هل أنّ قضية المهدي والاعتقاد بالمهدوية فكرة شيعية أو انّها مشتركة بين كل المسلمين؟
هنا نشير إلى كلام ابن خلدون الذي يقول فيه: (في الفصل الثاني والخمسون: في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك … ثم ينكر اصل المهدوية ويقول: إنّ الروايات ضعيفة وإنّها قضية شيعية بحتة).
ويرد عليه أحمد محمد شاكر _وهو سنّي_ شارح ومعلّق على كتاب (مسند أحمد) الطبعة الجديدة، وله مجموعة تعاليق نافعة، وحينما يصل إلى روايات المهدوية يرد على ابن خلدون رداً مناسباً، ففي ج٥ ص١٧٥ يقول: (امّا ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحماً لم يكن من رجاله، وغلبه ما شغله من السياسة وأمور الدولة وخدمة من كان يخدم من الملوك والأمراء، فأوهم أنّ شأن المهدي عقيدة شيعية، أو أوهمته نفسه، فعقد في مقدمته المشهورة فصلاً طويلاً جعل عنوانه (فصل: في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس…) فتهافت في هذا الفصل تهافتاً عجيباً وغلط فيه أغلاطاً واضحة، ثم يقول إنّ ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين _الجرح مقدّم على التعديل_ لو اطّلع على أقوالهم وفقهها لما قال شيئاً مما قال، وقد يكون قرأ وعرف لكنه أراد تضعيف أحاديث المهدي بما غلب عليه من الرأي السياسي في عصره).
لكنّ الشيخ الوالد في كتابه (الشيعة والرجعة) ج١ ص٩٨ يأتي بعلة ثالثة _وأتصور أنّها بيت القصيد_ فقال: (لعل هذا _النصب_ أقرب الوجوه إلى الواقع فإن له مع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم مواقف، قال في مقدمته المطبوعة ببيروت (وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به، وشذّ بمثلهم الخوارج ولم يحفل الجمهور بمذاهبهم بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح… ثم كأنّه يريد أنْ يقول: إني وأمثالي على الهدى والسنة، وان أهل البيت وشيعتهم أهل الضلال والبدعة).
وكذلك يردّ عليه العالم السنّي عبد الباقي صاحب كتاب (بين يدي الساعة) يقول في ص ١٢٣: (لا أرى لزاماً علينا نحن المسلمين أنْ نربط ديننا بهما _يعني البخاري ومسلم_ فلنفرض أنّهما لم يكونا، فهل تشل حركتنا وتتوقف دورتنا؟ لا، فالأمّة بخير والحمد لله، ثم يقول: والذين جاءوا بعد البخاري ومسلم استدركوا عليهما واستكملوا جهدهما ووزنوا عملهما، وكشفوا بعض الخلاف في صحيحيهما، وما زال المحدثون في تقدم علمي وبحث وتحقيق ودراسة وأحاديث المهدي في نظري من هذا النوع، رغم أنّ بعض المسلمين كابن خلدون قد بالغ وضعفّها كلها وردّها، وحكم عليها حكماً قاسياً.. واتهم كل هؤلاء الرواة ومن رووا عنهم بما لايليق أنْ يظنّ منهم، إنّ المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين، أو راوٍ أو راويين، إنها مجموعة من الأحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريباً، اجتمع على تناقلها مئات الرواة، وأكثر من صاحب كتاب صحيح. فلماذا نردّ كلّ هذه الكمية؟ أكلّها فاسدة؟ لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين _والعياذ بالله_ نتيجة تطرق الشك والظن الفاسد إلى ما عداها من سنة رسول الله، ثم إني لا أجد خلافاً حول ظهور المهدي. أو حول حاجة العالم إليه، وإنما الخلاف حول من هو، حسني أو حسيني؟ سيكون في آخر الزمان، أو موجود الآن، خفي وسيظهر؟ ظهر أو سيظهر، ولا عبرة بالمدعين الكاذبين، فليس لهم اعتبار.
ثم إني لم أجد مناقشة موضوعية في متن الأحاديث، والذي أجده إنما هو مناقشة وخلاف حول السند، واتصاله ودرجة رواته، ومن خرّجوه ومن قالوا فيه، وإذا نظرنا إلى ظهور المهدي نظرة مجردة، فإننا لا نجد حرجا من قبولها وتصديقها، أو على الأقل عدم رفضها، فإذا ما تأيد ذلك بالأدلة الكثيرة، والأحاديث المتعددة ورواتها مسلمون مؤتمنون. والكتب التي نقلتها الينا كتب قيّمة، والترمذي من رجال التجريح والحكم، بالإضافة إلى انّ أحاديث المهدي لها ما يصح أنْ يكون سنداً لها في البخاري ومسلم، كحديث جابر في مسلم الذي فيه: (فيقول أميرهم لعيسى: تعال صل بنا)، وحديث أبي هريرة في البخاري وفيه: (كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم). فلا مانع من أن يكون هذا الأمير وهذا الإمام هو المهدي، يضاف إلى هذا أنّ كثيراً من السلف لم يعارضوا هذا القول، بل جاءت شروحهم وتقريراتهم موافقة لإثبات هذه العقيدة عند المسلمين.
ونشير هنا إلى من ادعى التواتر من أهل السنّة مثل:
– الحافظ الآبري: صاحب كتاب (مناقب الشافعي) المتوفى سنة ٣٦٣هـ، على ما نقل ابن حجر في (تهذيب التهذيب) و(فتح الباري) والسيوطي، يقول الآبري: (قد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته عليهم السلام ويملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً وأنّ عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنّه يؤّم هذه الأمّة ويصلي عيسى خلفه).
– البرزنجي: المتوفي سنة ١٠٠٣هـ في كتابه (الإشاعة في أشراط الساعة) يقول: (إعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر… إلى أنْ يقول: قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه في آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولد فاطمة بلغت حد التواتر فلا معنى لإنكارها). وقال في آخر كتابه (غاية ما يثبت في الأخبار الصحيحة والشهيرة التي بلغت التواتر المعنوي وجود الآيات العظام وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملأ الأرض قسطاً وعدلاً).