيب أعدائهم ومعارضيهم؛
3. ترهيب أعدائهم ومعارضيهم.
وفي كشكول هذا التيار الشيطاني، هناك الكثير من المكسرات والنقولات والسكاكر التي تستخدم للتودد والتحبب الى المعارضين والناقدين. وقد حاولت الماسونية العالمية على الدوام وعلى مر السنين، وفي كافة الدول، إجتذاب واستقطاب المتهيئين وأكثر الأشخاص فاعلية في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية، واستغلت نفوذهم للمضي قدما في مآربها. ولهذا السبب، قلما نشاهد أفرادا من الشرائح الإجتماعية الدنيا والفقراء بمن فيهم النساء بين الماسونيين.
ومنذ العصر القاجاري وحتى عام 1978، كان أكثر رجالات السياسة والاقتصاد والثقافة في “ايران” نفوذا (في العصرين القاجاري والبهلوي) أعضاء رئيسيين في المحافل الماسونية الايرانية. وفي تركيا ومصر، كان الأمر سيّان.
إن القدرات متعددة الأوجه للماسونية، تتيح لها عن طريق الترغيب، جعل الكثير من ناقديها ومعارضيها، حياديين والإنضمام إلى صفوفها أو تحويلهم إلى معارضين صامتين.
وإن لم تؤثر هاتان الأداتان على بعض المعارضين العنيدين، فانه يتم توظيف “سلاح الترهيب” ضد جمع غفير من ناقدي ومعارضي اليهودية الصهيونية والماسونية العالمية.
إن تلويث بعض الناقدين الجاهزين، بالتفسخ الخلقي والإنفلات الجنسي (بمدد الجاسوسات) أو توريطهم بالمال غير المشروع، أرغم طيلة التاريخ، عددا هائلا على التزام الصمت ومواكبة اليهود والماسونية.
أما أداة التهديد الجسدي، هي آخر حربة يلجأ اليها تيار الماسونية العالمية واليهودية الصهيونية للقضاء على معارضيهم العنيدين، لان التصفية الجسدية للمعارضين، تحولهم إلى قديسين وشهداء في ميدان النضال ضد اليهود، ولذلك فان اليهود يتحاشون بصورة جادة، إتباع هذا الأسلوب إلا إذا كانوا مرغمين على ذلك.
وهل فكرتم يوما بمسألة إنطواء المفكرين والناقدين المبدعين في ميدان النضال الجاد ضد الماسونية العالمية ومعاداة السامية في عامة بلدان الشرق أو الغرب؟
إن اليهود يجندون دائما عناصر في الأجهزة السياسية والاجتماعية وبجوار رجالات الفكر والرأي والنفوذ والتأثير (مستشار وسكرتير)، لكي يحولوا بمختلف الخدع والأساليب دون تقرب رجال الفكر والمعرفة إلى قادة الشعوب.
اليهود الأرثوذوكس
إن رسائل ومخططات واقتراحات هؤلاء، تبقى دائما من دون رد، أو أن تفقد فاعليتها على مر الزمان، بحيث تخرج عن حيز الإنتقاع. لذلك فان الناقدين الجادين، يبقون في عزلة ويعانون من الفقر والعوز ويهمشون، لكي يشطبوا لاحقا من ساحة علاقات وتعاملات المستضعفين، على اثر الشيخوخة والمرض.
وعلى الرغم من التصور العام، فان الناقدين والشخصيات الثقافية المستقلة، توضع على قائمة اليهود السوداء من قبل أجهزة الإستخبارات الصهيونية الدولية والماسونية العالمية. وسبب ذلك واضح. لان رجالات السياسة يدخلون في صفقات سياسية في أول فرصة، وهم على غرار رجالات الإقتصاد، يفضلون المصالح السياسية والاقتصادية على المجاهدة الدؤوبة مع أعداء الانسان والأديان، فضلا عن أن عمر الأحزاب السياسية، قصير دائما، بينما، يسخر الناقدون والباحثون في مجال اليهودية الصهيونية وأصحاب النفوذ الثقافي، المنزهون من التوجهات الفصلية السياسية أو المصالح الاقتصادية وخارج ظرف الزمان والمكان، جل عمرهم للمجاهدة الصادقة والموضوعية.
إن الإعتبارات السياسية والاقتصادية والحميمية والصدق والشجاعة، تحطم عادة، هيبة الرجال تحت ضرباتها الموجعة.
ولابد من ذكر أن ترك الورع في الأخلاق والمال والسياسة، يحول الأسود الجريئة إلى فئران مذعورة.
إن كاتب هذه السطور، ليس بصدد اصدار حكم نهائي على هارون يحيى، لانه لا يستطيع إثبات إنخراطه في أي من الفئات آنفة الذكرة بصورة موثقة، لكنه يعتبر أن الأنبياء المزورين، يظهرون في الجلبة والضجيج وحين تعجز الآذان والأعين عن درك الحقائق، ولا يجدون مفرا للتكتم على اليهود والماسونية وخروجهم من مرمى النظرة الثاقبة للمجاهدين المتدينين وأصابع الإشارة الموجهة إليهم.
الكس جونز
إن ناقدين بمن فيهم الكس جونز ونعوم تشومسكي واليهود المناهضين للصهيونية، يوجهون انتقاداتهم اللاذعة ضد اليهودية الصهيونية، بصورة علنية عن طريق وسائل الإعلام القوية وهم في أمان من أي ضرر وايذاء، بينما الناقدون المسلمون والمستقلون في أي من البلدان الأوروبية والامريكية، لا يجدون مجالا لنشر مقالة واحدة أو القاء محاضرة.
وفي الوقت الذي يعتبر الكثير من الجماهير، الأنبياء المزورين للعصر الحديث، بانهم يقفون في صف المعارضين والناقدين الجادين للماسونية العالمية، يجتاز هؤلاء كل الأسلاك الشائكة والخطوط الحمر، وفي خضم هذه الجلبة والضجة، يخرج من بين أقوالهم وأفعالهم ما تريده اليهودية الصهيونية، ويبقون بمأمن عن أي تجاوز وتعرض.
نعوم تشومسكي
تم على مدى القرنين المنصرمين، توطيد المواقف الفكرية والثقافية وحتى الأوجه المذمومة للحضارة الغربية الملحدة، على يد أشخاص وتيارات، وقدمت على أنها أمر محمود ومقبول لدى المسلمين، بينما كان هؤلاء يعتبرون من الناقدين والمعارضين اللحوحين للأوجه الثقافية والحضارية للغرب واليهودية.
وقد انهمك هؤلاء في تأدية المهام الموكلة إليهم عن علم تارة وعلى اثر الإصابة بالجهل المركب تارة أخرى وانخرطوا في عملية “أسلمة الغرب” و “علمنة الشرق”.
وقد تكبد الشرق الاسلامي في المجالات العقائدية والثقافية والحضارية خسائر لا تعوض من جراء هاتين العمليتين. وفي الشرق الاسلامي، كانت تركيا وايران ومصر ثلاثة بلدان مهمة ومؤثرة سارت خلال الاعوام الثمانين بعد المائة الأخيرة على طريق “أسلمة التعاليم الغربية” و “علمنة التعاليم الاسلامية”.
إن الأسس النظرية للمجال الثقافي والحضاري الغربي لم تتعرض اليوم في أي من هذه البلدان للتشكيك الجدي والعلمي. ولا يوجد في أي من هذه البلدان بصورة جادة، مركز علمي لمناقشة “الدراسات الغربية والدراسات اليهودية”، ويسعى كل منهم في سباق مثير للحيرة والدهشة، لتجربة الحداثة بالكامل في الميدان الثقافي والحضاري، وكأن الجميع، يدفعون الغرب واليهود باقدامهم ويسحبونهم بايديهم.
وقد أقدم تيارا “أسلمة الغرب” و “علمنة الشرق” وببطء وتمهل، على صب جام الشوكران في حلق سكان الشرق.
وتتضاعف المصيبة عندما يعتبر الأنبياء المزورون، أنفسهم على حق ومن أنهم الصواب والخصم مخطئ وعلى باطل، وعندها تزول إمكانية إثارة أي تساؤل واستفسار. وفي هكذا مواقع، وعندما تضرب الأمواج العاتية والعاصفة الهوجاء، سفينة المدعين والمتشدقين، وتغرقها، فان حشدا غفيرا سينزلون معها إلى قاع البحر.
وأنهي مقالي، بهذا الكلام الحكيم والمعصوم لأمير المؤمنين علي (ع)، حيث يقول:
“وَآخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالمِاً وَلَيْسَ بِهِ… فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَان، وَالْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَان .. فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ و أَنَّى تُؤْفَكُونَ! وَالاْعْلاَمُ قَائِمَةٌ، وَالاْيَاتُ وَاضِحَةٌ، وَالْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ، فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ؟ بَلْ كَيْفَ تَعْمَهُونَ وَبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ؟ وَهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ، وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ! فأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ القُرْآنِ، وَرِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِيمِ الْعِطَاشِ”.
1- نهج البلاغة، الخطبة 85
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسماعيل شفيعي سروستاني
10 نوفمبر 2014