الشيخ حبيب الكاظمي
إقامة الذكريات هي حالة امميّة متعارفة لدى العقلاء وذلك عندما يفرحون بأمر، فإنّهم يترجمون هذا الأمر من خلال نصب تذكاري يقيمونه مثلاً، أو من خلال يوم يخصص للاحتفال بهذا الامر، وهذا أمر شائع في عرف الدول، كيوم الأرض،…
إقامة الذكريات هي حالة امميّة متعارفة لدى العقلاء وذلك عندما يفرحون بأمر، فإنّهم يترجمون هذا الأمر من خلال نصب تذكاري يقيمونه مثلاً، أو من خلال يوم يخصص للاحتفال بهذا الامر، وهذا أمر شائع في عرف الدول، كيوم الأرض، أو يوم الزرع، أو يوم الصحة، وتحيى هذه المفاهيم من خلال التركيز على شعاراتها.
والقرآن الكريم قد ذكر هذه النقطة عندما طلب الحواريون من عيسى بن مريم عليه السلام كما يقول القرآن الكريم (رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا)، فنزول المائدة هبة إلهيّة وتفضّل إلهيّ مناسب لأنْ يحيي هذه الذكرى، ذكرى التفضّل الإلهي من خلاله، كإنزال المن والسلوى مثلاً، وكذلك رب العالمين أراد منّا أنْ نعبده فجعل لعبادته عناصر ماديّة كالكعبة، والحجر الأسود، وهي حجارة، فالإسلام أراد من خلال هذه المذكرات المادية أنْ يربطنا بالمفاهيم التوحيدية والأعياد الشرعية.
إنّ المفاهيم المعنوية في الإسلام مجسّدة من خلال تعظيمات بعض الأيام، فيوم الفطر المبارك يحتفل به المسلمون لانتصارهم على الذات والهوى وما شابه ذلك، وكذلك الحال في عيد الأضحى، وكذلك الجمعة، ولخصوص الموالين ذكرى الغدير، إذ يحيون في ذلك اليوم مفهوم الولاية.
إذن القضية عقلائية عقلية أمميّة، والإسلام ما جاء لينفي الاتّفاقات الاجتماعية والموروثات التي لا تصطدم مع قاعدة مسلّم بها، وكما قلنا فالإسلام قد ربط بين المفاهيم وبين هذه الأيّام، وذكّر الناس بأيّام الله.
إنّ إقامة الذكريات وإنْ ظهر كأنّ المراد منها هو التقديس الشخصي، كما في حالة الإمام المهدي عليه السلام، إذ ولد في النصف من شعبان، حيث نقدّس هذه الذكرى لشخصه ولذاته ولكونه ابن الإمام العسكري عليه السلام مثلاً، والحال إنّ إقامة مناسبة النصف من شعبان؟ هي إقامة للمفاهيم المهدوية ومنها الانتظار، ومنها الإحساس بالقيادة العالمية للإمام عليه السلام ومنها الإحساس بختام البشرية، هذا الختام المقترن بنصرة الحق، وثمّة فرق بين أمّة لا تعلم مستقبلها، أمّة تعيش الغموض في المستقبل، وبين أمّة تعرف ماضيها وحاضرها وما يؤول إليه مستقبلها كالمسلمين، فالكل منهم يفهم ومتّفق على أنّ الإمام من ضروريات الدين، وإنّ ختام المسيرة البشرية متوّج بظهوره عليه السلام.
لقد أطلق البعض على ذلك اليوم تسمية يوم المستضعفين، وهو إطلاق صحيح، لأنّ الإمام عليه السلام ليس هدفه تخليص المسلم فحسب، وانّما تخليص البشرية بأجمعها من الظلم، ومن هنا فنحن نعتقد بأنّ هذا المدّ المستمر للظلم العالمي هو في الواقع من موجبات بعث الأمل في النفوس المستضعفة لمن يخلّصها، فإذا جاء الإمام وظهر في الحجاز ثم ذهب للعراق وأقام دولته النموذجية العادلة، فمن الطبيعي أنْ تنساق له الأرض، وهذا هو معنى التمكين في الارض بمعناه الشامل أي لكل الكرة الارضية، ومن هنا جاء الاحتفال بهذا اليوم ويعني بعثاً لروح الامل في الأمّة، وخاصة هذه الأيام، حيث أنّ الأمّة تعيش حالة من حالات اليأس، وهي حالة صعبة جداً، واعتقد بأنّه لابدّ أنْ نضاعف الاهتمام في كل سنة بإحياء ذكرى النصف من شعبان، لإحياء هذا الأمل في نفوس الأمّة أو المستضعفين.
إنّه صلوات الله عليه له موقع متميز من بين ائمة اهل البيت عليهم السلام كلهم، وهو يحمل هموماً عظمى وعلى طول التاريخ، وهو كجدّه النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يتألم من أنين عمه العباس بعد معركة بدر، فهؤلاء مظهر أسماء الله الحسنى، الودود الرؤوف الرحمن الرحيم، وإمامنا الحجّة عليه السلام من موجبات تميّزه بين أئمة أهل البيت عليه السلام أنّه يحيي آمال الأنبياء، فالأنبياء عليهم السلام كانوا يدعون للإمام المهدي عليه السلام لعلمهم بأنّ جهودهم سوف تسدّد في ختام البشرية على يد خاتم الأوصياء وهو الإمام المهدي عليه السلامa