بقلم عبد الله القحطاني
إن فكرة السلام مع اليهود هي فكرة شارك أحبار الوهابية في مخضها طويلاً حتى رابت, وعندما رأوا تعنت العرب تجاه مصر حاولوا تغليف الفكرة بأغلفة أكثر لمعاناً وما لبثوا أن طرحوها في قمة (فاس) بالمغرب, في سبتمبر ١٩٨٢ وعرفت ساعتها باسم
إن فكرة السلام مع اليهود هي فكرة شارك أحبار الوهابية في مخضها طويلاً حتى رابت, وعندما رأوا تعنت العرب تجاه مصر حاولوا تغليف الفكرة بأغلفة أكثر لمعاناً وما لبثوا أن طرحوها في قمة (فاس) بالمغرب, في سبتمبر ١٩٨٢ وعرفت ساعتها باسم (المشروع العربي لإيجاد تسوية شاملة وعادلة لمشكلة الشرق الأوسط) وفعلاً أقرت الفكرة واعتبرت أساساً للجهود العربية في سبيل البحث عن حل آخر غير الحل العسكري, وما فتيء الوهابية يدبجون الفتاوى في سبيل الصلح مع اليهود للاستمرار في نفس المسلسل, وإليكم الأمثلة في ما يتعلق بالموضوع:
أولا: أفتى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز بجواز الصلح مع اليهود والتعامل معهم سواء أكان الصلح هدنة دائمة أم مؤقتة, بل أكثر من هذا حيث اعتبر زيارة المسجد الأقصى في هذه الفترة المؤسفة سنة على المسلمين إتيانها!!.
ونحن نؤمن أن هذه الفتاوى لا تصدر إلا عن استغفال وجهل, أو خدمة مخططة لمصالح اليهودية, فالصلح إذا رضي به المسلمون فإنه يعني الاعتراف بالاحتلال الصهيوني للمسجد الأقصى والأرض المباركة حوله, كما يعني التآمر على تضييع حقوق الفلسطينيين, كما أن في الزيارة تقوية للاقتصاد الصهيوني الغاصب, وقد تناقلت هذه الفتوى المأجورة وسائل الإعلام العالمية.
العجيب أن سماحته لا يرى في المقابل جواز التقارب أو الهدنة مع أي من المذاهب الإسلامية!!.
وما يلفت النظر أنه قد سبق لهذا المفتي الكبير تحريم الاستعانة بالخبراء الروس ضد اليهود الصهاينة عندما فعل ذلك جمال عبد الناصر, وأفتى بعد ذلك بجواز دخول النصارى واليهود لأرض الحرمين الشريفين ودعا لهم أعوانه على منابر الحرمين الشريفين, وقنتوا في كل صلاة ليترضوا عليهم, وسموهم (جند الله), وما ذلك إلا كقتل الأطفال والنساء والشيوخ العراقيين حتى في الملاجيء, بل وكل عراقي وإن كان في الصلاة, وقد حاول بعض الناس الدفاع عن الشيخ ابن باز بكبر السن وعدم فهم الموضوع وأنه خدع من قبل الصحفيين مما حدا بالدكتور يوسف القرضاوي إلى أن ينشر ذلك في إحدى المجلات.. ولكن الشيخ ابن باز رد عليه بأن ذلك خرج عن وعي وفهم للواقع وبكل حرية!!.
ثانياً: فتوى محدثهم المتناقض الشيخ ناصر الدين الألباني التي دعا فيها أهل فلسطين للخروج منها وتركها لليهود لقمة سائغة, وقد تناقلت هذه الفتوى وسائل الإعلام المختلفة, وقد نشرت مجلة المجتمع الكويتية تحليلا لهذه الفتوى الخبيثة وردود علماء الأمة عليها, ورد عليه الشيخ علي الفقير الأردني رداً قوياً في شريط مسجل.
وهكذا يتبين لكل مبصر الدور الذي يلعبه هؤلاء الذين يلبسون مسوح الرهبان في خدمة مصالح النصارى واليهود من وراء الستار ليل نهار.
تحريم الدعاء على اليهود والنصارى
في رحلة مباركة لحج بيت الله الحرام, وبعد نزولنا في مطار المدينة المنورة, أذهلتنا يد المفتشين تبعثر ما في حقائبنا, والتاعت أفئدتنا لظننا بأن إخواننا يظنون أننا من مهربي الحشيش والأفيون, ولكننا سرعان ما رأينا أيديهم تختطف كتاباً كنا نحمله وقد أخبرونا بأن الكتاب ممنوع! ولأن اللحى تعمر وجوههم فقد ظننا أن وراءها عقولاً مستنيرة, فأخبرناهم بالتي هي أحسن بأن الكتاب كتاب فقه مقارن, يقدم آراء كل مذهب من المذاهب الإسلامية في كثير من أبواب الفقه الإسلامي, وحاولنا أن نفتح لهم الكتاب, فقالوا إن الكتاب سيحرق! هكذا, فاسترجعنا وقلنا لهم لعلكم أخطأتم الكتاب المقصود فقالوا هذا أحد خمسة كتب بهذا العنوان وكلها في القائمة السوداء! ونحن لا نعلم صدق هذا الزعم من كذبه, ولكن يا سبحان الله حتى جهود علماء المسلمين أصبحت لدى هؤلاء تشملها القائمة السوداء, وتيقنا أن اللحى والأشكال لدى هؤلاء لا تعني شيئا, فالعقول محاربة في الشريعة الوهابية, لأنها في نظرهم سبيل الضلال, وما على الإنسان في نظرهم إلا إتباع ابن تيمية وابن القيم وسيقاد إلى بر الأمان! فلا تنتظر تفكيراً منطقياً لدى هؤلاء.
وقد حارب الوهابية من قبل دخول كتاب العلامة السالمي (بذل المجهود في مخالفة النصارى واليهود), واستغرب ساعتها الكثير من الناس هذا التصرف, فالكتاب يقرأ من عنوانه كما يقال, وسبيله مخالفة لليهود والنصارى, فلماذا يمنع من الدخول ويحرق بينما يباع كتاب الإمتاع والمؤانسة (وهو كتاب متهتك فيه إمتاع بما حرم الله من لواط وزنا وعهر) لأبي حيان التوحيدي (أمام المسجد الحرام في حينها)؟!.
لقد قلنا إن الوهابية في أحد مقوماتها هي صناعة إنجليزية, هدفها تخريب الإسلام من الداخل, وموالاة اليهود والنصارى, ولقد أثبتنا الكثير من ذلك في مقالات سابقة عندما تحدثنا عن نشأة هذه الفرقة, وتشريكها لمن لم يستسلم لمنهجها التكفيري للأمة, واستحلال دمه وماله, وأثبتنا كيف أنهم عاثوا في الأرض فساداً فقتلوا الأبرياء من غير جريرة, وكيف أحيوا كل الأفكار الهدامة كعقيدة فناء النار وخروج المشركين منها, وكذلك كيف شارك النصارى في قيادتهم عمليا, وضربنا أمثلة على ذلك.
واليوم سنذكر ما هو أدهى وهو محاولاتهم اليائسة في منع الدعاء على اليهود والنصارى, وإلجام الخطباء عن فعل ذلك, فقد صدر تعميم على الخطباء والوعاظ كافة بتاريخ ١٣/٥/١٤٠٩ هـ من وزارة الحج والأوقاف تحت رقم ٣٧١٩ وهذا نص منه: (.. لوحظ أن بعض الخطباء يضمنون خطبهم الدعاء والهلاك وما شابه ذلك على اليهود والنصارى وطوائف دينية أخرى, مع تسمية الدول بأسمائها, وليس هذا مما أرشدنا إليه القرآن الكريم!).
هذه هي العقيدة التي ينادي بها الوهابية, عقيدة المحبة لأعداء الله والدفاع عنهم, وفي المقابل تقتيل المسلمين والحض على سفك دمائهم حتى في بيت الله الحرام, كما فعل خطباء الوهابية المخلصون ساعة هجوم دول النصارى على أهل العراق, فصدع الخطباء بالدعاء لنصر من أسموهم جند الله, وليس ذلك بالجديد عليهم فقد أرسل أمير الوهابية في نجد ببرقية إلى المندوب البريطاني السير برسي كوكس بمناسبة احتلال الإنكليز للبصرة وانتزاعها من أيدي المسلمين قال فيها:
(سيدي برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى دام عزها, دخول جيوشكم الإنكليزية العظيمة للعراق نصر مبين للمسلمين, وعز مكين لنا, عبوديتنا وخدمتنا لبريطانيا العظمى وولاؤنا لكم إلى الأبد).
هذه هي الحقيقة المرة يا أبناء المسلمين الذين غررت بهم الدعوة الوهابية, وضربت عليهم حجاباً مظلماً من التعتيم, كي لا يطلع أحدهم على شيء من كتب المسلمين التي تخالف النهج الوهابي, وإذا وجدوا أن لا محيص من دخول كتاب من أمهات كتب المسلمين, فإنهم يعمدون إلى إعادة طباعته فيحذفون ويحرفون بما يناسب أهواءهم.
نعم لقد حاول البعض مخالفة ذلك التعميم القاضي بعدم شتم النصارى واليهود ودولهم, ولكنهم تعرضوا للأذى والتعذيب, بل ولقد تعرض للأذى حتى من سب الشيوعية, فلقد تعرض صاحب كتاب (السيوف الباترة على إلحاد الشيوعية الكافرة) للأذى وطرد من المدينة المنورة إلى بلاده اليمن, لا لشيء إلا لأنه كتب هذا الكتاب مع أنه من المخلصين للفكر الوهابي التيمي, وكتابه ما يزال مصادرا, ولا يتردد أهل الفتوى من أئمة هذه النحلة الحشوية كابن باز وأتباعه من رمي كل مخالف له بالبدعة والفسوق من الدين.
فهل ما يزال بعضنا يستغرب لماذا يحرق الوهابية كتب المسلمين؟!